أعلام
عادل حاج باعكيم
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 2 .. ص 52
رابط العدد 2 : اضغط هنا
اعتنى الحضارم كغيرهم من العرب بعلوم كثيرة منها علم الفلك, فبرز منهم علماء أفاضل درسوا هذا العلم ودرَّسوه إلى تلاميذهم وألفوا فيه الكتب القيِّمة التي عُدَّت مصادر هامَّة في هذا الباب, من أشهر هؤلاء الأعلام الإمام عبدالله بن عمر بامخرمة (ت: 972هـ), والعلامة عبدالله بن محمد باقشير (ت: 958هـ), والعلامة عثمان بن أبي بكر العمودي (ت بعد: 1047هـ), والعلامة عبدالله بن عبدالرحمن بلحاج بافضل (ت: 918هـ), والعلامة عبدالله بن صالح الحبشي (ت: 1385هـ) صاحب كتاب “نبراس الجدوة المضيئة “, والعلامة عثمان بن عبدالله بن يحيى العلوي صاحب كتاب “إيقاظ النيام في ما يتعلق بالأهلة والصيام “, والعلامة محمد بن هاشم بن طاهر العلوي له كتاب “الخريت على منظومة اليواقيت من فن المواقيت” للعلامة محمد بن أحمد الشاطري وغيرهم .
نَصْبُ الشرك لاقتناص ما تشتّد إليه الحاجة من علم الفلك للعلامة الفلكي عثمان العمودي – المتقدم الذكر – هو الكتاب الذي جعله أستاذنا أ.د حسن محمد باصرة (ت: 1438هـ) باباً له للولوج في المؤلفات الفلكية الحضرمية وخذمتها (شرح – تحقيق) وهو يعد من أهم المؤلفات التي خُصِّصَت للفلك من العلماء الحضارم فقد استفاد صاحبه من مؤلفات الأوائل كبامخرمة وباقشير وبلحاج بافضل, قال أ.د باصرة في مقدمته لشرح وتحقيق كتاب نصب الشرك :” ثم تمَّ إضافة ثلاثة مخطوطات فلكية صغيرة الحجم اعتمد عليها المخطوط الرئيس (نصب الشرك) في هذا الشرح وهي كذلك اعتمدت على بعضها البعض في المعلومات بحيث غطَّت فترة زمنية تقارب القرن من الزمان ” .
بتاريخ 1431هـ الموافق 2010م صدر عن دار الفتح للدراسات والنشر كتاب نصب الشرك الذي ألفه العلامة العمودي سنة 1047هـ, بالإضافة إلى ثلاث رسائل هي نبذة لطيفة من علم النجوم والمواقيت للعلامة عبدالله بامخرمة, ورسالة العلامة عبدالله باقشير الفلكية التي احتوت على فائدتين, ورسالة العلامة عبدالله بلحاج بافضل الفلكية, ثم أضيف لهذا المجموع بعض الملاحق والجداول من وضع الشارح والمحقق أ.د حسن باصرة الذي قال في المقدمة :” فتم إضافة بعض الايضاحات في الأماكن التي تحتاج لذلك, وشرح ما يتطلب شرحه, وإضافة عدد من الجداول والصور والأشكال, وكذلك بعض الملاحق لإتمام معرفة لبعض الفوائد الواردة ” .
اعتمد أ.د باصرة في تحقيقه لكتاب نصب الشرك على ثلاث نسخ خطيَّة وصفها بقوله :” ولقد حصلت على نسخة هذا المخطوط عام 1398هـ وصورتين لنسختين : الأولى : من مكتبة العلامة السيد أحمد مشهور الحداد (ت: 1416هـ) . وصورة النسخة الثانية : من مكتبة العلامة السيد هادي بن حسن السقاف (ت: 1329هـ) وتعتبر هذه النسخة أكثر النسخ ترتيباً . أما النسخة الثالثة : التي لديَّ فيبدو أنها كتبت بعد النسختين السابقتين وقد كانت مختصرة جداً واحتوت على عدد من الحواشي والملحقات التي بلغت أضعاف حجم المخطوط نفسه ” .
هذا التحقيق يعدُّ تحقيقاً جيداً فقد اعتنى صاحبه بكل دقائق المخطوط مما جعله يتعدَّى مرحلة التحقيق في بعض جزئيات الكتاب إلى مرحلة الشرح لأنه توسَّع في تفصيل وشرح بعض المسائل, إلا أنَّ عليه مؤاخذة وهي أنه خذف فائدة من فوائد الكتاب وهي “عن معرفة برج الإنسان وطبائع البروج”, تقع هذه الفائدة الطويلة المكونة من ثلاث صفحات – في المخطوط الذي بحوزتنا – قبل الفصل الرابع الذي في معرفة الزيادة الكبرى والصغرى, وهذا التصرُّف (الحذف) لا يجوز في عالم وقوانين تحقيق المخطوطات, إلا أن السبب الذي أخبرني به أستاذنا أ.د باصرة – رحمه الله – يسقط عن كاهله شيئاً من ذلك الوزر, قال لي عندما سألته عن سبب حذفه لتلك الفائدة :” لكي أستطيع نشره, لأن السعوديون سيعارضون عليها ” .
أما الفائدة التي حذفها المحقق فهي قول المؤلف العلامة عثمان العمودي – رحمه الله -: فائدة : إذا أردت معرفة برج إنسان فاعرف عدد حروف اسمه واسم أمه بالجمل واعتبر الحرف المشدَّد بحرفين فما حصل فأسقطه اثني عشر فما بقي فابتدئ به من أول البروج وهو الحمل وحيث انتهى عدد الباقي إلى برج فهو له فإن بقي واحد فبرجه الحمل واثنان فالثور أو ثلاثة فالجوزاء وهكذا وإن لم يبق شيء فبرجه الحوت, وأما طبائعها فأربع ناري وترابي ورياحي ومائي فالحمل ناري والثور والميزان رياحي والعقرب مائي والقوس ناري والجدي ترابي والدلو رياحي والحوت مائي ….إلخ .
ومن جهوده في خدمة علم الفلك الحضرمي أيضاَ – كما تقدَّم – تحقيقه كتاب ” نبذة لطيفة من علم النجوم والمواقيت ” للعلامة عبدالله بن عمر بامخرمة – كما ذكر سابقاً – والتي سُمِّيت في المخطوط الذي بحوزتنا باسم ” نبذة في علم الفلك “, اشتمل هذا الكتاب على سبعة فصول وبعض التتمات والفوائد وقاعدة – في آخره – في معرفة القبلة . قال أ.د باصرة :” وقد تم نقل نصوص هذا المخطوط (النبذة) من نسخة كتبت سنة 1290هـ بقلم الشيخ أبي بكر بن محمد بن عبود باذيب (ت: 1312هـ), وهي واضحة الخط قليلة الأخطاء مما أغنى عن الاستعانة بغيرها للمقارنة ” .
مما لفت نظري في تحقيقه هذا دقَّة تعليقاته على النقاط المبهمة في الكتاب, من أمثلة تلك التعليقات, قال العلامة بامخرمة ناقداً لبعض من سبقه من الفلكيين :” ثم ترتب على قاعدتهم هذه أن الصغرى قدمان وسدس وذلك غاية الزلل فرتبوا خطأ على خطأ ” فقال أ.د باصرة في تعليقه الذي يوضح فيه بدقة وتوسع ذلك الموضع المشكل من المخطوط :” يقصد أن الزيادة الصغرى ليست قدمان وسدس, بل قدم إلا ثلث عشر, وهذا الخطأ ترتب على خطأ سابق, وهو اعتماد أن الزيادة في الظل ثابتة, وبمعدل نصف إصبع يومياً, وهذا خطأ لأن التغير غير خطيّ, انظر ملحق ميل الشمس وتغيره . وقد ورد في كتاب نصب الشرك : أن مدة الزيادة الصغرى اثنان وخمسون يوم ونصف, وضرب هذا الرقم بما تم افتراضه أن الزيادة كل يوم نصف إصبع, تحصل القيمة الخاطئة, وهي القدمان والسدس (مع ملاحظة أن القدم اثنا عشر إصبع)” .
ومن جهوده أيضاً تحقيقه رسالتي العلامتين باقشير وبافضل الفلكيتين, قال عنهما في مقدمة التحقيق :” وتم الاعتماد في نسخ هذين المخطوطين على نسختين كتبت إحداهما سنة 1166هـ والأخرى في القرن الرابع عشر الهجري “, وعمله في هاتين الرسالتين جيد مثل الذي سبق, لكن عليه مؤاخذة هنا أيضاً – رحمه الله تعالى – وهي أنَّه حذف بعض فصول وفوائد الرسالتين بحجَّة أن العلامة العمودي قد نقل هذه الفصول والفوائد في كتابه نصب الشرك ولا داعي من اعادتها في نفس المجموع – على حدِّ قوله -, مثلاً لفعله هذا : يذكر عنوان الفصل كقول :” فصل الزيادة الكبرى والصغرى”, ثم يعمل هامشاً يكتب فيه مثلاً :” انظر الفصل السادس من كتاب نصب الشرك أو انظر فائدة (3) من كتاب نصب الشرك ” ثم ينتقل للفصل الذي يليه مباشرة . يقول أهل الفن في هذا الشأن : أن التصرُّف بالحذف أو التَّغيير في متن المخطوط يعد من العيوب الكبيرة في التحقيق ولا يحق للمحقق أن يحذف لأن عمله غالباً في الهامش ولا يحق له العبث في المتن .
ومن جهود أ.د حسن باصرة في خذمة علم الفلك الحضرمي أيضاً شرحه لمنظومة اليواقيت من فن المواقيت للعلامة محمد بن أحمد الشاطري الذي صدر سنة 1423هـ عن ندوة الثقافة بدبي بالإمارات, فللأسف فإننا لم نقف عليه مع أهميته الأكيدة . أما المؤلفات الفلكيَّة الأخرى لأستاذنا أ.د باصرة فمنها ” ترائي الهلال والتقويم الهجري ” الصادر عن دار جياد للنشر والتوزيع سنة 1432هـ الموافق 2011م, و” الاستدلال بالنجوم ” صدر عن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بالرياض سنة 1429هـ, و” أجرام مضيئة في سماء الدولة الإسلامية ” الصادر عن دار الفتح بعمَّان الأردن سنة 1424هـ .
رحم الله هذا الرجل الموسوعة في علم الفلك أ.د حسن محمد باصرة وأسكنه فسيح جناته .. والحمد لله رب العالمين .