أمكنة
يوسف عمر باسنبل
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 1 .. ص 30
رابط العدد 1 : اضغط هنا
بعد أن ينهي الداخل إلى وادي دوعن الأيمن مروره بمنطقة بضه تنكشف له منطقة لجرات على جانبي الوادي الغربي والشرقي منتشرة قراها الثمان على حافتي الوادي ويفصل بينهما مجرى وادي دوعن وقارة بافنع التي تحتل موقعا استراتيجيا في الوادي كونها تكشف الوادي وتستخدم كقلعة عسكريةبعد أن بنى عليها عبدالله بافنع مصنعة ثم خربت ويوجد على سفحها بعض الآثار لبيوت وآبار مياه قديمة وتقع منقطة لجرات في منتصف وادي دوعن و يحدها من جهة الشمال منطقة هدون ورحاب وجنوبا منطقة بضه جالسة بين جنبات وحيود وادي دوعن شرقا وغربا وتقدر مساحتها الوسيعة والمنفتحة بالنسبة لما يجاورها بـ(150م عرضا ) وتتميز بكثرة أشجار السدر ( العلب ) وبها بعض المعالم الأثرية القديمة ( حصون ومصانع ) يتجاوز عمر بعضها 500 عام .
استطلاع / يوسف عمر باسنبل
التسمية والموقع :
لايوجد تعريف محدد لأسم منطقة لجرات لكن البعض يقول أنها كانت تسمى ( الجارات ) لتجاور قراها ومع مرور الزمن تحور إلى ( لجرات ) ويقال انه اسم جامع للقرى الموجودة فيها ومنهم من يرى بكونها كلمة اباضية شاملة مجمع الناس وعدد قراها يقال 8 قرى ويقال سبع وهي ( قرية الجبيل ومطروح وعرض باسويد وظاهر) في الجانب الغربي و(غيل بلخير وقويرة الخزب وحصن الجبوب وقرية خسوفر) .
في المدخل الشمالي لمنطقة لجرات تقع قرية الجبيل في الجهة الغربية التي اشتهرت في كتب التاريخ بأن المهاجر أحمد بن عيسى نزل بها في القرن الرابع الهجري ومات له ولد هناك واشتهرت بأنها منطقة علم حيث كان للمشائخ من آل باقيس دورا كبيرا وأنجبت العديد من رجال العلم وهي مسقط رأس الداعية عبدالله علي بصفر وسكنها عدة قبائل منهم الباقيس والبابحير والقثم وباجندوح وبصفر وبابشير وآل باعيسى والبافنع وباربيجة ولازال بعضهم يتواجد إلى اليوم وإلى الجهة الجنوبية منها توجد قرية مطروح ويفصل بينهما شعبة ( مانأة ) الذي سمي باسم أحد الفقهاء من آل بابحير وسميت مطروح بهذا الاسم لأنها كانت مرسى للقوافل التجارية وسكنها الباجمال والعفيف والقثم وباجنيد والعمودي وباوادي والحدد وبانبيلة وتجاورها قريتا عرض باسويد وظاهرويسكن العرض قبيلة باسويد وهي قرية صغيرة وتعبر جزء لا يتجزأ من مطروح وكانت تعتبر منطقة حكم للدولة القعيطية حيث كان الشيخ / عمر عبدالله باسويد عضوا في مجلس الدولة القعيطية وممثلا لتجار دوعن وفيها دار آل عبدالله تلك الدار التي يأتي إليها من كل أنحاء حضرموت بما فيها المهرة من أجل صلح القبائل الحضرمية وقد اشتهرت هذه الدار أيام المجاعة حيث كانت ملاذ غذائي للعديد من سكان دوعن و زارتها الدكتورة الألمانية الشهيرة إيفا هويك تلك الدار خلال رحلتها إلى شبام لتأسيس مستشفى شبام في الخمسينات.. ولها كتاب تحت عنوان طبيبه بين البدو (Doctor Amongst Bedouin ) . قال مستر كورلي يا للروعة دكتورة ألمانية تكتب عن رحلتها في حضرموت، وعندما أعود إلى بريطانيا سوف أقرأ هذا الكتاب القيم. وأما ظاهر فيسكنها آل بابطين وبازريع .
وفي الجانب الشرقي تأتي خسوفر بضمتين فسكون وكسر الفاء خَسفَ , يخسِفُ , خَسفاً وخُسُوفاً .. عين الماء عندما يغور مائها وخسوف القمر وخسوف الأرض فقد تكون هذه المنطقة أو القرية نازله عن مستوى بقية القرى التي حولها فجاء الخسوف في تسميتها وبها ال بغلف والباتياه والبامانع وباسنبل وبعدها حصن الجبوب وهي لقبيلة القثم (آل القثمي ) وكلمة الحصن معروفه والجبوب من الجباية وهو جمع الشيء أو جبايته ومن ثم القارة التي كانت معرفة بقويرة الخزب ومن سكانها الباميلح والبامعوضه والباحمدين وآلبا سنبل والبن حميد والباشماخ وقندوس.
وفي المدخل الشمالي لمنطقة لجرات من الجهة الشرقية تستقبل الزائر القادم على الخط الأسفلتي منطقة غيل بلخير وهي قرية صغيرة فيها عين قليلة الماء ولازالت إلى هذا اليوم تستخدم للشرب وفيها المشايخ من آل بلخير المنسوبة إليهم وغيلها ) ومرجعهم في النسب إلى أبي الخير _أحد ملوك بني عمرو بن معاوية _ وقد نجعوا من تريم إلى الغرفة وبها منهم بقايا ثم نجع هؤلاء إلى دوعن وسكنوا هذا الغيل الذي كان يشتهر بمياهه الوفيرة وأشجار النخيل والحناء وقد تميز ساكنوه من آل بلخير بالعلم واهتموا بالعلوم الدينية ونشر التعليم ويسكنها معهم آل باطرفي وبن ربيعة وخرج منها وزير الإعلام السعودي الشاعر الوزير عبدالله بن عمر بلخير .
السكان :
يبلغ عدد سكان منطقة لجرات أكثر من 1500 نسمة يشتغل معظمهم بالزراعة وعلى الأرجح أن كل سكان المنطقة لديهم أراضي زراعية يهتمون بها وقلة قليلة يشتغلون بالتجارة بينما يشتغل بعض سكان منطقة الجبيل من آل بابريجة بعمل الأواني الفخارية المصنوعة من الطين مثل أكواب القهوة وقلل الماء والتنانير جمع تنور والبعض بمهنة النجارة من آل باطرفي والكثير من سكان المنطقة الأصليين غادروها في الهجرة الخارجية والداخلية إلى المملكة العربية السعودية وإلى مدينة المكلا وحل محلهم القادمون من مرتفعات وادي دوعن والسيطان .
الحركة العلمية في المنطقة
كان التعليم في المنطقة يعتمد على العُلم جمع عُلمة حيث كانت توجد عُلمة الشيخ / محمد أحمد باقيس وأخيه أبوبكر في قرية الجبيل وعُلمة الشيخ / عبدالله بن محمد بلخير في الغيل و عُلمة السيدصالح الحداد في بيته بمطروح ولكن التعليم النظامي بدأ في عام 1374هـ / 1954م في مدرسة العرض بعد بذل جهودا من قبل آل باسويد خصوصا وأن الشيخ / عمر عبدالله باسويد عضوا في مجلس الدولة القعيطية وكانت مدرسة حكومية فتحت أبوابها تحت إدارة وأثنين من المدرسين أرسلتهما الحكومة ولكنها توقفت في يناير 1955م بسبب تخوف الأهالي من أخذ الحكومة لأولادهم للتجنيد الإجباري .
وعام 1962 تأسست مدرسة الأهلية بالجبيل بعد مساع ٍ من السادة / حسين بن أحمد الحسيني وإخوانه وكانت أول هيئة لها تتكون من العلامة علي بن محمد بن حفيظ مديرا ومدرسا ومعه عاشم علوي بن سميط ومن بعدهم جاء الشيخ علي بن سالم بكير عام 1964 م والتحق بسلك التدريس الطالب / سالم عبدالله باجندوح ( يرحمه الله ) الذي واصل مرحلة التدريس حتى تقاعده حوالي عام 1998م وأكتمل بناءها عام 1966م وتحولت عام 1979م إلى الإشراف الحكومي حتى عام 1985م عندما تم بناء مدرسة جديدة في قرية مطروح وتحمل اليوم اسم المرحوم الشيخ / أحمد محمد بغلف وافتتحت رسميا عام 1986م ولاتزال قائمة إلى اليوم تستقبل الطلاب من مناطق لجرات المختلفة الكثير وجاء اختيار أسم الشيخ أحمد بغلف يرحمه الله بعد التنسيق مع الجهات المسئولة في التربية نظير الإسهامات الفقيد في كثير من مشاريع الخير في المنطقة وخارجها ومن بينها هذه المدرسة فكان من الأولى تسميتها باسم هذه القامة واليوم يوجد بالمنطقة عدد من مدارس تعليم القرآن الكريم في بعض القرى .
تعليم الفتاه
وكذا كان لتعليم البنات جانبا آخرا في المنطقة حيث كانت أشهر معلمة تعلم البنات القرآن ( تلاوة وحفظا وتجويدا ) هي المربية الفاضلة ( مسعد )من عام 1966م -1970 م ثم جاءت بعدها أختها المربية ( سعود ) وقد قامتا بالتدريس في دار بابحير بالجبيل على نفقة الحسيني .
كثرة أشجار السدر والنخيل :
تتميز منطقة لجرات بكثرة أشجار السدر ( العلب ) وذلك يعود إلى كبر مساحة المنطقة ووجودها على جانبي الوادي واتساع موقعها الجغرافي حيث يقدر عدد اشجار النخيل بأكثر من 50000 نخلة تمتد حيضان النخيل والأراضي الزراعية التابعة لها إلى ماقبل منطقة هدون شمالا وبضه جنوبا حيث توجد أكثر من 1000 شجرة علب ويطلق عليها لقب الحزام الأخضر .
المياه
تعتبر لجرات واحدة من أكثر مناطق دوعن توفرا للمياه حيث يوجد فيها غيل ( نُمير ) والبعض يسميه ( لمير) وهو وادي فرعي بين مطروح وعرض باسويد يمتد صعودا حتى الجول ، وهذا الوادي به أكثر من 30 عينا ما عذب يتدفق من الجبال المحيطة إضافة إلى العيون الأرضية التي تتكون منها بحيرات صغيرة وشلالات ويوجد بالوادي ثلاثة سدود بناها بغلف وتعتبرمن أكبر سدود دوعن وبدأ العمل في مراحلها الأولى غي العام 1392هـ وهي ثلاثة سدود الأول طوله 450 متر وتحتل حوالي مسافة كيلو متر وفق عمل هندسي رائع والتي بناها الشيخ أحمد محمد بغلف وتقول الاستكشافات أن هذا الوادي يحتوي على مخزون مائي هائل جدا وأن هناك أنهار تحت الأرض جارية. هذا الوادي الصغير يفصل مطروح عن عرض باسويد، ويتيع منطقة الجبيل سدود تسمى سدود ( الغمّاز ) بينما يتبع يوجد في منطقة غيل بلخير شعب ( المدهف ) اذلي يوجد به سد صغير بني على نفقة المرحوم الشيخ أحمد محمد بغلف
من مشاهير منطقة لجرات
الشاعر الوزير عبدالله بن عمر بلخير الذي ولد عام 1333ههجرية الموافق 1914م بقرية غيل بلخير وادي دوعن الأيمن وبعدها هاجر إلى المملكة العربية السعودية وقد كان مفكرا من الدرجة الأولى فلا تمر عليه المواقف مرور الكرام بل يتفحصها ويتمعنها ويتعايشها بحلوها ومرها يستخلص النتائج وينظم القصائد وقد بدا حياته العملية بوزارة المالية مع الشيخ عبدالله السليمان ثم عمل بالشعبة السياسية بديوان الملك عبدالعزيز ثم رافق الملك عبدالعزيز في كثير من سفراته عند لقاء حكام العالم ومنهم تشرشل وروزفلت وتنصب بعدها رئيسا لمكتب الجامعة العربية والمؤتمرات الدولية بالديوان الملكي .وأصبح رئيسا لمكتب إمارة الرياض ثم عين مشرفا على الشؤون السياسية للمكتب الخاص للملك سعود وقد اصطحبه كلا من الملك سعود والملك فيصل عندما ذهبوا في رحلة للولايات المتحدة وعندما ذهب الملك فيصل لحضور مؤتمر باندونج الشهير بإندونيسيا عام 1374 هـ الموافق 1955م ولم تنشر وكالات الأنباء خبر وصوله للمؤتمر كباقي الوفود فاقترح الشيخ عبدالله على الملك سعود رحمه الله وطيب الله ثراه فكرة إنشاء جهاز إعلامي وبالفعل تم تكليفه بإنشاء المديرية العامة للإذاعة والصحافة إلى أن تحولت إلى وزارة إعلام حتى أصبح أول وزير إعلام في المملكة العربية السعودية ثم منح لقب وزير .
الشيخ أحمد محمد بغلف الذي ولد في قرية خسوفر بوادي دوعن الأيمن في العام 1348 هـ وكانت وفاته عام 1411هــ يوم الحج الأعظم عن عمر ناهز ثلاثة وستين عاما حيث عاش طفولته في قرية خسوفر وتتلمذ على يد الشيخ عبدالله بن محمد بلخير وهاجر بعدها إلى مكة المكرمة وقصد الحرم المكي وتتلمذ على أيدي كبار العلماء ثم أتجه لكسب الرزق وبدأ حياته العملية فأول عمل له عمل في أحد البيوت بمكة المكرمة بأربعة قروش يومياً فكان يدخر قرشين ويصرف القرشين الآخرين والى جانب العمل بمكة المكرمة قد أتخذ من الحرم الشريف ملاذاً للإيمان وعلم الروح فتتلمذ على يد أعظم العلماء ومنهم الشيخ إبراهيم الحلواني وترك الشيخ إبراهيم أثراً بالغاً في حياة الشيخ أحمد بغلف حيث لقنه علوم الدنيا والآخرة فامتلك بذلك علوم الدنيا والآخرة فكان ناجحاً في حياته الدنيا وناجحاً في طريقه إلى الآخرة وبدأ أولى خطواته في عالم الصرافة في مكة المكرمة كصراف متجول أمام أبواب الحرم المكي والمسعى ومنى وعرفات ومناسك الحج ثم تطور شيئا فشيئا لتصبح شركة صرافة ومؤسسة من أكبر المؤسسات المصرفية العالمية وارتبط ارتباطا وثيقا مع الماء وله قصص كثيرة في ذلك حتى أحتل مكانة كبيرة في حياته ويقال أنه أقسم بالله أن يبني الخزانات ويستدرج الماء إلى كل بيت وحقل وإنسان ومشاريع المياه والخزانات شاهدة على ذلك اليوم في عموم مناطق اليمن ولم يقتصر على منطقته أو واديه وكان ينفق الأموال الكثيرة في سبيل الله وكان كريما حتى رسم البعض له صورة مشابهة لصورة حاتم الطائي في كرمه ومآثره حيث يقال أن بغلف في الفترة الزمنية المبكرة لحياته كان يتقاضى راتبا بسيطا وأحواله الاقتصادية بسيطة هي الأخرى ولكنه كان يوزع نصف راتبه ويتصدق به سرا وكان يلقب ب((الظافر بالله )) وعرف به طوال حياته .
المراجع