أضواء
أ.د. عبد الله سعيد بن جسار الجعيدي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 3 .. ص 16
رابط العدد 3 : اضغط هنا
تعرّف الوثائق التاريخية بأنها كل ماله علاقة مباشرة بالمرحلة التاريخية قيد الدراسة أو البحث ، وهي تشمل بهذا التعريف النقوش ، والمراسلات الرسمية ، والمؤلفات المعاصرة ، والآثار بكل ما تعنيه من : عمارة ، وأسلحة ، وعملات ،وأدوات منزلية ، وحليّ ، وصور فوتوغرافية، وتسجيلات صوتية ومرئية وغيرها ، ومن المهم التمييز بين القيمة العلمية للوثائق بوصفها أصولاً تاريخية لا غنى عنها في الدراسات التاريخية وبين مدى حقيقة معلوماتها، لاسيما النصوص المكتوبة التي تعبر عن وجهة النظر الخاصة بأصحابها، لهذا تشكل عملية النقد التاريخي للمصادر التاريخية خطوة مهمة تمكن المؤرخ الحصيف من ضبط بوصلته التاريخية في الاتجاه السليم .والوثيقة – كما يقول المؤرخ حسين مؤنس – : ” هي ما يوثّق كلامك ويدل على أنك تقول ما تقول وتكتب ما تكتب معتمداً على أصول يمكن لغيرك أن يطلع عليها ليتحقق من صحة كلامك ” وعلى أية حال فإن الوثائق مثل النجوم تستمد ضياءها من ذاتها، لكنها لا تبخل بنورها على من اقترب منها، وحاول استنطاقها.
هذه الوثيقة التي نحاول دراساتها مختارة من الأرشيف الإداري الرسمي للسلطنة الحضرمية القعيطية في عهد حكم السلطان عوض بن صالح القعيطي(1956-1966م)، وتعود إلى عام 1957م وهي مكتوبة بآلة الطباعة على ورقة عادية، خالية من الإشارات الرسمية التقليدية مثل الختم أو الشعار الرسمي التي يكون عادة أعلى الأوراق الرسمية ،وتتجلى صفتها الرسمية من توقيع وزير السلطنة بالنيابة أسفل الخطاب ، ومن صفة جهة الإصدار المكتوبة أعلى الوثيقة (السكرتارية –المكلا )ومن الترقيم المتسلسل لها ، وأيضاً من تعدد الجهات الحكومية المرسلة إليها. ويقصد بالسكرتارية مبنى الدوائر الحكومية الذي فيه مكتب وزير السلطنة الذي كان يطلق عليه لقب (السكرتير ) بعد أن تولى منصب (الوزارة )سيف بن علي البوعلي ( 1939م – 1950م )، ثم أعيد لقب الوزير في عهد القدال سعيد القدال في مايو 1951م، واستمر حتى سقوط السلطنة القعيطية عام 1967م، وكان القائم بأعمال الوزارة بالنيابة المستر جهان خان.
وقد وردت في الوثيقة إشارات لمناصب رسمية وبعضها قرنت بأسماء أصحابها منها :
وتواجه الباحث في تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر – لاسيما عند قراءته مثل هذه الوثائق الرسمية – مصاعب كثيرة في تحديد أسماء الشخصيات الاعتبارية، فعادة يكتفي فقط بذكر المنصب الرسمي ، وإذا قلل البعض من أهمية ذكر الأسماء بحجة أن ذلك لا يؤثر على فهم السياق العام لمضمون الوثائق فإنها عند المؤرخ المدقق لها دلالاتها وهو يسعى في الشوارد وما بين السطور. فعلى سبيل المثال تضمنت الوثيقة إشارات إلى السلَّم الوظيفي والعناصر القابضة على زمام الأمور في السلطنة القعيطية، فمن الأشخاص الستة الذين ورد اسمهم في الوثيقة نلاحظ أربعة أشخاص غير عرب، منهم ثلاثة بريطانيون وواحد باكستاني، هذا الحضور الأجنبي اللافت يشير إلى خلل وظيفي ويعطي مؤشراً أولياً على السيطرة الأجنبية على مقاليد الأمور على حساب أهل البلاد في زمن الوثيقة(1957م).
كما حفلت الوثيقة بذكر ألقاب رسمية وتشريفية وعسكرية، مثل: صاحب العزة المستشار أو لعزة المستشار المقيم ، كما وردت لفظة الوزير وهو يقابل رئيس الوزراء في الدول الحديثة. ولبساطة النظام الإداري للسلطنة اتخذت المناصب ما تحت الوزير لقب الرئيس (رئيس الجمارك –رئيس المحاسبين )، أما المسؤول الأول عن التعليم فيلقب بناظر المعارف، وجاء في الوثيقة ذكر الرتبة العسكرية للكولونيل (كاهون) وتحصل (ماني) على اللقب الشائع (مستر) ولعله من الموظفين المدنيين أو الاستخباراتيين الذين يتحفظ عادة عن ذكر رتبهم العسكرية . ومن الأمور التي تستحق التوقف أن ثلاثة من المناصب التي ذكرت في الوثيقة يشغلها أصحابها بالنيابة، وهي: المستشار، والوزير، ورئيس الجمارك. وربما ستكون لكل حالة ما يسوّغ غيابها بين الإجازة السنوية، أو السفر، أو التقدم لطلب التقاعد، كما هو حال الوزير القدال سعيد القدال فقد ظل منصبه شاغراً إلى أن عين الوزير بالنيابة (جهان خان) بمنصب الوزارة في عام الوثيقة نفسه.
إن مضمون الخطاب كما في نص الوثيقة موجه من وزير السلطنة بالنيابة بخصوص بندقية رسمية باسم الكولونيل (كاهون)، وذلك للسماح بإعفائها من الضرائب؛ لأنها كما جاء في نص الوثيقة (بندقية حكومية)، لا تخضع للرسوم الجمركية. وإذا حيدنا موقفنا من الوجود البريطاني في حضرموت بموجب معاهدة الاستشارة 1937م ووضعنا الوثيقة تحت مجهر البحث والتأمل فإننا يمكن أن نخرج بالإشارات الآتية: