أضواء
محسن علوي أبو بكر باعلوي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 3 .. ص 13
رابط العدد 3 : اضغط هنا
وصفُ النُّسخة الخطِّية:
1_لاتبتدي النُّسحةُ بالبسملةِ، أوالحمدلةِ؛ إنَّما تبتدي بقولِ السُّلطان: (عُرِضتْ عليَّ مسألةٌ …الخ.
2_عددُ صفحاتها (6) صفحات من القطعِ المتوسِّطِ، ورق كرَّاسٍ حديثٍ مسطَّرٍ، ويبلغ عدد الأسطر في كلِّ صفحةٍ (22) سطراً ، والصفحةُ السابعةُ تحتوي على تقريظٍ ، وتأييدات.
3_خَطُّها نسخي معتادٌ واضحٌ.
4_اسمُ النَّاسخِ: غيرُ معروفٍ.
5_تاريخُ كتابتِها: انتهى منْها السُّلطانُ صالح في :6/11/1367هـ.
النَّصُّ المُحقَّق
قال السُّلطانُ صالحُ بنُ غالبٍ القعيطي _ رحمه الله تعالى _ :
عُرِضتْ عَليَّ مَسْألةٌ مِنَ المسائلِ المُهمَّةِ ، وهي : مسألةُ جَلْدِ الزَّاني أمامَ الجَمِّ الغَفِيرِ، فتفكَّرتُ في هذهِ المسألةِ مِنْ ناحِيَةِ مصْدرِها الشَّرعي ، فوجدتُ في كتابِ اللهِ الآيةَ المَشْهُورةَ في سُورةِ النُّورِ تُشيرُ إلى هذه المسألةِ ، وليسَ فيها دلالةٌ صريحةٌ على وُجُوبِ الجلْدِ أمامَ المَجْمَعِ العظيمِ البتَّة ، لا بتأويلٍ ولا قِيَاسٍ خَفيٍ ، ولابِقَرينةٍ واضِحَةٍ ، فلْنذكُرْ أولاً الآيةَ ، ثُمَّ نذكُرْ ما قالهُ المُفَسِّرونَ.
فالآيةُ هي : (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين).
فالآنَ نبْحثُ عنِ الجُملةِ الأخيرةِ فقطْ ؛ وهي : (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) ؛ لأنَّها تتعلَّقُ بالمسألةِ المُتقدمةِ فقطْ ، قالَ الإمَامُ الرَّازيُّ في تفسيرهِ في قولهِ تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة) : ((أمرٌ وظاهرهُ للوُجُوبِ؛ ولكنَّ الفُقهاءَ قالوا: يُستحبُّ حُضُورُ الجمعِ، والمقصودُ إعلانُ إقامةِ الحدِّ لمَا فيهِ منْ مزيدِ الرَّدْعِ، ولمَا فيهِ منْ رفْعِ التُّهْمةِ عمَّن يُجْلَدُ، وقيل: أرادَ بالطائفةِ الشُّهُودَ؛ لأنَّهُ يَجِبُ حضُورُهم ليُعلمَ بقائهم (1) على الشَّهادةِ، واختلفوا في أقلِّ الطائفةِ على أقوالٍ: أحدُها: أنَّهُ رجلٌ واحدٌ، وهو قولُ النَّخَعي، ومُجَاهِدٍ، وثانيْها: أنَّهُ اثنان وهو قولُ عِكْرَمةَ، وعطاءٍ، وثالثُها: أنَّهُ ثلاثةٌ، وهو قولُ الزُّهْريِّ، وقتادةَ، ورابعُها: أنَّهُ أربعةٌ بعَددِ شُهُودِ الزِّنا، وهو قولُ ابنِ عباسٍ، والشَّافعيِّ، وخامسُها: أنَّهُ عشرةٌ، وهو قولُ الحَسَنِ البَصْري )). (2)
فيظهرُ منْ هذهِ الأقوالِ كُلِّها بأنَّ الطَّائفةَ تدُلُ على شِرْذِمةٍ قليلةٍ لا الجَمْعِ الغفير، وقالَ الإمَامُ (3) : ((وقدْ نَبَّه تعالى بقولِهِ : (من المؤمنين ) : على أنَّ الذينَ يشهدُونَ يَجِبُ أنْ يكونوا بهذا الوصْفِ ؛ لأنَّهم إذا كانوا كذلك عَظُمَ موقِعُ حُضُورِهم في الزَّجْرِ، وعظُمَ موقِعُ إخبارهم عمَّا شاهدُوا فيخافُ المجلودُ منْ حُضُورهم الشُّهْرةَ فيكون ذلك أقوى في الانْزجار )). (4)
وعنْ نَصْرِ بنِ عَلْقمة أنَّ ذلك ليُدْعَى لهُما بالتَّوبةِ والرَّحْمةِ ، لا للتَّفْضيْحِ . (5)
فيظهرُ مِنْ هذا البيانِ بأنَّ الذينَ يَشْهدُونَ يَجِبُ أنْ يكونوا مُؤمنينَ ، فلا يجوزُ للكُفَّارِ والمُشركينَ أنْ يَحضرُوا هذا المَشْهدَ ، ولايُمكنُ منعُ الكُفَّارِ والمُشركينَ مِنَ الجَمِّ الغفيرِ ؛ فلهذا لايَجُوزُ الجَلْدُ أمَامَ الجَمَّ الغفيرِ في بلْدةٍ كالمُكلَّا ، وعَدَن ، وغيرها (6) مِنَ البُلدانِ التي سَكَنَها الكفَّارُ لتخْصِيصِهِ تعالى المؤمنينَ لشَهَادةِ العذابِ ، ومنعُ الكفارِ منْ مَشْهدِ هذا العذابِ متعذراً (7) إذا أجريْنا هذا العملَ أمامَ جمْعٍ عظيمٍ بحضْرةِ المُسلمِ والكافرِ والمشركِ ، ثُمَّ إنَّ اللهَ قد أشارَ في قولِهِ بأنَّ الذينَ يشهدُونَ يكونونَ طائفةً من المؤمنينَ ، والطَّائفةُ تدُلُ على شِرْذمةٍ قليلةٍ ، فلا يُمكنُ إطلاقُها على الجَمِّ الغفيرِ لا بدلالةِ المطابقةِ ولا التَّضمُنِ و لا التِزَامِ . (8)
ولْنبْحثِ الآنَ في الجُملةِ الأخيرةِ مِنَ الآيةِ ؛ وهي : (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) ولْنتدبَّرْ في معانيْها ، ونستخرِجْ منْها ما أُبْهمَ منْها فإنَّنا نعلمُ أنَّ فِعْلَ الحكيمِ لايَخلو مِنَ الحكمةِ فكيفَ يَخلو فِعْلُ اللهِ أو قولُهُ منْها ؟ حتَّى قالَ بعضُ المعتزلةِ : لابدَّ أنْ يكونَ حكمُ اللهِ عنْدَ التَّشريْعِ مُنزَّلاً على ما أدْرَكَهُ العقلُ؛ فلا تَرِدُ الشريعةُ بطَلَبِ قبيحٍ ، ولا بالكفِّ عنْ حَسَنٍ .
وقال الخُضري : ((أمَّا مُراعاةُ ذلك، عند التَّشريْعِ بحيثُ تكونُ أحكامُ اللهِ سُبحانه وتعالى مُنزَّلةً على مَصَالحِ العِبادِ فهو أمرٌ يكادُ يكونُ مُتفقاً عليه ، وقد أثْبَتَ الحنفيةُ للأفعالِ حُسْناً وقُبْحاً لذاتِها ولأمرٍ خارجٍ عنْها ، وقرَّروا أنَّ الشَّارعَ لا يطلبُ منَ المكلفينَ إلَّا ما اتَّصَفَ بِحُسْنٍ فقط .
فإذا علمْتَ ذلك وعلمْتَ أنَّ جميعَ أحكامِ اللهِ مُنزَّلةٌ على مصالحِ العبادِ فلْنبحثْ عنْ هذهِ المَصْلحةِ التي تتعلَّقُ بتخْصيصِ طائفةٍ منَ المؤمنينَ، أي: شِرْذِمةٍ قليلةٍ منْهم بشهادةِ العذابِ، أي: الجلدِ فالمصلحةُ العُمومِيَّةُ التي في هذا الحكمِ للمسلمينَ كافةً :هي تستُّرُ هذه القضيةُ من عُيونِ الفِرَقِ الأخرى كالكُفَّارِ والمشركينَ والجَهَلةِ منَ المسلمينَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى خصَّصَ هذا المنظرَ الرَّهيبَ بالمؤمنينَ فقط مِنْ دُونِ المسلمينَ كافةً.
والمؤمنُ: هو الذي ذاقَ حلاوةَ الإيمانِ، واتَّصفَ بهذهِ الصِّفةِ، فلا يخافونَ لَوْمَةَ لائمٍ، ويُحِبُّ لأخيهِ كما يُحِبُّ لنفسهِ؛ كما جاءَ في الحَدِيثِ (9)، فمثْلُ هذهِ الجماعةِ يُؤتمنُ عليهم؛ فلهذا خَصَّهمُ اللهُ بمُشاهدةِ هذا العذابِ للشَّهادةِ؛ ليستروا على أخيهِ (10) المُسلم عيوبَهُ ولو كان جانٍ أو مذنب (11)،ولا يتأثَّروا بإقامةِ الحدِّ عليهِ؛ لأنَّ قلوبَهم تكونُ مُطمئنةً بالإيمانِ؛ بل يكونوا شهداءَ على إقامةِ الحَدِّ ،ولاتأخُذُهم رَأفةٌ في دينِ اللهِ، وأمَّا إذا اطَلَعَ على هذا المنظرِ جماعةٌ مِنْ غيرِ المسلمينَ، أو الغوغاءُ منهم سِيْما في زمانِنا هذا الذي فشا فيه التَّمدُنُ الأوروباوي، وتسلَّطتْ على عقولِهم مَحَاسِنهُ فلا ينظُرُونَ بهذا الفعلِ إلا بعينِ السُّخْطِ والاسْتهْزَاءِ، ويعدُّونَ إجراءَ الحُدُودِ أمامَ أعْينِ الجَمِّ الغفيرِ مِنَ الهَمَجيَّة، ولاشكَّ أنَّهم يَحْسبُونَ هذا الفعلَ مِنْ أحكامِ الشَّريعةِ الإسلاميَّة، فيزدادُ سُخطُهُم بالشَّريعةِ الإسلاميَّةِ، وبالمسلمينَ أيضاً، ولايتوقفُ هذا على الفِرَقِ المُخالِفةِ للإسلامِ؛ بل كثيرٌ مِنَ المُسلمينَ المُخَالطينَ للأُمم الأخرى لايَسْتحسِنونَ هذا الفِعْلَ لِعَدَمِ مَعْرِفتِهم بأُصولِ الإسلامِ؛ ولظنِّهم أنَّ هذه الطُّرقَ هي الطُّرُقُ الإسلاميَّةُ؛ فينظُرُونَ إلى الإسلامِ بِعُيونٍ ساخطةٍ. فهل لايَجِبُ علينا إبْعادُ هذه الوَسَاوسِ منْ قُلُوبِ إخوانِنا المسلمينَ بالطُّرُقِ الحِكميَّة؛ فقد قالَ اللهُ تعالى:((ادْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة))؟.
