حديث الباية
أ. محمد بن سالم بن علي جابر
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 5 .. ص 4
رابط العدد 5: اضغط هنا
نعودُ – مجدداً – في العدد الخامس من (مجلة حضرموت الثقافية) لنواصلَ رحلةَ الحرفِ المضنيةِ والكلمةِ المشعةِ، وعياً وثقافةً، رؤيةً واستشرافاً، نلتقي على صفحات هذا العدد الذي – بكم ومعكم – استطعنا أن نتجاوزَ تعثر البدايات لهذا المشروع الثقافي والحضاري لحضرموت – وطناً وإنساناً، إرثاً وحضارة وتراثا – فقد آلينا على أنفسنا منذ انطلاقتنا الأولى في مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر ومن خلال كل البرامج وخطط التوثيق والأنشطة والفعاليات والإصدارات استعادة ألقها وحضورها في الذاكرة الجمعية المحلية الوطنية – أولاً – وفي فضاء المهاجر الحضرمية – ثانياً – وفي كل بقاع المعمورة ما استطعنا إلى ذلك قدرةً وسبيلا.
ونحن ندرك – اليوم – إن الطريق لم يزل صعباً وشاقاً وطويلاً، ولكن الآمال والطموحات التي نحملها على كاهلنا في المركز وعمق الرسالة الحضارية وتعدد الأهداف النبيلة التي نسعى جادين من أجل بلوغها وتحقيقها تدفعنا – جميعاً – إلى خوض غمار تحديات الراهن بكل ما يحمله من صعوبات ومعوقات وما عاشته حضرموت في السنوات القريبة الفائتة من تهميش وغبن وتفتيت لكل إرثها الحضاري وعلائقها الإنسانية – وطناً ومهجراً – وما عانت منه وسائطها المعرفية والإبداعية من تحجيم وتراجع في المشهد العام المحلي والعالمي ليتلاشى حضور حضرموت (الحضارة والتاريخ والتراث المجيد) فتنكفئ على ذاتها سنوات عديدة، كانت بمثابة تراجع مخيف لهذه الأيقونة الحضارية التي نثرت أريج وسطيتها وعبير اعتدالها ونبل سماحتها الإسلامية في مشرق الكون وغربه فصارت هذه السنوات العجاف وبالاً على كل ما قدمته من نمذجة في تاريخ الحضارة الإنسانية الحديث والمعاصر.
ولأننا نعي – تماماً – ما تمثله هذه اللحظة من فرص حقيقية لكل حضرموت لكي تستعيد نبضها ووعيها وحضورها الذي فقدته في غفلة من زمن حضرمي مجيد وأصيل فإننا آثرنا – فقط – أن نحرّك السواكن في كل أرجاء حضرموت ونجتهد لكي نقتفي آثار وقعها في كل المهاجر الحضرمية، وهذا لن يتأتى لنا إلا إذا خلصت النوايا وتكاتفت الجهود وتشابكت الأيدي وتعاضدت القلوب للنهوض من كبوة السلبية والخروج من عنق الاتكالية والتقاط الفرص المتاحة بحكمة واقتدار وحنكة وعطاء للوصول إلى لحظة التعالق الإنساني والعمق الحضاري الذي كان عنوان حضرموت الأبرز في سنوات مجدها التليد.
إننا – جميعاً – في حاجة إلى نفض غبار السنين التي مضت، والعمل على تعويض حضرموت الثقافة والتاريخ والحضارة والتراث الكثير، فالأمم لا تستطيع مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل إلا إذا امتلكت مشاريعها النهضوية الخالصة والمنبثقة من عمق تاريخها وأصالتها وتراثها وفولكلورها الإنساني الذي شكل هويتها ماضياً وحافظ على كيانها حاضرًا وسيكون رافداً مهماً من روافد نهر انطلاقتها مستقبلاً.
هذه خواطر وددت في هذه السانحة أن أضعها بين – يديك عزيزي القارئ – قبل أن تتصفح ما احتضنته صفحات هذا العدد من تغطيات ومقالات واستطلاعات وبحوث ودراسات وحوارات وإبداعات متعددة ومتنوعة كانت حصاداً مثمراً لعديد من الزملاء الذين يحرصون – معنا – على استمرار هذه الرسالة الثقافية التي تجاوزت – والحمد لله – الوطن الحضرمي لتجوب الآفاق المهجرية والعربية في محاولة راسخة الخطى وعميقة الدلالة مفادها أن (حضرموت هنا) وستظل تحمل عبق التاريخ ورحيق الأيام الحضرمية وتنثرها مجدداً، فلهم – جميعاً – كل الشكر والتقدير، كما لا يفوتني – كذلك – أن أتقدم بدعوة الجميع إلى المساهمة في الأعداد القادمة، فصفحات مجلة حضرموت الثقافية ينفتح متنها وهامشها وترحب أسطرها بكل مشاركة جادة ورصينة ومبدعة.
وإلى اللقاء في العدد القادم.