مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتراث والنشر

انهمارات حضرمية

كتابات

أ. سالم العبد الحمومي


المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 5 .. ص 84

رابط العدد 5: اضغط هنا


مدينة المكلا لها ما لمدن الموانئ من فرادة وخصوصية تتناغم مع البحر المحيط وآماده الفسيحة والمستغلقة .. تفتح ذراعيها الرخصتين للآخر وجوفها الحاني لتستودعه أسرار البحر وأساطيره وملاحمه المغذية للجسارة والاقتحام !!

 رحبت مدينة المكلا بكل الطامحين من ذوي الإرادات العالية ليفتحوا دروباً للنجاح في أكنافها وعبر بواباتها المتينة والمفتوحة على الموانئ المقابلة على الشاطئ الآخر وقريباً منه أو بعيداً ، منذ أن نبذت التمييز بين زوارها المسرعين والمتمهلين ، من خليجنا العربي وبر الصومال والهند والبصرة وغيرهم من سكان مدن الموانئ المفتوحة على درب الإنسان دون تمييز أو تفنيد .

في تلك الأزمان الولودة توزعت المهام والوظائف بتلقائية تتساوق مع الفطرة المهذبة ، ففتح بامخرمة مطعمه للبحارة الزائرين من كل الأقطار ليقدم لهم ببساطته المعهودة وجبة الصيادية المعروفة .. ثم ليخصص وقتاً للمبروكين والمجاذيب والدراويش المنتشرين في الأرجاء القريبة ليطعمهم حد الشبع دون أن يميزهم عن غيرهم من الغرباء العابرين فيما تنطلق مجموعة أخرى من أسرة مكلاوية معروفة لتنتحي في زاوية أو ركن هادئ بالأغنام العاجزة يقلمون أظافرها ويفرغون ضروعها الممتلئة المتيبسة ، ويقصون شعرها المتطاول بكل رحمة وبر .

وفي أيام الجُمع والأعياد يتنافس هؤلاء وهؤلاء في من يسبق إلى أولئك الدراويش ليقوم بتغسيلهم وتنظيفهم ومن ثم إلباسهم كساءً جديداً .كانوا يتبارون في تلك المسؤوليات المجتمعية الرفيعة دون حافز من مصلحة أو شهرة ، بل كادوا يخفون أسماءهم طلباً ورجاءً لأجر من الله لا تشوبه النوازع البشرية !!.

في الآونة الأخيرة تخيلت أنني أعاود الالتحام بذلك الزمن الفريد المنزه والخالص لوجه الله .. حينما رأيت المكلاويين يفتحون قلوبهم قبل بيوتهم وجيوبهم لأسر عديدة  قدمت إلى هذه المدينة الإنسانية طلباً للأمن والأمان وخدمات الكهرباء والمياه والصحة ، والعاطفة الإنسانية المفتقدة .