أضواء
محمد علوي باهارون
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 6 .. ص 26
رابط العدد 6 : اضغط هنا
عرف ميناء الحامي بحضرموت عبر عصور التاريخ بأنه محطة ملاحية تدرس فيها علوم البحار والفلك وترسو فيها السفن الحضرمية والعمانية والكويتية واليمنية للتزود بالماء والوقود، أو تستأجر الربابنة لقيادة السفن في أعالي البحار إلى موانئ الهند شرق إفريقيا. وقد بقي اليوم في مكتبات أولئك الربابنة بعض المخطوطات الملاحية لربابنة الحامي وبعضها لربابنة ميناء صور العماني. يقول عنها الأستاذ البحاثة عبدالرحمن الملاحي في بحثه عن ريادة الحضارمة في مجال الملاحة البحرية: ” تحفظ المكتبات الخاصة بمنازل الربابنة عددًا من المصنفات التي كتبت في مطلع القرن التاسع عشر الميلادي العاكس لمعارف ربابنة القرن الثامن عشر، ويُعدُّ أهالي مدينة الحامي من أحرص الناس على الحفاظ بمتروكات أسلافهم البحرية من رحمانيات ومرشدات وروزنامات ومدوّنات ومعدات ووسائل بحرية، فقد عرف الميناء ومنذ قرون بأنه مستودع الربابنة والملاحين بحضرموت؛ لاشتغال معظم أهله بالملاحة البحرية يمارسونها منذ الصغر”. ولهذا وصفت الحامي بأنها “مدرسة للنواخذة والربابين ومنبع للتربنة والتنخذة، وأرض القياسات والناليات (الخرائط) والتواريخ البحرية والفلكية ” كما نعتها المرحوم الشاعر سالم بن أحمد باعامر عندما وصف بلدته الحامي في كتيبه (نواخذة السفن الشراعية في حضرموت والمهرة، الصادر عن دار الحامي للدراسات 2011). وقد عدّه المؤرخ البحري القدير حسن صالح شهاب بأنه ثالث الموانئ العربية بعد مينائي الكويت الخليجي وصور العماني، الذي تفوق أبناؤها في فنون الملاحة البحرية، وأن تلك المدينة الصغيرة أنجبت في العصور المتأخرة بحارة جابوا عرض المحيط الهندي طولاً وعرضاً، وتلك حقيقة تاريخية ظاهرة لا سبيل إلى نكرانها، ولا ننتقص غيرها من الموانئ الحضرمية الشهيرة كالشحر والمكلا وبروم التي لها تاريخها المشرق في مجال الملاحة البحرية.
إن تلك الأهمية التي احتلتها الحامي جاءت من ذلك الفيض العلمي الذي زخرت به في فنون الملاحة البحرية والفلكية واشتهر به أبناؤها عبر القرون حتى قال عنهم الأستاذ المؤرخ محمد عبدالقادر بامطرف في كتابه الشهداء السبعة ص40-41: ” وقد عاش في الحامي خيرة الملاحين البحريين اليمنيين الذين كانوا عماد الملاحة البحرية الجنوبية عبر التاريخ، وقد تعرض هؤلاء لأعنف أنواع القرصنة البرتغالية, ورغم الأخطار المدمرة التي تعرضوا لها على أيدي القراصنة البرتغاليين ثم الهولنديين ظل أهل الحامي يجوبون البحار بسفنهم الشراعية، من خليج البنغال إلى خليج السويس ومن مشارف ناتال بجنوب إفريقيا إلى ميناء البصرة، وبذلك أبقوا الخط الملاحي الشهير المعروف بخط مسقط ـ الشحرـ المخاء مفتوحاً للتجارة بين جنوب بلاد العرب والعالم الخارجي .. وقد احتفظت الحامي دون بقية الموانئ اليمنية الجنوبية بمزية إنجاب مشاهير الملاحين البحريين، وكانت مثار اهتمام رجال البحر من الحضارمة وغيرهم ومثار نقاشهم؛ لأن أهالي الحامي على قلتهم كانوا إلى منتصف القرن الرابع الهجري عشر يملكون أسطولًا تجاريًّا من السفن الشراعية قدر بأكثر من خمسين سفينة عابرات المحيطات، ويعتبر بحارة الحامي وملاحوها في طليعة الملاحين اليمنيين ممارسة وانضباطًا وتمتعًا باللياقة البحرية .. ولعب أهل الحامي دوراً رائعاً في ملاحة اليمن الجنوبية منذ فجر التاريخ، فهم الذين كانوا يسيرون الخط التجاري القديم بين الشحر والهند والخليج وشرقي وجنوبي إفريقيا .. ولعل المؤرخين العرب كانوا يعنون أهل الحامي عندما تحدّثوا بصورة عامة عن أهل الشحر أن لهم مَيْلًا لعلم النجوم، وذلك لأن أهالي مدينة الشحر رغم ولعهم بالملاحة البحرية لم يبرزوا – بعد الملاح الحكم سليمان المهري – بروز أهل الحامي في الاهتداء بالنجوم في أعالي البحار. والملاحون من أهل الشحر الذين اشتهروا في العصور المتأخرة، كأمثال عبدالله محمد مدي ومحسن عبدالحبيب بوبك ، إنما تلقوا تدريبهم النظري والعملي على أيدي ملاحين من أهل الحامي كما يحدثنا الشيخ سعيد علي بامعيبد في كتابه (زاد الأسفار في أخبار الشحر وعدن وملابار)”.
