شخصيات
يوسف عمر باسنبل
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 5 .. ص 48
رابط العدد 5: اضغط هنا
ميلاده ونشأته :
ولد الشيخ الأستاذ عثمان أبوبكر باعمر العمودي عام 1915م في منطقة صبيخ بوادي دوعن الأيسر، وبدأ دراسته في منطقة صيف بعد أن ذهب للدراسة فيها والسكن عند أخواله من آل بامعروف العمودي وكان عمره حينها 6 سنوات، وفي سن الـ 8 هاجر إلى مكة المكرمة حيث يعيش والده هناك وجمع بين العلم والعمل، ثم هاجر إلى جزيرة جاوا الأندونيسية، وعاد وهو في العشرينيات من عمره إلى أرض الوطن متسلحاً بالعلم ليبدأ رحلته مع مهنة التدريس في منطقة صبيخ مسقط رأسه عام 1930م .
رحلته مع التدريس:
بدأت الرحلة مع التدريس عام 1930 م عندما قام بفتح فصول للتدريس في بيته، وكانت البداية بفصلين ومع زيادة أعداد الطلاب وتلقيه مساعدات من أهالي المنطقة قام ببناء مدرسته الخاصة المكونة من أربعة فصول وتم تسميتها ( مدرسة صبيخ الابتدائية ) وتأسست عام 1934م، وهي نواة لمدرسة 30 نوفمبر التي أنشئت في منطقة مدهون ضاحية صبيخ، وقام على أنقاضها مجمع الشيخ عبدالله سعيد بقشان يرحمه الله، الذي افتتح عام 2004م .
واجهت الأستاذ عثمان باعمر الذي كان يلقب بالشيخ عثمان مصاعب عديدة كادت أن توقف مهامه النبيلة في نشر العملية التعليمية؛ لأن بعض الجهات والطوائف كانت أفكارهم مغايرة لما يحمله من فكر، لكنه واجههم بالحجج والبراهين، وكذلك عندما فكر في تعليم الفتاة لاقى معارضة شديدة من الأهالي؛ لأن تعليم البنات لم يعرفه أحد، لكن الشيخ عثمان باعمر دفع باثنتين من بناته ليجلسن في مقاعد الدرس مع الطلاب حتى تخرجت أحداهن وساعدت والدها في تدريس البنات لمدة خمسة عشر عاماً، ثم انسحبت بعد أن انتشر الاختلاط في المدارس .
وفي عام 1946 م انتقل الأستاذ عثمان باعمر إلى المدرسة الوسطى بغيل باوزير ليعمل مدرساً هناك قبل أن يعود إلى صبيخ عندما تم تحويل المدرسة إلى حكومية نظامية وتوفير المدرسين لها أمثال الأستاذ فرج بكورة والأستاذ عبدالرحمن الملاحي .
بين عامي 1962/1963م افتتحت المدرسة الوسطى بالجحي، فانتقل إلى هناك ليشغل منصب المدير لمدة عامين، لينتقل عام 1964م/1965م إلى منطقة بضه بعد افتتاح مدرستها ويتولى زمام الإدارة لمدة عامين ومن ثم يعود مجدداً إلى صبيخ .
في رحلته التدريسية كان الأستاذ عثمان يبعث بطلابه المتميزين إلى وسطى الغيل لمواصلة تعليمهم ومن بينهم الأستاذ صالح عمر جمعان .
أسلوبه في التدريس :
كان الأستاذ عثمان باعمر حازماً وصارماً في الصف وخارجه، ولا يقبل الكسل والتكاسل، وكان يقوم بتأليف وإخراج المسرحيات لطلابه كأسلوب من أساليب التشويق للدرس؛ حيث اشتملت على مسرحيات تاريخية مثل مسرحية عن نكبة فلسطين، إضافة إلى المواضيع الثقافية والفكاهية، التي كانت تقام في سطح المدرسة أو في منزل المرحوم أحمد سليمان بقشان بخيلة وهي جزء لا يتجزأ من الأنشطة اللاصفية التي يتم فيها أيضا تنظيم المباريات بعد تكوين الفريق المدرسي وتخصيص حصة أسبوعية للرياضة لألعاب الجمباز والألعاب السويدية، وكان أول المتواجدين في النشاطات اللاصفية ويشرف بنفسه على المسرحيات الأدبية والهزلية والخطب والمنولوجات الهادفة التي يقوم بإعدادها ومن بينها منلوج ( العم زعتر ) :
ياغارة الله شوبقها تحدي لي ** ياناس ياناس بقعا ماهي زينة
في التيجة جرذان تلعن وتسب واجد ** والحرمة تتمنى والعم زعتر ساكت
بين الدكان قال لي هات العدي ** كلمنا الجرذان قالوا أنت ماضي
إسهاماته وأعماله:
كان الأستاذ عثمان باعمر خطيباً لجامع صبيخ لسنين عديدة، ومحاضراً فيه يلقي عليهم الدروس، وعمل أيضاً أمينا للأنكحة في وادي دوعن الأيسر، وكان يتمتع بأسلوب خاص في حل المشاكل، وكان شخصية اجتماعية في المنطقة وساعياً في الخير، وجعل من بيته سكناً للمعلمين والطلاب .
قال عنه الأستاذ الراحل عبدالرحمن عبدالكريم الملاحي: بأنه مصباح صبيخ السحري عندما قال إذا حدثك أحد أبناء منطقة صبيخ بأن الأستاذ فعل كذا أو قال كذا فاعلم أنه الأستاذ عثمان باعمر؛ لأن لقب الأستاذية التصق بذلك الشيخ الجليل، ويتذكر الملاحي أنه عندما كان طالباً في وسطى الغيل كان الأستاذ عثمان معلماً هناك، لكن لم يمكث إلا شهراً واحداً في السنة التي التحق فيها الملاحي بالمدرسة الوسطى، لكن أحد زملائه كان يردد بيتاً شعرياً يقول :
للناس هم ولي في اليوم همان هم الحساب وهم الشيخ عثمان
وأضاف الملاحي قائلاً:(( إنهم كانوا يرددون هذا البيت دون وعي لما يحتويه من مضمون إلا أن التساؤل كان يدور عمن يكون هذا الشيخ حتى يهتم به زميلنا ؟ وطافت الرؤيا بخاطري وأنا أمر بشوارع المدينة المتعرجة الصاعدة إلى سفح الجبل الحاضن للمدينة والذي يطلقون عليه الحيد ، نرتفع مع كل حجرة إلى أعلى حتى بلغنا بوابة منزل الشيخ الجليل الذي وقف خارجه مرحباً بنا ، وسارع إلى حمار الشاب يفك رباط حمولته وينقل بعضها إلى الداخل ، ثم دعانا للدخول ، وهكذا قابلت الشيخ الصارم المهاب معلم الحساب ، والعنصر الثائر ابن ركة الإرشاد الداعية إلى إصلاح وضع حضرموت في عصر التنوير، سنتان قضيتهما معلماً في تلك المدينة ، زاملت فيها الشيخ الجليل ، وكان لقب الأستاذية للأستاذ عثمان أبوبكر باعمر العمودي شائعاً بمدينة صبيخ ، ومدن وادي ليسر عامة، ولم تكن له الريادة فقط في تعليم الذكور ،بل أسهمت عائلته في تعليم الفتاة فكانت ابنته شبيهة بأبيها في هذا المجال ، أستاذة جادة في خدمة المجتمع فمن شابه أباه ما ظلم )) .
