مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتراث والنشر

حكايات من المشقاص .. اليوم ما بعدش يا لامو وما قرب سرار

حكايات

فائز محمد باعباد


المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 5 .. ص 107

رابط العدد 5: اضغط هنا


بين الحقيقة والخيال ، وبين قصيعر والبحر يروي الأجداد قصصاً لا تنتهي ، ليست العلاقة ودية دائماً ، البحر سر وجود قصيعر، فلولاه ما قامت بلدة في هذا المكان ، لكن البحر أيضاً أخذ من بيننا رجالاً لم يعدهم إلينا ، ولم يخبرنا أماتوا أم ما زالوا أحياء ؟

كانت أفريقيا وجهة السفر المفضلة للشباب في الأزمنة الماضية ، يغادرون إليها مع ـ الزعايم ـ السفن الشراعية التي كانت تذهب إلى إفريقيا في مواسم وتعود ، يقول الشاعر سعيد سالم بلكديش مستحضراً ذلك الزمن:

(لا سافروا أهل الزعايم با نسافر

ما بجلس طارح على الباورة

با جيب سمسم وحب من أرض ممباسا ودار السلام)

 ولكن بعض الشباب تستهويه تلك المناطق لجمالها فلا يعود ، ومنهم من تتم إعادته مرغما باكياً أو حتى مكبّلاً .   خلدت أبيات من الشعر قصة السراري غيوث بن عمرين الغتنيني المتوفى حوالي عام 1920م ، وكان الرجل من كبار القوم ـ فيما يبدو ـ فقد ورد اسمه في ضمن الموقعين على حلف بين القعيطي وبيت غتنين في عام 1330هـ .

 سافر غيوث في شبابه إلى أفريقيا واستقر به المقام في مدينة لامو الكينية الجميلة فاستهوته ولم يعد لذويه، وانقطعت عنهم أخباره حتى يئسوا من عودته بعد أن أرسلوا في طلبه الرسل .

 لم يجد أهل غيوث حلّاً إلا إرسال شقيقه أحمد لعله يقنعه بالعودة ، فسافر أحمد في مهمة إعادة أخيه فوصل لتلك الأراضي، وبحث عن أخيه حتى وجده، فجلس معه يستعطفه العودة لكن غيوث كان عصياً على الإقناع، فلم تُثْنِهِ توسلات أخيه ولا وصف شوق والديه وذويه، فذهبت الجهود في إقناعه بسلام أدراج الرياح ، فأظهر له بعد تفكير وجه الاستسلام لرغبته حتى اطمأن ، لكنه دبر له مكيدة بليل ، فلم تبزغ تباشير الفجر  إلا وغيوث مكبّلا في سفينة شراعية تمخر به مرغماً صوب سرار ، فلما رأى حاله وأيقن أن ليس من الذهاب إلى سرار محالة وأبصر من سفينته لامو تغيب عن ناظريه قال: 

ما بعدش يا لامو وماقرب سرار 

ماقرب بنات العسل لي تحت نخل القصار

وهذان بيتان عجيبان فالرجل الذي علم بأنه لن يسمح له بالعودة إلى لامو بعد ما حدث ظهر وكأنه كلما ابتعد عنها بدا يتخلص من ثقل جاذبيتها فيتذكر مناطق في سرار  ربي فيها وعرفها ، ففي البيتين حنين للامو وحنين لسرار معاً وهذا مبعث العجب .

 وبهذا ودّع غيوث لامو إلى الأبد وعاد إلى سرار … ونخلات طوال في أطرافها تسمين خلافاً لحالهن بالنخل القصار وما زال منهن أثر ، أما موقع بنات العسل فسبعة قبور متراصة جنوب سرار  قيل: إن تلك القبور لفتيات هزيليات قتلن على يد رجل غتنيني مختل مر من جوارهن فضحكن فصب جام غضبه عليهن فأرداهن قتيلاتٍ معتقدا  أنهن يضحكن منه، وقيل: إنهن أُصِيبْنَ في وباء حل بتلك المناطق ، وذاك تاريخ لم يوثق وزمن قديم لم يعد يتذكر أمره الكثير.