ومن أبرز المخطوطات البحرية النادرة التي احتفظت بها مكتبات ربابنة الحامي ما يأتي:
لقد احتلت الحامي مكانة خاصة في التاريخ البحري لحضرموت وجنوب الجزيرة العربية منذ قرون غابرة، ومما يؤسف له أنه لم تصلنا أية معلومات عن تلك القرون سوى معلومات عامة طفيفة لا تغني نَهَمَ الباحث المتطلِّع منها ذلك الدور الريادي الإنساني الذي اضطلع به أبناء الحامي إبان الغارات البرتغالية على موانئ حضرموت، وهو بالمقابل معلومات عامة تنص على سبيل المثال: أغرق البرتغاليون خمس سفن راسية في ميناء الحامي، وأحرقوا مزارعها وردموا آبارها. فما هي أسماء تلك السفن وما هو نوعها وحجمها ومن يمتلكها ومَنْ ربابنتها؟ وما أسماء المزارع والآبار؟ تلك المعلومات تصمت عنها تلك المصادر، وتقف عاجزة عن الإجابة عنها، ومنها تاريخ الربان سالم عوض باسباع الشحري المتوفى سنة 950هـ المسمى (بهجة السمر في أخبار بندر سعاد المشتهر)، وهو أقدم مرجع ذكرت فيه الحامي بشيء من الإجمال مما جعل البعض يشكّك بوقوع تلك الحوادث ولكن لا سبيل إلى نكرانها فقد ذكرت في تلك المراجع الموثوقة والحافظُ حجة على من لم يحفظ .
وقد نبغ أهل الحامي في مهنتهم المفضلة الملاحة البحرية الشراعية التي توارثوها أبًا عن جدٍّ، وأظهروا فيها تفوُّقًا عظيمًا يشهدُ لهم على طول الباع والفضل ما شهدت به الأعداء، وظهرت بها عدة أجيال برعت في تلك الحرفة ومنهم جيل الربان عمر بن علي باعباد في القرن الثاني عشر الهجري ومنهم السيد أحمد بن هارون جمل الليل والشيخ سالم بن عبدالشيخ باطايع والسيد عوض بن محمد عيديد وغيرهم ، ثم جيل الربان المعلم سعيد بن سالم باطايع في القرن الثالث عشر الهجري ومنهم السيد عبدالله بن عوض عيديد وحفيده السيد علوي بن حسن وغيرهم ، ثم جيل الربان المعلم عوض بن أحمد بن عروة في القرن الرابع عشر الهجري ومنهم الربان عمر عبيد باصالح والربان محمد عوض عيديد، ثم جيل الربان المعلم محمد بن عبدالله باعباد ومنهم النوخذة سالم سالمين كعيتي وشيخ محمد باعباد وغيرهم وهو آخر جيل عمل في هذه المهنة حتى أفل نجمها في أوائل السبعينات الميلادية.
وجميع شخصيات تلك الأجيال التي ذكرناها نبغت في فنون الملاحة وامتلكت العديد من المدوَّنات البحرية والسفن الشراعية وتولّت قيادتها وتخرجت على يديها العشرات من نواخذة حضرموت في بروم والمكلا والشحر والحامي والديس وغيرها يطول بنا الحديث في تفصيل ذلك.
ويؤرخ لنا تلك الحقيقة العديد من الشعراء في قصائدهم والملاحين في مذكراتهم ومنهم الشاعر عبدالله سعيد باعمرو من أهالي الديس الشرقية يقول:
ما قدرت فارق بو حمد دار السياسة والفكر بن عروة المصيوت له فنين من فوق الفنون
رباننا والنوخذة له عرف في بحر وبر يعجبك في ضبط المجاري في وسيعات الخنون
خاض البحور العالية ما بدا جحب والا انكسر يقسم الديرة دقاري لا قد الحاجة دهون
وقد تدرّب على يد الربان ابن عروة المذكور العشرات من أبناء الحامي والديس والشحر واصطحبوه معهم وهو في حال شيخوخته للاستفادة من خبراته التي وقف أمامها النواخذة منبهرين في موانئ المحيط الهندي وما حادثته الشهيرة بشم طين قاع البحر إلا واحدة من عشرات المهارات التي تمتع بها والتي تناقلها عنه البحارة في موانئ حضرموت والخليج العربي وحدّثوا بها أبناءَهم إلى اليوم والليلة.
كما تدرّب على يد الربان محمد باعباد تلميذ ابن عروة العشرات من نواخذة الحامي والديس والشحر، منهم النوخذة أحمد سعيد باهيال وغالب بن حنش السعدي وعبود محمد باخبازي وسعيد عمر حوري وأحمد محمد باعباد وعبدالرحيم عمر حوري وغيرهم.
وقد أشاد بدور الحامي الملاحي العديد من الشعراء ومنهم الشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار في العديد من قصائده الفصحى والعامية ومنها قوله:
من الحامي بدا تاريخنا البحري ومنها النوخذة المصيوت والبحار
وكم وشرا السفن في سالف العصري بها متحديين الموج والاعصار
ومنها سافر السنبوق والعبري ولا معبار الا منها المعبار
وكم من ساعية في بحرها تجري وترسي حولها ببضائع التجار
سلوا عنها العماني هو مع المهري وبنها الشهم ذي يصمد ولا ينهار
وفي قصيدة أخرى يقول:
هــــــذا البلد له مجــــــــد سامي من أجـــــــل ذا سمــــــوه حامي كم فيه من فــــــرمال يطـــــــــرح واليــــــــــــوم هـــــو لازال يطـــمح | قبــــــل الخرافي والقطامــــــي ذا اســـــم كم يحمل معانـي اسأل كلمب عنـــــه ومطـرح في مجد فوق المجــد ثاني |
والخرافي والقطامي من كبار ربابنة ونواخذة الكويت الذين كانوا يترددون على ميناء الحامي وربطتهم به علاقة ملاحية واجتماعية وخيرية حميمة مازالت قائمة بين أحفادهم إلى اليوم.
وبعد انقراض مهنة الملاحة استقر الملاحون في بلدهم مرجعًا للباحثين والمهتمين بالتاريخ البحري، فقد تهافت الباحثون إلى بيت الربان محمد عبدالله باعباد للاستفادة من علومه وخبراته البحرية، ومنهم الأستاذ محمد عبدالقادر بامطرف في كتابيه (الرفيق النافع) و(شخصيات لا تنسى)، وبالنائب بدر أحمد الكسادي في كتابيه (القاموس البحري) و(أبطال منسيون) ـ بتحقيقنا، والأستاذ حسن صالح شهاب – الذي أهدى كتابه (فن الملاحة عند العرب) للربان ابن عروة – في كتابيه ( الملاحة الفلكية) و(المعجم المفصل)، والأستاذ عبد الرحمن الملاحي والأستاذ جعفر محمد السقاف والدكتور البريطاني روبرت سارجنت الذي أعد دراسة مقارنه عن منظومة الملاح باطايع من سيحوت إلى زنجبار عام 1982م.
وفي مطلع التسعينات الميلادية وفد إلى الحامي العديد من المهتمين بدراسة الملاحة البحرية عند العرب ومنهم الباحثان الأمريكيان إدوارد برادوس وديفيد واربرتن، وقد حضّر الأول رسالة ماجستير عن أساليب صناعة القوارب والسفن الخشبية لخص جزءًا منها على متن زعيمة فرقة اليمن بالحامي، وكتب مقالًا بعنوان (الحامي تحفظ ماضيها البحري) نشره في مجلة سي هستوري الأمريكية عام 1999م، كتبه بالاشتراك مع صديقه ديفيد، يقولان فيه: “تمثل مدينة الحامي ثورة المعرفة والخبرة الملاحيتين للجزيرة العربية. من على مسافة تبدو مدينة الحامي واحدة من التجمعات العربية الفقيرة المعتمدة على الصيد, ولكن عندما غادرْناها وتلاشت أمام أعيننا أدركنا أنها كانت قرية ذات مكانة خاصة في تاريخ العرب”.
ومنهم الباحثة الأمريكية ليندا التي قدّمتْ دراسة ماجستير بعنوان (على حافة إمبراطورية حضرموت والهجرة في المحيط الهندي) وقد اطلعت على العشرات من وثائق الحامي الزراعية والعقارية، ومكثتْ أيامًا عدَّةً في ضيافة المرحوم عمر سالم الكسادي، وجاء بعدها الباحث الفرنسي ميشل نيتوه الذي أعدَّ رسالة عن اللهجات العربية في منظومتي الملاح باطايع ودافع عنها في عام 1995م في جامعة إكس ان بروفانس بفرنسا، وغيرهم من الباحثين وقد استعرضنا استفاداتهم في دراستنا الصادرة عن دار الحامي للدراسات والنشر وخدمة التراث بعنوان (ميناء الحامي في عيون الباحثين والمؤرخين العرب والأجانب) .. وبالله التوفيق.
العلاقات الحضارية
بين مدينة الحامي ودولة الكويت
يُـعَـدُّ ميناء الحامي من الموانئ اليمنية الحضرمية العريقة بتاريخها الملاحي الشهير، وقد شكل الرافد الأساس لميناء الشحر في مده بالبحارة الأقوياء المغامرين عبر عصور التاريخ المختلفة، وعرف بتفوُّق أبنائه في علوم الملاحة البحرية والفلكية، واشتهر منهم جماعة من بين البحارة اليمنيين في منطقة الخليج العربي وشرق أفريقيا واليمن من أمثال الربان العلامة سعيد بن سالم باطايع (ت: 1273هـ)، والربان العبقري عوض بن أحمد بن عروة (ت:1333هـ )، والربان الفلكي محمد بن عوض عيديد (ت 1358هـ)، مما جعل الباحثين العرب ثم الأجانب يتوافدون إليه زرافاتٍ ووحدانًا للارتشاف من معين أبنائه والاستفادة من خبراتهم الملاحية والفلكية التي امتدت قرونًا من الزمن، حتى قال عنها الباحثان الأمريكيان إدوارد برادوس وديفيد واربرتن:” تمثل مدينة الحامي ثورة المعرفة والخبرة الملاحيتين للجزيرة العربية”.
وقد وثّـقت مدينة الحامي علاقات تجارية ومعرفية مع العديد من الموانئ اليمنية والأفريقية والهندية والخليجية، ومن بينها دولة الكويت التي اشتهرت هي الأخرى بتفوُّق أبنائها في علوم الملاحة البحرية، فهما توأما الملاحة العربية في حوض المحيط الهندي، ومنهما نبغ العديد من الملاحين الأفذاذ الذين يشار إليهم بالبنان. وسنشير ههنا إلى مقتطفات من تلك العلاقة في المجالات الآتية:
أولًا: المجال الملاحي البحري:
كان ميناء الحامي مهداً للهجرات الواسعة لأبناء حضرموت إلى شرق أفريقيا وآسيا والهند ودول الخليج العربي، وكانت السفن الشراعية تنطلق منه إلى دولة الكويت محمَّلة بالمسافرين الذين يبحثون عن فرص عمل في الكويت, وشاحنة بمواد البناء كالجص والنورة (الجير الأبيض) وزيت السمك وغيرها.
وكانت علاقة ربابنة ميناء الحامي بإخوانهم ربابنة الكويت علاقة أخوية وطيدة، أساسها التعاون في مجال نشاطهم الملاحي والتجاري، ومنها تلك العلاقة العلمية التي جسدها الشيخان المعلمان: الملاح عيسى بن عبدالوهاب القطامي (ت 1347هـ) صاحب كتاب (دليل المحتار في علم البحار)، والملاح سعيد بن سالم باطايع (ت 1273هـ) صاحب المنظومتين الإرشاديتين من ميناء مسقط إلى المخاء ومن ميناء سيحوت إلى ميناء زنجبار بشرق أفريقيا.
ومن ربابنة الحامي الذين عملوا في التجارة مع نواخذة وتجار الكويت الربان الشيخ محمد بن عبدالله باعباد المتوفى عام 1981م عن عمر ناهز مائة عام، وابنه الملاح أحمد بن محمد باعباد المتوفى عام 2003م، فقد كانا يتاجران في التمر لأسرة آل عبداللطيف الحمد الكويتية بين اليمن والهند وشرق أفريقيا، وكانت سفينته المسمَّاة (فلك المحضار) تُـقِـلُّ على متنها الشحنات من التمور واطئاً بها الموانئ الكويتية وغيرها من الموانئ التجارية الهامة.
الأهمية الاستراتيجية للحامي:
وقد كانت السفن الكويتية ترسو في ميناء الحامي لتأخذ حاجتها من مياه الشرب العذبة ولمعرفة أسعار بقيّة موانئ حضرموت كالشحر والمكلا؛ حيث كانت الحامي مركزًا استراتيجيًّا مهمًّا لتزويد السفن اليمنية والخليجية والهندية بالماء، وما يزال العديد من الشيوخ الكويتيين يذكرون عيون الحامي الكبريتية كعين أبو سالم وعين الروضة، والتي تعتبر محطات رئيسة لهم في التزوُّد بالماء والوقود، وقد أشار لهذه الحقيقة التاريخية التي تميّزتْ بها مدينة الحامي من غيرِ بقيّة مناطق ساحل حضرموت الملاح الكويتي عيسى القطامي في كتابه (دليل المحتار) بقوله: “بندر الحامي ممزر ماء، والممزر هو من المصدر مزر أي ملأ القربة بالماء”.
ثانيًا: المجال الاجتماعي:
في مطلع الخمسينات الميلادية هاجر أبناء الحامي إلى دولة الكويت للعمل في مؤسساتها وشركاتها الحكومية والأهلية وتبوَّأوا مراتبَ رفيعةً، وتولّى البعض إدارة بعض فروع الشركات والبنوك، وقد التحق بعضهم بمدارسها لمواصلة تعليمهم المتوسط والثانوي والجامعي، وتخرج منهم عدد في ثانوية الشويخ، والتحق البعض بجامعة الكويت عند تأسيسها عام 1968م حتى تخرجه، ومنهم من رجع إلى اليمن ليمارس نشاطه التعليمي والمهني, ومنهم مازال مقيمًا للعمل بدولة الكويت راداً لها ذلك الوفاء الذي منحته إيّاه، وقد شكّلوا في دولة الكويت الأغلبية العظمى من بين المهاجرين الحضارمة، وتوثّـقت بينهم وبين الكويتيين العلاقات الاجتماعية والرياضية والفنية والخيرية. كما زار الحامي العديد من نواخذة وأعيان الكويت وارتبطَ بعضُهم بزيجات بها، منهم المرحوم علي صبيح مدير المرور بالكويت، ومحمد النشمي، والدكتور أحمد عبدالله الربعي وزير التربية والتعليم سابقًا وغيرهم. ومن أبناء الحامي من ارتبط بزيجات من مواطنات كويتيات، منهم عوض مسعود ثابت وسعيد محفوظ بن سلّوم.
ثالثًا: المجال الرياضي:
شارك أبناء الحامي في الرياضة الكويتية منذ الخمسينات بناديَيْ منظمة شباب الحامي والبحري، ثم توحُّدهما في نادي الوحدة الرياضي عام 1973م، ولعبوا مع الفرق الكويتية وفازوا بالعديد من البطولات الرياضية وقد تألّق شباب الحامي في الألعاب الرياضية بدولة الكويت، وكانت تربطهم بالفرق الكويتية علاقات تعاون ووئام؛ حيث لعب العديد من شباب الحامي مع الفرق والأندية الكويتية، وقد استضافت الأندية الكويتية بعضًا من رياضيي الحامي، من أعضاء الناديين المنظمة والبحري، فقد استضاف فريق الجيش الكويتي كُلًّا من اللاعبين مبارك زواكر وعمر أحمد بانجار وحسن علوي باهارون ومحمد سبيتي بن زغيو، وانتدب نادي النصر الكويتي عند تأسيسه عام 1965م الكابتن أبوبكر بوبك حسن الحضرمي للمشاركة في مبارياته مع غيرهم من الفرق الكويتية.
رابعًا: المجال الفني:
وفي الجانب الفني قاموا بتأسيس فرقة اليمن للفنون البحرية والشعبية عام 1975م تحت إشراف الأستاذ صالح شهاب رئيس قسم السياحة بوزارة الإعلام، ورعاية الأستاذ عبدالرحمن المزروعي وزير الشئون الاجتماعية والعمل، وشاركوا في مهرجانات الكويت وأعيادها الوطنية والفضية، وكان لهم دور بارز في موسم الترويح السياحي، وسجلوا العديد من الرقصات الشعبية لإذاعة وتلفزيون الكويت.
كما برز منهم مسرحيون ساهموا في المسرح الكويتي، منهم المرحوم عوض خميس محسون الذي شارك في العديد من المسلسلات والمسرحيات الكويتية مثل مسلسلي الملقوف 1973م ودرب الزلق 1974م، ومسرحيتي بني صامت 1975م على هامان يافرعون 1978م وغيرها من الأعمال الكوميدية التي شارك فيها مع كبار الفنانين الكويتيين مثل عبد الحسين عبد الرضا وماجد سلطان وسعد الفرج وغيرهم.
خامسًا: المجال الاجتماعي الخيري:
أما في المجال الاجتماعي والخيري فقد كان للكويتيين دور بارز كالشمس في رابعة النهار في الأعمال الخيرية بمدينة الحامي، فقد قاموا ببناء المساجد والمستشفيات، وشاركوا في تجديد المساجد والجوامع القديمة وعماراتها ، ومازال أهل الخير من الكويتيين مؤسساتٍ وأفرادًا يقومون بتلكم الأعمال الخيرية إلى يومنا هذا، ويَدُلُّ ذلك على محبَّتهم للخير والمسابقة إلى فعله، وعلى طيب عنصرهم وكرم محتدهم العربي الأصيل، والشـيء من معدنه لا يستغرب.
ولما بدأ أهالي الحامي في الستينات الميلادية بتجديد المساجد القديمة في بلدهم نظرًا لاتساع البلاد وضيقها من أن تسع المصلين، فقد شارك الكويتيون تُجَّارًا ونواخذة بنصيب وافر في تجديدها وإظهارها بالمظهر اللائق، وكانت أكثر المبالغ المتصدق بها تأتي عبر الكويت من التجار والشخصيات والمؤسسات الكويتية وبعضُها من أبناء الحامي المقيمين في الكويت.
ومن تلكم المساجد التي شارك الكويتيون في بنائها وتجديدها: مسجد الروضة 1965م، ومسجد الجامع عام 1967م بمبلغ (5792دينار)، ومسجد المحضار 1971م، ومسجد النور 1984م، ومسجد الرشاد 1988م، والمركز الصحي بالحامي 1981م بمبلغ (15000دينار). ومن المؤسسات الداعمة بيت الزكاة بيت التمويل الكويتي، والهيئة الخيرية الإسلامية والهيئة العامة لشئون القصر، ووزارة الأوقاف للشئون الدينية، وشركة عبد العزيز علي المزيني، وشركة عبد الرحمن محمد البحر، وشركة عبد العزيز علي الوزان وغيرهم من الشخصيات الكويتية الذين فصّلنا ذكرهم في دراسة موسعة.
وفي السنوات الأخيرة كان لجمعية الشيخ عبدالله النوري وجمعية النجاة الخيرية الكويتيتين دور كبير في بناء مسجد بدر ومسجد هيا المحمد ومركز عثمان بن عفان للتأهيل بالحامي، وكذلك للجمعية الكويتية لمساعدة الطلبة دَوْرٌ لا ينكر في دعم الطلاب المتميزين في الدراسة الجامعية والدراسات العليا في جامعتي حضرموت والاحقاف وغيرها من المؤسسات الخيرية، وعلى العموم فإننا – أبناء الحامي عامَّةً – مدينون لدولة الكويت حكومة وشعبًا، وفي أعناقنا دَيْنٌ لهم، على ما قاموا به تجاهنا من تعاون أخوي، ومبادرات خيرية مازالت تغدق علينا بين الحين والآخر، فلهم مِنَّا خالص الشكر والتقدير.**
** ملخص من دراسة موسعة للكاتب بعنوان (العلاقات الحضرمية الكويتية الحامي نموذجاً). وقد ألقيت هذه الورقة بمناسبة قدوم الأستاذ المهندس طلال عبد الكريم العرب رئيس الجمعية الكويتية لمساعدة الطلبة إلى مدينة الحامي للقاء الطلاب المتفوقين الذين تدعمهم الجمعية بإشراف جمعية المواساة الخيرية الاجتماعية بالحامي.