شخصيات
سالمين باسلوم
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 3 .. ص 48
رابط العدد 3 : اضغط هنا
حكاية هذه الرائدة .. حكاية عويصة ومؤلمة ..
لذلك .. لا ندري من أين نبتدئ هذه الحكاية ..
من البداية ..
أم من النهاية .. ؟!
هي مربية قديرة .. رائدة من رائدات تعليم الفتاة بحضرموت شهد لها الجميع بدورها الريادي في إرساء التعليم النظامي في المحافظة ..
يسجل لها التاريخ التربوي أنها أول من قام بتعليم الفتاة في منطقة حجر في بداية سبعينيات القرن الماضي ..
إنها المربية الفاضلة / طفلة سليمان عبود السيباني ( أم عبدالله )
قبل النهاية :
الست / طفلة .. هي اليوم في العقد الثامن من عمرها .. وتعيش ظروفاً مادية صعبة جداً .. تعيش في بيتها بشرج باسالم ولديها من الأبناء ابن واحد فقط ومن الأحفاد ما يزيد عن سبعة كلهم تلاميذ مدرسة!
التحقت بمهنة التدريس ( منتدبة ) منذ تخرجها في مدرسة بنات البادية في عام 1956م وعملت في مهنة التدريس ما يقارب ( 16 ) سنة ..
قلنا ( منتدبة ) .. وهنا تكمن المشكلة .. فالست / طفلة .. عند تخرجها في مدرسة بنات البادية .. تم ضمها إلى جيش البادية / اللواء الثلاثين .. وعندما تغير النظام 67م تم تسريح الكثير من القوات العاملة بجيش البادية واستغنوا عن خدماتهم وأصبحوا ضمن لواء ( خليك في البيت ) !! وشمل هذا القرار كل من خدم في جيش البادية وكان من ضمنهم الست / طفلة ، فقد استدعيت وهي تمارس مهنة التدريس في منطقة ( محمدة ) حجر عام 1971م وقيل لها إن الحكومة قد استغنت عن خدمتها عندما تخرجت الست / طفلة في مدرسة بنات البادية كان ذلك في عام 1956م والتحقت بالتعليم عندما طلبت وزارة المعارف رفدها بمعلمات لسد النقص لديها في المعلمات وخاصة المعلمات اللاتي يخرجن في نقلات إلى خارج المدينة لأن بنات المدينة المتعلمات واللاتي التحقن بالتدريس لا يسمحون لهن بالخروج خارج مديرية المكلا، كان بنات البادية – بنات البدو –هن من يتكبدن هذه المعاناة وقسوة النقلات والبعد عن الأهل والأقارب !!
توقفت الست / طفلة عن التدريس عام 1972م بعد ( 16 ) سنة ترحلت خلالها من الديس الشرقية إلى القطن إلى حجر ( محمدة ) التي لم تكمل بها العام الدراسي نظراً لاستدعائها من قيادة اللواء الثلاثين الذي أُخبرت بأن الحكومة قد استغنت عن خدماتها وأُعطي لها مبلغ مقداره ( 14 ) الف شلن ، كانت تظن المسكينة أن هذا المبلغ هو مقابل لجهودها الطيبة المباركة في مهنة التدريس وتحملها المشاق والصعوبات في سبيل تعليم الفتاة في حضرموت وظنت أن معاشها التقاعدي سيستمر ولكن للأسف خرجت من غير معاش تقاعدي. فأختها ( سلومة ) خريجة بنات البادية بعدها والتي توظفت بعد تخرجها في مدرسة بنات البادية والتي التحقت مباشرة بوزارة المعارف هي وكثير من زميلاتها خرجت من العمل بمعاشها التقاعدي مع زميلاتها لكن الست / طفلة خصها وحظها العاثر في أنها توظفت بداية في جيش البادية اللواء الثلاثين ولم ينصفها جيش البادية ولم تنصفها وزارة المعارف ( طلعت من المولد بلا حمص ) .
وهي اليوم والحياة قد تعقدت كثيراً وصحتها من سيئ إلى أسوأ وهي تعيش بلا معاش تقاعدي ! ابنها الوحيد قدراته العقلية اللإداركية ضعيفة فهو لم يدرس ولم يلتحق بمدرسة ، واستطاع عضو المجلس المحلي السابق / سالم عبدالله بن مخاشن أن يجد له عملاً يتقاضى عليه حوالي ( 35 ) الف ريال ولأن لديها بيتاً من طابقين فقد قامت بتأجير الطابق السفلي من بيتها لتسد جانباً من جوانب صرفيات أسرتها – ابنها وزوجته وأحفادها ..
