السعد مؤمنية .. الدم لي هو فيك فيّه

كتابات

غالب صالح الحامد

المحبه على معيان تجري من علم بدر لمان المصلّي

والمقِل ما قدِر معهم يولّي باعوا أموالهم جبر المحبين

شفت العنق عدّى هو والحمامه ما بينهم يدري طير النعامه

تميت حاديهم للعش يضوون

ونحن بالشارع أطفالٌ غبرٌ دبرٌ نلعب ونبحث عمن نشاغبه إنسانًا أو حيوانًا، لم يسلم منا حمار سبار القضب فننهش منه ونملي جيوبنا قضبًا نَطعمه لذيذًا، لا يستطيع المسبّر رَدعَنا، نهاجمه من الجانب الآخر للحمار غير مبالين بآفة الحلّة أو يطلق عليها (الحمار)، وأما حمار السماد الطبيعي الدمّان نهتف من خلفه سراق الدمان باعبودان، والإسهالات التي تصيبنا، إلا أنّنا نحمد الله إذ كانت هناك حمامات بالشوارع دون أبواب، فالدم من رأسك والحصاة من القاع، ولا نحذر من الحصى المستعمل من قبل خشية الطير من نجوة، وكذا بعير الدهرة والحطب نضايقه قائلين: البعير والناقه فاطمه يالعشاقه أو رقصي رقصي قال مولاش ماشي عشاء الليله، تمرُّ فجأة عدد من النساء إحداهن تحمل هاجرًا والأخريات يحملن مراويس، فنهاجم المشترحات لنضرب بأيدينا الهاجر وبالمراويس ونغني قائلين ياخيبعان ياخيبعان وأبوش لي كوّح.. وهن يضربن ظهورنا وتحت وابل من النصفات والدعوات الثخينة من بعضهن والبعض يستغفر ويقول ياحافظ عليهم، فهل يا ترى ما نحن فيه الآن من حالة هي قبول لتلك النصفات من تلك النصفات.

السعد مومنية (سعيدة عبيد مؤمن) (ال بامؤمن) من سيئون، وهي شاعرة و مغنية، متعهِّدة زواجات مشهورة، تحيي حفلات الزواج للنساء، هي كريمة المرحوم رمضان عبيد بامؤمن، مَنْ مِنَّا لا يعرف رمضان بامؤمن بسيئون، هو من ساحة الصبان، أفراد تلك الأسرة ليسوا كثيرين بسيئون، وهو صاحب محل إصلاح البنشر وترقيع الإطارات (التايرات) أيام زمانٍ مضى أمام ساحة قصر السلطان، وأورث أبناءه المهنة بإخلاص، فعملوا بالبنشر وتجارة  الإطارات (التايرات)، ولا يزال منهم من يعمل بتلك المهنة، توفي أولاده جمعان وسالم وسعيد وصادق شبابًا، ولا يزال  الصغار علي وأمين أحياءً أطال الله أعمارهم، لقد بدأ رمضان بامؤمن بعد عودته من المهجر يشقُّ طريقه بالعربةِ (القاري اليدوي) للنقل بالأسواق، وكان هو من ابتدع ذلك فقلّده الآخرون، وكنا نركب تلك العربة (القاري) ونحن أطفال بالختومات الرمضانية بمقابلٍ، وعند المغادرة يقلبنا إلى الأرض فننفض ملابسَنا، ونقوم نضحك، ونجمع ما تطاير من حلويات وفصوص ومقشرة وصور، فابتدع بامؤمن العربة (القاري) يجرّها الحمار (وأعوذ بالله من كلمة يجره) بعجلتَي سيارة، ولضخامة جسم المرحوم فقد نجح في حمل الأكياس (الجواني) على القاري، وكان حينها وزن إحدى عشرة فراسلة بالكيس الواحد، وأقام محلًا للبنشر امام قصر السلطان، فقدّم خدمات جليلة للمواطنين يشكر عليها، ليس لرمضان إخوة وأمَّا عبدالله عمر باشامخه فهو ابن أخته (عطية)، وهو شخصية عصامية، عرفته طالبًا بعبد الناصر شهمًا، يشهد له بالاستبسال بالخدمة العسكرية الإلزامية، أمَّا (سالم باشامخة) وإخوته المرحومون أحمد وحسن وطلال وهادي وفهمي، فهم أبناء بنت رمضان المذكور سالم، وهو من المقربين لأسرتنا كثيرًا لدماثة أخلاقه وطيبة قلبه واستقامته. نعود للسعد مؤمنية وأخيها رمضان إذ كانا يتساجلان شعرًا بعد تناول وجبة الغداء، فهو يقول شعرًا أيضًا، تلك العائلة قَدِمت من الفجير، شرقيّ تريم، فعلاقتهم بآل باشامخة تعود إلى كونهم من تلك المناطق شرقي تريم، وتداخلوا أيضًا مع آل الجحيلي، القادمين من الجحيل؛ فهم ينسبون أيضًا لآل باشامخة، تفاجأتُ بمعرفتي أن المرحوم والشخصية المحبة للخير (عرفان شوالة) متزوّج عندهم أيضًا؛ فهو زوج ابنة رمضان بامؤمن المذكور، وله بوالدتي صلات حميمية منذ زمن طفولته قبل هجرته إلى أفريقيا، وكان يودُّها كثيرًا بعد عودته، فالقلوب كانت متقاربة جدًا.

