شخصيات
عادل حاج باعكيم
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 5 .. ص 51
رابط العدد 5: اضغط هنا
قال الشاعر الشهير أبو الطيب المتنبي :
ولو كان النسـاء كمن فقدنـا لفُضِّلت النساء على الرجالِ
وما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ ولا التذكيـرُ فخـرٌ للهـلالِ
عَرَفْنَا في العالم الإسلامي نساءً إذا ذكرت أسماؤهن اهتزت عروش الملوك ودور الحكم، هذا الأمر الذي يحدث من اضطراب وقلق وغيره ليس لقوتهنَّ أو لجبروتهن بل لعلمهنَّ وحكمتهن، حتى قيل “وراء كل رجل عظيم أمرة عظيمة” .
عندما نطالع كتب التاريخ تصادفنا في كثيرٍ من طيَّاتها ذكر لشاردة أو واردة من أخبار النساء، هذه الإشارات التي جعلت في ما بعد كتبٌ منفصلة، جعلها بعضهم مخصصة في جانب أو مجال معيَّن من أمثال هذا النوع كتاب لطيف للإمام جلال الدين السيوطي عن من عرف بالشعر من النساء وجمع فيه عدداً لا بأس به وهو مطبوع، ومنهم من جعل التأليف عن النساء عاماً فمن أمثلة هذا النوع كتاب “معجم أعلام النساء اليمنيَّات” للأستاذ عبدالله بن محمد الحبشي، هذا الكتاب مطبوع لكن يكاد أن تكون نسخه معدومة، وأخيراً صدر كتاب لطيف جداً للأستاذ طارق بن محمد العمودي باسم “النساء الحضرميَّات إشراقات ونوادر من أخبارهن” .
حاولت قبل فترة ليست بالقصيرة أن أجمع شيئاً ولو يسيراً عن بعض النماذج المشرِّفة للمرأة الحضرمية وجعلت هذه النماذج خاصة بجوانب معيَّنة منها الدور العلمي الذاتي لها الخاص بشخصها كطلب العلم والتوسع فيه، والجانب الآخر هو الدور التي قامت به بعض النساء إلى أن أصبح أولادهن أعلاماً يشار إليهم بالبنان، كلا الجانبين يعدان من الجوانب المهمَّة في البناء المجتمعي للكيان الحضرمي الذي عرف بالعلم والتديُّن، لكن تقف أمامنا عقبات في مثل هذه الأبحاث منها أن الحديث عن النساء يعدُّ في مجتمعنا الحضرمي والعربي من المحرَّمات والعيوب وإن كان ذلك الحديث مدحاً فيهن .
قسَّمتُ هذه الوقفات إلى قسمين هامَّين في المسيرة العلميَّة للمرأة الحضرميَّة، الوقفة الأولى عن النساء اللواتي عرفن بالعلم والتمكن منه، والوقفة الثانية عن الدور التربوي العلمي (الكواليسي) للمرأة الحضرميَّة – أي ما كان خلف الستار في إعداد الأبناء إلى أن يصبحوا أعلاماً بارزين- وخاتمة، ذكرتُ في ثناياها أسماء بعض النساء الحضرميَّات اللواتي لم أذكرهن في البحث مع أنهن في استحقاق لذلك، وجعلت قبل كلِّ وقفة منهما فقرة كالتمهيد .
أولاً : نماذج من عالمات نساء الحضارم
قال العلامة عبدالرحمن بن عبيد الله السقاف في كتابه “إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت” عند حديثه عن منطقة صبيخ الدوعنية ما نصُّه :” وكانت صبيخ مهد علم ومغرس معارف حتى لقد اجتمع فيها أربعون عذراء يحفظن إرشاد ابن المقري “(1) في الفقه الشافعي .
النموذج الأول : الشيخة العالمة سلطانة بنت علي الزُبَيْديَّة:
يعود نسبها إلى آل الزبيدي وهم من قبيلة بني الحارث الكنديَّة، وقيل من مدحج، وقيل من بني أمَيَّة(2)، تُعَدُّ هذه المرأة علامة فارقة في مسيرة التاريخ النسوي للنساء الحضرميَّات، فهي رابعة حضرموت كذا سمَّاها بعضهم، قال العلامة ابن عبيد الله السقاف :” وهي من أكابر الصالحين، لها عبادات وأحوال تشبه أحوال رابعة العدويَّة”، وقال أيضاً :” قال الشيخ محمد بن أبي بكر باعباد في ترجمته للشيخ عبد الله بن محمد القديم : كان الشيخ عمر الزبيدي الحارثي من الصالحين، وكانت له أخت اسمها سلطانة، لها أحوال عظيمة، وقد تحكَّمت للشيخ محمد بن عبدالله القديم هي وإخوانها ورجعوا عن طريق العوام، وكان الشيخ عبدالرحمن السقاف وأولاده أبوبكر وعمر يزورونها، وقد بنت رباطاً بالعُر “(3) .
وقال المؤرخ محمد بن أحمد الشاطري :” كانت الشيخة سلطانة – مع أنها آنسة متبتلة لم ترضَ بالزواج – تشارك في عقد الجلسات للمباحثات العلميَّة، والمذاكرات التصوفيَّة مع أئمة القطر الحضرمي وعلمائه وشيوخه في عصرها، وفي مقدمتهم الشيخ عبدالرحمن السقاف العلوي، وبنوه السكران والمحضار والحسن وكانت تنظم القصائد والمقاطيع، ومعظمها في التصوُّف، وفي المحبَّة الإلهية، وفي مدح السقاف المشار إليه، وتكاد تنهج نفس النهج الذي تسلكه رابعة في شعرها – على قلته – أنعم ديباجة وفصيح معرب، بينما لا تتقيد سلطانة بالقواعد النحوية ولا بالألفاظ الفصيحة، لأن أشعارها شعبية دارجة تعبر عما تجيش به العامة في تلكم الأوساط الصوفية “(4).
قالت في إحدى قصائدها تمتدح شيخها الشيخ عبدالرحمن السقاف – رحمه الله -:
جيوش المعرفة غنت وقالت
تناديهم هلمُّوا لي ومالت
على العشاق يا اخواني تعالت
رقاها السيِّد الغوث الهمامِ
وأهل المعرفة تشهد بفضله
في حسن الظن في هذا ونجله
وحاشا شيخنا لا شيخ مثله
لأنه تاج ساداتٍ كرامِ(5)
ومن بليغ كلامها رحمها الله قولها : “كذب من ادعى محبة الحق جلَّ وعلا، فإذا جنَّ الليل نام في فراش، والنوم ضد المقامات”، توفيت هذه الشيخة الفاضلة في حوطتها الموسومة بحوطة سلطانة شرقي مدينة سيؤن سنة 843هـ رحمها الله .
النموذج الثاني : الشيخة العالمة الفقيهة خديجة بنت العلامة الفقيه عمر بن أحمد بن محمد بن عثمان العمودي:
توفي والدها سنة 947هـ(6)، عاشت هذه العالمة في منطقة قيدون بدوعن في القرن العاشر الهجري تحت رعاية أبيها العلامة الشهير، ذكرت كتب التاريخ الحضرمي أنها كتبت بيدها كتاب النهاية للإمام الرملي وهو يقع في ثمانية أجزاء، وجاء في رواية أخرى أنها كتبت شرح الإمام الدميري على المنهاج وكلا الكتابين في الفقه الشافعي، لكن العجيب هي العبارة التي وُجِدَتْ مكتوبة في آخر ذلك الكتاب وهي :” فليعذرني من وجد فيه سقطاً أو غلطاً، فإني نسخته وأنا مرضع “(7)، هذه العبارة تدلنا على أن هذه المرأة شغفت بالعلم وشغلت به ولم تبتعد عنه حتى وهي في أصعب وأتعب حالاتها وهي حالة الرضاعة والعناية بالمولود الجديد، فيا حظ هذا المولود .
قال الأستاذ طارق العمودي :” اختلاف الروايتين في ذكر الكتاب الذي نسخته يدل على تعدُّدِ الواقعة في نفس الفترة، وهذا جهدٌ كبير من تلك المرأة الفاضلة فرحمات ربي على تلك العظام الطاهرة “(8) . توفيت هذه العالمة الفقيهة في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري رحمها الله .
النموذج الثالث : الشيخة الشريفة الأديبة خديجة بنت الحبيب العلامة علي بن محمد الحبشي:
ترجم لها السيِّد الفقيه أبو بكر بن أحمد بن حسين الحبشي في ثبته المسمَّى بـ “الدليل المشير إلى فلك أسانيد الاتصال بالحبيب البشير صلى الله عليه وسلم”، قال – بتصرُّف يسير -:” هي الجوهرة المضيَّة، ذات الأخلاق العُلويَّة، والأحوال السلفيَّة خديجة بنت شيخنا الحبيب علي بن الجد الحبيب محمد بن حسين بن عبدالله بن شيخ بن عبدالله الحبشي إلى آخر النسب المشهور . ولدت شيختنا المترجمة بسيؤن حوالي سنة ( 1298هـ)(9)، ونشأت في حِجْرِ والدها الإمام، وتأدَّبت به واقتدت به في جميع أحواله، ولاحظها الملاحظة التامة، وذكرها في بعض قصائده مثنياً عليها، ومحرِّضاً لها على انتهاج سيرة سلفها، واتباع السبيل التي سلكها أهلها، فنشأت على حالة عظيمة من التقوى والصلاح، حتى اشتهرت في تلك الديار وذاع صيت فضلها إلى ما وراء البحار، فصارت لها المنزلة العظيمة في النفوس، والمكانة الجليلة في القلوب، وأصبحت ملاذاً لكل طالب، ومقصداً لكل زائر، وقد تزوجت السيد عبدالله بن حسين علوي السقاف، ثم مات عنها، وخلف منها بنات نشأن في حِجْرِها وتربَّين تحت رعايتها وتأدَّبَنْ بها . وقد أخذت عن والدها، وتوفيت سنة (1353هـ) ” .
قال الأستاذ عبدالله صالح حدَّاد :” فقد نشأت في بيت علم وقد حظيت برعايته (أي أبيها) وقرأت عليه العديد من الأنشطة الثقافيَّة واكتسبت معارف جمّة، انعكست على نشاطها الأدبي، فقد نظمت الشعر العامي وفاقت أقرانها من الرجال والنساء، وكانت قصائدها أو مجملها على أصوات الألحان الحضرمية الشائعة والرقصات الشعبية التي تمارس في محيطها، وكان شعرها مزيجاً من الحب الحقيقي والمجازي، سلكت به سلوك أهل التصوُّف في عشقها للعلم وحبها للغناء . لها ديوان شعر منضَّد، نأمل أن يصدر محققاً ومطبوعاً “(10) .
هذا الديوان المشار إليه قد رأيته في سيؤن ببيت الشاعرة بيت مقام الحبيب العلامة علي بن محمد الحبشي، مسمَّى بـ: “ديوان الشريفة الحبابة خديجة بنت علي بن محمد الحبشي”، وهو مصفوف بالكمبيوتر في 227 صفحة و يضم 136 قصيدة غنائية ومسرَّحة كانت تـُغنَّى وترددها النساء في مجالسهن بألحان الدان المتنوعة . هذا الديوان جمعه الأستاذ القدير علي بن محمد بن عبد الرحمن السقاف عام 1987م و صَفـَّه عام 2000م، قالت الشريفة الأديبة خديجة في بعض ثنايا هذا الديوان :
قال الذي بات ساهر يا عرب طول الليالي
أشياء في القلب مستورة
لو حد درى ما بقلبي .. يا محبيني رثا لي
با شكي إلى الواحد المعبود
حيَّا زمن يومنا حِب الغناء لي قلب سالي
لكن شوكتي مكسورة
عذبنا الشوق شو كل من نظر جسمي رثا لي
كُلِّين مطلق و نا مقيود
وقالت أيضاً :
كل من له قلب بفزع
في المحبة قال با اسمع
لي دخل سوق القتالِ
قال غارة يا رجالي
عاد له داعي مجيب
من سمع مخلوق يسجع
ما قدر في الدرب يجزع
شوه يا حادي الجمالِ
كل من له قلب سالي
صبَّت دموعه صبيب(11)
وقال الأستاذ طارق العمودي :” ولعلها التي عنتها فريا ستارك لدى رحلتها إلى سيئون”، وقال أيضاً :” ويعتقد الأستاذ بارجاء أن المقصودة بحديث ستارك هي “الحبابة” الجدَّة أو الشريفة خديجة بنت علي بن محمد الحبشي العلم الشهير”(12) .
