شخصيات
محمد علوي باهارون
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 5 .. ص 46
رابط العدد 5: اضغط هنا
للحضارمة دور لا ينكر في ازدهار الحضارة الإنسانية في وطنهم الأم وفي مهاجرهم المتعددة في مجالات العمل التطوعي والخيري وبناء المساجد والمدارس والمستشفيات وتسبيل مياه الشرب والسقايات وبناء خزانات وسدود المياه وغيرها من مبرات الخير التي عرفوا بها.
ومن بين حضارمة الحجاز الذين نزحوا من وادي وساحل حضرموت وواديي دوعن، برز أشخاص من مراجيح الحضارمة التصق العمل الخيري بأسمائهم، فلا يذكر المشروع الفلاني إلا ويذكر من شارك في إنجاحه وبذل من حر ماله في سبيل الارتقاء بوطنه أرضًا وإنسانًا.
وفي هذه العجالة نتحدث عن شخصية فريدة التصق اسمها بفعل الخير والسعي في بذله، وهي شخصية الشيخ الكريم والمحسن العظيم أحمد بن محمد بغلف، وطالما تردد على مسامعنا اسم هذه الشخصية في العقدين الماضيين، يتحدث عنه المواطنون الحضارمة بكل فخر واعتزاز، وصار اسمه مضرب مثل في الثراء وفعل الخير، وكان بارًا بأهله وبلده بما تركه من بصمات خيرية في المساجد والمدارس ومشاريع المياه.
ولد الشيخ بغلف بقرية خسوفر بوادي دوعن الأيمن في سنة 1348هـ (1929هـ)، وكانت وفاته يوم عرفة سنة 1411هـ (1991م)، وقد عاش طفولته في قرية خسوفر وتلقى بداية تعليمه على الشيخ عبدالله بن محمد بلخير، وعمل في دوعن، ثم هاجر إلى الحرمين الشريفين كغيره من أبناء دوعن، وقد مكث بمكة المكرمة مترددًا على الحرم المكي، ومتتلمذًا على بعض كبار العلماء فيه ومنهم الشيخ إبراهيم الحلواني الذي أثر فيه تأثيرًا بارزًا ظهر بعد ذلك في حياته العملية والاجتماعية. وفي مكة زاول بغلف بعض الأعمال لطلب لقمة العيش الكريمة، فقد عمل في أحد البيوت بمكة بأربعة قروش، يقوم بخدمتهم وتوفير ملتزماتهم كغيره من صغار الحضارمة، ثم بعد ذلك عمل صرافًا متجولًا أمام أبواب الحرم المكي والمسعى ومنى وعرفة، يقوم بالصرافة للحجاج والمعتمرين، ثم انتقل إلى المنطقة الشرقية بالسعودية وعمل في الصرافة، ومن هنا بدأت تجارته الرابحة فقد كون له رأس مال لا بأس به من تلك الأعمال التجارية، وافتتح شركة صرافة ثم صارت مؤسسة من أكبر المؤسسات المصرفية العالمية، وكانت له صدقات سرية على فقراء ومحتاجي الحرم منذ أن عمل يتصدق بجزء من راتبه عليهم وعرف بذلك إلى أن توفاه الله، حتى صار اسمه مضرب المثل بين الحضارمة في التصدق والإنفاق، وكان يلقب بـ(الظافر بالله)، وهو الاسم الذي تعنون به معظم رسائله وبرقياته، ومن ظفر بربه لم يلتفت إلى غيره.
وكان رحمه الله يشارك في الأعمال الاجتماعية التي يعود نفعها إلى أهله وذويه، فقد كان أحد أعضاء لجنة هيئة الإنقاذ والمواساة بدوعن المُشَكَّلة في مدينة الخبر بالسعودية، وذلك للسعي في إقامة بعض المشاريع الحيوية، ومنها السعي لجمع التبرعات في بناء مستشفى دوعن التكاملي بكافة متطلباته وكان ذلك في عام 1963م.
أعماله الخيرية:
للشيخ بغلف إسهامات رائدة في الأعمال الخيرية في الحرمين الشريفين وفي بلاده دوعن وغيره من البلاد الحضرمية، وما تزال آثاره قائمة في بناء المساجد والمدارس وخزانات المياه، وقد ارتبط اسمه في مشاريع المياه في مناطق حضرموت وشبوة، فكان يبني الخزانات الواسعة ويوصل المياه بالمواصير إلى المناطق البعيدة موفيًا بقسمه الذي كما قيل إنه أقسم بالله أن يبني الخزانات ويوصل الماء إلى كل بيت محروم منه بقدر استطاعته. وقد بر بقسمه وخزانات المياه شاهدة على ذلك في مناطق واديي دوعن الأيمن والأيسر ووادي العين ووادي عمد ولم تقتصر على منطقته لجرات ووادي دوعن، بل في عموم مناطق اليمن، إضافة إلى ما كان يقوم به من الإنفاق في سبيل الله على البلدان المجاورة والأسر الفقيرة المحتاجة حتى شبهه بعضهم بحاتم الطائي في عصره. وقد ظل على تواصل دائم في تقديم المشاريع والمساعدات للمناطق المحرومة والفقيرة راجيًا في ذلك أولًا ثواب الله ثم مساعدة الأهالي بخاصة في المناطق النائية بإمدادها بأنابيب المياه وحفر الآبار، ولقد سار على نهجه من بعده أولاده مقتفين أثر والدهم فيما خلفه لهم من مآثر وأفعال حسنة، منتشرة على طول البلاد وعرضها.
ويذكر د. عادل الكسادي في دراسته عن العمل التطوعي في حضرموت أن المغتربين الحضارم أعطوا أهمية بالغة لمشاريع المياه في مناطقهم لمعرفتهم بصعوبة الحصول على مصادر الشرب في أيام الجفاف، ومن أبرزهم في هذا الميدان رجل الخير والبر الشيخ أحمد محمد بغلف الذي كانت له اليد الطولى في السعي لتوفير مياه الشرب لمناطق عديدة في حضرموت واليمن وذلك منذ العقد الخامس من القرن العشرين.
ويشير أحد القائمين في مشاريعه الخيرية بحضرموت وهو الشيخ عمر محمد بانبيلة أن مشاريعه عمت معظم المناطق النائية في حضرموت، وكان الرئيس علي ناصر محمد يقدر له تلك المشاريع الخيرية التي أنجزها ويوجه إلى المسئولين بتسهيل مهام مشاريع بغلف. ولما زار الشيخ بغلف حضرموت في أيام المحافظ محمد علي باشماخ استقبل استقبالًا حافلًا وكان برفقته عدد من تجار السعودية.
المساجد التي بناها:
قام الشيخ بغلف بتجديد وبناء عشرات المساجد رجاء ثواب الله الذي وعد به نبيه الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم في حديثه الصحيح (من بنى لله بيتًا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة) رواه أحمد وابن خزيمة وابن ماجه.
ومن تلك المساجد بمناطق ساحل حضرموت:
لقد ترك الشيخ أحمد بن محمد بغلف (الظافر بالله) آثاراً مجيدة جديرة بالدراسة والتوثيق والتخليد وإبرازها لأبناء العصر ليروا ما كان عليه آباؤهم الحضارمة في السنوات القريبة، من مجاهدات ومكابدات وبناء مجدهم بأيديهم من غير اتكال على غيرهم حتى شاركوا في بناء حضارات العديد من الدول الإسلامية في الجزيرة العربية وجنوب شرق آسيا وشرقي أفريقيا، ويعتبر الشيخ بغلف من أبرز مراجيح الحضارمة الذين أسهموا في النشاط الاقتصادي بالمملكة العربية السعودية، والعمل التطوعي ولم ينسوا أهلهم وأوطانهم من إصلاحاتهم وصلاتهم وبذلك خلد لهم الزمن الذكر الحسن وثناء الناس عليهم على مدى الأعوام، والذكر للإنسان عمر ثانٍ.
المراجع: