مدارات
أحمد سالم العامري
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 5 .. ص 76
رابط العدد 5: اضغط هنا
انطلقت الدراسة التي كشف عنوانها “شعر حسين البار- دراسة أسلوبية” عن منهج الدراسة والوسائل التي يمنحها هذا المنهج من أدوات وآليات تعين الباحث على إجراء تحليلات أسلوبية موضوعية مجردة تقرأ اللغة باللغة؛ من منطلقات التحليل الأسلوبي: الصوتي والتركيبي والتصويري؛ بهدف الوقوف على الخصائص والسمات الأسلوبية والفنية للنص الشعري. وقد تمخضت لنا من هذه الدراسة النتائج الآتية:
إن التجربة الشعرية التي مر بها حسين البار هي انعكاس لحياته وشخصيته وما فيها من معاني الألم والمعاناة ، فقد سخر شعره في خدمة قضايا اجتماعية وسياسية، ودينية ووطنية وعاطفية.
– انحصر شعره في البحور الموحدة التفعيلة وذات الأوزان الطويلة؛ كالخفيف والطويل والكامل والبسيط والوافر والرمل والرجز والمتقارب، بما يتناسب مع تجربته الشعرية، فقد كانت حياته جدية، في مدحه وهجائه وعاطفته فانعكس ذلك في شعره وفي موضوعاته الجادة، ولغته الرصينة وأوزانه المتقاربة من حيث الصفات الصوتية والقيم الإيقاعية.
– أكثر البار من استعمال القوافي المطلقة لتعبر عن ثبات المعاني التي تناولها، وتمسكاً بالموروث الشعري القديم. كما أن القوافي المطلقة ناسبت مدائحه، التي تنسجم مع ما يحمله الممدوح من معاني الكرم والرجولة والعفو والوفاء.
– اختار حسين البار حرف الراء رويًّا لكثير من نصوصه الشعرية لما ينماز به من رنين موسيقي عال. كما كان للقوافي المزدوجة حضور بارز، وهي من النزعات الرومانسية في شعره، وبرزت سمة تقفية الأعاريض ملمحاً أسلوبياً، وأيضاً طغت الكسرة – حركةً للروي – بنسبة (18%) عبر عن مشاعر الحب والألم .
– برزت مجموعة من الإيقاعات الأخرى في شعر البار، وتنوعت واختلفت تشكيلاتها، وهي إيقاعات قائمة على التكرار في مستويات متعددة (الحرف، الكلمة، الجملة، البيت). هذه التقنيات خلقت نوعًا من التآلف والانسجام بين الدوال، وزادت من الدفقة الشعرية. بما يدل على مدى تمكن الشاعر من أدوات الشعر والمقدرة على توظيفها.
– في المستوى التركيبي، ظهرت مجموعة من الظواهر التركيبية البارزة في شعر البار، كالتقديم و التأخير، والحذف، والالتفات، والإطناب، والتجريد، والاستفهام، والأمر والنهي، والنداء. وتفنن الشاعر في رصف دواله داخل النسق الشعري للإيماء بدلالات متعددة، بما يحقق أكبر قدر من التأثير، فبرزت النصوص الشعرية في قالب انزياحي قوية الشاعرية .
– وظف الشاعر البار آليات التماسك النصي، كالاقتران الشرطي، الاقتران المتتابع، الربط المضاعف. بصورة تجعل الباحث يلتفت إليها ويلتمس أثرها، فأحياناً يُفصل بين فعل الشرط وجوابه بجمل فرعية تدل على رغبة في تشقيق المعاني وتوليد الدلالات، وفي أحايين أخرى يزاوج بين أسلوب الشرط ومن الموصولة، وحروف الجر لتلتحم البنى الشعرية ويتآلف نسيجها.
– ويأتي اهتمام الشاعر بأدوات العطف حرصاً منه على تماسك النص وتلاحمه، وإيصال انطباعات عامة عمن يتحدث عنهم سلباً وإيجاباً؛ فكان للواو الصدارة بين حروف العطف تليها الفاء ثم بقية الأدوات (حتى، ثم، أم، أو، لا، بل، ولكن) بنسب متفاوتة وقد جاء استخدام الشاعر للعطف سلساً وسهلاً خاصة إذا أخذنا في الاعتبار التركيز على واو العطف باعتباره ليناً يسير الاستخدام.
– حفل شعر حسين البار بالمتناصات، فقد تأثر واستقى تناصاته من مصادر عدة؛ كالقرآن الكريم والشعر العربي والأمثال. وكان أكثر التناصات من القرآن الكريم.
– إن اقتباسات حسين البار من القرآن تنم عن مهارة الشاعر وحذقه، وعن ثقافته الدينية العالية والروح الإيمانية التي يتحلى بها.
– إن استدعاء النصوص الغائبة تدرج بين الوضوح والخفاء، فجاءت بعض النصوص منصهرةً يحوي إشارات وإيماءات في شعره، ومنها ما هو منصوص عليه أو مشتمل إشارة واضحة لصاحبه؛ حرصاً من الشاعر على الأمانة العلمية .
– نهل البار من معين الأمثال، وضمنها شعره؛ فقد وظف الأمثال في شعره سواء ما كان منها قديم وحديث، وقد كان التناص معها محدودًا لكنه؛ أفضى إلى إنتاج دلالات متنوعة .
– برزت الصورة في شعر البار مستمدة من مصادر متعددة ومتنوعة كالحياة الإنسانية والحياة اليومية والطبيعة والتراث الثقافي. ومن هذه المصادر ما هو محسوس من الطبيعة الحية مثل الإنسان والحيوان، وبعضها الآخر من الطبيعة الصامتة كالجبال والوديان وغيرها. واستخدامها يبرز طبيعة البيئة التي عاش فيها الشاعر، التي تمظهرت في كون الشاعر رومانسياً يحب الطبيعة ويخاطبها ويشكو إليها.
– تنوعت الأدوات في خطاب البار الشعري بين اسمية وفعلية وحرفية، وتفاوتت في نسبة الحضور، فكثف حضور بعض الأدوات وضعف البعض الآخر، ومن أدوات التشبيه التي استخدمها: (الكاف، كما، كأن، كأنما، مثل، خال). و من خلال استقراء نصوص البار؛ نجد أن جلَّ تشبيهاته معقودة بالأدوات التقليدية ( الكاف ، كأن ، مثل ) ، وقد أكثر من أداتي التشبيه( كأن والكاف ).
– أظهر استقراء شعر البار فيضًا من الصور البيانية التي نهضت على التشبيهات المختلفة، وحظي التشبيه المجمل بنصيب الأسد من تشبيهاته، فبلغ نسبة (84%) القائم على حذف المشبه به، ووظفه في مديحه وهجائه، ليترك فرصة للملتقى في التكثر والتأويل، بما يناسب المعاني المتضمنة. وحظي التشبيه المفصل القائم على ذكر جميع عناصر التشبيه أقل نسبة(6%) من تشبيهاته، واستعان به الشاعر في تفصيل الصور الوصفية واستقصاء المشاهد العامة، فاهتم بتوصيل الفكرة إلى جانب الاهتمام بالوظيفة الشعرية.
– أكثر الشاعر من توظيف الصور الاستعارية؛ إذ لا نكاد نجد قصيدة تخلو من استعارة في سياقات شتى ومعان مختلفة معبرة عن انفعالاته وعواطفه، وتصدرت الاستعارة التشخيصية بقية أنواع استعاراته (التجسيمية، الإحيائية، المثلية)؛ لتخلص الصورة من الجمود، وتنقلها من السكون إلى الحركة.
– أدت الكناية دورًا مهمًّا في تشكيل الصورة في شعر حسين البار، وقد تمظهرت في مستويات ثلاثة: الكناية عن صفة، الكناية عن موصوف، الكناية عن نسبة، وهناك كنايات أخرى برزت في (الاشارة، التعريض، التلطيف).
– كان للمجاز حضوره الفاعل في نصوص البار الشعرية تكشف في (المجاز المرسل، المجاز العقلي) أنتج كل منهما علاقتين داخلية وخارجية.
– يعد السرد أحد التقنيات التي أثرت الصورة الشعرية في شعر حسين البار، وارتبط السرد بالقصائد الملحمية التي تصور المعاناة التي عاشها الشاعر في رحلته مع الحياة، وما جرى فيها سلبية وإيجابية التي انعكست في خطابه الشعري.
– من خلال تقنيات السرد يربط البار بين الأحداث ويسدي لحمتها لتنمو الدلالة شيئاً فشيئاً حتى تكتمل وتسير بشكل طبيعي منطقي، يعتمد اللاحق منها علي السابق اعتماداً متناسباً.
– وتخرج الصورة السردية في خطاب البار الشعري إلى صور أخرى تصدر عن السرد كاللوحة (اللقطة والمشهد واللحظة).
– استخدم الشاعر عناصر السرد كالأحداث، والشخصيات، والزمان، والمكان. مما يجعلنا أمام سارد واعٍ ثقف هذه القنوات والعناصر ثقافة جيدة وطبقها في شعره.
– كان للصورة الرمزية حضورها الفاعل في خطاب البار؛ حيث يستخدم الصورة الرمزية مستعيناً بالمدركات الحسية لكي يقيم نوعاً من التفاعل بينها وبين معاناة الذات، وقد برزت الصورة الرمزية وفق طوابع منها:(الفقد والألم، الطبيعة، الرموز الدينية، رموز الحرب، رموز القوة والضعف) وهذه الصور لا تجود بحركاتها وصوتها ولونها بيسر، إنما هي تومئ إلى ذلك إيماءة ، وتشير إليه إشارة، وهذا برهان على براعة الشاعر وجودة نتاجه.!
وفي كل هذه النتائج تظهر مكانة الشاعر في عصره ، وتفسر تلك المقولات التي وضعت حسين البار في رتبة رواد شعراء الرومانسية في اليمن.
ويوصي البحث بمقاربة نتاج حسين محمد البار خاصة من نواح ومناهج أخرى لم يتطرق لها، والشعر الحضرمي عامة خاصة في العصر الحديث؛ للخروج بحكم عام يكون بمثابة خط سير للدراسات الأدبية.
وفي الختام، أرجو أن يكون التوفيق حليفي في هذه الرسالة، وعسى أن يجد القارئ والباحث بغيته؛ ولست أدعي الكمال فإن وقع خطأ في الرأي أو زلل في التعبير فمن النفس والشيطان، وإن أصبت فلله الفضل والامتنان، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
______________
* رسالة مقدَّمة إلى مجلس كلية التربية جامعة عدن، وهي جزء من متطلبات نيل شهادة الماجستير في اللغة العربيَّة وآدابها، تقدَّم بها الطالب: أحمد سالم صالح أحمد العامري وأشرف عليها الدكتور: عبدالرحمن عمر عرفان أستاذ الأدب والنقد المساعد بكلية التربية جامعة عدن (1438هـ / 2016م).