تأملات
أ.د. ناجي جعفر الكثيري
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 1 .. ص 39
رابط العدد 1 : اضغط هنا
تنهض الأمم بالعمل المخلص وبمكارم الأخلاق وبالصلاح في القول والعمل ، وتسمو كلما أقترن كل ذلك بالوعي المنير وبالقدرة على الثبات عند التغيير ، ولله الحمد للحضارمة سابق عهد قديم وجديد بكل تلك الخصال ، إذ أستقام حالهم في حلهم وترحالهم ، وأسسوا بتأثير تلك الخصال مداميك حضارة متمدنة زاخرة بالنواميس والقيم والقوانين الحياتية المبهرة ، وهم من الأمم الحضارية التى أستمدت وقود ديناميكية مسارها النهضوي العملاق الصاعد دوماً من دينها الحنيف ومن تراثها الدفين ، حتى تعاظم أمرها بين الأمم ، وشاع أخبارها في الآفاق .
وعن حاضرنا هذا ، بات حال الحضارمة أكثر حاجة لنور مجدهم التليد ، ولمراجعة العظة والعبرة والحكمة ، وتأمل عظمة الحدث في الزمان والمكان ، والوقوف مع الذات ومع الفعل النافع ، لعل مافي الجعبة مايشبع فناء الشغف المتراكم في القلوب ، ويشجي شجن الهواجس بنفحة من نسيم ذكريات سادت مفخرة لبلاد حضرموت ، تكاد اليوم تسكن النوايا الجادة والأفكار الجيدة ، والتى تهفو مهرولة صوب ميلاد حدث واعد وأمر عظيم .
نعم … إنه البنيان المؤسسي لمركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر حينما تخطو به الأماني نحو جادة الصواب ، وعلى هدى الاستقامة وحب الأمانة وتصويب مصادر المعرفة وتهذيب السبل وتحري النقل بالتحقيق والتوثيق ، وقد صار واقعاً متفرداً ، وجد يافعاً مقداماً ليبقى مناراً وضاءً ينير السبيل إلى الزمان البعيد والقريب ، متعقباً صولات وجولات الحضارمة بموطنهم الأم وبمواطنهم بالمهجر ، إنه الوفاء من أهلها إليها إعادة إنتاج ذاكرتها التاريخية والحضارية ، وتزويقه في قوالب من الدراسات والأبحاث ، تكون بمثابة بريق من نور ينتفع به حقل العلم والمعرفة ، ونرفع بها هامة حضرموت عبر التاريخ ، وحتى نسجل للحضارمة مقاماً حضارياً بين الأمم ، ونخط رسماً لحضرموت على هذه البسيطة ، يحكي أخبار عرب الاحقاف منذ ماقبل ميلاد المسيح عليه السلام وحتى عهدنا المنظور هذا مروراً بتاريخها الإسلامي المزدهر .
إرادةٌ مشرقةٌ، بدت مشروع فكرة ثم أختمر فحواها المفيد وتصلب عودها اليانع، تلقفها لفيف البأس ، هم كوادر صفوة الناس ، بمعية خير البرية من الخيرين الكرام ، و(صار ما صار) ، فإذا بالنبت الأخضر أكثر إخضرار ، وتربع النور فوق الغصون ، وسكن الظل تحت الشجر ، وتدفق النبع بين المروج يرقص فوق الزهر ، وهمس النسيم لحن رذاذ المطر .
ماتحقق نتاج إرادة ، بعد التزود بزاد العزيمة والتعاضد بعد زاد التقوى ، فقد حصل الحصاد المثمر، وبات مركز حضرموت كالشجرة الباسقة الموعودة بالخير الوافر ، ففي خزين التاريخ الحضرمي أطنانٌ من الشواهد التراثية العظيمة ومن روائع المجد الأصيل الغابر ، ينتظر من يرفع عنه نقاب الزمن .