فنون
أ. عوض عمر حسان
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 1 .. ص 104
رابط العدد 1 : اضغط هنا
يعتبر الشاعر عبدالله أبوبكر التوي من رواد شعراء الغناء, عاش بعيداً عن الأضواء, وهو من مواليد مدينة شبام عام 1930م تربى وترعرع بين أحضان والده أبوبكر محمد التوي الشخصية الاجتماعية, ورجل الخير و الإحسان, درس في مدرسة النجاح بشبام وهي المدرسة التي أسسها والده عام 1922م وأشرف وانفق عليها، وعلى يد مديرها محفوظ المصلي وأساتذتها وخاصة السيد شيخ بن عبدالله الحبشي الذي أعتنى به وشجعه على نظم الشعر, فبدأ بنظمه وهو في سن الرابعة عشر من عمره .
نبغ التوي خلال دراسته وظهرت ميوله الأدبية في سن مبكرة, وكان نشاطه ملحوظاً, إذ انشأ نادي (اليقظة) وهو نادٍ أدبي أصدر مجلة اليقظة, وهي نشرة علمية ادبية شهرية تكتب باليد وتوزع على الشخصيات العلمية والأدبية والمهتمة . وكان شاعرنا هو المدير المسؤول عنها. وقد نشر فيها باكورة قصائده الشعرية. وبعد تخرجه في المدرسة أنشأ مع زملائه نادي الشباب الأدبي وتولى رئاسته وكان لهذا النادي نشاط علمي وثقافي واجتماعي كبير .
وفي عام 1949 هاجر الشاعر عبدالله التوي إلى سنغافورا ليرعي تجارة والده هناك, ولكن لم يرق له المهجر فعاد إلى أرض الوطن عام 1951م ليسهم في الحياة الاجتماعية والأدبية بمدينة شبام وخلال تواجده في سنغافورا نجد أنه تأثر بالحياة الأدبية هناك وأختلط بالأوساط العلمية والثقافية وتفاعل معها مما أسهم في صقل موهبته الشعرية .
وبعد عودته من سنغافورا إلى شبام تزوج فيها, وبدأ نشاطه الأدبي والاجتماعي وشارك في إنشاء نادي التعاون بشبام عام 1953م وكان أول سكرتير عام لهذا النادي, ولهذا النادي نشاط ثقافي واجتماعي ثم سياسي فيما بعد .
انتقل التوي عام 1955م إلى عدن حيث مارس نشاطه التجاري وكان على أتصال بالحركات الأدبية والفنية وتعرف على العديد من الشخصيات الأدبية والفنية أمثال لطفي جعفر أمان والصحفي أحمد شريف الرفاعي والشاعر عبدالله هادي سبيت وغيرهم كما تعرف على بعض الفنانين كالأستاذ يحيى مكي, وأبو بكر سالم بلفقيه وغيرهم وقد ربطته بهم علاقة صداقة حميمة .
في الفترة من عام 1958 ــ 1967م عمل شاعرنا في الشؤون المحاسبية كموظف في منطقة جعار والضالع ,ولم يتخل عن ميوله الأدبية والفنية هناك فأنشأ مجلة (التقدم) في الضالع, وترأس تحريرها, وكذا مجلة (يافع) في جعار ونشر فيها العديد من قصائده وبعض القصص القصيرة التي كان يكتبها, إضافة إلى نشره العديد من القصائد والقصص في بعض المجلات التي كانت تصدر في عدن آنذاك .
اشتغل من عام 1968م وحتى وفاته مديراً للدوائر المالية والإدارية بسكرتارية المكتب التنفيذي بمحافظة أبين, تلقى في عامي 1973 ــ 1981 م دورتين تدريبيتين في شؤون الحكم المحلي في سوريا والمانيا الديمقراطية, ويحمل شاعرنا التوي شهادة عليا في المحاسبة، خلال هذه الفترة أسهم في تكوين ندوة يافع الموسيقية وفي تطوير الحركة الأدبية والفنية في محافظة أبين, وفي نشر الوعي بين صفوف المواطنين هناك.
