أعلام
أ. علي سالمين العوبثاني
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 2 .. ص 46
رابط العدد 2 : اضغط هنا
قبل الإبحار في تفاصيل المقال الموجز الذي جعلته مخصصاً للصحافي القدير الأستاذ أحمد عوض باوزير رحمة الله تغشاه، وددت أن أقدم تعريفاً عن حياته ومساره الصحفي:
فهو ينتمي لأسرة عباسية اشتهرت بالعلم والأدب والمعرفة، ولد في العام 1926م بمدينة غيل أبي باوزير.
نشاطه الوظيفي:
في منتصف عام 1975م، التحق بفرع المركز اليمني للأبحاث الثقافية بحضرموت الذي أصبح – لاحقاً – فرع الهيئة العامة للآثار والمتاحف والمخطوطات.
من مؤلفاته:
كتاب (شهداء القصر) قصة أول انتفاضة شعبية ضد الحكم الأنجلو سلاطيني كما صدر له كتاب آخر بعنوان (الشعر الوطني العامي).
في 28 نوفمبر 2012م وافته المنية بالعاصمة الأردنية –عمان ، ونقل جثمانه الطاهر إلى أرض الوطن حيث ووري الثرى في الفاتح من ديسمبر2012م بمقبرة جده الأول يعقوب ([1]) بالمكلا بعد الصلاة عليه بمسجد الروضة.
والآن دعونا نلج إلى عالم الصحافي باوزير رحمه الله تعالى، واقتباس ما ارتأيناه نافعاً للقراء الأعزاء من أعمدته الصحفية التي عبر فيها عن آرائه ووجهات نظره كي نكون موضوعيين في الطرح الصحفي المنصف:
شغل الأستاذ أحمد عوض باوزير الصحافي ذو الذهنية النشطة والغيث المنهمر الذي لا يكف راصداً الأحداث لقراء عصره الذهبي، وفي تعبير صادق عن تطلعات مجتمعه ، بما كتبه من مقالات احتضنتها الكثير من الصحف السيارة في عدن وحضرموت ،نتذكر منها:(الرقيب – النهضة – اليقظة – الأيام) وصحيفة الطليعة التي كان صاحب الامتياز فيها ورئيس تحريرها كان شديد الانتقاد للسلطات الحاكمة حينها، وكان عموده (تساؤل) حقيق بأن نطلق عليه لقب (الناقد الرصين) فلم يترك فرصة إلا وشن هجومه الكاسح على القائمين وولاة الأمور لما كان يعتمل من تفاعلات سياسية وظواهر مجتمعية في مرحلة حساسة من تاريخ الأمة ..
ولعلنا بقراءة أعمدته الصحفية .. سنجد بأن كل ما سطره يراعه حقق أهدافه من حيث رصانة كتاباته وذلك بوضعه كما يقول ( النقط فوق الحروف تاركين للقارئ النقاط ما وراء النقط من أسرار وشجون ) وهذا لعمري ، أسلوب الصحفي المتمكن من أدواته الصحافية التي يثير بها تساؤلاته ويمنحها الديمومة في سياق رسم خارطة يسير على منوالها القارئ المتابع ..وهكذا أمكن بفضل كوكبة من الصحافيين والكتاب الحضارمة من الرعيل الأول الذين غادروا حياتنا الفانية رحمهم الله جميعاً، أمثال: حسين محمد البار صاحب الامتياز لصحيفة ” الرائد ” ومحمد علي بلفقيه صاحب الامتياز لصحيفة “الرأي العام”، ومحمد عبدالقادر بامطرف ومحمد عبدالقادر بافقيه، و سعيد عوض باوزير شقيق الأستاذ أحمد موضوع مقالنا هذا وآخرون قد أعيتني الذاكرة استحضارهم .
أن تكون لحضرموت مكانتها العالية، ودورها التنويري البارز آنذاك، حيث تطورت لغة الصحافة أكثر مما هي عليه الآن رغم الإمكانيات التي يحظي بها صحفيو اليوم ، فمن اللازم أن نعترف بفضل من ذكرناهم سلفاً، كما علينا أن نفرق بين اللغة الفصحى واللغة الصعبة التي لا يفهمها إلا الأقلون، إذ ليس كل فصيح صعباً، ولا كل عامي ركيك سهلاً على سامعيه كما يقول العقاد – رحمه الله – لهذا فنحن نرثي لحال مخرجاتنا التعليمية في مجال الصحافة والإعلام اليوم، ونتحسر على زمن الصحافة الجميل الذي كان .. ونقول كما قال الشاعر الحي في قلوبنا حسين أبوبكر المحضار – رحمه الله – (ياريت يرجع لي الزمن ذاك لي فات) .. في رائعته “الصبر لا جاوز حدوده قتل “.
والصحفي باوزير كان شديد القسوة على بني جلدتنا الحضارمة في ذلك الوقت ابتغاء استنهاض هممهم حيث كان يدعوهم إلى (العمل من أجل وطنهم الغارق في حمأة الجهل والفساد) وتساؤلاته لهم (متى أيها الحضارم تهبون إلى تحقيق وجودكم؟!، فقد طال الليل عليكم وأنتم راقدون).
