أضواء
البخيت بن حسن العساني
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 7 .. ص 27
رابط العدد 7 : اضغط هنا
مَنْ هم الأشموس ؟
الأشموس- أوشماسة – اسم له صدى وبصمة في التاريخ، ويعتزّ بها أصحابه، وينتسب لهذا الاسم قبائل الصيعر- صاعر- في حضرموت وما تجاوزها في المملكة العربية السعودية وكذلك قبائل مهرية مثل قبائل ـ الصعر- ولا أدري هل هم إخوانهم قبائل- الصار- صار- ينتسبون إلى الأشموس أم لا . وفيما نعلم ممّن التقينا بهم من المهرة أنهم وصيعر حضرموت إخوان فرّق بينهم تيس. هذه معلومة مشاعة ومتواترة عند الطرفين وحتى أكون دقيقًا في هذه المعلومة فقد سمعتها مشافهةً قبل سنوات في وادي المسيلة في دحسوتن مِنْ أحد مشايخ قبائل- الصار- وهو رجل معروف مشهور.
وعليه يرى البعض إذا كان ما ذُكِرَ صحيحًا من قولهم هذا في ثبوت أخوّتهم ثمّ قول كلّ طرف منهم أنّه يرجع إلى أشموس فتكون ـ قد التقت حلقتا البطان- وانسبك القولان فما المانع في أنْ يكون أشموسًا واحدًا يجمعهم في كون هو أبو الجميع وبالتالي يكون سهلًا تفسير وحدة هذين الاسمين عند المقابلة ـ صعر = صيعر وصار = صاعر ، وهذا التحور القليل في الأسماء عند المهرة إنما حدث نتيجة انتقالها من لسان إلى لسان آخر، أو بعبارة أخرى من الفصيح إلى لسان مهرة مثاله اسم محمد يساوي {مهومد} وسليمان- سليمون- وسعد- سئد أو ساد- وذامن- ذامون- ، وهكذا والأمثلة كثيرة. وإنما هذه استهلالة قصيرة في التعريف بمن ينتمون إلى الأشموس فيما نعلم والله أعلم.
الأشموس في القاموس :
يلزمنا قبل أن تأخذنا التفاصيل في هذا الموضوع أن ندخل إلى قاموس اللغة لنعرف لمحة عن جذور هذا الاسم واشتقاقاته، فقد قال أبوالعباس الحموي: (وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ: اشْتَدَّتْ شَمْسُهُ ، وَشَمَسَ الْفَرَسُ يَشْمِسُ، وَيَشْمُسُ أَيْضًا، شُمُوسًا وَشِمَاسًا بِالْكَسْرِ اسْتَعْصَى عَلَى رَاكِبِهِ فَهُوَ شَمُوسٌ، وَخَيْلٌ شُمُسٌ مِثْلُ رَسُولٍ وَرُسُلٍ، قَالَ: رَكْضَ الشَّمُوسِ نَاجِزًا بِنَاجِزِ. قَالُوا: وَلَا يُقَالُ: فَرَسٌ شَمُوصٌ بِالصَّادِ، وَمِنْهُ [ص:323] قِيلَ لِلرَّجُلِ الصَّعْبِ الْخُلُقِ شَمُوسٌ أَيْضًا وَشَمَّاسٌ بِصِيغَةِ اسْمٍ فَاعِلٍ لِلْمُبَالَغَةِ وَشَمَاسَةُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالتَّخْفِيفِ وَحُكِيَ ضَمُّ الشِّينِ.) (1) أظنُّ أنّ هذا التعريف اللغوي لاسم الأشموس كافٍ ؛ فهو يكشف لنا سرّ هذا الاسم الصعب وقد سرّني إذْ وجدتُ أنّ هذا الاشتقاق- شماسة – قد نصّ عليه الشيخ هنا وأنّه من اشتقاقات الأشموس .
توجيه قول ابن الكلبي وزيادة الهمداني :
يُثَارُ خلافٌ بين وقتٍ وآخر حول نسب الأشموس هلْ هُمْ مِنْ أصل مهرة كما ذكر ذلك الكلبي أوْ هُمْ مِنْ الصَّدف دخلوا في مهرة كما ذكر الهمداني.
الذين رجّحوا قول الكلبي قالوا هو أقدم من الهمداني بما يقرب من 200 سنة ، وهو أعلم بنسب مهرة من الهمداني لأنّه من قضاعة فهو أعرف بقومه. قال هشام ابن الكلبي: وهؤلاءِ بنو مَهرةَ بن حيدان بن عمرو بن الحاف ابن قُضاعة وولد مهرةُ بن حيدان: الآمريَّ، والدين، وأَشموساً، ونعميًّا، وندغيًّا.(2)
وجاء الهمداني صاحب الإكليل وصفة جزيرة العرب وقال إنّ الأشموس دخلوا في مهرة وليسوا منهم ، وأنّهم انتسبوا إليهم وأنّ أصلهم من الصَّدف، وقد ذكر الهمداني قبائل الأشموس التي دخلتْ في مهرة وهي1- الصيعر 2- اللخاء 3- التغماء أوالثغماء 4- والساته.
قال الهمداني: (فأمّا الصيعر والثغماء واللخاء فَمِن الصدف دخلتْ في حيدان بن عمرو واستمر في نسب الصدف) (3). وقال: (ولأنّ الصدف قد كانت تَحَمْيَرَتْ قديمًا ودخل بعضها في مهرة ابن حيدان)(4) . وقال: (وولد أشموس بن مالك بن حريم أربعة نفر: الصيعر والثغماء والساته واللخاء بطون دخلوا في مهرة ) (5).
هذه النصوص لا يمكن لأي باحث أن يتجاوزها بِأيِّ حال من الأحوال، وابن الكلبي ذكر الواقع الموجود في زمانه كما ذُكر له وهو الموجود في زماننا أيضًا أنّ الأشموس أحد فروع المهرة، والهمداني نفسه في القرن الرابع الهجري عندما ذكر أبا ثور المهري قال: (فمن الثعين بنو تبلة بن شماسة رهط أبي ثور صاحب الأسعا اليوم)(6)، والهمداني يعلم أنّ ثعين من مهرة.
وأظنّ أنّه لا يجادل أحدٌ في أنّ شماسة هي الأشموس أو أنّ [ذا شمسن] المذكورة في النقش هي الأشموس وكذلك ما ذُكر في كتب التاريخ إلى القرن العاشر الهجري فيذكر بني شماسة من سلاطين المشقاص أنّهم يرجعون إلى الأشموس.
وليس هنا كتناقض في نظري بين ابن الكلبي والهمداني، ولكن الهمداني أتى بزيادة علم غير موجودة عند الكلبي – والذي علِم حجة على مَنْ لمْ يعلم – كما هي قاعدة علم الرجال عند المحدّثين، هذه الزيادة التي أتى بها الهمداني موثّقة في أعلى درجات التوثيق، والتوثيق هذا على ثلاث درجات:
1- نزوله بنفسه إلى حضرموت.
2- اعتماده على رواة معاصرين له في حضرموت وقد ذكر أسماءَهم.
3-أخذه لنسب الصدف من مصادر مدوّنة محفوظة في سجل ابن أبان في صعدة كما سوف يأتي.
وهذا التدوين جاهلي قديم من غير شك فلقد ذُكر في نقش ارياني- 32 – الذي كُتب في بداية القرن الرابع الميلادي أسماء بعض زعماء الصدف في حضرموت مثل جمّان [جمين] وجذيمة وثوبان وهي مذكورة في مشجّرة الصدف عند الهمداني.
ويلزمنا إذا أردنا أن نرد هذه المعلومة أن نرد غيرها من الزيادات في نسب مهرة وأماكن تواجدهم وبعض من تاريخهم لم يذكره الكلبي وذكر الهمداني. ولذلك نقول إن ابن الكلبي قال بما علم والهمداني قال بما علم ولا تنافر بينهم.
ونعود إلى أسماء القبائل الثلاث الأخيرة التي ذكرها الهمداني وهي الساته واللخاء والثغماء، أمّا الاسم الأوّل وهو الصيعر فهو على ما يبدو هو المحمول باسم – صعر- التي تنضوي تحته مجموعة قبائل مهرية يبدو أنهم قبائل الأشموس، فقد ذكر أبوعمر الكندي أحد قادتهم في مصر وهو (مهدي بن زياد المهري ثمّ أحد الصعر)، في واقعة حدثت عام 168هجرية في منطقة حوف، والاسم كأنه حُمل معهم من بلادهم وسميت به الأرض التي نزلوها في مصر (7).
أمّا الثغماء فهذه القبيلة على الرغم من أنّها من الأشموس فإنها على ما يبدو قبيلة لها كيانها وثقلها فقد ذكرت باسمها مع ذكر الأشموس في بناء قلعة (ذا سلمن) في سناء) (8) ، وقد ذكر ابن حجر العسقلاني أحد الصحابة وهو من القادة في مصر وله موقف معروف مشهور هناك، وهو من هذه القبيلة ـ الثغماء، وإليك مترجمته ثمّ التعليق : (625- بِرْح- بكسر أوله وسكون الراء بعدها مهملة – ابن عُسْكُر بضم العين المهملة وسكون السين المهملة وضمّ الكاف بعدها راء، ضبطه ابن ماكولا ونسبه، فقال: برح بن عسكر بن وتّار بن كزغ بن حضرمين بن الثّغماء بن مهريّ بن عمرو بن الحاف بن قضاعة. وذكرها بن يونس فقال: له وفادة على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم، وشهد فتح مصر، واختطّ بها دارًا وسكنها. وهو معروف من أهل البصرة. وقال المنذريّ: كان السّلفي يقول: عسكل بلام، قال: ورأيته بخطه كذلك، وكتبه أيضًا بالحاء المهملة بدل العين. واللَّه أعلم )(9).
يلاحظ في سلسلة النسب لِبرح ثلاثة أسماء اسم وِتار، واسم حضرمين، واسم الثغماء. بالنسبة لاسم وتار في السلسلة فقد اكتفى مجموعة من أصحاب التراجم والتاريخ بذكر اسمه الوتار – برح بن عسكر بن وتار ـ وهم ابن مَنْدَه وابن الأثير وابن يونس الصدفي وابن نقطة (10)، وهذا الفرع ـ وتار – أظنه هو نفسه المذكور في سلسلة أبي ثور المهري بن شماسة، فقد قال الهمداني – (وهو عمرو بن محمد بن محمد بن كنانة بن جبل بن تبلة ، ويقال لهم بنو قصيف ومن قصيف بنو وتار بكسر الواو وهم الوتاريون) (11) ـ : وأمّا اسم حضرمين فمعناه حضرمي وهو تعريف أن أصله حضرمي من حضرموت وقد ورد في (أسد الغابة) بدل بن حضرمين – بن حضرمي -، واسم التغماء معروف وهو التغماء بن الأشموس.
أيضًا هناك أحد الأشموس من أصحاب القرن الثالث الهجري ذكره الأمير ابن ماكولا (12)، وهو (أصبغ بن دحيّة الصدفي ثمّ لبطن يقال لهم – الأشمو – روى عن رشدين ابن سعد وابن وهب) قال محقّق الكتاب معلِّـقًا في الهامش على هذا الاسم – الأشمو- (كذا في الأصل عقب الواو بياض يسع حرفًا واحدًا، فلعلّ الصواب “الأشمور”). طبعًا لا يُعرف بطن في الصدف باسم الأشمور، والحرف الذي كان في مكان البياض إنما هو حرف ـ س – ، فيكون اسم البطن الأشموس وهو بطن مذكور في مشجّرة الصدف وهو أشموس بن حريم بن مالك الصدف .
الأمرالثاني أنّ رشدين ابن سعد الذي روى عنه أصبغ بن دحيّة بن الأشموس هو مهري معروف من أهل مصر.
ومِنْ مشاهير التابعين عبدالرحمن بن شماسة المهري ، تُوفِي بعد المائة، من أهل مصر كما في تاريخ الإسلام للذهبي وغيره، و لا يبعد أنْ يكون إلى هذه النسبة المبحوثة ـ الأشموس – وليس غريبًا أنْ تكون سلسلة نسبه إلى مهرة ثمّ إلى قضاعة مثل غيره من الأشموس، ولكن الغريب أنْ يقال له عبدالرحمن بن شماسة التجيبي كما وجدته في مسند الإمام أحمد بن حنبل ، وكذلك في مسند أبي يعلى الموصلي في عدّة أحاديث ، أيمكن أنْ يقال إنّ هذه النسبة كانت عندما كان مهرة في ديوان كندة فكانت نسبة عبدالرحمن في تجيب ؟ أم هو وّهْمٌ وقع فيه أحد الرواة ؟ الله أعلم.
مشجّرة الصدف :
هناك في الجزء الثاني من الإكليل أورد الهمداني مشجرة الصدف كاملة ومفصّلة بجميع فروعها ، وذكر تداخلاتهم مع غيرهم مفصلة أيضًا، وذكر الفروع الصدفية التي دخلت مع غيرها وهذه المشجّرة التي ذكرها الهمداني هي كما صرح بذلك من سجل الأنساب في صعدة، وهو سجلّ جاهلي سجل ابن أبان، ثمّ إنّ الهمداني كما ذكر قد عرضها على شيخ الصدف في حضرموت وهو محمد بن زغلب الصدفي وأقرّها.
قال الهمداني: (بطون الصدف عن الصعديين من أصحاب السجل مقروء على بعض نسابة الصدف
بسم الله الرحمن الرحيم ، قرأت على محمد بن زغلب بن الحارث بن محمد الصدفي من ولد ألمى بن الصدف من أهل دمون من الهجرين بحضرموت نسبة الصعديين فعرفتها وضبطها عنه) (13).
أوّلًا : أنَّ مشجّرة الصدف مشجرة تعود لما قبل الإسلام.
ثانيًا : أنَّه قد تمّ تقييدها في السجل وهو سجل ابن أبان.
ثالثًا : أنّ الهمداني قد نزل حضرموت وعرض على نسابة الصدف وشيخها محمد بن زغلب في دمّون هذه المشجّرة وضبطها عنه.
قال الباحث الروسي الدكتور سرجيسفر انتسوزوف: ( توحي سلاسل الأنساب الصدفية المذكورة لدى الهمداني المبدوءة بالبسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) بأنها كانت منفصّلة عن أعماله وضمّها الهمداني بصيغتها تلك إلى مؤلفاته ، فلقد كانت هذه السلاسل في البداية داخلة في السجلات التي وضعها سكان مدينة صعدة في شمال اليمن. وبعد ذلك قام بتصحيحها ومقابلتها رجل من مدينة دمّون في القرن التاسع واسمه محمد بن زغلب الصدفي.[36.جزء2ص16]) …(14)
المصادر :
(1) : المصباح المنير في غريب الشرح الكبير- الشاملة
(2) الكتاب: نسب معد واليمن الكبير- الشاملة
(3) الإكليل 1/191
(4)2الإكليل/41
(5) الإكليل2/52-53
(6) الإكليل1/192- ويقال في نسبهم أيضًا بادجان هو بن فارس ومن خلال الاطلاع على كتب التاريخ والأنساب حاولت تحقيق نسبهم في بحث آخر أسميته – الأمانة في نسب بادجانة – أو – الالتماسة في نسبة بني شماسة –
(7) كتاب الولاة ـ وكتاب القضاة – الشاملة
(8) تاريخ حضرموت الاجتماعي والسياسي قبيل الإسلام وبعده.
(9) الإصابة في تمييز الصحابة – الشاملة
(10) الكتب = تاريخ ابنيونس- أسد الغابة – إكمال الإكمال – معرفة الصحابة – الشاملة
(11) الإكليل1/192-193
(12) الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب ـ الشاملة
(13) الإكليل2/44-45 مع ملاحظة أن هناك تصحيفًا وأوهامًا تحتاج إلى تصحيح.
(14) تاريخ حضرموت الاجتماعي والسياسي قبيل الإسلام وبعده.