بلْ يَجِبُ علينا أيضاً أنْ ندفعَ الشُّبْهَةَ مِنْ قُلُوبِ الفِرَقِ الأخرى؛ كدِعاية لميلهم إلى الإسلام، أو أقلِّ ما يكونُ لتفهيمهم الشَّريعة الإسلاميَّة، وأنَّ هذا الذي يعدُّونهُ منَ الإسلامِ ليسَ منهُ، وأنَّ الإسلامَ يتمشَّى مَعَ الحضارةِ الجديدةِ الحقَّةِ ويُخالفُ منْ أُصولِها ماهو مُضِرٌ لحياةِ المُجتمعِ؛ كشُرْبِ الخَمْرِ والزِّنا، وغيره مِنَ المعاصي التي أقرَّ المُنصِفونَ مِنَ الأوروباويين والشَّرقيين بفَضَاعتِها وقَبَاحتِها، ولا يمكنُ لعلماءِ المُسلمينَ أنْ ينشُرُوا الدعوةَ الإسلاميَّةَ، ويثْبتُوا بزاهةَ (12) الدِّينِ الإسلامي إلَّا إذا تَرَكوا التَّعصُّبَ الذَّميمَ، وتمكسَّوا بالقرآنِ العظيمِ، وسُنَّةِ نبيِّهم الكريمِ، وما داموا على طَريْقتهِم القديمةِ يتمسَّكونَ بأقوالِ علمائِهم الجَامِدينَ ويستنتجونَ مِنَ القياساتِ الغيرِ الصَّحيحةِ أحكاماً شرْعيةً، فهُم لايزالونَ يبتعدونَ عنِ الإسلامِ، وعنِ الشَّريعةِ الغرَّاءِ التي كانتْ منبثة في زَمَنِ النَّبي (صلعم) (13) وأصحابهِ؛ إذ كانوا يستمدُون الأحكامَ مِنَ الكتابِ والسُّنَّةِ فجاءَ زمانٌ تركَ علماؤُنا الاجتهادَ وعُدَّ ذلك لبعضِهم غيرُ جائزٍ، فتغيَّرتْ أفكارُهم، وكثُرَ القياسُ، وعلى سبيلِ المِثالِ نُوردُ لكم الجُملةَ الأخيرةَ منْ هذهِ الآيةِ؛ وهي: ((وليشهدْ عذابهما طائفة من المؤمنين))، فقد خصَّصَ اللهُ تعالى شِرْذِمةً قليلةً منَ المؤمنينَ ليشهدُوا عذابَ الزَّاني كمَا ذَكَرَ ذلك الإمامُ فَخْرُ الدينِ الرَّازي في تفسيرهِ، وقد سَبقَ ذكرهُ، هذا ما جاءَ في القرآنِ، وقد قالَ الإمامُ: (يَجبُ أنْ تكن (14) تلك الطَّائفةُ منَ المؤمنينَ)، فبأيِّ مفهومٍ، أو أي قياسٍ استدللتُم بهذه الآيةِ على وُجُوبِ أو استحبابِ الجَلْدِ أمامَ جماعةٍ كبيرةٍ؟
وعلَّلتم هذا بأنهُ إذا وقعَ هذا الأمرُ أمامَ الجماعةِ يكونُ أثرُهُ عظيم (15) على المُجرمِ ونسيتُم قولَهُ تعالى: (طائفة من المؤمنين)، فمثلُ هذه القياساتِ تُسمَّى عندَ المَنَاطِقةِ بالقياسِ السَّفْسَطائي، أوالسَّفْسَطةِ أو المُشاغبةِ؛ وهي طريقةٌ لايُعوَّلُ عليه (16) عندَ الاستنتاجِ منَ المُقدِّماتِ الصَّحيحةِ المنطقيَّة، فالجُملةُ منَ الآيةِ؛ وهي: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) تُوجِبُ على والي الأمرِ أنْ يُراعيَ هذا الحُكمَ القرآنيَّ، وأنْ يُخصِصَ المؤمنينَ فقطْ؛ لمشْهدِ إجْراءِ (17) ، وإلَّا فإنَّنا نُخالفُ أوامرَ اللهِ، وقد أيَّدَ هذا القولَ الإمامُ فخرُ الدينِ الرَّازيُّ في تفسيرهِ كمَا سَبقَ ذكْرهُ.
وإني أذكِّرُكُم بشيءٍ آخرَ؛ وهو أنَّ النَّبيَّ (صلعم) كان لايُحبُ إظهارَ عُيوبِ المسلمينَ أمامَ النَّاسِ؛ لأنَّ اللهَ ستَّارُ العُيوبِ، وغفَّارُ الذُّنوبِ، ولايسْلَمُ أحدٌ منَ الخطأ والذُّنوبِ؛ ولكنَّ هتكَ السِّتْرِ غيرُ مرغوبٍ سِيما الأُمة العربية لاترضى بالدَّناءةِ والرَّذائلِ، ويفضِّلونَ الموتَ على العَارِ؛ فقد نُقِلَ عنْ أبي جهلٍ في قضيَّةٍ لهُ قال: (النَّارُ ولا العَارُ) (18)، فهذهِ القضيةُ وأمثالُها تدُلُ دلالةً واضِحةً على ما للعربِ منَ الأنَفةِ وعزَّةِ النَّفسِ والشَّرافةِ القوميَّةِ، فكانَ النَّبيُّ يسعى في سِتْرِ عيوبِهم كما يبانُ لنا منْ أقوالهِ وأفعالهِ فقد جاءَ في حديثٍ رواهُ أنسٌ، قال: ((كنت عند النَّبيِّ (صلعم) فجاءهُ رجلٌ فقال: يا رسولَ اللهِ إنِّي أصبتُ حدَّاً فأقمهُ عليَّ، ولم يسألْهُ، وقالَ وحضرت الصَّلاةُ فصلَّى مع النَّبيِّ (صلعم) فلمَّا قضَى النَّبيُّ (صلعم) قامَ إليهِ الرجلُ فقال: يا رسولَ اللهِ إنِّي أصبتُ حدَّاً فأقمْ فيَّ كتابَ اللهِ، قال : أوَ ليسَ قد صليتَ معنا، قال: نعم، قال: فإنَّ اللهَ قد غَفَرَ لك ذنْبَكَ أوحدَّكَ)) أخرجاهُ وأحمدُ ومسلمٌ، فهو حديثٌ صحيحٌ. (19)
حكى القاضي عِياضٌ عنْ بعضِهم أنَّ المرادَ الحدُّ المعروفُ، قال: وإنَّما لم يحدَّهُ لأنَّهُ لم يفسِّرْ مُوجِبَ الحدِّ، ولم يستفسرْهُ النَّبيُّ (صلعم) إيثاراً للسِّترِ؛ بل استحبَّ تلقينَ الرجلِ صريحاً، فهذا الحديثُ وأحاديثُ كثيرةٌ تدل على أن النَّبيَّ كان يريدُ أن يسترَ على الجاني ، ولايهتكَ عرضَهُ ، وأيضاً ذكرَهُ السَّيدُ البكريُّ في (إعانةِ الطالبين) قال: ((اعلمْ أنَّهُ يُسنُّ للزَّاني ، ولكلِّ من ارتكبَ معصيةً أنْ يسترَ على نفسهِ لخبر:(منْ أتى منْ هذهِ القاذُوراتِ شيء (20) فليستترْ بسِترِ اللهِ تعالى فإنَّ منْ أبدى لنا صفحتَهُ أقمنا عليه الحدَّ)). (21)
وقد أعْرضَ عنْ بيانِ ماعزٍ أربع مراتٍ ليسترَ عليه ، ورُويَ عنْ عائشةَ قالت: قالَ رسولُ اللهِ:ادْرَءُوا الحُدُودَ عنِ المسلمينَ ما استطعتم فإنْ كان لهُ مخرجٌ فخلُّوا سبيلَهُ؛ فإنَّ الإمامَ أنْ يخطئَ في العفوِ خيرٌ منْ أنْ يخطئَ في العقوبة )) رواه الترمذي. (22)
