د. أحمد هادي باحارثة
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 5 .. ص 97
رابط العدد 5: اضغط هنا
(1)
الدكتور الناقد عبد القادر بن علي باعيسى ثبت قدمه في عالم النقد الأدبي كواحد من الأفذاذ الذين أخرجتهم لنا دوعن من وديانها، كما يُخرج نحلُها عسلها من بطونها، فهو معدود الآن في الأقلام الساطعة في الساحة الأدبية والثقافية بحضرموت؛ كشاهد عظيم على أن الحضرمي إذا واتته الظروف فإنه يستطيع باقتدار أن ينجح ويبدع وهو في قلب بلده الحضرمي، بعيدًا عن هواجر المهاجر، التي وإن كانت قد تملأ جيبه وتشبع نهمه، فإنها كثيرًا ما تسلبه هويته وتشوه قيمه .
د. باعيسى من الأكاديميين القلة الذين أدلوا بدلاء ملأى في عالم تخصصاتهم العلمية، والعلم الذي تخصص فيه وبرع فيه هو النقد الأدبي والدراسات الأدبية، فخط في الصحف والمجلات مداد كتاباته التي امتازت بالعمق والرصانة والاحترافية النقدية، فضلا عن نشاطه المنظم في عدد من الأطر الإبداعية والثقافية التي صارت تتنازعه، وتتخطف ثمين أوقاته، ولا يكاد يجد منها فكاكًا .
وبانتقال باعيسى من عالم الصحائف إلى عالم الكتب والتأليف فإنه قد زود المكتبة على أوقات متفاوتة بعدد من الكتب المفعمة بالأدب والنقد، بمسلك أكاديمي صارم سواء في تناولاته التنظيرية أو تطبيقاته النقدية لنصوص عدد من الشعراء، ولاسيما أبناء جلدته من الحضارمة خصوصًا المحدثين والمعاصرين، ولا نذكر مما اطلعنا عليه من كتبه تطرقه لشاعر قبل الحقبة الحديثة، مع أن تخصصه الدقيق هو في ما قبل العصر الحديث، فعسى الدكتور باعيسى يتحفنا بشيء من ذلك في كتابات لاحقة .
ومما فاجأنا به في كتابه الأخير أنه خص به مواطنيه الحضرميين، ولعله الأول في ذلك من نقاد حضرموت المعاصرين بعد مقال نشره الناقد حسن بن عبيد الله السقاف (ت 1985) في مجلة الحكمة حمل عنوان (ألوان من الأدب الحضرمي)، مع أنه كتبه في أجواء السبعينيات القاتمة حضرميًا، ومثله كتاب (الحركة الأدبية في حضرموت) لسميه عبد القادر الصبان الذي ينتهي إلى خمسينيات القرن الماضي، واصطفى باعيسى لكتابه عشرة من الشعراء الحضارمة متفاوتي الأعمار ومتبايني التيار، واختار له عنوانًا اقتبسه من أضابير المحاكم وسجلاتها هو (استئناف الكلمات)، ربما ليؤكد أن خلاصة وظيفة النقد أن يصدر حكمه الذي ليس بالضرورة أن يكون باتًا، وإن وصل أحيانًا إلى العقوبة القصوى على بعض شعراء كتابه حين يلمح عن شاعر بأنه “مهدد بالسقوط”، وأنه “من أنصاف الشعراء”، وربما “متشاعر”، واصفًا له بـ”عدم نضج الإنتاج الشعري لديه، وظهوره في صورة من الاضطراب الذي يمكن رؤيته في عدد من نتاجاته الشعرية”.
لكن ليس من شأننا هنا الوقوف لدى تطبيقات باعيسى النقدية، أو نقده الإجرائي وأحكامه القابلة للاستئناف، التي يميل فيها حسبما ارتضى لنفسه إلى صف الحداثة والتجديد الشعري بأشكاله البنائية وطرائقه التعبيرية، فيغضب ويرضى عن هذا الشاعر أو ذاك بحسب معاييرها الماثلة في نصوصه، وهو يصرح بها غالبًا بوضوح في ثنايا نقده، وكلها قابلة للنقاش الممتع، مع التسجيل هنا أن الدكتور كان يتنقل بين نصوصه على أطراف أصابعه؛ إذ يميل للحذر الشديد في إطلاق آرائه أو أحكامه؛ فيسرف في أسلوبه الكتابي من استعمال مفردات أو إقحامها مثل ربما ولعل ويبدو، أو يحشو عبارته بالجمل الاحتراسية، وهذا يذكرني بحال الفتاوى التي يحرص رجل الدين على أن يضمنها أو يختمها بلفظة والله أعلم وأحكم .
