سالم فرج مفلح
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 5 .. ص 27
رابط العدد 5 : اضغط هنا
أولاً : نقد الجانب الحضاري:
1- تدل الخصائص المتميزة نوعا ما للموقع ، على أن شرمة لم تكن بلدة ذات مرفأ عادي في العصور الوسطى ، كما كان ميناء الشحر المجاور المعاصر على سبيل المثال . حيث كانت على الأرجح ميناء تجارياً أكثر تحصيناً و نقطة عبور أمامية ( ترانزيت )، تأسست بوساطة تجار كانوا في السابق قد أجادوا إنشاء شبكات خطوط تجارية… إن هذا المكان كان بكل تأكيد متصلا بشبكات التجار الخليجيين ( يقصد الفرس ) الذين سيطروا على الطرق التجارية للمحيط الهندي في القرنين ال 9 و 10 للميلاد .
2- إن هذا الموقع كان مرفأ متميز جداً وميناء تجارياً لتصدير و استيراد و عبور البضائع بدون دفع ضرائب عليها ، ونقطة عبور ( ترانزيت) للسفن والمراكب، أسس بوساطة تجار أجانب على الأرجح أنهم إيرانيون .
3- إن الدمار الذي لحق بالمركز التجاري في (سيراف – ايران ) بفعل الزلزال الذي وقع 977م .. أدى ذلك إلى إعادة التنظيم الكامل لشبكات الخطوط التجارية الخليجية في القرن 11م ونهوض مراكز اقتصادية جديدة في (قيس و هرمز ) ، و لذلك يحتمل أن تأسيس شرمة و النشاطات المتعلقة بها ، له علاقة بهذا التحول الرئيسي في تجارة القرون الوسطى .
4- أما فيما يخص الهجرة المفاجئة من الميناء ، فإن دراسة الواردات الصينية ، أشارت إلى أنه حدث حوالي 1150م … ويبدو أن هذه الحادثة المثيرة لها علاقة بوصول المصريين إلى هذا الرأس الممتد في البحر ، و في الحقيقة من الممكن أن شرمة دمرت أو هجرت نتيجة حملة مصرية ، هذه الفرضية تدعمها حالة التوتر السائدة في ذلك الوقت بين التجار الخليجيين والفاطميين .
5- لذلك تعد شرمة موقعا غير نمطي (غير قياسي ) ذات مدى زمنى دقيق يقدر بحوالي 980م – 1150م – (270هـ -545هـ).
6- لسوء الحظ ، لم يكن تحديد الأزمنة وترتيب تسلسلها في شرمة واضحاً ، بقدر ما كان متوقعا ، حيت إن عمق الرواسب الأثرية لا يتجاوز مطلقا مترين بين سطح الأرض و الطبقة السفلية التي ظهرت في عدة أمكنة ، علاوة على ذلك فإن التعرية الشديدة قضت على الطبقات العلوية و الأرضيات ، وهذا يعني عدم توافرالمستويات المدفونة بشكل أكبر .
7- كما كانت شرمة مأهولة في فترة حضارة جنوب الجزيرة العربية .
8- و يرى الباحثون أن رأس شرمة كان معزولا ويصعب الوصول إليه من داخل البر .
9- إن شرمة لم تكن ميناء يمنياً بالمعنى المفهوم ، بالرغم من أننا لا نزال نجهل الكثير عن تاريخ حضرموت لتلك الفترة ، إلا أننا نعرف أنه لم تكن هناك سلطة مركزية قوية تحكم تلك المنطقة ، كما أنه من الصعب أن نتصور قبيلة محلية تفلح في إنشاء مركز اقتصادي على هذا الطراز و تنغمس على الفور في تجارة مع مناطق بعيدة مثل الصين وأفريقيا .
ثانياً : نقد الجانب التأريخي :
• اعتمد التقرير على الوجود التأريخي لميناء شرمة و نشاطه التجاري الكبير على ما ذكره كل من المؤرخ المقدسي في عام 985م والمؤرخ الإدريسي في عام 1150م (**) ، و على ذلك قدّرت البعثة عمر هذا الميناء منذ الظهور حتى انتهاء الدور بحوالي قرن و نصف القرن .
غير أن لهذا الميناء بموقعه المعروف اليوم ذكر واضح و محدد في خريطة الرحالة بطليموس في منتصف القرن الثاني للميلاد –ت 140م- ، فقد ذكر ميناء ( الاسعا ) أي الشحر كمركز تجاري تؤمه السفن عابرة المحيط الهندي ، وذكر غربها ميناء ( بروم ) و شرقها ميناء (شرمة ) (1) .
كما ذكرها المؤرخ الرحالة أبو عبدالله محمد بن طالب الأنصاري الدمشقي – ت -1327م -728هـ -عند ذكر حضرموت في كتابه (نخبة الدهر في عجائب البر و البحر ) ، حيث قال 🙁 و لهذا الصقع على ساحل البحر فرضتان : أحدهما شرمة و الأخرى الشحر .)(2) .
و على ما ذكره بطليموس والأنصاري يتحقق ما يلي :
1- الوجود التاريخي التجاري لميناء شرمة المتقدم في التاريخ الميلادي والمتأخر عن ما قرره التقرير بحوالي قرنين .
2- وهنا تسقط فرضية الوجود ونهاية الدور المذكورة في التقرير ، كما تسقط فرضية مسؤولية الفرس عن إنشائه والمصريين عن انتهاء دوره و تدميره حيث لا يوجد أي أثر كان للأعمال العسكرية من تخريب و حرائق و تدمير ، خاصة أن منطقة بحر العرب لم تعرف للفاطميين أي نشاط عسكري بحري فيها طيلة فترة حكمهم في مصر . .
3- اعتمادا على استمرار وجود الميناء ونشاطه حتى عهد المؤرخ الأنصاري عام 1327م – 728هـ، فإن هذا يعني غياب أي أثر لحفريات لما بعد تاريخ نهاية الميناء الذي حدده التقرير-1151م – 1327م، و غياب أي أثر لما قبل تاريخ الظهور الذي حدده التقرير -140م – 979م – ، و يظل السؤال أين اختفت تلك الآثار؟. وهذا السؤال هو سؤال فرعي من سؤال آخر كبير وأوسع وهو : أين اختفت آثار الحياة الانسانية والتجارية تماما من سطح الهضبة ، فلا بقايا سكن ولا مقابر و لا أسواق ولا مخازن ولا تحصينات عسكرية ( الطبقات العلوية و الأرضيات ) . ثم لماذا غاصت الأثريات التي عثر عليها في أعماق الهضبة دون ظهرها ؟. أن الادعاء كما يقول التقرير أن ذلك كان بفعل التعرية القوية ، أمر غير مقبول البتة، فما كان لعوامل التعرية أن تعدم كل أثر لحياة استمرت قروناً مديدة على هضبة الموقع مهما كانت قوتها .
4- و إذ يقر التقرير بحدوث ( هجرة مفاجئـة من المينـاء ) ويعـد ذلك بـ (الحادثة المثيرة ) ، فإنه لم يقدم تعليلا لما يقره ، فحادثة الغزو المصري التي اعتمدها التقرير رغم تبين بطلانها ، لا تبرر ذلك ، كما أنها لا تبرر نهاية دور الميناء على الإطلاق .
ادعاء التقرير بسيطرة الفرس على ملاحة المحيط الهندي في العصور الوسطي ، إنما هو قول يفتقد للتأسيس ، ذلك لأنه و على مدى العصور الوسطى (أن العرب تفوقوا عليهم في النشاط التجاري و القيام بحركة الوصل بين أرجاء المحيط ، كما أن ذلك لا ينقص من دور الايرانيين لأنهم أبدعوا وأضافوا للإنسانية الكثير في مجالات أخرى ) (3) ، هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى فإن عرب السواحل الجنوبية للجزيرة العربية ( القبائل المحلية بلغة التقرير ) ليسوا في حاجة إلى وساطة الفرس التجارية منذ ما قبل الإسلام ، فقد ( أظهروا نشاطا في ركوب البحر لا نجده عند أهل السواحل الغربية ) (4) ، أما أهل حضرموت ، فقد( أظهروا في ركوب البحر بروزا لا نجده عند غيرهم من سكان السواحل )(5) ، وفي كل الأحوال ، فإن النشاط التجاري في المحيط الهندي (كان نشاطا واسعا ، وأنه كان موجودا قبل قيام الامبراطورية الفارسية ، وأن العرب بوصفهم من أوائل رواد الملاحة التجارية كانوا يقومون بنقل البضائع والمنتجات الهندية إلى بابل .)(6). وعلى ذلك فإنه ( يمكن القول بأن الملاحة التجارية في البحر العربي قد تزامنت على الأرجح مع فجر الحضارة ، و أن السكان الأوائل لجنوب الجزيرة العربية و شرقها كانوا على الأرجح أول الأمم التي مارست الملاحة في المحيط الهندي ، وأول من استورد المنتجات الشرقية لحساب الأقطار الأخرى ، و في الأيام الأولى من نشاط هؤلاء الملاحين و مغامراتهم ، كانوا ينتقلون من منطقة إلى أخرى باذلين جهودا نشطة بمراكبهم الصغيرة التى كانوا يبحرون بها عبر الشواطىء الآمنة إذا داهمتهم العواصف أو اضطربت الأحوال الجوية في طريقهم، وبفضل مراقبة العرب للكواكب والنجوم و تتبعهم لمسارها أقلعوا عن الأساليب الملاحية القديمة ، وبدأوا يقومون برحلات بحرية طويلة المدى ، وتمكنوا بفضل الرياح الموسمية من الوصول إلى مناطق بعيدة من العالم).(7)
5- من تاريخ (شرمة ) في العهد الإسلامي المبكر في القرن الثاني الهجري ، أن الخليفة العباسي هارون الرشيد عندما سمع بتجارة ( العنبر ) في جنوب الجزيرة العربية ، بعث بثلاثة وفود إلى ثلاث مدن هي : عدن و شرمة وحاسك ( 8) ، ومن المؤكد أن الغرض كان تحصيل الزكاة و ضريبة الدولة ، و من الملاحظ أن الحديث في هذا الخبر عن الموانىء الثلاثة بوصفها ( مدناً ) ساحلية تجارية وشرمة إحداها ، و سواء ذكرت تلك الموانىء كموانىء أو مدن في هذا الخبر ، فإن من طبيعة العمران البشري أن تقام مدن عامرة حول الموانىء ، و لهذا نجد تقرير البعثة يتحدث عن (بلدة) شرمة …
6- و في عهد المؤرخ الشريف الإدريسي -493-559هـ – أي في عهد الدولة الأيوبية التي حكمت مصر بعد الفاطميين ، كانت شرمة لازالت عامرة بالحياة و مركزا مرموقا في التجارة والملاحة البحرية، يقول المؤرخ الإدريسي :
( و مدينة لسعا (يقصد الشحر) و شرمة على ساحل أرض حضرموت ، بينهما يومان في البرية … و من شرمة المقدم ذكرها على ساحل البحر إلى مدينة مرباط ستة أيام في البحر ) (9) . و هنا تنتفي دعوى تدمير الفاطميين لمدينة شرمة .
7- وحتى عهد حاكم الشحر والمشقاص والمهرة الذي تقع شرمة تحت ولايته عبد الرحمن بن فارس بن إقبال سنة 619هـ – 1219م – الذي يمثل (القبيلة المحلية (بلغة التقرير)- ، كانت المنطقة تتمتع بازدهار تجاري و نشاط بحري و رخاء غير عادي ، هذا ما نفهمه من مدح الشاعر أبي حنيفة له ، حيث يقول :
أنت في البر وهّاب القرى
أنت في البحر وهّاب الفلوك
إن مدح بالكرم معطي المئة
فبما يمتدح معطي اللكوك (10)
إن المعنى الذي يمكن فهمه من البيتين أعلاه ، هو أن حاكم الشحر ابن إقبال ، كان من الكرم و سعة الأموال ما سمح له بأن تصل مكرماته وهباته وعطاياه إلى صرف مستحقات الدولة من حمولة سفينة تجارية أو قرية عامرة بالحياة و النشاط الاقتصادي أو أن يهب الأموال الطائلة نقدا وعدا .
بل استمر ذلك الرخاء الذي يتمتع به ولاة و حكام الشحر وأهلها حتى منتصف القرن التاسع الهجري (عهد حكم آل أبي دجانة الإباضي) ، حيث يقول أحد التجار الصينيين الذي زار الشحر في تلك الفترة إن حاكم الشحر بعث برسالة إلى ملك الصين عبر هذا التاجر و كانت مكتوبة على ورق من الذهب و هدايا ، وإن بيوت الشحر مبنية من الطين و يبلغ ارتفاعها ثلاثة أو أربعة طوابق ، و في أعلاها تقع المطابخ وغرف النوم حيث يقيم الضيف، وأما الطوابق السفلى فيعيش فيها العبيد . أما البضائع التي تم بيعها فهي الذهب و الفضة و المخمل و الحرير الصيني و الأرز و الفلفل و خشب الصندل والصمغيات. أما منتجاتها فهي العنبر والبخور و الجمال السريعة (11) . هكذا كان مجتمع القبيلة المحلية في حياته العامة و علاقاته التجارية و هكذا كان يتصرف و يكتب على ورق من الذهب إلى ملوك الصين، وهنا تسقط دعوى التقرير بأن ميناء شرمة كان لا يأخذ أية ضرائب على الصادر والوارد ، ويبدو أن ذلك الاستنتاج الذي يزعمه التقرير يقوم على عدم العثور على أية عملة نقدية من أي نوع و من أي عصر في تلك التنقيبات . غير أن تلك القرينة تسقط تماماً إلا إذا كان الغياب شبه الكلي للمقابرخاصة الإسلامية و خرائب المباني في منطقة التنقيب يعني عدم وجود حياة بشرية في تلك المنطقة التي يقول التقرير إنها كانت تعج بنشاط تجاري غير عادي .و في كل الأحوال ، فإن عدم العثور على أية عملة لأية جهة أو زمان أو عصر في هذا الموقع أمر غير مقبول البتة في الأحوال و الظروف الطبيعية و المعتادة ، بل مستبعد حدوثه في حالة الكوارث الطبيعية الكبيرة مثل الزلازل مثلا ، دون حالة كارثة طبيعية واحدة كما سوف نرى في حالتنا هذه ، و هي كارثة الطوفان العاتي المدمر ……
8- إن غياب ( الطبقات العلوية والأرضيات) الذي على ضوئه ( لم يكن ممكنا تحديد الأزمنة و ترتيب تسلسلها في شرمة ) كما جاء في التقرير ، يعطي مسوغا علميا لكل ما تقدم من هذه الورقة ، كما يعطي مسوغا للبحث عن اسباب كل ذلك الغموض الذي يحيط بنتائج التنقيب وصعوباته.
ثالثاً : نقد الجانب الجغرافي :
المعنى اللغوي لـ ( شرم ) : شرم الشىء أي شقه . انشرم : انشق . الشرم : الخليج. الشرم : لجة البحر .و التشريم : التشقق .
هذا يعني أن اسم (شرمة ) : يدل على موقع بحري انشق عن يابسة ، شكله لابد أن يدل على صورة ذلك الانشقاق أي أرض مشرومة ، كأن يكون محصوراً بين جبلين و صورة الانشقاق أن يكون ممتداً في البحر. والأقرب أن يكون في شكله الأصلي بما يطابق المعنى اللغوي على شكل حرف v .
وبهذا فإن منطقة المرسى هي ذلك الحوض المحصور بين لسان (رأس شرمة ) و لسان (القرن ) المتصل بمنطقة القرن الذي كان مشهودا في عصور شرمة الزاهرة التي سميت منطقة القرن باسمه ، حيث نجد من المعاني اللغوية لكلمة (القرن ) : الجزء الشاخص (البارز) من الجبل ، وعلى هذا المعنى ، اتخذت عدة مناطق في حضرموت اسم (قرن) مثل : قرن باحكيم و قرن بن عدوان وقرن المطملي و قرن بامسعود و غيرها. هذا (القرن ) ، اي قرن شرمة ، لم يعد له وجود اليوم ، شأنه شأن رأس شرمة ، إذ إن ميناء القرن اليوم يقع في مصب وادٍ كبير ، فلا يوجد هناك (قرن ) إلا ما تبقى من بقايا القرن السابق في اتجاه منطقة شرمة . حوض مرسى شرمة التاريخي هو المرسى الصالح لرسو السفن اليوم ولازال محصورا بين بقايا الرأس والقرن .
كما عرفت ( شرمة ) في الأخباريات الحضرمية باسم ( رأس شرمة ) ، و لرأس البحري هو عبارة عن جبل ممتد في لجة البحر ، و هذا يعني أن شرمة اليوم ليست شرمة ( الرأس) لأنها لم تعد مشرومة ، فهي ليست أكثر من ( خور ) بحري .
غير أن (خور ) شرمة اليوم (البحر الغربي : المرسى ) تتمتع مياهه بهدوء غير عادي و لا يشبه غيره من الخلجان ، بل لا أبالغ إذا قلت إن ذلك الهدوء لا يكون إلا إذا كان المرسى على وضعه الأساسي كرأس ممتد في لجة البحر يعمل ككاسر للأمواج و يمنعها من الدخول إلى المرسى . فما هي حقيقة الأمر .؟.
الحقيقة أنه فعلا هناك حاجز و كاسر للأمواج يرتفع من العمق حتى يقترب من سطح البحر ، هذا الحاجر أو الكاسر مكون من أحجار ضخمة عملاقة ، يمتد في البحر طولاً إلى حوالي خمسة كيلومتراتٍ حتى يتصل بالمسلة البحرية المقابلة للمرسى ، و يمتد عرضاً بحوالي خمسة كيلومتراتٍ أيضاً ، حتى يقترب من الالتصاق بالبحر الشرقي .
مراكب الصيد الكبيرة في انتقالها بين البحرين الشرقي و الغربي لا تستطيع قطع المسافة مباشرة عبر المرور في منطقة الحاجز ، و ذلك لاقتراب صخور الحاجز من سطح البحر ، و لهذا فهي تضطر إلى تجنب قطع ذلك الحاجز ، فهي تتصرف و كأن أمامها رأس جبلي ممتد في عرض البحر .
من المؤكد أن ما يبدو للناظر من ساحل المرسى على أنه جزيرة في عرض البحر ، لا يشبه الجزيرة في شىء سوى أنه محاط بالبحر من جميع الجهات إذ ليس له ساحل ، بل مغروز غرزا في لجة البحر ومنتصب القامة ، فهو إذن ( مسلة بحرية ) و ليس جزيرة ، و هو في حقيقة الأمر ما تبقى من جبل انهد كان يمتد ومتواصلاً مع منطقة الحاجز أو الكاسر للأمواج ومتصلاً بالهضبة ، و هذا سبب ارتفاعه الكبير عن سطح البحر ، هذا الجبل الممتد من ذلك الرأس المتقدم الذي يشبه الجزيرة و المتصل بالساحل عبر ما قلنا إنه الحاجز أو كاسر الأمواج ، كان يشكل ما يطلق عليه في الأخباريات الحضرمية ( رأس شرمة ) الذي هده الطوفان و بقيت صخوره الضخمة التي تشكل كاسر الامواج اليوم .
لكي نعرف الظروف والأسباب التي أدت إلى نهاية ( الرأس ) بشكله كجبل ممتد في عمق البحر ، لابد من استكمال البحث في موقع مهم تضمه منطقة المرسى .
لدينا في طرف المرسى المتجه نحو منطقة القرن ، ما يطلق عليه الصيادون (شعب النار ) ، وهو عبارة عن فوهة بركان ضخمة بقطر يزيد عن نصف كيلو متر ، وفوهة أخرى ( شعب النار ) بنفس الحجم تقع في منتصف منطقة الحاجز الكاسر للأمواج (رأس شرمة سابقاً ).
يبدو أن البركانين اللذين كانا في منتصف الرأس و الثاني في الجهة المقابلة له من المرسى ، حدث لهما انفجار وثورة في وقت متزامن ، فمن الطبيعي أن ينتج عنهما طوفان مدمر (سونامي ) ،حيث غطت مياه البحر الهائجة كامل رأس شرمة و الهضبة أيضا المتصل بها . و لما كانت طبيعة الثورات البركانية ذات امتداد زمني لا يتوافر للهزات الأرضية، فإن هذا الطوفان ظل على قوته فترة ثورة البركان الذي يبدو أنها استمرت أكثر من يوم .
هذا الطوفان الذي كان مصدره ملاصقا للساحل و استمر لأكثر من يوم يغطي كامل الرأس و الهضبة معا ، كان طبيعيا أن يذيب كامل المواد التي كانت سبب تماسك صخور الجبل ( الرأس)، و كان طبيعيا أن تسقط تلك الأحجار في القاع ، لتشكل الحاجز و كاسر الأمواج غير المرئي اليوم ، شاهدة ليس على وجود سابق على الجبل الذي كانت تمثله فحسب ، بل شاهدة على كارثة البركان وما عقبه من مد سونامي مدمر .
وإذا كان ذلك في ما يخص (رأس شرمة) الجبل الممتد في لجة البحر ، فإن ما حدث في الهضبة ليس أقل دمارا ، فقد اكتسح ذلك المد العاتي المدمر الهضبة كلها و ابتلع المدينة ، وجرف معه كل شواهد و معالم مرسى شرمة التاريخي التجاري، بل كل الشواهد على حياة الإنسان على تلك الأرض على مدى قرون مديدة ، حتى إذا جاءت البعثة الفرنسية اليوم ، لم تجد لتعاقب الأزمان دليلا ، فقد اكتسح ذلك المد كل الطبقات العلوية و الأرضيات ، بل لابد أن يكون قد مسح الهضبة مسحا عنيفا ، وخفض من مستوى ارتفاعها إلى مستواها اليوم ، وأخذ معه كل حقائق الحياة و الإنسان عبر قرون مديدة من النشاط المشهود عبر التاريخ .
وإذا كان ميناء شرمة لم يكن حينها ميناء نمطيا من حيث حركته التجارية والملاحية كما يقول التقرير ، فإنه يترتب على ذلك أن تكون طرق النقل عبر الجمال سالكة و في أوج نشاطها وازدهارها لنقل البضائع و المؤن من وإلى الميناء ، إذ يستحيل أن يكون الموقع كميناء ومدينة معزولا كما جاء في التقرير ويصعب الوصول إليه من داخل البر. غير أن الأمر تغير جذريا بعد كارثة البركان و الطوفان ، فحتى ستينيات القرن الماضي ، لم تكن هناك طريق مأمونة و سالكة للوصول إلى شرمة سوى الطريق البحري عبر قوراب وسفن الصيد ، وهناك طريق جبلي شديد الارتفاع شديد الخطورة ، يمر في آخره بمضيق جبلي حاد و شاهق مشرف بشكل حاد أيضاً على لجة البحر العميقة يعبره المرؤ بصعوبة و حذر كبير ، و هو لهذا لا يصلح اطلاقا لعبور الجمال . هكذا اختفت الطرق و السبل وأصبح ميناء شرمة بعد تلك الكارثة مهجورا معزولا خالياً من أي مظهر من مظاهر الحياة بعد دهر من العطاء و الرخاء ، وتحولت الحركة جزئيا في المنطقة إلى ميناء القرن المجاور أو الملاصق له ، الذي لم نسمع له ذكرا من قبل ، و لعله ظهر بعد كارثة شرمة .
أما كيف دمرت المسالك واختفت الطرق البرية و المنافذ التي كانت تسلكها قوافل الجمال من وإلى شرمة في عصرها الذهبي ، فيبدو أن تلك الطرق التي كانت متصلة بالهضبة مباشرة حين كانت الهضبة كلها متساوية الارتفاع إلى منطقة المرسى انتقطعت بانخفاض مستوى الهضبة المتصلة بالمرسى ، و هي المنطقة التي أخفضها الطوفان ، وأصبح هناك قاطع بين المنطقتين غير قابل لقطعه بالرجل أو بالجمال ، و كذلك الطرق التي يفترض أنها متصلة باللسان المتجه نحو القرن ، فإنها اختفت باختفاء اللسان نفسه وامتداداته ، كل ذلك يعني أن شرمة لم تكن ( معزولة ) كما ذهب إلى ذلك تقرير البعثة ، و إنما كانت العزلة المذكورة بعد كارثة البركان و الطوفان التي ابتعلت المرفأ و المدينة معا و دمرت الطرق والمسالك…..
لا شك أنه كان لذلك ( الحدث المثير ) بلغة تقرير البعثة ، تأثيرات و مترتبات أخرى ليس في منطقة شرمة وحدها ، بل ما كان لذلك الحدث أن ينحصر تأثيره على شرمة وحدها ، بل لابد أن يمتد تأثيره و مترتباته في منطقة واسعة من الساحل المرتبط بمنطقة شرمة ، فلعله لم يختف (رأس) شرمة وحده ، بل أيضا (رأس) باغشوة كمرفأ و مدينة عامرة أيضا الذي يقع إلى الشرق منه ، وأصبح مجرد (خور ) مهجور لا غير.
رأس باغشوة هذا كان مثله مثل شرمة ميناء مزدهرا و مدينة عامرة بالحياة حتى عهد الشيخ الشاعر الصوفي عمر بن عبدالله بامخرمة (ت-952هـ) في القرن العاشر الهجري ، حيث يقول في معرض حديثه عن الشحر:
فانشرح واذكر أحباب القلوب التي ثم
في البلاد التي في سوقها كل مغنم
ذي في اطرافها واوسطها الصفو خيم
بين روكب و باغشوة إذا كنت تفهم
سوق لحقاف لي يحوي كل مغنم
قول ما مثلها شي في القرى والله اعلم
فان فيها و حق الله من الزين شي جم
كل ما قاله القائل في وصفها تم ( 12).
مدينة رأس باغشوة لم يبق منها اليوم الا مقابرها و بعض الأطلال ، أما الرأس نفسه الذي يفترض أنه كان جزءا من المرفأ و متصلا بالهضبة و من الاتساع بحيث تقام عليه مصالح كثيرة و مبانٍ مثله مثل رأس شرمة ، فإنه اليوم عبارة عن شريط ضيق جدا و معزول عن الهضبة التي كان جزءاً منها و مهجوراً . ومن الملاحظ على الشاعر بامخرمة في القرن العاشر الهجري أنه يخبرنا أن منطقة رأس باغشوة في الشرق و منطقة روكب في الغرب هما من أطراف مدينة الشحر و أوسطها ، و هذا يعني أن منطقة شرمة الواقعة بين مدينة الشحر و رأس باغشوة تقع ضمن منطقة الشحر و سلطتها ، هذا من ناحية ، و من أخرى فإن الشيخ بامخرمة و من خلال ما قاله ، ندرك الرخاء والازدهار الذي كانت تنعم به منطقة الشحر كما حددها الشاعر، وهو الأمر الذي يعني أن ميناء شرمة كان حينها في عز نشاطه و ازدهاره حتى عهد هذا الشيخ في القرن العاشر الهجري …
وعودة إلى ما قاله الشيخ بامخرمة في أبياته السابقة ، من أن لـ (الشحر) طولا وامتداداً ، و لها وسط و آخر ، و هو الأمر الذي يعني أن لها (أول) ايضا بالضرورة ، يؤكده المؤرخ ابن حوقل –ت 367هـ- بقوله : (و من آخر الشحر إلى عدن مائة فرسخ )(13) .
وإذا اعتمدنا أن الفرسخ يساوي خمسة كيلومترات ، فإن هذا يعني أن (آخر) الشحر يبعد عن عدن خمسمائة كيلومتر بطرق و مسالك ذلك العصر ، ومن مجمل تلك الاخبار و الشواهد التي أوردناها حول المقصود ب (الشحر ) نصل إلى نتيجة لازمة بالضرورة ، وهي أن الشحر تعني الساحل الجنوبي بين عدن وعمان.
وإذا أخذنا قول أبي الفداء –ت732هـ- من أن ( ظفار قاعدة بلاد الشحر )(14) ، فإن هذا يعني أن (ظفار ) هي أول بلاد الشحر ، و أن مدينة (الأسعى) أي الشحر حاليا هي إحدى أعمال ( إقليم ) الشحر التاريخي …، ولقد ظل اسم (الأسعى ) معتمدا و متداولا حتى القرن الثامن الهجري ، حيث نجده معتمدا في خرائط العهد الرسولي ، إذ كان الرسوليون يحكمونها وقتذ ، و كانوا أول من بنى حولها سورا.
كما أن هناك موانىءقريبة من ميناء شرمة ذكرت في المصادر الحضرمية ، ظهرت ثم اختفت فجأة ، مثل ميناء خلفة، و الظاهر، و خرد ، و لعله من المفيد هنا أن نذكر أنه في عام 937هـ – 1530م، ورد اسم شرمة ، باوصفها (جزيرة شرمة ) بدلا من ( رأس شرمة ) (15) ، في دلالة واضحة على التغيير الجوهري الذي حدث في طبيعة منطقة شرمة ، غير أن البحث في هذا الأمر و معرفة حقيقته يتطلب جهد ذوي الاختصاص .
ما كان لكارثة بحجم كارثة شرمة المرفأ و المدينة كما بيناها، أن تغيب عن الذاكرة الجمعية المتوارثة لدى أهل المنطقة التي تقع شرمة في محيطها ، إذ تقول أسطورة متداولة هنا إن سكان منطقة الديس الشرقية كانوا في الأصل يقطنون في منطقة (ميناء خلفة ) التي لا تبعد عن شرمة بأكثر من خمسة كليومتراتٍ ، ثم إن القوم بطروا بأنعم ربهم ، فأرسل عليهم طوفانا دمر سكناهم و دورهم و جعلها أثرا بعد عين.
متى حدثت كارثة شرمة :
لا توجد في المصادر الحضرمية أية إفادة أو خبر يشير إلى تلك الكارثة بموقعها بالاسم ، غير أن كارثة بهذا الحجم وفي هذا الموقع الملاحي الهام والحيوي لعموم سكان حضرموت ساحلها وواديها، لابد أن تنعكس على حياة الناس سلبا ، خاصة أن ما حدث كان لا يخص شرمة وحدها ، بل لابد أن تكون له امتداته على مجمل ساحل المنطقة وموانئها، كما أن خبرها لابد أن يسجل حضوره بهذه الصورة أو تلك في تلك المصادر حتى وإن لم يذكر (شرمة ) بالاسم .
ففي أخبار سنة 913هـ نجد الخبر التالي:
وفيها وقع طوفان في الشحر من العين إلى حسي المسك فغرق في البحر ، و في الشحر نحو ثلاثين مركبا و من جملة ذلك مركب فيه ستة من آل كثير و طراد صغير فيه ولد عقيل بن عبدالله بن يماني (16).
ويبدو أن صاحب ذلك الخبر و مصدره كان من أهل الوادي و ذلك لعنايته بمن غرقوا من اهل الوادي كما يبدو من اسمائهم دون غيرهم من الضحايا .
– و فيها أيضاً : وقع طوفان في بحر الهند وغيّر مراكب كثيرة (17) .
– وعند الربط بين الأخبار أعلاه ، نجد أن كارثة كبيرة حدثت في منطقة الشحر التي تقع شرمة ضمن محيطها وإحدى مناطقها الإدارية و القبلية ، وأن ما حدث هو بعينه ما يتوقع من كارثة بركان وفيضان شرمة .
وإذا كان الأمر كذلك ، فلابد أن ينعكس الأمر سلبا على معاشات الناس في عموم حضرموت ، و لهذا نجد الخبر التالي في نفس سنة تلك الكوارث المذكورة :
– فيها : أصاب الناس مجاعة عظيمة حتى هفوا من الجوع خلق كثير في جهة حضرموت ( يقصد الوادي ) ، و السواحل ، و غلا كل شيء من قلة الثمار و القطر ، حتى بلغ الطعام مصري وربع بدرهم والتمر رطلين و الغزل سبع واق شحري والعطب عشر واق والحنظل مدّين بدرهم شحري والدوم ثلاث مصاري ثمن حمل حنظل بستين دينار ، و قطع حمل الدوم اربعين دينار و أجرة الملحفة يومئذ شحري في نصف و منها خمسة ، والدوم كيل بكيل بالتمر صبرا إلى أوانه ، و سرّوا في تريم يومئذ خمسة عشر رأس بقر و لقطوا البسر بالليل على ضوء النار) (18) .
– وفي خبر المجاعة هذا ، وإن ربطت بحالة الجفاف ، إلا أنه لابد أن يكون لتلك الحوادث البحرية حضورها في تلك المجاعة متمثلا في شحة الوارد .
لا شك أنه حدثت مجاعات كبيرة في عموم حضرموت قبل السنة و المذكورة و بعدها ، غير أننا لا نجد أية مجاعة ارتبطت سنتها بأحداث و كوارث بحرية كبيرة كسنة 913هـ ، و بهذا فإن تلك السنة هي على الأرجح التي شهدت كارثة ميناء شرمة و نهايته المثيرة و ما رافقها من تغييرات كبيرة على سواحل المنطقة و موانئها .
وهكذا نجد أن الاحتمال الأكبر أن ميناء شرمة استمر في ازدهاره و عطائه حتى مطلع القرن العاشر الهجري ، خاصة أن ذلك الازدهار الاقتصادي الذي كانت تمتعت به الشحر في منتصف القرن التاسع الهجري الذي ذكره التاجر الرحالة الصيني ، يلزم عنه وجود ميناء شرمة في تلك الفترة ، بوصفه أحد أهم روافد ذلك الازدهار ، خاصة إذا علمنا أن الصينيين (درجوا على اطلاق اسم الميناء على الاقليم كله .) (19) ، شأنهم في ذلك شأن الشيخ الشاعر عمر بامخرمة الذي قال إن منطقة روكب و رأس باغشوة هما من أطراف مدينة الشحر وأوسطها وتحدث عن ازدهار المنطقة في القرن العاشر الهجري .
ملاحظة ختامية :
على ما تقدم من هذه الورقة النقدية ، فإني لست على يقين تماما بما إذا كان تقرير البعثة هذا قد أضاف كثيرا وجديدا إلى علمنا و معارفنا حول التجارة الشرقية وعلاقة ميناء شرمة بها وما ورد فيه حول الموقع نفسه وتاريخه و غير ذلك ، ولكني على ثقة كبيرة بأن إعادة البحث والتنقيب سوف يضيف جديدا ومفيدا ، خاصة وان هناك أواني فخارية وغيرها من متبقيات الميناء التي لابد أن تكون محفوظة في قاع البحر بين أحضان الصخور الضخمة التي كانت تشكل رأس شرمة في عصرها الذهبي ومجدها الغابر.
___________________
المراجع :
* مواد استرشادية مختارة لموضوع الورقة من تقرير البعثة ، إعداد :اكسيل روجيل – ترجمة: عبدالله صالح النموري – بتاريخ نوفمبر 2012م.
(**) – قال المؤرخ الادريسي –493هـ –559هـ – : ( و مدينة لسعا صغيرة جدا على ضفة بحر الملح ، و منها إلى شرمة على الساحل يوم ، و بين شرمة و لسعا قرية كبيرة فيها حمة حامية كالجابية ، وأهل تلك النواحي يتطهرون فيها ويجلبون إليها مرضاهم فيصحون بها من آلامهم وأنواع أسقامهم . و مدينة لسعا وشرمة على ساحل أرض حضرموت و بينهما يومين في البرية .)- نزهة المشتاق في اختراق الآفاق -21 – طبعة ليدن سنة1862م- .
1- محمد عبد القادر بامطرف : الشهداء السبعة –24
2- شمس الدين أبو عبد الله محمد بن طالب الأنصاري الدمشقي : تحفة الدهر في عجائب البر و البحر –218 – طبعة ليبزج –سان بترسبرج .
3- شوقي عبد القوي عثمان : تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة الإسلامية —61 – عالم المعرفة –ط – 1990م.
4- جواد علي : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج7 –223
5- نفسه .
6- س .ب. مايلز : الخليج بلدانه و قبائله: سلطنة عمان – وزارة التراث القومى والثقافة -1983م.
7- الشريف الإدريسي : نزهة المشتاق في اختراق الآفاق -21. طبعة ليدن –
8- مايلز : نفسه -275-276 –
9- سعيد مسعود المعشني : الآثار التاريخية لظفار -81- سلطنة عمان .
10- أبو محمد عبد الله الطيب بن عبدالله بن أحمد بامخرمة : تاريخ ثغر عدن -97 –.
11- عبدالله أحمد محيرز : رحلات الصينيين الكبرى -90-
12- ديوان عمر بن عبدالله بامخرمة : مخطوط متداول .
13- ابن حوقل : صورة الأرض -46- منشورات دار مكتبة الحياة – بيروت .
14- أبو الفداء : تقويم البلدان -93 –طبعة باريس.
15- محمد بن عمر بافقيه : تاريخ حوادث السنين ووفاة العلماء العاملين و السادة المربين و الاولياء الصالحين – دراسة وتحقيق د . أحمد صالح رابضة – اصدار جامعة عدن .
16- أحمد عبدالله شنبل : تاريخ حضرموت –
17- نفسه.
18- نفسه.
19- محيرز : نفسه -132- .