إنَّ عددًا من أغاني السعد مؤمنية وأشعارها لم نعثر عليها، والبعض أفادتْنا به المرحومة ابنة عمتي وزوجة خالي أحمد الرفيق (الشاعرة زهرون أحمدية رحمها الله). فللسعد مؤمنية مساجلة مع شعراء وشاعرات عصرها، أمثال عالية عزيزة وغيرها، أبدعت في الهداني والخيبعان، الذي تنظمه بناءً على طلب أهل العريسين، ومما قالته (اندرتْ للديس عاني لأجل السلا والمغاني من صَدَق هرجُه يوفيه).

وقف أحدهم في بنقلة بنقالة مع حضور الكثير من النساء، وكان متحدّيًا للسعد مؤمنية، على مساجلة بين البيض من النساء والسُمر منهن أيُّهن الأفضل السمراء أم البيضاء؟ في حين كان العسكري يمثل البيض، وكانت هي تمثل السمر.

قال العسكري وقد يقصد به اليافعي:

قد قالت البيضاء جوابي خَذت البهاء والنور فيّه 

فينا القَبَل أول وتالي. من سار في الغدره تكسَّرْ وبقى وصالي

ما البيض حِزنْ الشاطريّه من لانظرهن بات محزون

السعد مؤمنية قالت:

مشبوح مولى البيض شاطر ومقايس أحواله سويّه

خُذ لك خَبر حاضر بحاضر شو عاد لون البيض فاتر شاحب مجاور

ما الخضر عشقتهن شفيّه تصبح كما ليلى ومجنون

العسكري:

يالسعد ماعندش دريّه مالخضر ماهن سويّه

وفراط بين الحلو والقار

غنّيت ورجولي قويّه من ضيق بيّه

بقعه طرّمبس بي عكيّه ماكسبهن يضوين للغار

السعد مؤمنية:

 يالمهتجس قولك مشاتر والدم لي هو فيك فيّه

ما الخضر نشرت كل شاطر

يا محسن الخضره نديه وانشد وخابر باهِدْ يوم الخضر مالي

مالغار خص به كل مسكون

يالبيض ياسُول الخواطر قالوا سلام الله عليكن

ياكاحلات العين والنون

يامن نوى فيكن بقاصر أحسن يخاير وإلا معه شي دامكيّه

ماله على أهل العشق قانون

تزوجت السعد من أحد أفراد عائلة آل باشامخة، بساحة الصبان أيضًا، وهو المرحوم كرامة باشامخة، وقد خلّفت بنتًا وحيدة، هي بركة كرامة باشامخة، غير أنها توفيت، أي البنت، قبل والدتها، وسكنت السعد ببيت اخيها رمضان بعد وفاة زوجها كرامه باشامخة.

