تاريخ
د. محمد حسين بن الشيخ بوبكر
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 2 .. ص 85
رابط العدد 2 : اضغط هنا
يعد المنبر من عناصر المنفعة الهامة والضرورية بالمساجد الجامعة بل هو الدليل على ذلك . ويعد المنبر من وحدات الأثاث الهامة والتي ظهرت بالجوامع(1) ، وكلمة ((المنبر)) مشتقة من (( نبر)) وانتبر بمعنى ارتفع ، فالمنبر هو منصة مرتفعة تتسع للوقوف وجلوس الخطيب ويستخدم أيام الجمعة والأعياد والمناسبات(2) . من المعروف أن المنابر في العصر الإسلامي لم تنصب إلا في المساجد الجامعة. وقد وجد المنبر منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وكان عبارة عن بناء من مرقاتين أو ثلاث مراق ( درجات )، وقيل كان المنبر أولاً من طين قبل أن يتخذ الخشب في سنة 7أو8 هجرية . وقد بدأ بسيطاً في شكلهِ ثم أخذ يتطور شيئاً فشيئاً بتتابع العصور الإسلامية فصنعت المنابر الخشبية الكبيرة ذات الدرجات العديدة ، والتي وجدت بجامع قرطبة ثم جامع ابن طولون بالقاهرة . وقد يكون المنبر ثابتا أو متحركا.
وتتنوع المنابر من حيث مادة إنشائها ، كالمنابر الخشبية والرخامية والحجرية، كما تتنوع أساليب تزيينها وزخرفتها , إذ وهب لها الفنان المسلم عقله وفكره ، لتكون رائعة في نقوشها ، دقيقة في صنعها ، حتى مثلت تحفا فنية بذاتها.
أما أقدم مثال للمنابر الخشبية إن لم يكن أقدم المنابر المعروفة حتى الآن منبر جامع القيروان ( لوحة ) ، وتذهب المراجع التاريخية إلى أنه مصنوع من خشب الساج الذي جلب من بغداد (3) .
تشكل المنابر الخشبية المنتشرة في حضرموت ، ثروة تراثية إسلامية نادرة، تبرز قدرات الفنان المسلم وتفاعله مع بيئته، بتوظيف ما يتوافر فيها من موارد وإمكانات لتشكيل عناصر عمارته، جامعًا بين الجانبين الوظيفي والجمالي.
وبسبب ما تكتنفه هذه الأعمال الإبداعية التراثية من أهمية كبرى لكونها أحد المعالم التراثية الإسلامية النادرة المهددة بالزوال،قام كاتب هذه السطور بدراسة لخمسة منابر حضرمية تعود لفترات تاريخية متعددة ، منها منبر جامع الشحر وهو موضوعنا ، إضافة إلى أربعة منابر أخرى واحد منها يرجع إلى المسجد الجامع بشبام ( جامع هارون الرشيد) ويعود تاريخ صنعه إلى سنة (643هـ ) بحسب ما هو محفور على الخشب . أما الثلاثة الأخرى فهي موجودة في متحف سيئون(1) سوف نتناولها في فترات لاحقة . وهي محاولة لدراسة احد أهم عناصر المساجد الجامعة في حضرموت والتي تزخر بالعديد من روائع الفن المعماري الإسلامي ، التي برع في صناعتها الفنان والصانع الحضرمي وهي لا تقل إبداعا وإشراقا عن مثيلاتها في العالم الإسلامي.
يعد منبر جامع الشحر أقدم منبر لازال قائما حتى الآن في مدينة الشحر على وجه الخصوص ، ويرجع تاريخ إنشائه إلى القرن العاشر الهجري بحسب ما أرخت له البعثة الأثرية التابعة لمنظمة اليونسكو في سنة 1979م عندما قامت بتسجيل المواقع الأثرية في حضرموت . حيث ورد في التقرير “ويعتبر أحد المنابر الجميلة الباقية من القرن العاشر الهجري ، وهو لا يستعمل ومهمل على الجانب البعيد من القبلة . (2)
والتكوين العام لهذا المنبر ، يتمثل في المدرج ، وجلسة الخطيب ، ويشتمل المدرج على باب المنبر والريشتين والسلم وسياجه ، أما جلسة الخطيب فتشتمل على الجوسق .
كما يتكون من سبع درجات، وجوانبه مزخرفة بأشكال هندسية ونباتية متقنة الأسلوب، ويتكون كل من مثلث الريشة من 14 حشوة ، تختلف كل حشوة منه عن الأخرى في شكلها و وزخرفتها.
وصف المنبر : لوحة ( 1 ) شكل ( 1 ) .
يبلغ طول المنبر 2,16م و ارتفاعه 2,40م . وعرضه 87 سم .وهو مصنوع من الخشب . ويتكون من باب المقدم أو الصدر والمدرج السلم والدرابزين أو السياج وجلسة الخطيب و الجوسق وأخيرا مثلث الريشة .
ويتقدم المدرج عقد على شكل حدوه الفرس . و يرتكز العقد على عمودين من الخشب، ويقوم على جانبي العقد ريشتا المنبر وهما على شكل مثلثين كبيرين .
باب المقدم أو الصدر:
يبلغ ارتفاعه (1,82م ) وعرضه (87 سم)، يتكون من فتحة باب مستطيلة ارتفاعها حوالي(1,32م) وعرضها ( 70سم) ويتوج فتحة باب المنبر عقد على شكل حدوة الفرس يبلغ اتساعه (45سم) . وارتفاعه (50 سم) تزين كوشاته بعض الزخارف تمثلت في زخارف نفذت بالحفر الغائر ويعلوه عارضة (شكل 13) يتوجها شرافات مدرجة ، ويبلغ عددها(15) شرفة . وتعلو شرفات العقد عارضة أخرى مستطيلة طولها حوالي(72 سم) . وعرضها(7 سم) تحتوي على زخارف هندسية تتمثل في خطوط متقاطعة ومتشابكة ، شكلت مربعات صغيرة . كما تعلوها أيضا عارضة ثالثة بالطول بنفسه ، أما عرضها فيبلغ(9سم) تحتوي على زخارف مخرمة تمثلت في مجموعة من النجوم الثمانية الشكل وعددها ( 34 ) نجمة وأشكال معينة ويبلغ عددها(33) شكل معين . وينتهي باب المقدم بشرفات مدرجة عددها ست، ونفذت تلك الزخارف بالحفر الغائر على الخشب.
المدرج :
سلم صاعد عدد درجاته 7 درجات، متساوية جميعها في الارتفاع والعمق ( 22×22سم)، ماعدا الدرجة الأولى، فتختلف عن الدرجات الأخرى في الارتفاع البالغ ( 25سم).
السياج أو الدرابزين :
ويكتنف مدرج المنبر سياج لم يبق منه غير عشرة قوائم مشكلة بأسلوب الخرط موزعة في كل جانب بواقع خمسة قوائم ، ثبتت إلى درجات السلم بواسطة وصلات معدنية من الحديد ، ومسامير من النوع المكوبج .
مثلثي الريشة :
هي الشكل المثلث الموجود على جانبي المنبر أسفل سياج المدرج ويتكون كل مثلث من 14 حشوة منها 8 حشوات مستطيلة مختلفة المقاسات تتراوح أبعادها بين ( 27×15سم) إلى (40×17سم) وست حشوات مربعة أبعاد كل منها (17×20سم) .
ويفصل بين كل حشوه وأخرى سدايب خشبية عريضة يبلغ حجمها حوالي ( 8 سم) قام الصانع بعمل وصلات حديدية ثبتت بالمسامير المكوبجة لربطها بعضا ببعض . وقوام هذه الزخارف تشبيكات هندسية مكونة من خطوط مستقيمة أو منحنية ، ودوائر وأنصاف دوائر متقاطعة فيما بينها . وزخارف نباتية تمثلت في الأغصان والوريقات. ( شكل 2 أ ، ب). ويمكن تقسيم زخارف هذه الحشوات بحسب التالي :
أ) حشوات اقتصرت على الزخارف الهندسية .
ب) حشوات تجمع بين الزخارف الهندسية والنباتية .
والزخارف المنفذة على الحشوات المربعة تمثلت في أشكال دائرية ووريقات وأغصان نباتية.
أما الحشوات المستطيلة فهي تجمع في زخارفها أشكال معينات ودوائر مستقلة ومتداخلة وأغصان نباتية ووريقات وقد نفذت الزخارف بأسلوب الحفر البارز.
المنطقة أسفل جلسة الخطيب :
وهي عبارة عن مستطيل يبلغ طوله (1,52م) وعرضه (76سم) عبارة عن قطعة واحد . يزينها إطار مستطيل حجمه حوالي 5 سم عبارة عن مجموعة من الدوائر تزينها وريده ذات 9 ورقات يلتف حولها غصن ملئت الفراغات بثلاثة معينات بارزة . ُقسم المستطيل الكبير إلى أربعة مستطيلات زخرفت مراكزها بزهرة خماسية تؤطرها دائرة على شكل معينات صغيرة ينطلق منها خطان يلتقيان مع حدود المستطيل الكبير مكونا شكل مثلثين متقابلين .
الجوسق :
يعلو جلسة الخطيب أربعة قوائم تشكل مربعا يزين كل ضلع من أضلاعه عقد على شكل حدوة الفرس . وللأسف الشديد لا توجد طاقية الجوسق ومن المرجح أنها فقدت وربما تكون عبارة عن قبة توضع على أركان الجوسق وهو ما شاهدناه من وجود أربع قطع خشبية على شكل مثلث مثبتة بالأركان الأربعة في نهاية الجوسق. ومن الأرجح بأنها تحمل القبة التي تعلو الجوسق . أو ربما يكون سطحا مستوياً .
العناصر الزخرفية :
يتجلى الطابع الزخرفي في الفن الإسلامي بشكل واضح في استخدام الفنانين المسلمين في تزويق منتجاتهم الفنية بشتى أنواع الزخارف من رسوم كائنات حية بطريقة زخرفية ومن زخارف هندسية ونباتية بالإضافة إلى الزخارف الكتابية .
كما تنوعت المواد التي نفذت عليها تلك الزخارف مابين مادة الجص والأخشاب ، واستلزم ذلك أسلوبا فنيا لتنفيذ الزخارف عليها والذي تم بطرق متعددة كالحفر البارز والغائر .
أولاً : العناصر النباتية :
وقد تنوعت الزخارف النباتية التي ظهرت على منبر المسجد الجامع بالشحر، بين الورقة الرباعية والخماسية والسداسية والثمانية المتفتحة التي تنحصر داخل شكل دائري أو معين .وعلى المساحة المستطيلة أسفل جلسة الخطيب، جاء التكوين الزخرفي عبارة عن شريط مستطيل زين بفرع أفعواني تحيط به وريدات ثمانية حولها دائرة والى جوارها براعم صغيرة تتكرر على طول الشريط . وفي وسط مساحة المستطيل توجد أربعة دوائر زينت بوريدات سداسية .
كما ظهرت إحدى حشوات المنبر تحمل زخرفة نباتية عبارة عن مجموعة من الأفرع النباتية بشكل متداخل وكل فرع يحمل أوراق ثلاثية طويلة ومدببة .
ثانياً : الزخارف الهندسية :
ازدانت حشوات المنبر لجامع الشحر بمجموعة من العناصر الهندسية وتمثلت في المربعات والمستطيلات والمعينات والدوائر والتي كانت السائدة في زخارف المنبر ، وقد ظهرت متشابكة مع بعضها البعض .
والمنبر في سابق عهده كان يقع إلى يمين المحراب ، وقد كان موضوعا بشكل عمودي على جدار القبلة يقطع صفوف المصلين وهذا ما نلحظه من خلال ظهر المنبر والذي صمم أن يكون ملاصقا لجدار القبلة . بدليل أن ظهر المنبر خالية من الزخارف ، وقد تعرض كثيراً للتآكل .
و منبر المسجد الجامع بالشحر منبرا أصيلا وهو أحد المنابر الأثرية الباقية (1) التي يرجع تاريخه إلى القرن العاشر الهجري / السادس عشر الميلادي(2). وهو شاهد حي على مهارة الصانع والفنان الحضرمي على مر العصور، ويعتبر تحفة فنية لا زالت قائمة إلى يومنا هذا ، وهو يحمل العديد من المميزات الخاصة ، سواء تعلق الأمر بالمواد أو التقنية أو عناصر الزخرفة ، مما يجعل من هذا المنبر أن يشكل حلقة هامة من حلقات تطور الفنون في حضرموت في تلك الفترة . فضلا عن كونه يقدم لنا نوعا من الابتكار الفني ذات الطابع المحلي ، الذي لا يقل إبداعا واتقانا عن نظيره في بقية بلدان العالم الإسلامي . كما يعد من أهم المنابر التي لا تزال قائما في مدينة الشحر على وجه الخصوص وحضرموت عامة .
(1) عثمان ، محمد عبد الستار ، نظرية الوظيفية ، ص: 268 .
(2) وزيري ، يحيى ، المرجع السابق ، ص : 143
(3) فكري ، أحمد ، مساجد القاهرة ومدارسها ، المدخل ، ص: 277 ، شافعي ، فريد ، العمارة العربية في مصر ، ص: 624- 633، خليفة ، ربيع حامد ، منبر جامع ذمار ، مجلة الإكليل ، ص : 106 .
(1) تكفل الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز، بدعم مشروع الحفاظ على هذه المنابر على نفقته الخاصة، وذلك في أثناء زيارته لحضرموت في شهر ديسمبر 200٥م الموافق لذي القعدة سنة 1426هـ. وعلى ضوء ذلك، أعدت مؤسسة التراث الخيرية السعودية دراسة أولية للحفاظ على هذه المنابر بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون التقني G.T.Z ممثلة في مشروع التعاون اليمني الألماني للتنمية الحضرية في شبام بحضرموت، و متحف سيؤن، الذي يحتضن هذه المنابر حالياً بعد الانتهاء من أعمال ترميمها وإعادة تأهيلها.
(2) مواقع أثرية ، تقرير أولي عن مواقع مختارة للصيانة 1989م ، المركز اليمني للأبحاث الثقافية والآثار، ص: 125 .
(1) للأسف الشديد فان هذا المنبر الأثري القديم لم يعد يؤدي دوره الذي أنشئ من أجله ، فهو حاليا مهملا بأحد زوايا الجامع معرضا لعوامل التعرية والتي مع مرور الزمن تسببت في إلحاق أضرارا جسيمة بالمنبر . وهو بحاجة ماسة إلى إعادة ترميمه بالطرق العلمية السليمة . وقد استبدل بمنبر معلق حديث .
(2) مواقع أثرية ، المرجع السابق ، ص : 125 .