وقد عاشت سنوات طويلة مع زوجها لكنه بعد ذلك تزوج غيرها وتخلى عنها ويزورها في فترات متقطعة وطويلة !! ولا يسأل عنها ولا عن ابنه إلا فيما ندر !
اليوم هي تعيش ظروفاً صعبة بعد أن ساءت حالتها الصحية والمعيشية وتغيرت الظروف وتعقدت الحياة فماذا بعد ؟!
النهاية :
النهاية لا يموت فيها البطل في حكاية الست / طفلة بل يزداد معاناة ومرضاً وشكوى من ظروف صعبة ولا حياة لمن تنادي تحرك ملفها الذي يضم أوراقاً تحكي معاناتها، وكاد ملفها أن يصل إلى رئيس الجمهورية لولا هذه الحرب التي عصفت بالأخضر واليابس في بلادنا. ولأنها خدمت في جيش البادية قبل التحاقها بمهنة التدريس منتدبة تم تحويلها إلى الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء ومناضلي الثورة ، حصلت في إثرها على إعانة شهرية لم تستمر طويلاً وانقطعت، وخاطبت في رسائل عدة المحافظين السابقين بالمحافظة ولا جديد، وما ظفرت به من هذه المعاناة أنها تحصلت على توجيه من المحافظ ابن بريك الذي وجه صندوق الرعاية الاجتماعية بضمها إلى كشف الرعاية الاجتماعية الشهرية أو إحلالها إحلال بدل .. كان ذلك في 16 أغسطس 2016م وقد سعى في ذلك قيادة اتحاد النساء بحضرموت وصدمت بأن صندوق الرعاية الاجتماعية لم يفتح أبوابه بعد ولا تزال الست / طفلة في انتظار سراب يظنه الظمآن ماء ً !!
فهل من مغيث ؟!
قبل البداية :
تندرج الأستاذة المربية القديرة طفلة سليمان عبود المرشدي السيباني من سلالة قبيلة سيبان هذه القبيلة الحضرمية العريقة التي لها صولات وجولات في محافظة حضرموت وينتسب إليها الكثير من القادة العسكريين والمدنيين الذين قدموا للوطن عطاءاتهم ولم يبخلوا بالغالي والنفيس في سبيل عزة هذا الوطن وكرامته ..
ولدت المربية القديرة / طفلة سليمان في صيف عام 1936م في إحدى ضواحي منطقة غيل باوزير وكان والدها من البدو الرحل ومع اشتداد الأزمة والحرب العالمية الثانية نقلها والدها مع أخيها وأختها وأمها إلى منطقة روكب بساحل حضرموت وكانت أسرتها تعيش حياة بائسة وشظف العيش، وازدادت الحياة صعوبة عليها وعلى أخيها وأختها بوفاة والدتها في تلك السنين العجاف !! فما كان من والدها أن أخذها هي وأختها وأخاها للالتحاق بمدرسة بنات البادية وأخيها بمدرسة أبناء البادية كان ذلك متزامناً تعيين القائد صالح يسلم بن سميدع قائداً لمدارس البادية في عام 1943م
كان في ذلك الوقت لم يتجاوز عمرها الخامسة كانت صغيرة وكان التوافد على المدارس كبيراً خاصة بعد محاولات القائد بن سميدع إقناع البدو وأهل البادية بإدخال أبنائهم وبناتهم في هذه المدارس وكثيرون توافدوا بأبنائهم فهناك مجاعة وهناك أيتام فكانت المدارس كطوق النجاة بالنسبة لهم ..
وأُخذت الطفلة / طفلة مع أختها إلى المكلا وجلست وهي طفلة صغيرة مع كثيرات من بنات البادية في المستشارية تأكل وتنام مع هذه المجموعات الصغيرة اللاتي في سن صغير لا يؤهلهن للتعليم وظلت على هذه الحالة مدة من الزمن ثم أخذت عندما أصبحت في سن السادسة تقريباً إلى مدرسة بنات البادية برفقة أختها ( سلومة ) وهناك تولت رعايتهن ( أمي السعد ) على حسب قولها في بيت ( ابن عبده ) وأيضاً طلب منهن المكوث في هذا البيت مع الإشراف عليهن من قبل ( أمي السعد ) السعد العامرية المربية الفاضلة التي تشرف على مدارس بنات البادية في ذلك الوقت ( عليها رحمة الله ) .
وعندما وصلت الست / طفلة إلى السن الذي يؤهلها للدراسة واصلت تعليمها في مدرسة بنات البادية وكان في المدرسة يوم ذاك ( 50 ) بنتاً في الداخلية وكان في الداخلية نساء عاقلات يخدمن التلميذات ويقشن ويطبخن ويحطن وكان التلميذات في ذلك الوقت صغاراً .