الشاعر عبدالله أبو بكر التوي نموذج متواضع من شعراء الغناء الرفيع المستوى ذو رونق وبهاء ينبع من سلاسة لفظه ورقة معانيه، وربما يعتبر من رواد الشعر الغنائي إلى جانب لطفي أمان في تلك الفترة .
وباستعراض نماذج من قصائده نجد أن قصائد التوي أتت خالية من الصيغ البديعية, وفخامة الألفاظ وضخامة المطلع وتلك القيود التي تكبل شعراؤنا فيها ردحاً من الزمن فأستطاع أن يتخلص من التقليد.
فها هي قصيدة ليلة :
ليلة شعت لنــــا بالنور إذ هَلَّ بهاهــــا
قمرٌ في الروض تختالُ رويداً في خطاها
وتهادي الغضن ُ نشواناً يحيي إذ رأهـــا
وأغــــاريد البــــلابل …
فوق أشجـــــار الخمائل ..
عـزفت لحن لقاءِ طال مداه
× × ×
ولزمنا الصمت إلا بعض همس خافت
من شفاةٍ مضها طــــول عذاب فائت
وعيون تتـــــلاقى في عتابٍ صامتِ
أتــــرى هذه حقيقة !؟
أم خيــــالات رقيقة !؟
لا تسلني أنه سر الحياة
× × ×
ومضت في قبلةٍ بعد عذاب شفتــــــانا
فأنتشت من خمرها روحان احيت بلقانا
لم نخل ليلتها في الكون مخلوقاً سوانا
ليلةُ مرت سعيدة ..
في ملذات عديدة ..
وارتوت بعد ظمأ منا الشفاة
× × ×
ومضى الليل فأنسانا اللقاء قرب الفراقِ
فـــإذا الفجر يصحينـــا بأنسام رقـــاقِ
فمضت مسرعة من غير وعدٍ للتــلاقي
فأطو يا قلبي عذابي
واحتمل طول اقترابي
عبثاً ان رُمت أن تسلو هواه
هذه القصيدة لحنها الفنان أبو بكر سالم بلفقيه وغنتها المطربة نازك بصوتها العذب الشجي . كما ترنم بها البلفقيه أيضاً .
إن شاعرنا أبو وهيب يترجم في قصائده رقة وعذوبة وآمال المحبين بلغة سلسة جميلة, ذات وقع موسيقي شجي, يبث ما يعاني ويقاسي ويأمل حلاً للتلاقي وفي قصيدة
سمراء:
أنت يا سمــــراء يا مصــدر الهــــامي وفني
أنت يا بلسم آلامــــي وأشجـــاني وحــزني
أنت يا من أنت لي في الكون غايات التمني
هــا هو الليل طـوانا
وغفى الكل سوانا
فـأنشدي لحن لقـانا
مع موسيقى العباب الزاخر
× × ×
بعد هجران وصد آه كم يحلوالتلاقي
فلتجودي يا حياتي بلثم وعناق
هذه ليلتنا أولى لييلات الوفاق
فــــدعينا نتساقـــــــــى
قــــد صفــــا الجو وراقـــا
وأنســـي هجراً وفراقـــــــا
بين أحضان البلاج الساحر
× × ×
انظري البدر تجلى ساطعاً فينا ضياه
عاكساً في البحر اسلاك لجين في سناه
وغفا الكون فلا يسمع نجوانا سواه
فاسمعي خفق فؤادي
عازفاً لحن ودادي
في خضوع وانقياد
لكي ما عاش فؤاد الشاعر
هذه قصيده لحنها الاستاذ يحيى مكي وغناها الفنان محمد صالح همشري كما غنى له قصيده هل تذكرين أو قصة غرام .
هناك في الكوخ بين النخيل وقد رق نفح النسيم العليل
وغنى الهزاربلحن جميــــــل على الدوح يمرح بين الخميل
هنــــاك التقينا لأول مـــــره وقد كان منا ابتسام ونظره
فمولد حبي .. أما تذكرين
إن أثر الحياة السعيدة والتي عاشها شاعرنا في كنف أسرة ميسورة الحال ظاهر وجلي, فهو يعبر عن وجدانه وحبه, عن المه هواجسه, فهو شاعر رقيق تصل معانيه إلى قلبك في حلاوة وسهوله وعذوبه , وأقتطف من أحدى قصائده هذه الأبيات :
تحية الحبيب:
اليك حبيبتي أهدي على البعد تحياتي
لقد الهمـني حبك أشعـــاري وأبيــاتي
فأودعت أناشيد الهوى أحلى مناجاتي
لقد فجرت في قلبي ينبوعاً من مسرات
متاعيأنت في الدنيا وأفراحي ولذاتي
وشدا الفنان أبو بكر بلفقيه بقصيدة (ليلة العمر):
هدهدي الروح وغنى طربا وارقصي ثم ائذني أن أشربا
واخلعي عنك وقاراً وحيـا فلقد نامت عيـــون الرقبـــا
وأسلمي ثغرك لي في قبلة علهــــا تطفي دمـاً ملتهبا
وقد سمعت هذه الأغنية بصوت الفنان بدوي زبير، كما غنى لشاعرنا الفنان عبد الرحمن الحداد أغنية:(مني سلام مرسل) وعلوي صالح الكاف: (سؤال) وأبو بكر بلفقيه عدة أغانٍ (حنانيك) و (موعد) وغيرها .
لقد طرق أبو وهيب الشعر الشعبي (الحميني) وصال فيه وجال وترجم آلام حبه في قصائده الحميني هو خاصة قبل أن يغادر شبام إلى عدن وزامل كبار الشعراء والدان كالشاعر أحمد عبود با وزير , عائض بالوعل , محمد بن ناصر القعيطي وغيرهم .
وقد غنى له الفنان محمد جمعه خان قصيدة :
ذا خرج فصل طال البعد والشوق ثائر والمعنى يبيت للثريا مســــــــــــــامر
لا تذكر قسم لا يطبق الدف ع النون يا رعى الله ليالي الأنس في وسط سيؤن
يا عذيب اللمى حيا اللياليالغوابـــر حي وقت مضى في ظل لقيــــــاك زاهر
ما نظن هكذا من بعد ذا الود تلقون يا رعى الله ليالي الأنس في وسط سيؤن
حي ذاك الزمن لي مر في أنس وافـــــر في صفا في نقا ما بيننا الكأس دائـــر
حي ذاك الزمن لي مر في بسط وفنون يا رعى الله ليالي الأنس في وسط سيؤن
كما غنى له الفنان محمد جمعه خان أيضاً: (على الجور با نصبر)
ذا خرج فصل والثاني على الجور با نصبر
ع صروف القدر قد فاز كل من مسى صابر
مـــــــــا تقـــع بالخــير غير المقـــــــدر
استلم يا لمعنــــى مــــا قضته المقـــــادير
صوب بالقلب من بعده وبالشأن يتجــبر
غير لا قد سمح بالوصل باقول هو جـــــابر
صــــــاحبي هــــــــو بالبعد قصـــــــر
ما تذكر صفا الماضي بذيك المقاصــــــير
ما لقيت البصر ياشيخ شف عقلي تحير
ســــــير داوي بلا ديـــره أنا والنبي حـــائر
يوم وصـــــــله تعسر ما تيســــــــــر
اعملوا لي بصيره خاف نسقط ونا ســـــير
لي هجرنا على لقياه أنا دوبباتحسر
ما تقنعت من عشقته والقلب له حـــاسر
بانتظر للقــــــــا لمـــــــان أحشـــــر
واللقاء في جنان الخلد سعف المحاشــــــير وهذه القصيدة هي أول قصيدة دان تغنى بالآلات الموسيقية إذ صادفت زيارة الفنان