إنما في هذه الأسطر نقف عند مقدمته التي صدّر بها كتابه المذكور، وأطلق عليها عنوانًا خليًا من المتعلق (في توصيف الشعر الحضرمي)، حيث نظّر فيها لهذا الشعر الموسوم بالحضرمي ما له، وما عليه، وكيف ينبغي أن يكون، وما تعاورته من ظروف أو عوامل أسلمته أو أسلمت ناظميه للحال التي آل إليها من مطلع عصره الحديث، حتى لحظة كتابته لمقدمتة التي أرخها بسنة 2011 سنة الانقلاب الربيعي في العالم العربي، والانقلاب الفكري في قلم واحد من كبار ناقدينا الحضارم .
وقد أتى خلالها بمسائل، وأثار قضايا تفتح بصيرة دارسي الأدب ونقده في حضرموت لحقائق عن أحوال أدبهم وشعرائهم، ظلت غائبة عن أقلامهم من مقالات أو دراسات لفترة قريبة، وبعضها ما زالت في سباتها الغيابي، وتفتح أو ينبغي أن تفتح شهيتهم لدراسة قادمة تفصيلية عما أجملته تلك المقدمة الشاملة، المتضمنة لقدر كبير من الجرأة لدرجة الصراخ في وجه أو ربما في أذن الشعراء والنقاد على السواء، وسنقف عندها بحسب طبيعة ما تتناوله أو تناقشه.
(2)
ابتداءً أشار الدكتور باعيسى إلى مدى حضور الشعر، بل الأدب الحضرمي في أوساط مختلفة من الوسط العربي العام إلى الوسط المحلي، مخمنًا أسباب ما انتهى إليه حول ذلك الحضور الذي يصب في خانة الغياب الشبيه بالتلاشي، فيقول: “تأتي أهمية تخصيص الشعر الحضرمي؛ لأنه ظل مجهولاً على كثير من القراء العرب”، ويعني به بطبيعة الحال الشعر الفصيح الذي تبدو نصوصه “غير ملتفت إليها بعمق واهتمام في الوسط المحلي، ربما لأنه كان وما يزال ينظر إلى الشعر الحديث والمعاصر في حضرموت على أنه دون ما يجب أن يكون”، أو بسبب “عدم تقدير الشعر الفصيح المحلق في الخيال بقوة إلا عند قلة قليلة”، وانتهى إلى القول: “والواقع أن الحقل الأدبي كله غير مهتم بشأنه، شعرًا وقصة ورواية، في حضرموت البلد، لا في حضرموت المهاجر” .
لن نجادل الدكتور باعيسى في كون أشعار الفصيح “غير ملتفت إليها بعمق واهتمام في الوسط المحلي”؛ لأنه محق في ذلك كما سنبينه، لكن لا نوافقه بأن ذلك القول ينسحب على الوسط الأدبي العربي قراء وناقدين، فالحقائق لا تقره بل تنفيه قطعًا، فإلام نشير هنا لندرك حضور الشعر الحضرمي في الساحة الأدبية والنقدية العربية، ولاسيما في النصف الأول من القرن المنصرم قبل نكبة أواخر عام 67، هل نشير إلى ما نشر من أشعار الحضارم في الصحف العربية ولاسيما المصرية، وفي كبرى صحفها الثقافية والأدبية، كالرسالة وأبولّو ونحوها، حيث كان بعض شعرائنا الحضارم يزاحمون بمناكب عريضة سائر من ينشرون فيها شعرهم، سواء من مصر حيث تصدر أو من يراسلها في البلدان العربية الأخرى، ولا نعني هنا شعراء مقيمين في مصر، كعلي باكثير أو علي باعبود مثلاً، بل شعراء يبعثون بأشعارهم من قلب حضرموت ولاسيما مدينة سيئون، من أمثال صالح بن علي الحامد، وعبد الرحمن بن عبيد الله السقاف، وأحمد عبد الله بن يحيى وغيرهم .
أم نشير لما كتبه الناقدون العرب عن أشعارهم في صورة مقالات ناقدة، أو مقدمات لدواوينهم المطبوعة في بلد كبير كمصر في وقت مبكر من الثلاثينيات والأربعينيات، فديوان طبع في منتصف الثلاثينيات، ونعني ديوان (نسمات الربيع) لصالح الحامد، قدمه الشاعر المعروف أحمد رامي بمقدمة شعرية، وبعد نشره انهالت عليه المقالات النقدية في المجلات والصحف المصرية آنذاك، التي قال الحامد نفسه بأنها إذا جمعت ونشرت لأتت في مجلد كبير، كما تناول شعر الحامد الناقد العراقي هلال ناجي في كتابه (شعراء اليمن المعاصرون) مع شعراء حضارمة آخرين لم نسمع عنهم فيما ألف، وطبع بعده من كتب في تاريخ الأدب في اليمن مع اطلاعها على هذا الكتاب .
يقول علي باكثير مخاطبًا الشاعر صالح الحامد:
يا شاعر الأحقاف لا أقفرت تـلك المغـاني من أغـاريدك
غرد على العلات فيها فقـد تبعـث يومـًا من أناشـيدك
غرد وإن عزك ذاك الطلـب وضاع فيها منك صوت وصوت
حسبك أن تصغي دنيا العرب للشاعر الصداح من حضرموت
إن مصر التي لاذ بأرضها أدباء الشام لاذ بها أيضًا أدباء حضرموت، ولقوا الإكرام نفسه والترحاب من كبار مثقفيها، وكانت الصحف المصرية تصف ذواتهم وأشعارهم بالحضرمية، حتى قال الشاعر المعروف أحمد زكي أبو شادي: “عندنا من طلبة المدارس الابتدائية من يعرفون الكفاية عن حضرموت والحضارم، فكيف بمحرري المجلات والصحف”، وحتى إن الناقد الكبير الدكتور شوقي ضيف أفرد حضرموت في سلسلته العتيدة عن الأدب العربي لدى حديثه عن الحياة الأدبية في جزيرة العرب، مستعينًا بمجهود المؤرخ الأديب عبد الله بن محمد السقاف في كتابه (تاريخ الشعراء الحضرميين) المطبوع في الثلاثينيات بمصر بأجزائه الخمسة، لكن الدكتور باعيسى حين ألقى نظرة على هذا الكتاب لم يجد فيه سوى “أن كثيرًا من شعراء حضرموت علماء”.
وهو بهذا إنما يعكس تأثره السلبي بأجواء ما قرره من أن أشعار الفصيح “غير ملتفت إليها بعمق واهتمام في الوسط المحلي”، حيث قال: “لأنه لا كرامة لنبي في أمته”، فنرى واحدًا من نقاد ذلك الوسط يقول: “إننا نقرأ بين حين وآخر أشعارًا لشعراء حضارم ولا نعيرها اهتمامًا، لأنها لخلوها من الشعر الجيد بنظرنا تفضلها الصحائف البيضاء”، ويقول آخر: “هم أشعر الناس على الإطلاق في النوع الحميني منه، وحسبك برهاناً على ما أقول دواوين الشيخ عمر بامخرمة، وخو علوي، وبن زامل، وبو ريّا، ومن على شاكلتهم، وديوان الجد محسن، وديوان سيدي أحمد بن محمد المحضار، والشيخ القحوم، والعمودي، وغيرهم، ممّن لا يضبطهم العد، فإنها شهود عدل على ما نقول” .
وانطلاقًا من ذلك اتجه غالب المبرّزين من نقاد حضرموت ومثقفيها إلى الاشتغال بجمع الشعر العامي، والاهتمام به ونشره ودراسته موضوعًا وفنًا، ودراسة أعلامه، يأتي في طليعة هؤلاء محمد عبد القادر بامطرف الذي له دراسات في فن الشعر العامي، أبرزها كتاب (الميزان) في عروضه وأوزانه، وله في أعلامه كتب (المعلم عبد الحق) و(حداد الكاف شاعر الغزل) و(باحسن الرائد والفنان) فضلاً عن الدراسات الأخرى مبثوثة في الصحف والمجلات المحلية، ومثله أو دونه كتاب آخرون مثل أحمد عوض باوزير في كتابه (الشعر الوطني العامي)، وكتب ودراسات أخرى لأمثال عبدالرحمن الملاحي وعبد الله صالح حداد وغيرهم .
ومن ثم رأينا ناقدًا حضرميًا يقول عن تلك الحالة: “الشعراء الحضرميون كثيرون ولهم في الإجادة القسط الوافر، إلا إنهم – ويا للأسف- لم ينصفهم التاريخ بعد، ولم يعطهم ما يستحقونه من الشهرة فبقوا تحت ذلك الستار، ستار الخمول والخفاء لم تنتشر أشعارهم في الأقطار الأخرى، اللهم إلا النزر اليسير”، وقال: “العجيب في أمتنا أن يكون للشعر العامي عندهم قدر واحترام، وللشعراء الذين يقولونه مكانة سامية ورتبة عالية وشهرة ذائعة فتمتلئ بهم الصدور والأسماع وينالون من الجوائز والصلات ما لا يطمع الشعراء الفصحاء في نيل شيء منه” .
وذلك بوقت رأينا فيه نقاد اليمن يعتنون بدراسة شعراء الفصحى ونقدهم لهم، كعبد الله البردوني في كتابه (رحلة في الشعر اليمني)، وأحمد الشامي في كتابه (قصة الأدب في اليمن)، وعبد العزيز المقالح في كتابه (الأبعاد الموضوعية والفنية في حركة الشعر المعاصر في اليمن)، ولم يكن لشعراء حضرموت فيهن نصيب إلا شيس يسير، ومن ثم فإن الباحثين- في الداخل والخارج- عن الأدب الموصوف باليمني اعتمدوا على كتب هؤلاء في الأغلب لتأريخ أدب اليمن ونقدها ولاسيما في العصر الحديث والمعاصر، فكان لهم الظهور والحظوة حتى لدى مثقفي الوسط الحضرمي نفسه كنوع من التقليد والصدى لا غير .
وترتب على ذلك أن أبدى عدد من مثقفي حضرموت وكتابها أسفهم وخيبة رجاء من تجاهل الكتابات والدراسات لأعلام حضرموت ودورهم ومكانتهم في الحركة الأدبية، فهذا مثلاً أحدهم يقول في دراسة له عن الشاعر الحضرمي الكبير صالح بن علي الحامد وقد التمس معلومات عنه في مراجع الأدب اليمني المعروفة فقال :
“إذا نحن ألممنا بصورة سريعة عابرة ببعض الكتب والأبحاث التي تحدثت عن الشعر في اليمن رؤية وفنًا فإننا سنصاب بخيبة أمل كبيرة حين لا نعثر فيها على صورة الحامد البارزة كما ينبغي أن تكون” .
وهذا آخر بعد أن تحدث عن أحد شعراء حضرموت نجده يقول:
“إنني وأنا أختم مقالي ليحز في نفسي ونحن نذكر اليوم أدباء اليمن فلا أجد من يذكر هذه العبقرية بما يستحق من الذكر الحسن بين رجالات اليمن وأدبائها” .
وقال آخر :
“لا يجد الدارس لشعر عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف أي تفسير يعلل به عدم الوقوف بأناة أمام الشاعر وشعره، وخاصة تلك الدراسات التي وثّقت شعر اليمن الحديث وترجمت لشعرائه في النصف الأول من القرن العشرين” .
أما الأستاذ المعمر جعفر بن محمد السقاف فوصف غياب أعلام أدب حضرموت في كتب مؤلفي الشمال بأنه “ظاهرة ملحوظة”.
(3)
من جانب آخر لكن في السياق نفسه، أي في ما يراه الدكتور باعيسى من ضعف الحضور للشعر الفصيح وشعرائه، يقول: “لقد مرت بالشعر في حضرموت فترات صمت طويلة، لو استثنينا بعض الأسماء البارزة كأبي بكر بن شهاب وصالح الحامد وحسين البار وبعض الشعراء اللاحقين”، ولا نعرف من يعني بهؤلاء اللاحقين وهل هم أحياء كالثلاثة السابقين أم أموات غير أحياء؟، كما لم يحدد مقصوده بفترات الصمت الطويلة، أهي في العصر الحديث أم تمتد إلى ما قبله حتى مائة وخمسين قبل الإسلام حسب تحديد الجاحظ؟، لكن لو رجحنا أن مراده العصر الحديث بقرينة من أورد أسماءهم فأي صمت يعنيه مع وجود تلك القامات الثلاث فضلاً عن من وصفهم باللاحقين، أي صوت يريده بعد تلك الأصوات الثلاثة المذكورة، ثم اللاحقة لها غير المذكورة ولا المعين عددها.
وهؤلاء المذكورون كان أولهم وفاة في بدايات العشرينيات، وآخرهم في نهايات الستينيات (1967)، ومنذ عقد العشرينيات والدواوين الحضرمية المنشورة تتوالى في كل عقد، ففي العشرينيات ديوان ابن شهاب، وفي الثلاثينيات ديوان الحامد (نسمات الربيع)، وفي الأربعينيات ديوان حسن بن عبيد الله (درب السيف)، وفي الخمسينيات ديوان البار (من أغاني الوادي)، وفي الستينيات ديوان الصبان (في ربيع العمر)، ومن أوردهم في كتابه الاستئناف يتراوحون في ظهورهم الفني منذ السبعينيات (الجحوشي) حتى العقد الثاني من الألفية الثانية، فأين هو هذا الصمت الذي وصفه بالطويل، ومع ذلك فإننا إذا ذهبنا نقرأ في أدب أي منطقة عربية (كالأدب المصري مثلًا) فلن تجد الظهور والحظوة إلا للقامات، وهي دائمًا قليلة معدودة، ومع ذلك يحتفون بأدبهم لأجلها وبأصواتها، فعجبًا لمن يشكو من الصمت وهو يعتلي دوحة تضج بالتغريد.
ثم يذهب الدكتور باعيسى إلى أن ذلك الصمت المزعوم ليس له ما يبرره في وقت تتدافع فيه مهيئات أسباب القول الشعري، ولاسيما بعض المآسي التي طرقت حضرموت مشيرًا إلى حقبة السبعينيات، حيث يقول: “مع أنه مرت به خلال فترة الصمت تحولات خاصة مؤلمة ودامية بصورة بشعة كسحل المواطنين… والشعر العربي في عمومه ومن خلال تاريخه الطويل يزدهر في الآلام وفي النكسات الخاصة”.
أما كون حقبة السبعينيات هي مرحلة تحولات مؤلمة ودامية وبشعة فذلك صحيح بإجماع الحضارم، لكن ليس أسوأها سحل المواطنين كمآسٍ حدثت لأفراد معدودين، بل جرى ما هو أبشع وأشنع في تلك المرحلة العصيبة، إنه محاولة طمس الهوية الحضرمية الذي هو بمثابة سحل جماعي للحضارمة، وهو التحدي الأكبر الذي عرض حضرموت لهزات عنيفة في كيانها وقيمها ما زالت تعاني من آثاره، لكن إطلاق القول بالصمت فيه ليس دقيقًا، وبالإمكان العودة للشعراء الحضارم الذين تعرض لهم الناقد اليمني (المقالح) في كتابه (البدايات الجنوبية) لنجد أنهم يعودون للسبعينيات فما بعدها، ومنهم من هو موجود في كتاب الاستئناف، ومن بينهم الجحوشي ونجيب باوزير والبطاطي والجنيد .
وإذا كان شعراء داخل حضرموت لم يقولوا في تلك المآسي بصورة مباشرة، في الأقل لظروف الإرهاب الفكري آنذاك، أو كما عبر أحد مؤرخينا عن ذلك الأمر بقوله: “للأسف الشديد أن من كانت عنده ملكة أدبية لم يستطع أن يقف موقف الشجعان أمام ذلك الظلم الغشوم، ولم يصرح بقصيدة أو مقطوعة نثرية؛ لأنه سيقطع إربًا إربًا؛ فسكتت بلابلة الزمان وغرد الوطواط”، فإن الشاعر الحضرمي المهاجر لم يغفل عنها، بل عبر عنها بصورة لا تخلو من عمق وتأثر أسيف لما جرى، سواء من سحل أو سجن أو تهميش سياسي، وهذا أحدهم يعرض لمأساة قريب له من (تريم) تعرض للسجن والتعذيب لأكثر من ثلاث سنوات منذ عام 1972، وعندما علم بإطلاق سراحه، وفي إثر سوء حالته الصحية أرسل له سينية، منها قوله:
يشـق علي أن تشقى بحبس وتفرحـني نجاتك بعد يأس
من القوم الطغاة الملحـدينا إذا بيعوا فـلا يشروا بفلس
تطوف وجوههم غبرًا عليك كأنـهمُ شـياطين لإنـس
فلا تجـزع بنيّ بما يكـون فأبشر في إزاحة كل نكـس
ويقول آخر عن حال المواطن في ظل حكم الرفاق:
فهو في ظل حكمكم ليـس يحظى في حياة بعيشـة مرضـية
فهو دومـًا مهـدد بين سـجن أو أذى أو إقـامة جـبرية
وهو دومـًا محاسـب في سكون وانطلاق، ونزهـة عـادية
ومن يراجع ديواني (حصاد السنين) للشاعر محمد باوزير، و(الغيمة التائهة) للشاعر حسين شيخان يجد فيهما أشعارًا تعود إلى تلك الحقبة، ومصورة لبعض ما جرى فيها في سياق شكوى أو سخرية .
(4)
وفي موضع آخر من مقدمته يرى الدكتور باعيسى أن الشعر الحضرمي لا يمثل الخصوصية الحضرمية بيئة ولا قيمًا ولا حضارة، ومن ثم فالذات الحضرمية مفقودة في أشعار الحضارم مع أنهم، كما يرى، يلهجون بذكر فضل بلادهم ومزاياها، قال: “ما يلاحظ على الحضارمة هو اعتزازهم بحضرموت، ولكن قلما انعكس هذا في كتاباتهم الأدبية برقي، ربما لأنهم كانت تنقصهم القدرات والتعبير فنيًا وبإجادة عن تلك المعاني”، وقال: “إن تمثل الذات شعريًا ما زال مفقودًا، الذات التي يظهر في إطارها الثقافة والبلد التي أسهمت ببصيرة في التاريخ، وربما في تشكيل الوعي الإنساني”.
لكن الملاحظ على عبارة الدكتور هنا هو الوثوقية الشديدة بتلك الفكرة، وكأنها أمر من المسلمات أو البديهيات، ومن ثم أتى بها في سياق الجزم والتعميم، والذهاب الفوري للتعليل العليل بتوجيه طعنات نجلاء في القدرات التعبيرية والفنية لشعراء بلده، ولم يفده هنا بالذات حذره واحتراسه في إطلاق أحكامه بقلما وربما وما بينهما، وماذا سيقول إذن عن مثل قول هذا الشاعر الحضرمي :
كم من رجال العلم أنجبهم لنشـ ـر الدين وادي حضرموت المنجب
واد شــبيه بالمجــرة، كلــه نور يشـع وكل جـزء كوكـب
ويقول آخر:
يا بلدي إنني رجل مغرم بالفاتن الحسن
فهو في غبراء حلته يتحدى أخضر الدمن
تنعش الكسلان تربته وتثير الشعر في اللَّقِن
ونخيل الرمل منظرها ملتقى التقديس والفتن
فسـلام يا بني وطني وسـلام أنت يا وطني
ويقول آخر:
تعالـوا بنا يا قـوم نحـو مفـاخر تـحلى بها آباؤنا السادة الغرر
همو وطدوا لنا عزًا لنا سامي الذرا ومجدًا رفيعًا دونه الشمس والقمر
سـعوا للعلا والعلم ثـم تأثـلوا من المال ما شادوا به كل مفتخر
وفي التغني بمدائن حضرموت يقول شاعرهم:
دان الطويلة ملء حنجرتي ومـآذن الغنــاء في أذني
وسنابل العقـاد راقصـة من حر أنفـاسي على الوهن
والدوعـني له بذاكـرتي طعم الحبيب وخـجلة الوجن
والغـيل من حـنائها أثر في كف من أهـوى يؤرقـني
واللـيل في سمعون منتجع يغفـو النهار بـه فيـوقظني
والخيصة الزهراء شاخصة نحوي شخوص الأرض للمزن
حسـبي غرورًا أنها بلد الكل يعشـقها وتعشـقني
أما التاريخ فإن أحد معاصريهم قد سجل تاريخ حضرموت شعرًا، بقصيدة حاكى فيها سينية البحتري في استلهام تاريخ الفرس، وفعل مثله شاعر آخر بقصيدة متعددة القوافي، ومنها قوله:
استوقف الليل وسـل نجمه مـاذا رأى قبـلنا بالعيـان
واسأله عن ذات العماد التي ما خلقت من مثلها في الزمان
أين مغانيها التي قد عفـت أين الثـمالات وأين المكان
ثم يقول في الختام:
يا فتيـة الوادي وأبـطاله صـوغوا أمانيه بآماله
وضمخوا بالمجـد تاريخـه فيشرق السعد بأطلاله
واطووا مآسيه التي أدبرت واعتنقوا الدهر بإقباله
وكرموا من كان مـن أهله أبـلغهم نطقًا بأعماله
وآخر رأيناه يقول:
أين من عيـني عاد أين كانوا أين عادوا
ملئوا الدنيـا خيولاً وسيوفًا حين سادوا
سائل الأحقاف عنهم كيف شادوا ثم بادوا
(5)
وفي طريق تحريه المنطلق عن حضرموت والذات الحضرمية في الشعر الحضرمي ينعي باعيسى على الشعراء الحضارم بالتقصير في ثلاث زوايا تتعلق بثقافة موطنهم تتمثل في رموز الأعلام، وكبار الحوادث التاريخية، ويخص منها حدث الهجرة الحضرمية وآثارها، فنجده يقول في المتعلق الأول: “لم أر أحدًا حتى الآن من شعرائنا استبطن التراث الحضرمي بأساطيره ورموزه، كوائل بن حجر الحضرمي، وعبد الله بن يحيى الكندي، وإبراهيم بن قيس الهمداني، ومحمد بن علي باعلوي، ومعروف باجمال، وغيرهم”، ويقول عن الثاني: “لم نقرأ تقلبات المدن الحضرمية تاريخيًا في الشعر، كمدينة تريم مثلا مع غزو عثمان الزنجيلي وشعيب البارقي اللذين أحدثا فيها انقلابًا سلبيًا”، وعن الثالث يقول: “ثمة الهجرة الحضرمية التي ما تزال غائبة بصورتها العميقة عن الشعر، فما زال الآخر أيًا كان هنديًا أو جاويًا أو إفريقيًا غير موجود في الشعر الحضرمي كتصور فضائي أو فني، ولم يحضر الإفريقي والآسيوي حتى في السرديات والحكايات” .
إن دقة تلك الأحكام ومدى قربها من الصواب يتحدد بمعرفة مدى اطلاع الدكتور باعيسى على نتاج الشعراء الحضارم، واستقرائه لنصوص الشعر الحضرمي الحديث، ولاسيما أولئك الشعراء الذين عاشوا في المهجر لمدد متراوحة طولاً، من الإقامة شبه الدائمة كحال الشاعر أحمد بن عبد الله السقاف، إلى الزيارات المتكررة كما هو الحال عند أكثر الشعراء كمحمد بن هاشم وصالح الحامد ومحمد الشاطري .
ففي الجانب الأول نجد أن أكثر من أورد أسماءهم لم يغفل ذكرهم شعراء حضرموت في بعض قصائدهم، ولاسيما ما يتعلق منها بالتاريخ وعبره، كالقصيدتين المشار إليهما آنفًا، وهناك من الرموز التاريخية لأعلام حضرمية ما لم يذكره باعيسى أورد بعضها عدد من الشعراء في قصائدهم مثل النبي هود، وقوم عاد، وإرم ذات العماد، والشاعر امرئ القيس، ويعقوب بن يوسف، والمهاجر أحمد بن عيسى، وهذا الأخير صنع أحدهم عنه وعن رحلته إلى حضرموت قصيدة مستقلة ذات بناء موشحي وسياق أشبه بالملحمة، ومنها :
يابن عيسى أي برق شـمته سرت والدنيا خطوب وشجون
ومضى ركبك نورًا سـافرًا تهتدي منه سـهول وحزون
وقع إقدامك من صدق الهوى تتوارى منه أرصـاد المنون
وهناك شاعر آخر أشار إلى شخصية محمد بن علي باعلوي الملقب بالفقيه المقدم وما يروى عن كسره لسيفه، حيث قال:
وما كسر السيف سيدنا الـ ـفقيه المقدم إلا لشانْ
فما أحسن السيف إذ بالتقى وبالعلم كان له اقتران
وأما مع الجهل والبغي والـ ـعناد فمجلبة للهوان
ويقول غيره:
وردت حياض العلم صفوًا ولم تزل لديك عليها لهفة الواله الظمي
فتحذو خطا السقاف أو نجل سالم وتمثل في سـمت الفقيه المقدم
وهناك رموز أخرى غير بشرية تتعلق بحضرموت ذات طابع تاريخي أو اجتماعي تداولها بعض شعرائنا، مثل البخور واللبان والشاي والحناء والدان، وبهذين الأخيرين ختم أحدهم قصيدته:
خذ من صغيرك يا كبير قصيدة معجـونة بالحب والعرفان
من نكهة الحناء غزل خيوطها ونسيجها من بهجة الألوان
رقت معانيها لرقة جرسها فتدفقت نـهرًا من الألحان
سكرى بأنفاس الصبا أبياتها حبلى قوافيها بصوت الدان
وقد ألف أحد كبار نقادنا، وهو عمر باكثير، كتابًا عن الشاي في الأدب الحضرمي، طبع حديثًا .
أما في الجانب الثاني فإن من الشعراء من أورد بعض النكبات التي حلت بوادي حضرموت ولاسيما كبرى مدنه كتريم وشبام، يقول أحدهم مشيرًا إلى أحداث الإباضية في عهود الدولتين الأموية والعباسية:
لمعت بشراك يا وادي الغضا وتوارت عنك أبراج النحوس
طويت صفحة عهد لم يزل كل يوم في الحمى غاز يجوس
خضبت مروان واديك دمًا ويدا معن أضافته الرمـوس
وفي غزو البرتغاليين الآثم لمدينة الشحر الباسلة في القرن العاشر الهجري يقول آخر:
فنحن أبناء من سـد الثغور ومن صد النحور بضرب الصارم الذكر
سل عنهم برتغال الأمس إذ نزلوا أي القلوب غـداة الروع لم تطر
أضحوا طعامًا لأسماك المحيط وأشـ ـلاء لوحش الفلا في كل منحدر
أما ما يتعلق بالهجرة الحضرمية فلها أثرها وحضورها في الأدب الحضرمي شعرًا ونثرًا، بأكثر من صورة، كما إن الجاوي والهندي والإفريقي لهم بعض الحضور، ولاسيما الجنس اللطيف منهم موجود بوفرة في الشعر الحضرمي، وأوفر منه وصف الطبيعة في تلك البلدان، وذكر لبعض مدنها ومجتمعاتها، ووصف حال الحضارمة هناك، إضافة لمنقبة نشر الإسلام في تلك الربوع، وما نشأ في إثره من دول إسلامية، وفي هذا يقول أحدهم:
سل عن بنيه من الدعاة وعن مواقفهم وكيف على الزمان تغلبوا
حتى تشرف أرخبيل الهنـد بالـ ـإسلام وانتظمت ممالك ترهب
ويقول:
يا أرخبيل الشرق شدنا علاً يحفظه تاريخه العاطر
فجانب الدنيـا به عامـر ومظهر الدين به ظاهر
وللشاعر نفسه أبيات تتضمن حوارًا بينه وبين فتاة جاوية :
وكلوا بي أغن أحوى غريرا زان درعًا من الحرير قصيرا
ترك الشعر مرسلا فهو ليل أشرق الوجه فيه بدرًا منيرا
…
قال لي ما الـذي أراك به مسـ ـتغرق الفكر فيه قلت كثيرا
قال هل أنت مولع القلب يا أسـ ـتاذ عفـوًا فإنما أنا (كيرا)
قلـت لا تعجـبي فإن فـؤادي رغم ذا الشيب لا يزال صغيرا
و(كيرا): كلمة جاوية بمعنى أظن .
(6)
ويلقي الناقد باعيسى نظرة فاحصة لحاضر الشعر بحضرموت، ومستشرفة لمستقبله، فالحاضر كما يراه تغلب على شعرائه الميل نحو النمط التقليدي في كتابة القصيدة؛ سواء في بنائها أو في رؤيتها وموضوعها، خصوصًا، كما يرى، لدى الشعراء الشباب من ذوي الميول الدينية السلفية، فيقول: “يشيع الآن في حضرموت كتابة القصيدة العمودية في نمطها الكلاسيكي؛ من علو النبرة وجزالة اللفظ ووضوح المجاز، لاسيما عند الشباب الأشد التزامًا سلفيًا… فعندما يقوم شاعر معاصر بتمثل ذلك النمط يقوم بتمثل البنية التاريخية المجردة له متجاهلاً روح عصره… يرون في التقنيات القديمة نموذجًا، وأن إدخال الجديد في التصوير والبناء الشعري يؤدي إلى إضعافه، ومن ثم إلى إضعاف اللغة، وربما إضعاف الأمة”.
إنه يرى في ذلك الالتزام بالقصيدة التقليدية عدة معايب من بينها تجاهل (روح العصر)، واتخاذ موقف سلبي من الجديد في التصوير والبناء الشعري، وهو يقصد هنا شعر التفعيلة وما تلاه من أنماط، والتصوير القائم على الاستعانة بالغموض والرمز والأساطير، وهم يرون ذلك الجديد ولاسيما في جانبي البناء والغموض إضعافًا للشعر يؤدي إلى إضعاف في اللغة قد يؤدي بدوره لإضعاف الأمة في ثقافتها وأصالتها، لكن تلك المخاوف أو الهواجس أيًا كانت دقتها لا علاقة لها بالمنتسبين للتيار الديني السلفي؛ لسبب بسيط هو أنها قائمة من قبل حضورهم في الساحة الأدبية، بل منذ طروء تلك المستجدات في المشهد الأدبي العربي اتخذ منها الكثيرون ذلك الموقف، حتى من جانب بعض منظريها لدى من أساء توظيفها أو أوغل في الغموض والتفكيك والتشظي، بل انتقدها ونفر منها حتى من لا علاقة لها بأي تيار ديني مطلقًا، أما وصف (روح العصر) فهو مخملي لا يمكن ضبطه ولا معرفة كنه روحه، ولم يطالب أحد الشاعر بالتقيد بأمزجة عصره ولا حتى بمعطيات بيئته .
وهناك شيء آخر أخذه باعيسى عليهم هو الاتجاه نحو شعر المناسبات، واستدعاء الأغراض التقليدية، والوظائف النفعية للأدب، حيث يقول: “هناك من يرغب في أن يحمل الشعر وظائف اجتماعية وإصلاحية وسياسية، بل دعائية وإعلانية، وأن ينشأ وفق الأغراض والمناسبات”، عمل هنا بطريقة وضع المستقبح مجاورًا للمستحسن لكي تنتقل عدوى القبح إليه لدى المتلقي، فأن يكون للشعر وظائف اجتماعية وإصلاحية وسياسية فهذا أمر كثر راغبوه بل الداعون إليه، لكنه لم يكتف بذلك حتى جاورها بصفتي الدعائية والإعلانية، فهل يرى أن هناك من يرغب حقيقة فيهما، لقد أحضرهما فقط لتشويه تلك الوظائف التي لا يرى نفسه واحدًا من الراغبين فيها، وإلا فإن أولئك الراغبين هم أول من يحذر من تلكما الصفتين إذا انزلق فيهما الشاعر، تمامًا كما ينزلق كثير من شعراء التجديد في التصوير والبناء المرغوب فيهما لدى باعيسى إلى مهاوي الإبهام والتعمية، وتشرذم البناء الشعري في تفاعيله وسطوره وإيقاعه وموسيقاه، فالظاهرة السائدة عند أكثر النقاد أن كل ناقد غير راغب في تيار أو اتجاه معين يتعمد أن يشير إلى غلاته ليستفيد منهم في تشويه ذلك التيار وإفساده، ولم يكن الدكتور استثناء من ذلك .
لكن الناقد باعيسى مع ذلك بدا مطمئنًا إلى أن الكتابة، الراغب فيها أو الداعي إليها والمبشر بها، لها حضورها الذي وإن كان لا يزال ضعيفًا فإنه يتزايد باطراد في الوسط الأدبي الشبابي بحضرموت، فيقول مبتهجًا ومتفائلاً: “إن المنجز الإيجابي للكتابة غير التقليدية أخذ يتفتح رويدًا رويدًا في نتاجات بعض الشعراء في حضرموت كل ما تقدم الزمن… وإن كان بعض الأشعار يتفتح على خجل”، والمأمول من الدكتور ومن هو راغب في ما يرغبه أن يصونوا ذلك (المنجز الإيجابي) من الدخلاء الذين قد يقودونه أو ينزلقون به إلى متاهات تجعله سلبيًا فتنفر المتلقين له، وتقلل أعداد الراغبين فيه، فيكون حالهم حينها كحال نازك الملائكة التي اضطرت في النهاية إلى استدعاء الشياطين للتنفير ممن أساء إلى دعوتها في التجديد الشعري .
وأخيرًا.. كان ممتعًا ومهمًا أن يثير دكتور باذخ مثل الدكتور عبد القادر باعيسى مثل تلك القضايا وتلك التساؤلات عن أدب حضرموت وشعرها؛ ليحرك بها ماء تسلل إليه الأسن لطول المكث والركود، ويدفع بالشعر ولو من طرف خفي إلى التنبه لتلك المناحي التي أشار لغيابها أو ضعف حضورها ليتلقفها الشعراء الشباب ويثروا بها أفكارهم وصورهم على السواء، كما يتجه بالنقد والدراسات الأدبية إلى الاهتمام بها وتتبعها في نصوص الشعراء الحضارم ولاسيما ذوي الدواوين المنشورة، بما يغني الدرس الأدبي في جامعاتنا ومراكزنا البحثية.
ملحوظة : لم يضمّن الكاتب مقاله أي إحالات مرجعية (هوامش) بناءً على رغبته. (المجلة)