من أبرز تلاميذه:
تخرج على يدي الأستاذ عثمان باعمر العمودي يرحمه الله كوكبة من الطلاب الذين أثبتوا جدارتهم في سوق الحياة وصاروا أسماء معروفة يشار إليها بالبنان في كافة المجالات، ومن بينهم الأستاذ سالم أحمد الخنبشي محافظ حضرموت السابق، ومحمد عثمان العمودي تاجر في السعودية، ومحمد عبود بامعروف تاجر في السعودية أيضاً، والدكتور العرابي، والدكتورعبدالله سعيد باوزير أخصائي أطفال بعدن، ود/ خالد الذيباني وعثمان وعبدالرحيم بالعرج وصالح جمعان وعمر مخارش ويسلم بومنذر وعمر محارق وأحمد عبيد محارق ومحمد عمر بن عيسى العمودي والدقيل عبدالله بلشرف وحامد مقيبل وجمعان باعمر ومحمد عبيد محارق وأحمد سليمان بقشان والدكتور عمر سالم الحامدي والأستاذ سالم عمر الخضر الخنبشي وغيرهم من الأسماء لما يقارب من 200 اسم تلقوا تعليمهم على يديه وبعضهم من مناطق خيلة بقشان وصبيخ وجريف والدوفة والعرسمة وبلاد الماء وقيدون إضافة إلى بعض من أبناء بضه منهم الشيخ عبدالرحمن المنصب العمودي وعلي بن زقر .
وفاته:
توفي الشيخ الأستاذ عثمان أبوبكر العمودي في مسقط رأسه بصبيخ في 14/ 12 / 1411هـ الموافق يونيو 1991م عن عمر ناهز 76 عاماً قضاها في حياة حافلة بالجد والسيرة الحسنة والتواضع، وخلف من الأبناء ثلاثة: ولداً وبنتين توفيت إحداهما في عهده بينما توفي له ثلاثة أولاد وبنت وهم صغار، ولاتزال إحدى بناته على قيد الحياة وله من الأحفاد 25 من الذكور والإناث .
وماذا بعد؟
وكان الأستاذ سالم أحمد الخنبشي محافظ حضرموت السابق قال في مهرجان رياضي أقيم في دوعن عام 2008م حمل اسم الأستاذ عثمان باعمر العمودي إنه يقترح بأن يتم ترميم وصيانة المبنى القديم لمدرسة صبيخ الابتدائية وتحويلها إلى مركز تنمية وإطلاق اسم المرحوم عليها على منوال المدرسة الوسطى بالغيل، مع تشكيل لجنة من بين خريجي المدرسة ممن لازالوا على قيد الحياة من أجل البحث عن وثائق المدرسة وأرشفتها بطرق علمية حديثة، مع التفكير بإنشاء جائزة تحمل اسم الأستاذ عثمان باعمر للمبدعين والمتفوقين من أبناء دوعن .
والآن وبعد أن رحل عن دنيانا الفانية الشيخ الأستاذ عثمان أبوبكر باعمر العمودي يرحمه الله الذي يعد رائد التعليم في دوعن ورائد تعليم الفتاة ومؤسس أول مدرسة في دوعن 1930 ربما لم يعرف الكثيرون عنه شيئاً، وربما لاقى الجحود والنكران؛ لأنه بعد وفاته تم قطع راتبه التقاعدي مباشرة، ورحل دون أن يهتم به أحد في المديرية سوى المهرجان الذي نظمه له المهندس الشيخ عبدالله أحمد بقشان في صيف 2008م وفاء وعرفاناً للأستاذ عثمان باعمر بينما غابت السلطة المحلية ولم يحضر سوى محافظ حضرموت حينها سالم الخنبشي ولم يتم تقديم شيء أو عمل شيء من المقترحات التي تم تقديمها، ولم تكرم السلطة المحلية الأستاذ عثمان باعمر ولو بعد وفاته من باب رد الجميل ؟؟؟؟
هل سنرى تكريماً يليق لما قدمه الأستاذ عثمان يرحمه الله ؟؟ هل سيتم العمل بمقترح الأستاذ سالم الخنبشي بإنشاء جائزة علمية للطلاب المتفوقين من أبناء دوعن ؟؟ وهل سيتم إطلاق اسمه على إحدى المدارس بالمديرية تخليداً لذكراه ؟؟ أم بمضي الأيام والسنين سيتناسى الجيل الحالي ومن سيخلفهم سيرة رائد التعليم في دوعن !!