أضواء
عادل احمد القحوم
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 2 .. ص 19
رابط العدد 2 : اضغط هنا
خلال الفترة من العشرين إلى الثاني والعشرين من نوفمبر 2016م احتضنت قاعة (متطوعون) بالمكلا حدثاً فنياً بارزاً جاء في وقت كان المهتمون والمتابعون للشأن الثقافي في حالة تعطش لمثل هكذا حدث. وما زاد من حالة الترقب والمتابعة له الاسم الذي ارتبط بهذا الحدث. إنه معرض الفن التشكيلي للفنان التشكيلي المخضرم والمبدع الرسام والخطاط والمصور الفوتوغرافي سالم محفوظ باسليم عضو اتحاد الفنانين التشكيليين في بلادنا وعضو اتحاد عام الفنانين التشكيلين العرب.
سيرة ذاتية متميزة
قبل الخوض في كيفية وأهمية إقامة هذا المعرض وتفاصيل الموضوع من خلال لقائنا بالأستاذ سالم باسليم في بيته بعد أن عجزنا أن نلقاه وننفرد به أيام إقامة المعرض لانشغاله، لابد لنا أن نستعرض السيرة الذاتية وبعضاً من محطات حياة هذه الهامة الكبيرة فناً والمتواضعة شخصاً والرفيعة خلقاً. الأستاذ سالم محفوظ باسليم من مواليد مدينة المكلا يوم السابع عشر من نوفمبر من العام الميلادي1957م متزوج ولدية بنت واحدة وثلاثة ذكور, بدأ سُلمه التعليمي بدءاً من المرحلة الابتدائية بمدرسة (الملجأ) الجيل الصاعد ثم أكمل دراسته الثانوية بمحافظة لحج والجامعية بكلية ناصر للعلوم الزراعية بالحوطة جامعة عدن. عمل بعد تخرجه في كلية التربية بالمكلا في العام 1979م وظل بها حتى تقاعده في العام 2010م. بدأ حياته الفنية وولعه بالرسم والفن التشكيلي منذ المرحلة الابتدائية حيث تتلمذ على يد اساتذته في مدرسة الجيل الصاعد (محمد باصالح وبوسبعة) ثم صقل موهبته الفنية بانتقاله للدراسة في لحج وهناك تعرف على عدد من الاساتذة المصريين المتخصصين بفنون الرسم والنحت وابرزهم:(محمد عبده صادق) رئيس مختبرات القاهرة الذي انتدبته جامعة عدن للعمل في لحج. اتسع ولعه وشغفه بالفنون التشكيلية فأبدع في الرسم والنحت والخط والتصوير الفوتوغرافي.
المعرض الأول لباسليم
أول معرض شارك فيه الأستاذ سالم باسليم كان في العام 1970م بعمر ثلاث عشرة سنة في المعرض الذي اقيم بنادي الشباب الرياضي بالمكلا – أيام كانت الاندية الرياضية مراكز فنية وعلمية وابداعية – بحضور الرئيس الجنوبي قحطان الشعبي أول رئيس بعد الاستقلال المجيد، عندما زار حضرموت في ذلك التاريخ.
مشاركات محلية, عربية, دولية
شارك باسليم في عدد من الفعاليات المحلية منها المعارض التي نظمها اتحاد التشكيليين في الجنوب واقيمت في الأعوام 1979-1980-1981م بمناسبة اعياد الثورة الوطنية. ومن أبرز المشاركات حضوره ومشاركاته في معرض المعارض الذي اقيم عام 1975م بمدينة التواهي بحضور الرئيس الجنوبي سالم ربيع علي. كما شارك باسليم في عدد من المعارض العربية منها مشاركته وحصوله على شهادة تقدير في معرض الكويت الخامس للفانين التشكيليين العرب, كذلك مشاركته في المعرض التشكيلي للشباب في العاصمة الليبية طرابلس في العام 1980م بمناسبة انعقاد المؤتمر الثالث للاتحاد العام للفنانين العرب, ومشاركة ثانية في الكويت في فعاليات المعرض السابع للتشكيليين العرب في أبريل من العام 1981م. ولباسليم مشاركات دولية في المعرض الخاص باحتفالات بلادنا بعيد الثورة في موسكو عام 1980م ومشاركة ثانية في العام 1981م في برلين العاصمة الألمانية ومشاركة ثالثة في العام م2000 بمعرض اكسبو في برلين ايضاً.
مبادرة وتقدير, حرص وشراكة
وعن فكرة اقامة معرض الفنون التشكيلية قال الأستاذ سالم باسليم: جاء تنظيم معرض الفن التشكيلي في نوفمبر من هذا العام بمبادرة من اكاديمية الموهوبين بسيئون عندما قاموا بزيارتي في منزلي قبل أشهر وبتعريف خاص من الأخ هشام بن يحيى وكان الأخوة في هذه الاكاديمية يبحثون عن أعمال ابداعية لتقديمها للناس ورأوا أعمالي واعجبوا بها وقدَروها حق التقدير، خاصة إنني لم أُقم معرضاً خاصاً بي. كما كانوا حريصين على أن تكون الوسائل والأدوات المستخدمة ذات جودة، فتم مثلاً تبديل الإطارات الأولى للوحات بإطارات أخرى جديدة وحديثة تم استقدامها من صنعاء خصيصاً لرسوماتي حتى يقام المعرض بصورة تليق بالحدث، وكان الاخ محمد سالم الصبان مدير البرامج والمشاريع بمؤسسة العون الداعمة للمعرض متابعاً ومسانداً ومدلِلاً لكل الصعوبات والعراقيل.
ويضيف باسليم: شركاء العمل هم مؤسسة العون للتنمية وأكاديمية الموهوبين بسيئون ومواهب حضرموت وهم طلبة اكاديميون ومهتمون بالفن التشكيلي وقد قاموا بتعريف الزوَار بلوحات المعرض وتولوا مساعدتي في شرحها فللجميع شكري وتقديري.
اللوحات الفنية حكايات تراثية
وعن ما احتواه المعرض يقول الاستاذ سالم: احتوى المعرض على أكثر من مائة وخمسة عمل, والمعروضات انقسمت بين لوحات رسم ومنحوتات. الرسومات عبارة عن لوحات مائية موضوعها تركز في الجانب التراثي والتاريخي الحضرمي في المعالم والملبوسات والبحر والشواطئ وشخصيات حضرمية وعادات وتقاليد، وقد كان لمدينة شبام نصيبٌ كبيرٌ من الأعمال بحكم أن هذه المدينة إحدى مدن التراث العالمي بحسب تصنيف منظمة الأمم المتحدة وهي الواجهة التاريخية الأولى لحضرموت. وبالنسبة للأعمال النحتية فكانت عبارة عن معالم أثرية حضرمية. بعضها صممتها خصيصاً لهذا المعرض: منها قصر السلطنة القعيطية (المعين). الذي عبركم ومن خلالكم ادعو جميع المهتمين والمسئولين لإنقاذ هذا الصرح التاريخي الكبير من الاهمال. فقد حرصت شخصياً على عمل مجسم له وقمت بتصويره أولاً وعكفت على عمل تجسيد له وإبرازه ولفت الأنظار له.
اقبال كبير فاق التوقعات
الإقبال على المعرض فاق كل التوقعات وحظي بمتابعة واسعة من قبل المهتمين وعن ذلك قال الباسليم: شخصياً لم أتوقع ذلك العدد من الزائرين فعلى الرغم من أن المعرض يفتح بابه لفترتين صباحاً ومساء فقد كانت أعداد الزائرين في إزدياد وفترة الثلاثة أيام كانت قليلة فكنا نستمر في استقبال الزائرين لغاية الساعة التاسعة مساءاً ونفتح القاعة عند الساعة الثامنة صباحاً. وسعدت كثيراً بهذا العدد من الزائرين وسعدت أكثر عندما رأيت أن الزائرين له من فئات عمرية مختلفة وكان لفئة الشباب والفتيات حضور كبير ومتابعة خاصة حتى أن بعضاً منهم كان يزور المعرض مرتين وربما ثلاث مرات والبعض يأتي يومياً. وقامت بعض المدارس الأساسية والثانوية الحكومية والأهلية والخاصة بتنظيم رحلات زيارة للمعرض لطالباتها بالتنسيق مع مواهب حضرموت. وبعض الفتيات والطالبات إذا أتت صباحاً برفقة زميلاتها فإنها تأتي مساءاً برفقة والدتها وأسرتها.
باسليم بين الرسم والنحت والخط والتصوير
مواهب الأستاذ باسليم الفنية متعددة بين الرسم والنحت والخط والتصوير. وعند سؤالنا عن أقرب فن إلى نفسه أجاب دون تردد:
يعتبر فن الرسم الأقرب إلى نفسي وأجد فيه متسعاً أكثر في التعبير عن افكاري واهتماماتي الفنية. وبالطبع فن الرسم له مدارس متعددة وأنا شخصياً اتجهت في فن الرسم إلى ممارسة الرسم المائي، أي استخدام الألوان المائية ويعتبر ذلك النوع من الرسم صعباً إن لم يكن اصعبها، فلا يمكن للرسام أن يغير شيئاً من تفاصيل الرسم أو يعدَلها اطلاقاً، فهي ترسم لمرة واحدة فقط -وعليه – يجب التركيز والدقة المتناهية في التنفيذ فلامجال للعودة, وممارستي لهذا النوع من الرسم كان بمثابة تحدي بالنسبة لي فتأثرت بالرسامين الانجليز في هذا الشأن.
حسنون.. أخ وصديق ورفيق درب
في مستهل حديث الاستاذ باسليم كان اسم عمر حسنون أول شخص يذكره في حديثه وشريط حياته العلمية وطلبت منه إرجاء ذلك الى نهاية اللقاء. وعندما سألته عن الأستاذ عمر حسنون قال: (إنه زميل وأخ وصديق ورفيق درب. فبعد عام واحد من التحاقي في العمل في كلية التربية بالمكلا انتقلت إلى قسم الوسائل التعليمية في العام 1980م ومنها بدأت رحلة عمل وابداع مشتركة والعلاقة بيننا تعدت حدودها العملية لتصبح انسانية وعائلية فكنا سوياً ومعاً في العمل وخارج العمل, حتى رحلاتنا الى خارج مدينة المكلا كانت عائلية مشتركة فذهبنا أربع مرات إلى شبام لنغوص في بحر التراث والتاريخ ونستلهم من هذه المدينة مواضيع لوحات جديدة وتفاصيل فنية جديدة. منه تعلمت فن النحت بأسلوبه الراقي ولم تفرقنا الحوادث والأيام إلا عندما حانت ساعة الوداع الحقيقة وغيبته المنية عننا – رحم الله أخي العزيز عمر- وفي هذه المناسبة أود أن أشير إننا نضع اللمسات النهائية لإقامة معرض خاص يشمل صوراً فوتوغرافية لرحلة فقيد الفن التشكيلي الحضرمي الاستاذ عمر حسنون.
نموذج فني ابداعي
تعتبر اللوحة الخاصة بسدة بيت آل قيسان من أبرز اللوحات المعروضة ونموذجاً فنياً رائعاً، وهذه اللوحة هي رسم لسدة بيت هذه الأسرة الواقع بجانب مسجد النور بالمكلا. وفي هذه اللوحة يتجسد الإبداع وتدرجات اللون البني وتوزيع الظل، حتى يخيل للناظر انها صورة وليست رسماً. وفيها يظهر إبداع الأستاذ باسليم في التصوير الرسمي والزخرفة.
انجازات واعمال يفخر بها
يفتخر باسليم بإنجازاته الفنية الكثيرة، ومنها وجوده المستمر في قاعة فرع اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين بالمكلا بلمسته الفنية الرائعة ورسمه لوجوه عدد من الشخصيات الفنية والادبية والابداعية الحضرمية واليمنية ولازالت هذه الصور تزين جدران فرع الاتحاد الى يومنا هذا. كذلك مساهمته الفنية وصوره الفوتوغرافية في كتاب (مدن يمنية توحدت في الأسماء) للكاتب الاستاذ بدر جعفر بن عقيل الى جانب عدد من المصورين والفنانين اليمنيين.
دعوة وفكرة
الاستاذ سالم باسليم قامة فنية ابداعية كبيرة لم تلق ماتستحقه من التقدير والتكريم.مبدع يعمل بصمت يتحدث بريشته اكثر من لسانه,,يمتلك الاستاذ باسليم كنوزاً ابداعية تراثية قيمة وأعمال كثيرة بعضها لم يرى النور.كما انه يمتلك خبرات فنية كبيرة يجب ان تتوارثها الاجيال وتستفيد منها المؤسسات التعليمية في تدريس مادة التربية الفنية بأصولها السليمة.