قالت السيِّدة فريا ستارك التي زارت سيئون عام 1935م :” وصلتني رسالة من أرملة متعلمة من سيئون تطلب مني فيها أن أزورها وقد قادتني إليها خادمة تجرجر خلفها ذيل ثوبها الأخضر وسط النخيل ثم صعدنا سلماً مطلياً بالنورة الجير الأبيض قادنا إلى غرفة واسعة ذات أعمدة، ومفروشة بسجاد، وتحلقت نحو عشرين امرأة يلبسن فساتين قطنية مزهرة وأثقلت أيديهن بالأساور العنبرية حول زعيمتهن الروحية لقد ذكرنني ” بمتحذلقات موليير ” أمَّا الأرملة نفسها فقد كانت شابة ومستديرة وكانت عيناها تلمعان وقد تدلت ضفيرتان على جانبي وجهها وعندما رأتني أدخل شرعت في القراءة في نسخة من صحيح البخاري كان موضوعاً فوق خشبة صغيرة أمامها وبينما انهمكت هي في القراءة بصوت له رنين غير معبر كانت النساء حولها يتململن بحرارة، وقد انقسمت بين الرغبة في الاستماع للقارئة كما هي العادة، والرغبة الجامحة في رؤيتي . ثم تقدَّمت وسط النساء واقتربت من ربَّة البيت وبعد أن سلمت عليها رحَّبت بي بخطاب مؤثر كانت تلقيه وكأنه ينساب من حنفية وفي الوقت نفسه ظلت تراقبني وتمسكني بإحدى يديها وتشير بالأخرى لجذب انتباه قطيعها وكانت تنقط جملها بأصابعها القصيرة والجميلة المنقوشة بالحناء ولم تنس أن تضمن حديثها بعض الآيات القرآنية وبعض الأحاديث النبوية، واقتبست كذلك أقوال الشعراء أذ أنها نفسها كانت شاعرة وشاركت في مساجلات شعرية شعبية وتحصلت في إحدى المرات على طقم أواني للشاي كجائزة وأخبرتني أن النساء يجتمعن عندها يومياً ليستمعن إلى القرآن أو صحيح البخاري أو صحيح مسلم، أو أحد كتابين تقليديين نسيت اسمهما وقد صادف أنني أعرف شيئاً عن صحيح البخاري وعندما استطعت أن استذكر نصف جملة من أقواله شرعت المرأة دون أن تترد ثانية في الحديث عن الفلسفة والقيمة العليا للدين وسألتني لماذا لا تسكني هنا ؟ سيكون باستطاعتنا أن نجتمع ونتناقش كل يوم . إلى أن تقول : ” وقد غادرت السيدة التي أخبرتني أن هناك سيدات متعلمات أخريات في سيئون وتريم مدينتي الدين، والعلم لكنهن متزمتات جداً ؛ أما هي فلم تكن كذلك فذراعاها كانتا مفتوحتين إلى المستمعة المسيحيَّة، وكانت تكن لي مودة مخلصة “(13) .
توفيت الأديبة الشريفة خديجة في 6 ربيع الثاني سنة 1353هـ، فرثاها بعضهم، منهم السيِّد الأديب محمد بن عبد الرحمن السقاف بمرثية طويلة نورد منها هنا بعض الأبيات، قال رحمه الله :
لعَمْرُكَ لستَ معدومَ المثالِ
بما قد حلَّ بي في كلِّ حالِ
بفقد فقيدة الإسلام من قد
حباها الله مرتبة الكمالِ
وحازت كلُّ فخرٍ لا يضاهي
تقاصر عنه أرباب المعالي
وأصبح ذكرها في كلِّ قطر
كمثل الشمس شاع وكالهلالِ
فحدِّث عن شمائلها وأيقن
بأن صفاتها فوق المقالِ
لها كرمٌ كوبل الغيث لمَّا
تحدِّرُ فوق آكام الرمالِ
وأخلاق تبارك من براها
وجمَّلها بها أسمى جمال
تلاقي البائسين بكل بشرٍ
وتكرم جاههم قبل السؤالِ
فلو كنَّ النساء كمن فقدنا
لفضِّلت النساءُ على الرجالِ
فوا أسفي على تلك المزايا
الكريمة والمقامات العوالي(14)
النموذج الرابع: الشريفة سيِّدة بنت العلامة عبدالله بن حسين بن طاهر العلوي:
ولدت بقرية المسيلة بضاحية تريم ونشأت في بيئة علمية صالحة، كان أبوها العلامة عبدالله حريصاً على تربيتها وتعليمها منذ الصغر، وكان عمها العلامة طاهر يعتني بها ويلاحظها، فهي من جملة شيوخ العلامة علوي بن عبدالرحمن المشهور، قال صاحب لوامع النور :” ومن جملة الذين انتفع بهم سيدي الجد علوي واستجازهم وارتبط بسلسلة مشايخهم السيدة التقية النقية الصافية الصوفية الشريفة سيدة بنت الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر “، وقال أيضاً :” ترجم لها صاحب الدليل المشير ترجمة موجزة وذكر أن وفاتها كانت بالمسيلة سنة 1346هـ “(15) .
وذكرها أيضاً المحدِّث الشيخ أبو الفيض أحمد بن محمد الصدِّيق الغماري في معجم شيوخه المسمَّى بـ ” المعجم الوجيز للمستجيز “، ووصفها بعلو السند، فقال :” تروي عن والدها عبدالله بن الحسين بن طاهر بأسانيده المذكورة في “عقد اليواقيت” فإنه من شيوخ عيدروس بن عمر الحبشي، وهذا سند في غاية العلو، والحمد الله “(16) .
النموذج الخامس : الشيخة الشريفة فاطمة بنت أبي بكر بن عبدالله بن عمر بن يحيى – الشهير بصاحب البقرة – :
ذكرها أيضاً المحدِّث الشيخ أبو الفيض أحمد الصدِّيق الغماري في معجم شيوخه المسمَّى بـ ” المعجم الوجيز للمستجيز “، وقال عنها :” تروي عن السيِّد عبدالله بن حسين بن طاهر شيخ صاحب “عقد اليواقيت الجوهرية”، وهو من عوالي الأسانيد أيضاً “(17) .
النموذج السادس: الشيخة الصالحة البرَّة التقيَّة الشريفة آمنة بنت الحبيب العلامة محمد بن حسين بن عبدالله بن شيخ الحبشي:
ترجم لها السيِّد الفقيه أبو بكر بن أحمد بن حسين الحبشي في ثبته المسمَّى بـ :” الدليل المشير إلى فلك أسانيد الاتصال بالحبيب البشير صلى الله عليه وسلم”، قال – بتصرُّف يسير – متحدثاً عنها :” ولدت بسيؤن بعد عام (1260هـ) بسنتين أو ثلاث، وقد توفيت والدتها وهي صغيرة وتربَّت على يد أم أخيها الشريفة علوية بنت الحسين الجفري، وتزوجت من السيِّد علوي بن أحمد بن عبدالرحمن السقاف بمكة وخلَّفت منه أولاداً منها والدتي السيِّدة نور، وما زالت بمكة، ثم لحقت بلحج قرب عدن حينما هرب بها زوجها من شريف مكة عون، ثم ما لبثت أن عادت معه إلى مكة، وقد توفيت ابنتها السيدة الوالدة نور وهي بسيؤن سنة 1325هـ، وكانت شديدة التعلُّق بها وما وسعها إلا أن سلَّمت أمرها لمن له الأمر وقالت :” إنا لله وإنا إليه راجعون “. وقد توفي زوجها بمكة سنة 1335هـ، وما زالت بعد وفاته مقيمة بمكة في صلاح وتقوى وعبادة ودعوة إلى الله تعالى، حيث يؤم محلها الكثير من النساء، حتى كانت سنة 1342هـ فقامت بأداء الحج مع ابنها السيد الخال أحمد، ونزلت من مِنى وهي مريضة، حتى إنها لم تطف ولم تسعَ، فوافاها الأجل وانتقلت من دار الفناء إلى دار البقاء في ليلة السبت السابع عشر من ذي الحجة الحرام سنة 1342هـ، وشيعت جنازتها، وصلي عليها بالمسجد الحرام، ودفنت بالمعلاة، بحوطة السادة العلويين . وكان أخذ سيدتي الجدة آمنة عن أبيها الإمام مفتي الشافعية بمكة، وعن زوجها الإمام الحبيب الجد علوي بن أحمد السقاف شيخ السادة العلويين بأم القرى . وقد نشأتُ في حجرها، وتربيت في دارها مدَّة من الزمان، وكانت تحبني كثيراً، وتلاحظني ملاحظة عظيمة، وتلهج دوماً بالدعاء لي، وقد حفظتُ منها أوراداً، وسمعت منها كثيراً من ديوان الحبيب عبدالله الحداد، وديوان الحبيب عبدالله بن حسين بن طاهر، وكانت هي شديدة التعلق بالديوانين المذكورين، وفي بعض الأوقات تأمرني أن أقرأ لها ما تريده من الديوانين المذكورين، واستفدت كثيراً منها، ومن مجالسها الشذية وأخلاقها المرضية “(18) رحمها الله تعالى .
النموذج السابع : الشيخة الشريفة خديجة بنت محمد بن أحمد المحضار:
ذكرها المحدِّث أبو الفيض أحمد بن محمد الصدِّيق الغماري المغربي في معجم شيوخه المسمَّى بـ ” المعجم الوجيز للمستجيز ” فقال :” تروي عن زوجها العارف السيِّد أحمد بن حسن العطاس، وهو يروي عن عيدروس بن عمر الحبشي، وأحمد بن عبدالله بن عيدروس البار الراوي عن عبد الرحمن الكزبري، وعن غيرهما”(19)، هذا السند يُعتبر من الأسانيد العالية، والعُلوُّ مطلوب عند أهل الحديث والأثر رحمهم الله .
النموذج الثامن : الشريفة زهراء بنت عبدالله بن أبي بكر المشهور:
ترجم لها السيِّد أبو بكر العدني المشهور في كتابه اللوامع فقال :” ومن أخصِّ المنتفعين به والآخذين عنها والمتأدبين بأدبه، زوجته الصالحة العفيفة الشريفة زهراء بنت عمِّه عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن علوي بن محمد المشهور . ولدت بتريم ونشأت في بيت العلم والتقى والطهر والنقاء وقرأت القرآن ومتون الفقه الشافعي وقرأت كتباً عديدة في السيرة والتصوُّف والعربية، وكان جُلُّ انتفاعها بأبيها وجدها . ونالت من عناية والدتها ما فتح لها باب الاستئناس إلى الطاعة والعبادة والاطمئنان بها” .
أنجبت هذه الفاضلة للعلامة علوي بن عبدالرحمن المشهور أربعة من الذكور وجميعهم من الأفاضل، أمَّا من البنات فأنجبت له بهيَّة(20) وعائشة وشيخة وكلهن حظين بنصيب وافر من العلم . توفيت الشريفة زهراء بعد وفاة زوجها العلامة علوي المتوفى سنة 1341هـ بعدَّة سنوات رحمها الله تعالى(21) .
__________________
الهوامش :
1. ينظر ص373 .
2. ينظر أدوار التاريخ الحضرمي للشاطري ج2 ص308 ، وإدام القوت ص760 .
3. ينظر إدام القوت ص757 .
4. ينظر أدوار التاريخ الحضرمي ج2 ص309.
5. ينظر المنهل العجيب الصاف في فضيلة وكيفية حضرة الشيخ عبد الرحمن السقاف للمشهور ص21
6. ينظر ترجمته في الفكر والثقافة في التاريخ الحضرمي ص151 .
7. ينظر الشامل للعلامة علوي بن طاهر الحداد، وتاج الأعراس في مناقب الحبيب صالح بن عبدالله العطاس للسيد علي بن حسين العطاس ج2 ص563 .
8. ينظر النساء الحضرميات ص54 .
9. وقال الأستاذ الباحث عبدالله صالح حدَّاد في معجم شعراء العاميَّة الحضارم :” ولدت بمدينة سيئون عام 1293هـ – 1876م “.
10. ينظر معجم شعراء العاميَّة الحضارم ص57 .
11. ينظر الديوان ص8 و 61 .
12. ينظر النساء الحضرميات إشراقات ص13 – 51 .
13. ينظر المرجع السابق ص11 .
14. ينظر ديوان الشريفة الحبابة خديجة بنت علي بن محمد الحبشي ص6 .
15. ينظر لوامع النور للسيِّد أبو بكر المشهور ج1 ص270 .
16. ينظر المعجم الوجيز للمستجيز ص32 .
17. ينظر المصدر السابق ص32 .
18. ينظر النساء الحضرميات إشراقات ص51 .
19. ينظر المعجم الوجيز ص32 .
20. تزوجت السيِّد أحمد بن حسن بلفقيه وأنجبت له بنتاً أسمياها شيخة يطلق عليه أسم شيخة فقيهة، لعل هذا لتمكنها من علم الفقه، والله أعلم . ينظر لوامع النوار ج2 ص213 – 217 – 220 .
21. ينظر لوامع النوار ج2 ص212 .