تتذكر الست / طفلة أن معلميهم في مدرسة بنات البادية كانو من خيرة المعلمين أكثرهم سادة من تريم وسيؤن منهم : المعلم / سالم الجفري، والمعلم / أحمد زين، والمعلم / سقاف، والمعلم / جديد. وبعد انتقال البنات إلى المرحلة المتوسطة قام بتدريسهن الأستاذ عبدالقادر محمد باحشوان، والأستاذ علي محفوظ حودة، والأستاذ سالم يعقوب باوزير. وكان مدير المعارف في ذلك الوقت الأستاذ / عمر باحشوان. وكانت طالبات مدرسة بنات البادية يدرسن كل المواد الدراسية اللغة العربية والحساب والدين والتاريخ وغيرها إلا اللغة الإنجليزية لم يسمح بتدريسها للبنات في ذلك الوقت .
وتتذكر المربية الفاضلة الست / طفلة عندما التحقت بداخلية بنات البادية كانت ( أمي السعد ) مسئولة عنهن، وكان المدرسون يأتون الساعة الثامنة صباحاً ، ويذهبون الساعة الواحدة ظهراً، والبنات في الداخلية يأكلن ويشربن ويتعلمن ولا يسمح لهن بالذهاب إلى أي مكان آخر فقد كان يقف بالباب حارس عسكري شديد و ( أمي السعد ) كانت مراقبة لهن في كل صغيرة وكبيرة ، عند الفجر يقمن الطالبات لصلاة الفجر وفي تمام الساعة الخامسة الرياضة البدنية والساعة السابعة فطور الصباح والساعة الثامنة إلى الفصول الدراسية ويأخذن راحة إلى الساعة الثالثة ثم صلاة العصر ثم الرياضة .. أما البنات الكبار فهن يقمن بأعمال يدوية كثيرة منها التطريز والخياطة وأشغال يدوية أخرى وهكذا .. كانت أياماً كما تصفها المربية / طفلة سليمان بأنها لم تمح من ذاكرتنا أبداً ..
البداية :
التحقت بالتدريس عام 1956 م بعد تجاوزها المرحلة الوسطى وتتذكر أن زميلتها عائشة زمولة نقلت إلى خارج المكلا وبقيت هي في المدرسة ( بنات البادية ) ومعها كانت زميلتها فاطمة البريكية أم المعلمة / سمراء المنهالي ودرست سنين في مدرسة بنات البادية .. وكان مسكنهم ( السكن الداخلي لبنات البادية ) لأنها لم يكن لديها بيت أو سكن أو أهل قريب منها .. كانت المدرسة بالنسبة لهن كل شيء ..
ثم نُقلت إلى مديرية القطن وقضت هناك سنين دارسية ثم عادت إلى مدرسة بنات البادية من جديد ودرَّست فيها تسع سنوات ثم أخذت في نقلة إلى الديس الشرقية ودرست فيها سنتين دراسيتين وتتذكر من التلميذات اللاتي قامت بتدريسهن هناك / آمنة الحداد وزهرة باغوث وفاطمة بن إسماعيل قامت بتدريسهن في الأول من المستوى الابتدائي .
وفي الديس الشرقية كان معها زميلاتها المعلمة / سلطانة بن هلابي والمعلمة / زهور القرزي .
ثم نقلت إلى مديرية حجر منطقة ( محمدة ) ولم تكملها لأنه تم استدعاؤها كما أسلفنا سابقاً وتحكي المربية الفاضلة / طفلة سليمان عن التنقل في ذلك الوقت وكيف قاست وعانت مع زميلاتها ..
قالت : كانوا يأخذوننا في ( زيزوات ) ونحن على مسئولية السائق في السيارة فنتعب كثيراً في الرحلة، وأذكر مرة خرجت أنا وأخوتي في سيارة إدارة المعارف وفي الطريق أعيانا التعب وطلبنا ان نرتاح وداهمنا الليل فبتنا في الصحراء كنا رايحين القطن وتلك الليلة لن أنساها بتنا طول الليل ساهرات وخائفات إلى الفجر وكانت الطريق ( عيفة ) ارهقتنا كثيراً ..
بين البداية والنهاية :
كلمة التي أرادت أن تقولها ولم يسمعها أحد
إنني أقول أريدهم هذه الأيام خاصة ان يلتفتوا إليّ فأنا امرأة كبيرة مريضة ولم أعد أفارق غرفتي وبيتي وظروفي صعبة وإنني منذ عام ( 1972م ) وأنا متقاعدة وبقيت من غير زميلاتي من غير معاش تقاعدي .
أرجو أن يساعدوني على أن أعيش حياة كريمة فيما تبقى لي من عمر إن شاء الله ..
ونسأل الله حسن الخاتمة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته