ترجمة
د. خالد عوض بن مخاشن
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 5 .. ص 40
رابط العدد 5: اضغط هنا
في عام 1937 نشرت دراسة عن عملة معدنية جديدة تابعة للجنوب العربي في مجلة العملات النقدية.
((Numismatic Chronicle. تظهر هذه العملات -التي جلبتها فريا ستارك من وادي ميفعة في حضرموت
وللمرة الأولى صوراً لإله القمر الحضرمي سين. لهذه العملة أحجام وأوزان مختلفة غير أنها جميعاً تحتوي على
الكتابة نفسها. وعلى الرغم من أن بعض أجزائها قد درست بسبب عامل الزمن فإن الرسم المركب المبني على مقارنة العينات والنماذج كما في الشكل (1) يظهر في وجه أحدى هذه القطع المعدنية رأس رجل غير ملتحٍ تتدلى من أذنيه قلادتان طويلتان. يعود هذا الرأس لإله القمر الحضرمي سين وقد كتب اسمه (إلى اليمين) بالخط الجنوبي العربي، أما الحرف m في تلك العملة فيبقى غامضاً، ولربما يمثل الحرف الأول من اسم دار السك لتلك النقود. في الوجه الآخر للقطعة النقدية نفسها (القفا أو الظهر) يظهر نسر واقف فارشاً جناحيه. فهذا الراس هو الظهور الأول لإله القمر سين في هذه العملة المعدنية لهذا الجزء من العالم.
في الجزء الأيسر من الواجهة نفسها (الظهر) يظهر الاسم بمعنى شقر
وقد كتب معكوساً كما هو
حال كل الكتابات التي وجدت في هذا النوع من العملات، ولربما يعود السبب في ذلك إلى أن هذه العملات قد تم
سكها بوساطة قوالب عديدة مختلفة). سيتم الحديث بإسهاب عن هذا الاسم لاحقاً. وعلى يمين هذه الواجهة يظهر الاسم يوشا
وقد أثارت هذه الكتابة الكثير من التخمينات. لفت انتباهي البروفسور جي
ريكمانس ((G . Ryckmans من خلال تواصل شخصي بيننا إلى أسماء عديدة ثلاثية الأحرف لملوك سبئيين مثل شهر هلال يهنعم Sahar Hilal Yuhan’im، ويرى ريكمانس أن ذلك الحرف المبهم بتلك العملة ربما هو
الحرف الأول من اسم أحد هؤلاء الملوك، ولكن لم يظهر أو يوثق في حضرموت أي أسماء ملكية ثلاثية كما أشار
لهذا ا.ف.ل. بيستون A. F. L. Beeston حديثاً مقترحاً أن تقرأ الأحرف من الأسفل باتجاه الأعلى
أي إضافة بادئة سببية h- (ه-) للفعل تعود لشمر يهرعش الملك السبئي الذي ضم مملكة
حضرموت في نهايات القرن الثالث الميلادي، وهذا التاريخ يتوافق تماماً مع التاريخ الذي اقترحته في دراستي
للنماذج الأولية من تلك العملة التي نشرت في مجلة العملات النقدية في الصفحة 279 ألا وهو بدايات القرن
الثاني بعد الميلاد.
في العام 1939 أحضر السيد ج. دونيكن J. Duncan إلى المتحف البريطاني عينات أخرى من هذه العملة
المرتبطة بإله القمر الحضرمي سين، وفي عام 1951 أحضر السيد ت.التونيون T. Altounyan عينات إضافية من
نوع هذه العملة من شبوة موقع عاصمة حضرموت القديمة، كما أحضر أيضاً عينات تنتمي لمجموعة أخرى وبكل سخاء
قام بتسليمها إلى إدارة العملات والميداليات.
(الشكل (2
في وجه بعض من هذه العينات التي لم تنشر من قبل يظهر رأس إله القمر سين (المشع) تارة تظهر الجهة اليمنى
من الوجه والرأس، وتارة الجهة اليسرى (انظر الشكل 2)، بينما كتب الحرف الأول من اسم إله القمر سين
أسفل الرأس، وفي ظهر العملة، حيث كان يوجد النسر في تلك العملة التي أحضرتها فريا ستارك، نجد رأس ثور ناظرًا إلى جهة اليمين وقد كتب أعلى الراس إضافة إلى الطُّرَّة (1)
أمام رأس الثور.
توجد مجموعة أخرى من العملة المعدنية تشبه بشكل كبير العينة المذكورة أعلاه (انظر الشكل 3)
وقد طبع بوجهٍ إله القمر بينما يظهر في ظهرها رأس ثور مقابل (رسم من الامام)، وقد كتبت فيها الأحرف باتجاه
الأسفل من الجهة اليمنى. ولسوء الحظ لا يمكننا التأكد فيما إذا كانت هناك كتابة أخرى في الجهة اليسرى نظراً لما
لحق بتلك العملة من تآكل وتلف.
(شكل 3)
كما توجد مجموعة أخرى لا يوجد لها وجه. فبدلاً من صورة إله القمر التي عادة ما تظهر في وجه العملة نجد
الكتابة وفي ظهر تلك العملة أعلى رأس الثور كتب
(انظر الشكل 4)
(شكل 4)
توجد مجموعة أخرى (انظر الشكل 5) لها وجه يشبه وجوه العملة الموضحة في الشكل (4)، ولكن في ظهرها
يوجد رأس الثور (المقابل)، تماماً مثل العملة الموضحة في الشكل (3)، ولكن بها كتابة مختلفة فقد كتبت فيها
الأحرف الثلاثة لاسم إله القمر سين مرتبة على هذا النحو: الحرف الأول في أعلى العملة والحرف
الثاني على يمينها بينما الثالث في يسارها.
(شكل 5)
من الملاحظ أن الاسمين (سين) و
(شقر) استخدما على نحو تبادلي في كل مجموعة من
مجموعات هذه العملة المعدنية، فعندما يظهر أحد هذين الاسمين في وجه إحدى هذه العملات، يظهر الآخر في
ظهرها.
في تقديري أن (شقر) هو اسم جديد لإله القمر الحضرمي. تحدث السيد بيستون Beeston في
دراسته المذكورة عن أهمية اللفظة وتتبع أصلها وتاريخها معتبرها صفة من صفات إله القمر سين
وأنها ترجع إلى جذر يعني (الحق او الصواب).
إضافة إلى الأدلة الموجودة في هذه العملة والمذكورة آنفاً هناك أدلة واستنتاجات أخرى تؤكد ما ذهبت إليه في أن
الاسم شقر ما هو الإ الاسم الجديد لإله القمر. فالكلمة (شقر) تعني عموماً (السقف) أو الجزء الأعلى
من البناية (انظر كي. كونتي روسيني K. Conti Rossini ). إن هذه اللفظة تظهر باستمرار في العبارة
بمعنى (من أساسها إلى سقفها). إذاً في اعتقادي أن هذه العملة المعدنية
تقدم لنا تفسيراً عن سبب تسمية هذا الجزء من البناية (شقر). فإذا صح فهمي وتفسيري لما كتب على هذه العملة
المعدنية، فإن شقر تعني إله القمر في حضرموت لأنه في تلك الأزمنة كانت الناس تضع ما يمثل إله القمر على
أسقف المعابد والبنايات (2). هذا الأمر يؤكده هذا اللوح من المرمر الذي تم جلبه من أرض اليمن ويوجد الآن في
متحف عشقي صارك Eski Sark Museum في أسطنبول (الشكل 6)، فهو الجزء العلوي من أحد المعابد
السبئية، تظهر بوضوح تام في سقف المعبد هذا قرون ثور ناتئة من أحد أبراجه وتمثل إله القمر.
(شكل 6)
هناك دليل توضيحي آخر وثيق الصلة بهذا الموضوع وهو الميازيب الناتئة من جوانب الأسطح على صورة
رؤوس ثيران التي أخذت من سطح أحد المعابد في حجة التي أشار إليها سي راثجنز C. Rathjens و اتش.
في. وايسمن H. v. Wissmann’s عام 1932 في الصفحة 55 من (عصور ما قبل الإسلام).
يبدو لي أن هذه الأشياء كلها تمثل (شقر) إله القمر ومع تقادم الزمن صار الاسم يطلق على هذه
الأسطح حيث كانت تعرض تماثيل ذلك الإله.
1– المونوجرام أو نُعُوت الْحَاكِم وَأَلْقَابَه؛ علامة ترمز إلى شخص ما وتتألف من أحرف اسمه الأولى (المترجم)
2– من الجدير بالذكر أن هذه العادة لا تزال موجودة في حضرموت إلى عصرنا هذا رغم أن الغاية الأصلية من ورائها قد نسيت واندثرت، فقد نشرت فريا ستارك (1938) في كتابها البوابات الجنوبية للجزيرة العربية –في الفصل الذي يحمل عنوان (في حضرموت) صفحة 38 صورة لأحد البيوت وقد نصبت في سقفه قرون الوعل (المؤلف)