تراثيات
أ. عوض عمر حسان
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 2 .. ص 120
رابط العدد 2 : اضغط هنا
المندر وجمعها منادر وهو مايطلق عليه في بعض مدن وادي حضرموت ” مداد ” وفي ساحلها ” مظل ” وهو شكل من اشكال التنزه والتفسح والترويح عن النفس ، كما انه يعتبر شكلا من اشكال الاحتفال في بعض الاعياد ، ففي الماضي القريب كان سكان اهالي مدينة شبام وبعض مدن الوادي يحتفلون في يوم المزدلفة – الثامن من شهر ذي الحجة – وفي يوم آخر ربوع – آخر يوم اربعاء من شهر صفر ، او بعد هطول الامطار حيث يطيب لهم الخروج الى خارج المدينة في سفح الجبل او بين اشجار النخيل او عند معايين المياة في الجبال فيتجمعون شبابا وشيوخا في اعداد كبيرة منهم ، وربما تتعدد هذه الفرق ، ويتهيؤن لذك قبل عدة ايام وغالبا ما يبكرون في الصباح ، ويتم قضاء يومهم هناك في ترح ومرح وانشراح بن قدور الشربة ومضابي اللحم . كما يحلو لهم الغناء والطرب والاستماع الى الشعراء والادباء الشعبيين منهم ، فتنشد القصائد وتقرأ المقالات .
وهنا نستعرض إحدى مقالات الاديب الشعبي أحمد عبدالله بركات من مواليد مدينة شبام 1273- 1348هـ والتي نهج فيها نهج خطبة الجمعة في زمانه وحتى وقت قريب حتى يشد بها مستمعيه ، فينصتوا لها في هدؤ وسكينة ووقار ، لقد اوضح بركات فيها اهمية المندر وكيفيته ، وطريقة طبخ الشربة وشوي اللحم . وقد اسماها خطبة الشربة.
الحمد لله الحميد المجيد ، المبدئ المعيد ، الفعال لما يريد ، الذي زين الشربة بالوقيد ، واللحم بالغظف والتقديد ، بعد سنانة الحديد ، احمده حمداً من قلب منفرد بالتوحيد ،عاى الشربة واكل العصيد ، طلباً للجمالة بعد العيد ،متعوذاً من اللحم الغليظ الشديد ، ومن وقيد الكرب والجريد ، وصلى الله على سيدنا محمد افضل العبيد ، الهادي الى المنهج الرشيد ، وعلى آله وصحبه اهل التعظيم والتحميد ، ماحدث مندر يوم المزدلفة قبل العيد .
أيها الناس مالكم عن تحريك الشربة ساكتون ، وعلى تفصيل اللحم خامدون ، مالكم لا تضحكون ، فهذا يوم المزاح ، والبسط والانشراح ، وليس عليكم في ذلك جناح ، فاحذروا المراقبة في الكلام ، ولا تخافوا الملام ، فان يومكم هذا زكاة العمرمن سائر الايام، اني اوصيكم بوصية لم ينظمها قبلي أحد ، ولم يدعها والد لولد ، ولا يتعين على اظهارها الغل والحسد ، فان عرفتم شوري واتبعتم مشورتي فزتم وظفرتم ،والا خبتم وندمتم .
فإذا كان قبل يومكم هذا بثلاث ايام ، قربوا ما تحتاجون من طعام ، واشتروا الغنم السمان ، واجمعوا مابين الماعز والضان ، واتبعوا في ذلك مذهب حميد بن شقران ، وليترأس واحد منكم ويتصدر ، ولايطمع في اصحابه ويتظفر ، والحذر في ذلك كل الحذر، فإنه جاء في مقالة من صح نصيحته وآدابه : ” من حب نفسه بغضه اصحابه ” ، ونزهوا ابر ودقوه، واشتروا الحطب وشقوه ، وسلموا ملحقكم من المخاسير ، ولا تطلبوا في ذلك المعاذير . أيها الجاهل المغرور ، اطلق الفلس المصرور ، فلست في ذلك معذور ، أ تظن انك تنسى مالك عن الشربة فرحاً مسرورا ، وعند مخلص الفلوس ملوماً محسورا ، فاخرجه غير ماسوف فانه عليك مخلوف ؛ فإذا اجتمعتم للحساب فقيدوه بالكتاب ،فذلك من احسن الاسباب ، واحفظوا بالدراهم والدنانير ؛ فإذا كانت ليلة هذا اليوم ، فليتقدم منكم خفاف القوم ، يختارون لاصحابهم المكان الطيب اللائق، المائل عن المارين في الطريق ، يبيتون تلك الليلة الى الصبح يسمرون ، ويحكمون الاواني ويعدلون ، فإذا طلع الفجر يدعون ، وبعضهم للشربة يفعلون وبعضهم للقهوة يطبخون ، والحذاق يتحدثون ، والصبيان يلعبون .
فذا نضجت الشربة فسكنوها على النار ، واجتمعوا على عود وطار ، ولا في ذلك عار ، فقد روينا في الحديث المسند بالتحقيق ، عن المعلم خميس باطريق ، انه رخص يوم الحبوش للحشام القمبوس ، وجميع آلات اللهو والطرب ، وشاع ذلك عند العجم والعرب ، واهل المقاهي والرشب . واجعلوا في حسابكم كل اثنين من الصغار بواحد من الكبار ، وديروا الشربة من اليمين ، وقدموا الحذاق المسنين ، ولينادي صاحب وظيفة التقديح ، ويظهر صوته ويصيح ، ويقول : ” يامعشر الحضور ، هل في احد منكم تقصور؟ فلا تخافوا الحذور ، هل من صحفة قاصرة ؟ أو حوائج فاترة ؟ فالعوض حاصل في الآخرة ” فاذا اكملتم العدد فردوا عليهم بالرد ، وديروا ثاني دير ، ولا يعجل الديار بالسير ، وزينوا اخلاقكم بالكرم ، وقيدوا صحافكم بالعلم ، فذلك احسن واتم ، والا صرتم الى المغالطة ، والمقابعة والمراقطة ، فتبدلون بالفرح حزناً ، وبالضحك شجناً ، وبالمودة خصاما ، فقد جرت هذه الواقعة وانا صغير ، ولا ينبئك مثل خبير .
ثم بعد فراغكم من الشربة ، وخروجكم من تلك الغبة ، يكون اكثر همكم اصلاح المضابي ، ولا تخمروا انفسكم في الجوابي ، واذا اوقدتم المضباة واحكمتموها ، واغلقتم فيها وخمدتموها ، فالقوا الجنوب والشخوص عليها ، وليقرب اهل المعرفة باللحم اليها ، فان لها شروط كثيرة ، وآداب شهيرة ، ولا تدرك الا بالمعاينة للحاضرين ، ولا تتبين الا للحذاق الماهرين ، واحذركم التهوين في الحطب ، لا تستامنوا على الجذوع والكرب ، فان الكرب والليف ، لا ينجح الشرق والمغاطيف ، وأسالوا التخفيف من الرب الكريم اللطيف .
اللهم وما كان في شربتنا هذه او غيرها من حريق او دخان ، او زيادة في مائها او نقصان ، او تقديم او تاخير ، او تهجير او تبدير ، فتقبلها اللهم بفضلك ، وتجاوزها عنا بمنك وجودك وكرمك واحسانك . اللهم رب السموات العلية ، والطسوت المجلية ، والمضابي المطفية ، والدروع الخلية ، والحمير المشدودة ، والمنازل المقلودة ،اجعلنافي هذا المكان مثل هذا اليوم من العائدين الفائزين ، واغفر لامواتنا السابقين ، وبارك في ذريتنا اللاحقين ، وكثر دراهمنا ودراهم السامعين يا ارحم الراحمين .
اللعم اجعل لحمنا لحماً هنياً طرياً ضبياً ، سايفاً ناجحاً سميناً رخيصاً مضبياً ، اللهم وما خسرناه من حفل او سنكر ، او اكعاك او مخمر ، فاخلفه علينا بالخلف الصالح ، وكثر لنا من الفوائد والمصالح ، حتى لا ننقصه لاهل المنادر , ونكون مع اول مبادر ، اللهم وما سبح لك من الاصوات المختلفة ، يوم الحبوش المزدلفة ، اجعلنا من العائدين الفائزين ، والله سبحانه وتعالى يقول ، وهو اصدق القائلين : ” وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون. ” أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ” وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين.” بارك الله لنا ولكم في القرآن العظيم ، وهدانا وإياكم الى الصراط المستقيم وادام اوقاتنا واوقاتكم في نعيم ، اقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولكل المسلمين ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
1-مختارات من الادب العامي الحضرمي ( اشعار ومقامات وخطب ) قامبترتيبها وتصحيحها ومقابلتها روبرت سارجنت – معهد الدراسات الشرقية بجامعة لندن 1950.