وللشاعرة السعد مؤمنية قصائد هنا وهناك، وقد استخدمت الرمزية في قصائدها عند الحاجة لها، والغموض أيضًا تجنُّبًا لتناول الأسماء، منها:

المحبه على معيان تجري من علم بدر لمان المصلّي (مناطق متجاورة بسيئون)

والمقِل ماقدِر معهم يولّي باعوا أموالهم جبر المحبين

عِلْبْ في الساقيه زين الظلالي خايف إلّا لاهَبْ الشمالي

تحت عِتقَه تكنّن يامسيكين

شركة البترول ضاعت كلما ظهرت توارت

عالمقل شرقت وغابت من مواله يبيع

ريت حد في قصر عالي بيحله كل سالي

إلى قدا حصن المصلي من جلس بايضيع

هناك أغنية كانت السعد مؤمنية ترددها دائمًا، يقال إن لها فيها أبياتًا:

من ذي بديويه فيها قناقن وحزامها فضه والحرز ماكن

صقعا ولا تسمع والناس يهذون ياريتنا حلك ياقرن سيئون

حد شاف لي بقرة فيها علامه وليه يالَسود ملقي عمامه

بامشّط التالو وابليس مدحون ياريتنا حلك يقارن سيئون

شفت العنق عدّى هو والحمامه مابينهم يدري طير النعامه

تميت حاديهم للعش يضوون

 ياريتنا حلك ياقرن سيئون

ومن مساجلة لها بينها وبين صديقتها عالية عزيزة

عالية عزيزة:

كل من بلي في الشعر والسعد كَربَه

كلمه معي ماجاتني من قريبه

 التخميسه : بلانا المحب ريتنا بالتقي به

السعد مؤمنية:

دفنا الكَرَب والليف في وسط حفره

زرعنا محله موز وحبوب ليمه

وفي قصة لها طريفة أنها كانت تربي ببيتها كبشًا وضانة، فباعت الكبش وبقيت الضانة، فاستوحدت الضانة ولم يهدأ لها بال، وتعبت كثير وعانت السعد منها، خاصة وأنها لم تعد تأكل لغياب من تعشقه، فقالت على وزن وتخميسة أغنية (مادام قلبك في الهوى من قال شي خله يقول):

حافظ على ضانتي باتغرم ياراد العقول

 (مادام قلبك في الهوى من قال شي خله يقول)

هاش صباح اختش وحقش قالت لها لا حتى لو سبول

(مادام قلبك في الهوى من قال شي خله يقول)

هداني واهداني عادةً كان يطلب من السعد أن تقوم بتأليف كلمات في المعاريس على لحن الهداني، تمتدح فيها المعاريس وأهاليهم (عن كتيب الأستاذ عبد القادر الصبان عن العادات والتقاليد)، فقالت الهداني الآتي:

  أبدي بعالم كل ماسر  ** عالم بغيبي وما أظهر

والمصطفى لي به أشهر  ** هاجس معي جاء ماتعذّر

طرح قواله علي ذر  ** في عيطلي باهي اسمر

جعده حبيشي مدغشر  ** والخشم في الوجه منظر

والعنق بالتبر يبهر   ** والطرف والعين تسحر

أبوش ياخير متجر  ** نجاه ربي من الشر

ذا حظها ماتعسر  ** واخوانها الغيث لغدر

ومن يسقيه يظفر  ** لبيك يابه إذا زتر

كل ماتريده مصدر  ** حظ الكرايم ميسر

لبيك ياوالد أبشر  ** بالعمر والرزق يكثر

وأخوالها العضو لستر   ** كلين  ماهو مقصر

بالساعد ليمن وليسر ** وفيش ماشخص قصر

يدعون بش جم وأكثر  ** وأعمام ياخيرمحضر

لهم مع العشق مظهر  ** وآلام يانور لبصر

يا لولو في خلط جوهر  ** وعلى الحسد االله أكبر

واختم بطه المطهر ** شفيعنا يوم نحشر

تلك بداية كانت لتجميع ما تركته السعد مؤمنية رحمها الله، وجزى الله الشاعرة زهرون أحمدية خير الجزاء، ورحمة الله تغشاها.