حديث البداية
أ. محمد بن سالم بن علي جابر
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 4 .. ص 4
رابط العدد 4 : اضغط هنا
عزيزي القارئ الكريم:
تغمرنا السعادة عندما نضع بين يديك صفحات مجلة (حضرموت الثقافية)، إذ إننا في مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر نعمد إلى ترسيخ لغة الحوار، وجدلية المواقف، وتعدد الرؤى، وتلاقح الأفكار وعمقها مع طلاوة العبارة، وتكثيفها وبراعة الصورة وجمالها، فحضرموت – اليوم – تحاول أن تنفض عن كاهلها سنوات من التيه في داخل الوطن والمهاجر.
لقد أخذنا على عاتقنا منذ لحظة البداية مهمة تحريك الراكد الحضرمي – تاريخياً وثقافياً وحضارياً وتراثياً – من خلال البحث العلمي، والمنهجي، والدراسات الرصينة، والمعمقة التي تؤسس لفهم جديد لحضرموت الأرض، والإنسان، وترسخ مداميك الهوية القارة منذ فجر التاريخ، وما تعاقب عليها من حقب استطاعت أن تصهر معادن التشكّل الإنساني الحضرمي بتنوعاته وامتداداته، وترسخه في ذاكرة الحضارة الإنسانية بوصفه بوتقة حضارية ثرية، وعابرة للفضاء الكوني تفرداً، واندماجاً، وتأثيراً، وتأثراً.
إن الوعي بحقائق التاريخ يجعلنا في مركز حضرموت نبحث – دائماً – عن مكونات ومكنونات الهوية الحضرمية غير غافلين عن علائقها الإسلامية، ووشائجها العربية التي كانت خير معنى معبر عنها في رحلة الإنسان الحضرمي الذي حمل رسالة خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وسلم) وطاف بها أصقاع الأرض منشداً الوسطية والاعتدال، وحسن الخلق والتأسي بسيرة خير الأنام وأخلاقه، فدخلت الأقوام في دول وممالك شرق أفريقيا، والأرخبيل الهندي قاطبة في دين الله أفواجا.
القارئ الكريم:
واليوم، وفي ظل ثورة الاتصال وحروب الميديا، وتمزقات الحضارة، وتنافر الثقافات نأمل أن تعود الروح الحضرمية إلى جسدها النابض بالحب، والسلام، والتآخي لكل الأمم، والشعوب والحضارات لتلبي تطلعات إنسانها في رحلة بحثها عن بؤر الضوء والضياء في هذا الخضم لتعيد بوصلة الحضارة الإنسانية إلى جادة الحياة، ونبل الرسالة، وهي أمنيات لن تتأتى لنا إلا إذا ارتقى – الجميع – إلى سلم الهرم الحضاري الحضرمي الذي كان باسطاً زاوية نظره إلى هذا التشكّل الشاسع الأرجاء منفتحاً على كل الآراء والأفكار مجادلاً بالتي هي أحسن، حينها تعود حضرموت الأرض، والحضارة، والتاريخ بوصفها خارطة كونية فتتجاوز رقعتها الجغرافية وطناً، وتتواشج مع خرائطها المهجرية أرضاً وإنساناً فتبقى ملهمة للأجيال ومجسدة للراهن الذي نحاول أن ننثره في صفحات هذه المجلة، وفي كل أنشطة المركز، وفعالياته، ومؤتمراته، وندواته، لعلنا بذلك الفعل نسكب قطرات من ندى في مياه حضرمية صافية جارية ترتحل بعشق في قنوات التاريخ، ونهر الحاضر لتخضّر مراعي المستقبل.