مسرح
عبد القادر سعيد بصعر
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 2 .. ص 142
رابط العدد 2 : اضغط هنا
لم يعرف المسرح في محافظة حضرموت الإرهاصات الأولى لبداياته، الذي بدأ ونشأ وترعرع مسرحاً مدرسياً منذ الثلاثينيات من القرن الماضي، أي لا تأهيل أكاديمي للعناصر التي عملت في هذا الفن النبيل ولو بصورة محدودة، فكان الرواد الذين حملوا الرية من أجل أن يكون لهذا الفن حضوره الفاعل والمؤثر ويعتمدون بدرجة رئيسة على اجتهاداتهم الذاتية وقدراتهم الفنية، إضافة إلى ما اكتسبوه من خبرات متواضعة من خلال الاطلاع والمشاهدة لبعض الأعمال المسرحية، كما أتيحت للبعض منهم فرصة المشاركة في وفود خارجية، منهم بشكل جلي الأستاذ والتربوي القدير رائد المسرح الحديث في حضرموت سالم يعقوب باوزير عندما أتيحت له فرصة الدراسة الأكاديمية في بريطانيا كان من المتابعين والحريصين على مشاهدة العديد من الأعمال المسرحية العالمية وتحديداً الأعمال الشهيرة لرائد المسرح الإنجليزي وليم شكسبير لإجادته اللغة الإنجليزية، فقد استطاع بعد عودته من الدراسة ان ينقل بعض مشاهداته لواقع المسرح بما يتلاءم مع ظروف واقعنا المتخلف ، وتجلى ذلك من خلال إدارته للمدرسة الوسطى بالغيل في الخمسينيات من القرن الماضي ، وكان المؤلف المسرحي المعروف سالم عبداللاه الحبشي – طيب الله ثراه – يطلق على الأستاذ سالم يعقوب باوزير بأنه رائد المسرح الحديث في حضرموت .
وينطبق ذلك الحال على العديد من المخرجين المسرحيين الذين تعاملوا مع هذا الفن بالخبرة والموهبة الفطرية، نشير على سبيل الاستدلال من الجيل الأول الشيخ عبد الله أحمد الناخبي، والشيخ عبد الله سعيد باعنقود، والأستاذ سالم يعقوب باوزير ،و الأستاذ محمد علي مخارش، وعوض العماري وآخرون.
أما الجيل الذي جاء بعدهم نشير على سبيل المثال إلى المخرج المسرحي عمر مرزوق حسنون، ومحمد عوض باصالح، وعوض سالم باعطب، عبد الرحمن عبد الكريم الملاحي، سالم أبوبكر باذيب، محمد محفوظ العماري، مبروك بشير بن عسلة وغيرهم آخرون تمكنوا من إخراج عشرات الأعمال المسرحية بالخبرة والموهبة ولم يكن للتأهيل الأكاديمي أي تعين يذكر .
وفي السبعينيات من القرن الماضي شهد النشاط المسرحي زخماً قوياً من خلال إنشاء عدد من الفرق المسرحية من بينها فرقة مسرحية تابعة لاتحاد الفنانين، وفرقة مسرح حضرموت التابعة لمكتب الثقافة، وفرقة الفقيد بارادم للمسرح التابعة للمجلس العمالي م/ حضرموت وبعض فرق المؤسسات الأخرى ومنها فرقة اتحاد الطلاب وأشيد، وفرقة الشرطة ، وشهدت تلك الفرق حراكاً مسرحياً قوياً وتنافساً شريفاً بين هذه الفرق أثمر عن عرض أعمال مسرحية ذات جودة فنية عالية واهتم مكتب الثقافة في ذلك الوقت بتأهيل عدد من المسرحيين عندما آلت قيادة المكتب بعد تأسسه إلى الأستاذ الباحث والمؤلف والمخرج المسرحي عبد الرحمن عبد الكريم الملاحي حيث نظمت خلال الفترة من أواخر شهر يوليو إلى منتصف شهر أغسطس 1976م دورة مسرحية شارك فيها قرابة (50) من المهتمين بالمسرح من الجنسين من المكلا وسيؤون استمرت هذه الدورة المكثفة من الصباح إلى المساء نصف شهر وأقيمت في المكتبة السلطانية بالمكلا ويرتبط بها مركز ثقافي متواضع في حي الصيادين به خشبة مسرح مجهزة للعروض المسرحية، وقد تلقى المشاركون والمشاركات في هذه الدورة محاضرات في تاريخ الدراما، وتاريخ المسرح في اليمن والوطن العربي، ومن التمثيل والعمارة المسرحية، وكان المشرفون على هذه الدورة من الكفاءات العربية والأجنبية والمحلية الذين لديهم تأهيل أكاديمي في معاهد عليا مسرحية، ومنهم الفرنسي بارسك ألن خبير العمارة المسرحية، والخبير المصري سامي عبد النبي مدير مسرح العرائس في مصر، والدكتور عبد العزيز درويش خبير متخصص في الفنون التشكيلية والديكور، ومن وزارة الثقافة انتدب للدورة الباحث في تاريخ المسرح عمر عوض بامطرف والمخرج المسرحي المعروف عبد الله صالح مسيبلي، والمخرج المسرحي علي الرخم ومن أبناء المحافظة شارك المخرج والناقد المسرحي أحمد سعيد الريدي الذي كان حينها طالباً في الصف الرابع بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالكويت وكان يقضي إجازته في مدينة المكلا بين اهله وذويه فأبى إلا ان يشارك في هذه الدورة ليصقل الجانب التطبيقي، وقد توجت هذه الدورة بتقديم أربعة أعمال مسرحية شارك فيها خريجو وخريجات هذه الدورة المتميزة وهذه الأعمال هي مسرحية (نهر الجنوب) تأليف عميد المسرح العربي توفيق الحكيم وإخراج المخرج علي الرخم، ومسرحية (الخيل) تأليف الكاتب المسرحي عبد المجيد القاضي وإخراج المخرج المسرحي عبد الله صالح مسيبلي ومسرحية (الحبيب عبد الرحمن) فكرة المسرحية عن الدجل والشعوذة من إخراج الفنان المسرحي كمال سالم الحامد تمثيل طلاب مديرية سيئون المشاركون في هذه الدورة ومسرحية (التاكسي) فكرة وإخراج المخرج والناقد المسرحي أحمد سعيد الريدي وهي من مسرح البانتومايم (المسرح الصامت بالإشارات) التي تقدم لأول مرة وتعالج حالة اللامبالاة من قبل الأطباء تجاه المريض في العيادات الشعبية حيث الدخول إلى العيادة بأجور رمزية زهيدة وهي مسرحية ناقدة لتلك الفترة التي لم يعط فيها اهتمام بالأطباء الاختصاصيين وأدت إلى هجرة معظمهم خارج الوطن.
والحقيقة أنه لو تمت الاستفادة الحقيقية من العناصر المشاركة في هذه الدورة وتأهيلهم وتدريبهم داخلياً وخارجياً، لمثل ذلك النواة الحقيقية لمسرح جاد وفاعل ولكن لم يحدث شيء من ذلك، وقبل هذه الدورة تم ترشيح عنصرين مسرحيين من المحافظة للمشاركة في دورة مسرحية بعدن ولمدة ستة أشهروهما الفنانة المسرحية القديرة أنيسة خميس بن جبير والفنان المسرحي القدير علي سالم الحامد ونالا شهادة الدبلوم في المسرح من وزارة الثقافة بعدن .
وفي بداية الثمانيات من القرن الماضي مابين عامي 1980-1981م وخلال وجود عدد من الأشقاء العراقيين في عاصمة المحافظة مدينة المكلا وهؤلاء لديهم تأهيل أكاديمي في المسرح تمت الاستفادة من خبراتهم خلال وجودهم قرابة عام في المكلا، تمكنوا من الأشراف على تنظيم دورة تأهيليه في المسرح لمدة ثلاثة أشهر شارك فيها عدد من كوادر المسرح ومن المنتمين لعضوية فرقة مسرح حضرموت التابع لمكتب الثقافة أسهمت هذه الدورة في تأهيلهم في العديد من الجوانب النظرية والتطبيقية، وخلال وجود الأشقاء العراقيين واخلاصهم وجدّهم أسهموا في إخراج العديد من الأعمال المسرحية لفرقة الفقيد بارادم للمسرح منها مسرحية (ذراع جاكسون) مسرحها وأخرجها المخرج العراقي عبد الهادي جبر (أبو أروى) وهي مأخوذة من الرواية العالمية (العقب الحديدية) تأليف الروائي الأمريكي جاك لندن ومضمونها يحدث عن استغلال الرأسماليين للطبقة العاملة وسلبها أبسط حقوقها المشروعة ومسرحية (موت وحياة احمد بن سعيد) تأليف وإخراج المخرج العراقي عبد الهادي جبر (أبو أروى) وفكرتها مستوحاة من حادثة القصر الشهيرة التي حدثت في 27 ديسمبر عام 1950م وهي أشبة بالانتفاضة الشعبية لسكان مدينة المكلا للمطالبة بتعيين سكرتير وطني، ومسرحية (الجرّة) تأليف الكاتب الإيطالي لويجى براند يللو وإخراج المخرج العراقي غانم شفيق ومسرحية (الكاتب والشحاذ) تأليف الكاتب المصري علي سالم وإخراج المخرج العراقي راجي عبد الله حسين (أبو الآن) كما أسهم الأشقاء العراقيون في إنعاش الدراما في إذاعة المكلا واخرج عدد من المسلسلات التاريخية والدينية بمستوى راقي ومتقدم أسهم في ذلك الأخوان احمد سالم وراجي عبد الله حسين (أبو الآن) هذه الأعمال مؤرشفة وموثقة في المكتبة الإذاعية لإذاعة المكلا أسهم فيها عدد من المسرحيين وبعض الممثلين في إذاعة المكلا تم الارتقاء بأدائهم التمثيلي ووصل إلى مستوى عال من الجودة بإشراف الأشقاء العراقيين الذين ضحوا بأوقاتهم الى ساعات متأخرة من الليل دون أي عائد مالي يذكر، كما أسهم المخرج العراقي غانم شفيق في وضع الخطة الإخراجية لمسرحية (محاكمة الرجل الذي لم يحارب) من تأليف الكاتب السوري ممدوح عدوان إلا أنه بسبب مغادرة العراقيين المكلا استكمل الإخراج المخرج محمد عوض باصالح وشاركت به فرقة مسرح حضرموت في اختتام فعاليات عام الثقافة الذي أقيم في العاصمة عدن في نهاية عام 1981م ونال هذا العمل المسرحي إحدى جوائز المهرجان ونال الممثل المسرحي غالب محمد بافطيم جائزة أفضل ممثل في المهرجان عن دور ( ابو الشكر ) في هذه المسرحية ومرت بعدها سنوات لم يحظ أي كادر مسرحي بفرصة تدريب وتأهيل خارجية سواء عبر دورات طويلة لفترة عام أو عامين او عبر الدراسة الأكاديمية في المعاهد العليا والأكاديميات المسرحية المنتشرة في عدد من دول الوطن العربي مشرقه ومغربه ولا باس في هذا العدد أن نشير إلى اثنين من كوادر حضرموت المسرحية أتيحت لها فرصة التأهيل الأكاديمي وهما احمد سعيد الريدي – رحمة الله عليه – ذهب إلى الكويت بنظام الابتعاث والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وبعد تخرجه عمل في وزارة الثقافة بعدن في منتصف سبعينيات القرن الماضي واسندت اليه مهمة دائرة المسارح بالوزارة لعدة أعوام وبعد ذلك تحمل مسئولية مدير مكتب الثقافة محافظة عدن ، أما الفنان المسرحي المعروف سالم حسين الجحوشي الذي تم ابتعاثه إلى دولة الكويت للدراسة الأكاديمية في مجال المسرح كان عبر وزارة الثقافة وفي الأعوام الأخيرة استقر به المقام في دولة قطر قطر الشقيقة، ليتم الاستفادة من خبراته المسرحية ويعمل خبيراً مسرحياً بوزارة التربية والتعليم بدولة قطر الشقيقة وعندما نعود بذاكرتنا إلى الوراء وتحديداً في فترة السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي فترة انتعاش وتألق المسرح في حضرموت لم تتح الفرص لأي فرقة من الفرق المسرحية المشاركة في أية مهرجانات مسرحية تقام في عدد من الدول العربية وما أكثرها، يعود السبب الأول للتوجه السياسي للنظام السابق الذي يعاني من فتور وركود في العلاقات الثقافية مع معظم الدول العربية لانحيازه إلى دول التوجه الاشتراكي آنذاك ونبذ ومحاربة الأفكار التي ينتهجها النظام آنذاك في معظم البلدان العربية والسبب الثاني استحواذ المشاركات الخارجية على الفرق المسرحية الموجودة في العاصمة عدن وتحديداً فرقة المسرح الوطني التابعة لوزارة الثقافة التي أحرزت نصيب السد في هذه المشاركات، وأتيحت فرصة وحيدة ويتيمة لفرقة مسرح حضرموت التابعة لمكتب الثقافة للمشاركة في الخارج لتمثيل اليمن الجنوبي قبل الوحدة في 1989م في مهرجان المسرح التجريبي الدولي في العاصمة المصرية القاهرة خلال الفترة من 1 – 15 سبتمبر 1989م تمت المشاركة بمسرحية (عرس البيارق) تأليف الكاتب المسرحي والناقد فيصل حسين صوفي تمت الاستعانة بمسرحيين من عدن وهما مخرج المسرحية جميل محفوظ ومساعد المخرج فؤاد هويدي وقد أشاد بهذا العمل الناقد المعروف الدكتور لويس عوض رئيس لجنة مهرجان المسرح التجريبي في مقال كتبه في جريدة الأهرام المصرية عن الشباب المشارك في هذا العمل والتلقائية في أدائهم للأدوار والاستعانة بجوانب تراثية قربت العمل في المجال التجريبي وهي شهادة صدرت من ناقد كبير تجاه المواهب المسرحية في حضرموت التي شاركت في هذا المهرجان الدولي للمسرح لذا نقول بكل أسى وبحرقة إن محافظة حضرموت حرمت حرماناً شبه كلي من فرصة التأهيل لكوادرها المسرحية وخاصة التأهيل الخارجي على مدى اكثر من سبعة عقود من الزمان كما أنها حرمت في فترة الحكم الشمولي بعد تحقيق الاستقلال وزاد حرمانها أكثر بعد الوحدة اي قرابة خمسة عقود التقوقع والانكماش، ومن ضمن المفارقات التي تعتز بها حضرموت اثناء مشاركتها في المهرجانات المسرحية التي تقام في العاصمة عدن آنذاك انها تحصد الجوائز والميداليات والمراكز المتقدمة رغم حرمانها من التأهيل الأكاديمي ونشير إلى بعض من هذه الأعمال التي تبوأت المراكز الأولى ونالت جوائز التمثيل والإخراج منها مسرحية (صقر قريش) تألف الكاتب السوري سعد الله ونوس وإخراج المخرج محمد عوض باصالح في أكتوبر 1978م، مسرحية (الجرة المحطمة) تأليف الكاتب الألماني هاينريش فون كلايست إخراج المخرج عمر مرزوق حسنون أكتوبر 1978م مسرحية (محاكمة الرجل الذي لم يحارب) تأليف الكاتب السوري ممدوح عدوان إخراج المخرج محمد عوض باصالح، ومن الأعمال الفنية الأوبرتيات اوبريت (الشموع العشر) تأليف الشاعر الغنائي الراحل حسين أبو بكر المحضار إخراج سالم أبو بكر باذيب في نوفمبر 1977م، وأوبريت (النبراسية) تأليف الشاعر محمد عبد الله حسن وإخراج المخرج احمد عبد الله حسن، وخلال العقدين الآخرين تراجع المسرح في حضرموت وانكمشت وانكفأ على نفسه، ولم يعد المسرحيون يواكبون التطورات التي طرأت في عالم المسرح اليوم والتجارب المسرحية الرائدة وتحديداً المسرح التجريبي الذي تنظم له المهرجانات إقليميا وعربياً ودولياً .
لذا فإننا نطالب بعد أن تجاوزنا الأوضاع الاستثنائية الطارئة التي يعيشها الوطن ويعم الأمن والاستقرار بلادنا وحضرموت على وجه الخصوص أن تفكر وزارة الثقافة ضمن المهام الملقاة على عاتقها بتطوير الفنون ويأتي في الأولوية منها للمسرح باعتباره من القوة الناعمة التي تعلق عليه المجتمعات آمالاً كبيرة في تطورها ورقيها ونبذ كل الظواهر السلبية ولأفكار المتطرفة وان تؤسس القاعدة الحقيقية للانطلاق على أسس علمية منهجية وان يتم ابثعات عدد من المهتمين بالمسرح وخاصة من الشباب المحبين والعاشقين لهذا الفن النبيل في معاهده وأكاديميات في عدد من التخصصات ومنها الإخراج، التمثيل، الإضاءة، الديكور الإكسسوار وغيرها من التخصصات الأخرى .
كما إن على مجلس جامعة حضرموت أن يتخذ قراراً شجاعاً بمباركة السلطة المحلية في إنشاء واستحداث كلية الفنون الجميلة ضمن كليات جامعة حضرموت في العام الجامعي القادم تستوعب تخصصات الموسيقى، والمسرح، والفنون التشكيلية، الفنون الشعبية والتراثية لنؤكد على ما يردده الكثيرون بان حضرموت محافظة التراث والثقافة، والفنون بينما الواقع يؤكد على تراجع مخيف وتضاؤل الاهتمام بهذه الفنون مجتمعة نأمل أن يتحقق ذلك على صعيد الواقع والممارسة وما ذلك على الجادين المخلصين ببعيد .