وكثيراً ما طالب الصحفي أحمد عوض باوزير في كتاباته حضارمة الخارج الذين يمتلكون أرصدة مجمدة في البنوك، بالعمل على (دعم المؤسسات الثقافية) بعيداً عن سياسة الإحسان ..التي كان يتبعها البعض أو أكثرهم .
يمكننا أن نستشف مما يدونه هذا الصحافي الشجاع بأنه انتقاد لاذع، لمن يتنصلون من مسئولياتهم الأخلاقية والإنسانية والوطنية تجاه إخوتهم في حضرموت، ذلك أن الكثير من الأموال تصرف في غير محلها .. وكأني به يقول: بأنه لا توجد لدى الرأسمال الحضرمي سياسة راسخة وخطط مستقبلية ترتقي بحضرموت نحو آفاق رحبة.
كثيرون منهم لم يهتموا بنصرة قضايا وطنهم ،الذي ينتمون إليه اسماً ولكن قلوبهم بعيدة عنه حقاً .. بل البعض منهم لا يرى أهمية في المساهمة بتطوير المراكز التوعية واستقصاء الآراء والاهتمام بالثقافة، وهذه الإشكالية ستلازمهم ما ظلت نظرتهم بهذه الصورة المخجلة .
ونعلم يقيناً بأن الرجل لم يكن أبداً مناطقي الانتماء، بل كان قومي التوجه تحرري المنطلق، حين يقول في أحد تساؤلاته (إن كل حركة تقدمية في هذا الجنوب أو كل دعوة تحررية يراد لها النجاح أو الازدهار لن تثمر مطلقاً ما لم تسبقها معركة) .. ويقصد معركة العلم.
ولو قرأنا بتمعن في “تساؤل ” عنوانه 🙁 ترقبوا .. الزعيم المنتظر !) المنشور في صحيفة (النهضة) العدد (249) الصادر في العام 1955م ..سنجده إسقاطاً على واقع اليوم، حيث يقول: ( عندنا في الجنوب ((باقة)) من الزعامات، بعضها روحية وبعضها الآخر سياسية وثقافية، ولكن كل هذه الزعامات، لم تعد ذات موضوع أو أنها ((بالخط العريض)) قد استنفذت صلاحياتها، والدليل على ذلك إن هذه ((الزعامات)) أصبحت في أكثر من مكان من هذا الجنوب صورية بحيث لا يتعدى خطرها محيط الجدران الأربعة التي يعيش داخلها الزعيم !).
ويضيف الصحفي باوزير (وأنا أعلم أن أناساً يحرصون على الحفاظ بهذا ((اللقب)) كلما طاب لهم أن يتحدثوا عن هذا الزعيم أو ذاك ولكن هؤلاء ((الناس)) لا يصدرون في حفاظهم عن عقيدة خالصة أو إيمان راسخ، وأكبر الظن أنهم يخفون وراء حرصهم هذا بعض ((المنافع الشخصية)) التي تتوقف على بقاء الزعامة في مقامها الأسمى .. ونحن على يقين من أن رصيد هذه ((الزعامة)) سيظل في هبوط مستمر وأن الوعي العام يسجل كل يوم ارتفاعاً متزايداً.
ويقول (وإذا كانت بعض هذه ((الزعامات)) قد بدأت بالفعل تخسر جولتها في السباق وتتكشف أوراقها واحدة تلو واحدة، فإن البعض الآخر.. ينتظرها المصير نفسه).
ويختتم مقاله (( علينا أن نترقب الزعيم المنتظر الذي سيظهر من بين صفوف الشعب ليعبر عن أحاسيسه وينصهر في بوتقته . ))
عندما نقرأ مثل هذا الكلام اليوم وبعد مرور (61) عاماً إلى تاريخنا هذا، نشعر بتنبؤات هذا الصحفي وكشفه الستار عن ما نعانيه اليوم من زعامات محنطة مازالت تقاوم كي تبقى في عيون الناس كما كانت عليه بل وأكثر، ولعلها نست كل الإخفاقات التي كانت هي سبباً فيها .. متحدثاً عن بعض من ذوي المصالح الضيقة الذين يحاولون إبراز هذه الزعامات ليس حباً فيها وإنما بانتظار ما تجود به عليها من مال .. وبمجرد أن يجف المعين تنتقل بقدرة قادر إلى الخندق الآخر .. وتلعلع بصورتها مجاهرة بأن من انتقلت إليه كان الأجدى والأنفع للناس ، هذا التضليل لا يعبر إلا عن سذاجة سياسية يصاب منها المرء الفطن بالتقيؤ .
وللصحفي باوزير آراء سياسية أثارها في أكثر من مقال .. ولكن ما لفت انتباهي في عموده ( أضواء ) بعنوان : ( من هو الشعب اليمني ؟) الذي نُشر في صحيفة الرقيب بالعدد (41) 23 أغسطس 1956 ..تحدث فيه الكاتب عن :
(الخلاف بين مؤتمر الطلاب اليمنيين وبين الهيئات السياسية في عدن ليس حول تأكيد الوحدة الطبيعية والتاريخية للوطن العربي فإن هذه الوحدة ليست موضع خلاف على الإطلاق، ولكن الخلاف – كما يقول البيان – ينحصر في السعي لإيجاد دولة مستقلة ذات سيادة تتكون من عدن والإمارات الجنوبية خارج نطاق الدولة اليمنية) .
ويوضح الكاتب الأمر بأن: ( الإمارات الجنوبية التي تؤمن بالوحدة ليس مع البلاد اليمنية وحدها، ولكن مع كل البلاد العربية الأخرى لا تقبل بحال من الأحوال أن تكون محل خلاف يمني، أن تصبح بلاداً يمنية تخضع للحكم الإمامي وتأتمر بأمره).
ويبدو أن الصحفي باوزير كان يجاهر برأي شجاع لا مكان فيه للمساومة.. حيث يقول:
(إن المؤتمر يستطيع أن يدعي أن الإمارات الجنوبية واليمن شعب عربي واحد .. أما أن يدعي أن هذه الإمارات واليمن شعب يمني واحد فهذا ما لا نوافق عليه) .
ولهذا يقول الكاتب باوزير: (إن شعوب الإمارات الجنوبية هي التي تقرر مصيرها – بعد الاستقلال – وستختار بمحض إرادتها ، شكل ونوع الاتحاد الذي تريده) .
وينتقد الكاتب مؤتمر الطلاب اليمنيين الذي يلغي المقومات الشخصية لشعوب الإمارات الجنوبية .. فيصفه بـ ( أمر يدعو للرثاء والشفقة ) .
ويختتم الصحفي باوزير مقاله الناقد .. بقوله ( وبعد : فإن الفرق واضح بين أن نقول: ((الشعب اليمني)) و((الشعب العربي)) ونحن شعوب الإمارات الجنوبية شعب عربي .. ولكننا لسنا شعباً يمنياً ).
ولا شك في أن هذه الآراء السياسية التي كان يعلنها أثرت في صحيفته ” الطليعة ” بعد استقلال الجنوب العربي حيث صُودرت كغيرها من الصحف التي كان رؤساء تحريرها يجاهرون بآراء تتعارض مع اليمننة ، مما عكس نفسه على نفسيات صحافيينا الذين وُئدت أصواتهم آنذاك وتوارت بعد ذلك عن الكتابة لأسباب سياسية محضة .. بل وأخذت كتب بعض الكتاب من قبل زوار الفجر واختفت ولم يعد لها وجود .
وقد اشتمل الكتاب الذي عني بإصداره الأستاذ الدكتور عبدالله سعيد الجعيدي وكتب مقدمته على عناوين بارزة مثل: (هل للهجرة الحضرمية .. نهاية؟) و (المدخل إلى التاريخ الحضرمي) و(المدخل إلى التاريخ الحضرمي :ثورة الكندي أو طالب الحق) وهذه لوحدها تعدُّ بحوثاً سيستفيد منها كل باحث.. كما أشار فيها إلى الجهود المخلصة التي بذلت في هذا الكتاب حسب ما جاء في مقدمته :
( في هذا المتن لابد من الإشارة إلى الجهود الكبيرة المخلصة التي قام بها الأستاذ أمين سعيد باوزير في حصر هذه المقالات وتصويرها وتسليمها للمهندس الخلوق مراد أحمد باوزير الذي كان هو الآخر له نصيب كبير من الجهد في المتابعة، مع الحرص المعتق بالوفاء لحفظ تراث والده الفكري وإبرازه، كما نشيد بالتعاون العلمي للأستاذ / نجيب سعيد باوزير وقبوله نشر هذا الكتاب في دار النشر التابعة له (مكتبة الصالحية للنشر والتوزيع)، ولأننا شرفنا في الإعداد والقراءة التاريخية لكتاب (الطليعة تقول) أُسند إلينا أيضا شرف العناية بهذا الكتاب الذي بين القارئ وتقديمه)
هذا الجهد الكبير أبرز لنا هذه الصورة المشرقة لمقالات الكاتب الصحفي احمد عوض باوزير .
ومن الإصدارات الأخرى التي عنيت بنشر مقالات الأستاذ باوزير كتاب (الطليعة تقول) جمعت فيه افتتاحيات جريدة الطليعة التي بلغت (404)عدداً .. وهذا توثيق صحافي لقامة من قامات المجتمع .. يثنى عليه كل من بذل جهداً فيه .
[1] ) الجد الأكبر لآل الوزير “باوزير” هو الشريف محمد بن سالم بن عبد الله بن يعقوب بن يوسف بن علي ( الوزير ) بن طراد النقيب العباسي الهاشمي )، المعروف الآن بمولى عرف لكونه عاش ودفن هناك، وهو أول مولود عباسي من أسرة آل الوزير ولد بحضرموت، وهو الوارث الوحيد لآل يعقوب بن يوسف العباسي في تلك البلاد إذ إن لا عقب لذرية يعقوب بن يوسف إلا من ولده عبد الله وهو جد محمد بن سالم . وجميع آل باوزير في حضرموت و غيرها من البلدان من ذريته .