وقد رُويَ عنْ غيرِ واحدٍ من الصحابةِ أنَّهم قالوا مثلَ ذلك (23)، فهذه أحاديثُ ، وأمثالُها كثيرةٌ ، وهي تدُلُ دلالةً واضحةً على أنَّ النَّبيَّ أرادَ السِّترَ على عُيوبِ المسلمينَ وحفظَ ناموسِهم ، وعزِّهم ، ولم يُردْ تذليلَهم ، ولو يصدر منهم ذنبٌ ، ويقيم عليهمُ الحدَّ إذا رأى ما هناك طريق غير هذا ، هذا كانَ مسلكُ النَّبيِّ (صلعم) معَ المُذنبينَ والخاطئينَ ، ومعَ علمِكم بهذهِ الأحاديثِ ، وتبصُّرِكم بمعاني الكتابِ قلتم يجبُ أو يُستحبُّ إجراءُ العذابِ أمامَ جمعٍ منَ الغوغاءِ، وأمامَ المشركينَ والكافرينَ جميعاً ليهانَ رجلٌ منَ المسلمينَ الذي يقول: (لا إله إلا الله) ، ونسبتم هذا الحكمَ إلى الشريعةِ الغراءِ، وهي بريئةٌ منهُ ؛ بل مخالفةٌ لهذا الحكمِ بنصٍّ صريحٍ كما بيَّنا ذلك ، فألصقتم العارَ بالمسلمين ، والشريعةِ الإسلاميةِ ، أفبهذهِ الأحكامِ الغيرِ الرشيدةِ نقْدِرُ أنْ نستميلَ قُلوبَ أعداءِ الأسلامِ وننشرَ الدعوةَ الإسلاميةَ بينهم بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ كمَا أمرَنا اللهُ؛ بل هذا ما أردتُ تصريحهُ ، والسَّلامُ.
أعرِضوا هذا البحثَ على رئيسِ المجلسِ. (24)
صالح بن غالب القعيطي 6/11/1367هـ
القعدة
عزيزي الأجلُّ الشيخُ سالم أحمد باصدِّيق /المحترم. (25)
تحيةً طيبةً ..
وبعدُ: قرأتُ بمزيدِ السُّرورِ والارتياحِ البحثَ القيمَ الذي حرَّرهُ مولانا عظمةُ السلطانِ عن موضوعِ الجَلدِ العَلَني (في القصاص)، إنَّ هذا البحثَ القيمَ ليسَ منَ السَّهلِ الوصولُ إليهِ إلا للرجالِ الذينَ وهبَهم اللهُ بسطةً في العلمِ حيثُ إنَّهُ بحَثٌ يتمشَّى معَ رُوحِ الإسلامِ ، ولا يمكن أنْ يعترضَ عليهِ أصحابُ هذا العصرِ الذين سمُّوا أنفسَهم بأصحابِ القرنِ العشرين .
أكون شاكراً لو استأذنتم من مولانا صاحبِ العظمةِ بأخذِ نقلٍ منهُ لإرسالهِ إلى صديقِنا شيخِ العلماءِ بالسودانِ ، وهو رجلٌ عالمٌ بالدينِ، والعلومِ الأخرى، وسيسرُّهُ أنْ يطلعَ على بحثٍ مثلِ هذا ، أو زيادةٍ على ذلك؛ فإنَّ مثلَ هذه البحوثِ يجبُ نشرُها في العالم الإسلامي بالنسبة لمَا عليه بعضُ العلماءِ من جمودٍ ، إنَّ الإسلامَ دينٌ سمحٌ قابلٌ لكل زمانٍ ، وفي أيِّ مكانٍ.
والسلامُ والاحترامُ لعظمةِ السُّلطان.
من المخلص / القدال سعيد القدال 8/9/1948م (26)
(ملحوظة) قد اطَّلع على البحث الشيخ محمد بن قاسم (27) ، والسَّيد علي بن يحيى (28) ، والشيخ عمر باحشوان (29) ، والشيخ عبدالله الناخبي (30)، والشيخ محمد باجنيد (31) ، وجميعهم سروا من البحث ، وانتفعوا به.
القدال
قال السِّيدُ محسنُ بن جعفر أبونمي (32) :
قد قالَ سُلطانُنا في الجلدِ قولتهُ *** وكلُّ ما قالَهُ السُّلطانُ مقبولُ
الهوامش: