أضواء
محسن علوي أبو بكر باعلوي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 8 .. ص 14
رابط العدد 8 : اضغط هنا
نَصُّ الوثيقة:
الحمْدُ لله الذي قضى بنصب الشَّرائع والأحكام، وحَكَمَ باختصاص الإسلام بدوام الأحكام، وألزم بإعلاء أعلامه (1) بين الأنام، وأثبت البقاء لهذه الشريعة الغراء ببقاء الأيام، وتعطَّف بسماع دعوة المظلوم، ورفعها فوق الغمام (2).
والصَّلاةُ والسَّلامُ على أعلم حاكم، وأحكم عالم، وأقضى من عدل، وأعدل من قضى سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه الكرام البررة، أولئك أهل التقوى وأهل المغفرة.
وبعد:
فهذا عهد السيد محسن ابن(3) جعفر بن علوي أبو نمي باعلوي بتولية القضاء عَهِدَ إليه وليُّ الأمر فخامة السُّلطان المعظَّم غالب ابن(3) المرحوم السُّلطان عوض ابن (3) عمر ابن(3) عوض القعيطي؛ وذلك بعد أن عرف سيرته، وخلوص عقيدته، ونزاهة نفسه، وكونه عارفًا بالفقه، الذي به انتظام الأفعال الدنيوية والأخروية، وغيره من العلوم، وقلَّده قضاء بلاد غيل أبي وزير، وما يتبعها من القرى والنواحي، كشحير، والحزم، وحباير، والقارة، والنقعة، وجعله حاكمًا فيها، وفيما دونها، وولي الأنكحة، ولي (4) من لا ولي لها بتلك البلاد، وما حولها مما لم يكن بها متولي العقود، وأذن له في استخلاف غيره، ونهاه عن سماع دعوى مضت لها خمسة عشر(5) سنة؛ فإن تعلقت بوقف، أو إرث، أو صدرت من غائب، فيرفع حكمها للسُّلطان المكرَّم.
ووصَّاه بتقوى الله تعالى، وطاعته في حلِّه وعقده، وجميع شؤونه (( فإن خير الزاد التقوى)).
وأمره بأن يستضيء بنور كتاب الله تعالى في دُجَى المشكلات، وأن يستفتح بمفاتيحه مغالق المعضلات؛ فإنه الفارق بين الحلال والحرام، والدَّال على مظنة الصَّواب في الأحكام، وأن يتمسَّك بسنة رسوله الأكرم؛ فإن كل من تمسَّك بها نجا، وكذلك يتمسَّك بإجماع الأمة؛ فإنها لا تجتمع على ضلالة، وسأل (6) أهل العصر في المشكلات، ومعضلات القضايا.
وأن يقضي بالراجح من مذهب الشافعي، وإن رأى مقابله تقتضيه المصلحة رفعه لجلالة السُّلطان ليوافق(7) على ما يقضي به فيرتفع الخلاف حينئذٍ، وأن يحتاط في أموال الأيتام والغائبين والأوقاف؛ ليصونها عن خيانة الخائنين، وأن يسوِّي بين الخصمين، ويحكم بينهما بالعدل، ويبحث عن حال الشهود؛ فيقبل الأمثل فالأمثل، ويأخذ بالحزم والديانة في أمور المسلمين، وينصب الأمناء من الكُتَّاب والأعوان، والقاسمين (8)، ويراعي في جميع ذلك ما فيه رضى الله تعالى -جعلنا الله وإياه ممن رضي الله عنه-، وتقبل علمه بمنه وكرمه.
وللبيان حُرِّر في 22 شعبان سنة 1334هـ الأربعة والثلاثين والثلاثمائة وألف.
بتاريخ 9 شعبان سنة 1341هـ، فقد عهد جلالة السلطان المعظم عمر بن عوض بن عمر القعيطي إلى السيد محسن بن جعفر أبونمي بما تضمنه هذا العهد المذكور أعلاه.
التحقيق والتعليق:
احتوت وثيقة تولية القضاء على عدة أمور:
1- الدِّيباجة: وهي المقدمة، وفيها الابتداء بالبسملة، والحمدلة، وفيها كذلك براعة الاستهلال، وهو قوله: (الحمد لله الذي قضى بنصب الشرائع، والأحكام، وحكم باختصاص الإسلام بدوام الأحكام).
وكذلك في قوله: (والصلاة والسلام على أعلم حاكم، وأحكم عالم، وأقضى من عدل، وأعدل من قضى …إلخ).
2- بيان اسم السلطان المعهد بولاية القضاء: وهو أولاً السُّلطان غالب الأول بن السُّلطان عوض الأول بن الجمعدار عمر القعيطي، تولى حكم السَّلطنة سنة (1328هـ)/ 1911م، وتوفي بحيدر أباد الدَّكن سنة (1340هـ)/1922م.
وقد وُصِف السُّلطان بعبارات تدل على شخصه؛ مثل: ولي الأمر، فخامة السُّلطان المعظَّم، وفي موضع آخر: المكرَّم، وفي آخر: جلالة السُّلطان.
ثم السُّلطان: عمر بن السلطان عوض الأول بن الجمعدار القعيطي، ولد بحيدر أباد الدَّكن سنة (1287هـ)، وتولى السلطنة يوم وفاة أخيه غالب سنة (1340هـ)، وتوفي بالهند سنة (1354هـ).
3- ذكر اسم القاضي المعهد إليه بالقضاء: وهو العلامة القاضي السيد محسن بن جعفر بن علوي أبو نمي باعلوي، مفتي الساحل ولد سنة (1306هـ)، وأخذ عن الشيخ محمد بن عمر بن سلم، (ت1329هـ)، وعن غيره، وولي قضاء غيل باوزير، والنواحي التابعة لها بعد القاضي عبد القادر بن أحمد بامخرمة، وذلك سنة (1334هـ)، ولَّاه بذلك السُّلطان غالب القعيطي، وبقي في القضاء إلى وفاة السلطان غالب، ثم جدَّد له العهد السُّلطان عمر، وذلك في 9 شعبان سنة (1341هـ)، أي بعد نحو تسعة أشهر من وفاة السُّلطان غالب، وبقي السيد محسن في قضاء الغيل إلى سنة (1344هـ)، انتقل بعدها إلى قضاء المكلا، وعُيِّنَ الشيخ علي بن سعيد بامخرمة، (ت1389هـ) خَلَـفًا له على قضاء غيل باوزير، وأعيد السيِّد محسن على قضاء الغيل مرة ثالثة في عهد السلطان عمر سنة (1350هـ)، وبقي على قضائها إلى سنة (1356هـ)، توفي السيد محسن بعد حياة حافلة بالعطاء سنة (1379هـ)(9).
4- ذكر بعض صفات القاضي المتوافرة في المتولي للقضاء، وهو السيد محسن: وهي:
أ – حسن سيرته.
ب – خلوص عقيدته، وصفاؤُها.
ج – نزاهته.
د – تمكُّنه ومعرفته بالفقه، وغيره من علوم الشريعة.
5- تحديد البلاد المعهد للقاضي بالقضاء فيها:
وهي مدينة غيل باوزير، والنواحي التي تتبعها، وغيل باوزير نسبة إلى مؤسسها الشيخ عبدالرحيم بن عمر باوزير (ت747هـ)، تقع في الجهة الشمالية الشرقية لمدينة المكلا، والنواحي التابعة للغيل هي: شحير، والقارة، والنقعة، وحباير، وهي قرية تأتي بعد القارة، في الجهة الشرقية للغيل، وكذلك الحزم في الجهة نفسها.
6- تعيين الأعمال التي يكلَّف بها القاضي: وهي:
أ – الحكم، والقضاء بالعدل بين الناس.
ب – تولي عقود الأنكحة في الغيل، ونواحيها.
ج – الولاية على مَنْ لا ولي له.
د – الولاية على أموال اليتامى، والغائبين.
هـ – الولاية على أوقاف مدينة غيل باوزير.
و – البحث عن حال الشهود الذين يشهدون عند القاضي.
ز – تنصيب الأمناء من الكُـتَّاب، والأعوان، والقسَّامين.
7- ذكر أوامر السُّلطان ووصاياه في مسائل القضاء خاصة، وهي:
أ – التمسك بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع الأمة.
ب – سؤال علماء العصر في مشكلات المسائل، ومعضلات القضايا.
ج – القضاء بالراجح من مذهب الإمام الشافعي.
د – رفع الأمر للسلطان في حالة ما إذا رأى القاضي أن المصلحة تقتضي الحكم بخلاف الراجح من مذهب الشافعي.
هـ – التسوية بين المتخاصمين، والحكم بينهما بالعدل.
و- الاحتياط في أموال اليتامى والغائبين والأوقاف.
8- ذكر المنهيات، وهو ما نهاه عنه السُّلطان:
ونص على: النهي عن سماع الدَّعوى التي مضى عليها خمسة عشر عامًا.
9- ذكر الأعمال التي أذن السُّلطان للقاضي بفعلها، وهي:
الاستخلاف: وهو أن يستخلف القاضي شخصاً آخر يخلفه عند سفره، أو مرضه.
10- ذكر وصية السُّلطان، وهي: الوصية بتقوى الله.
11- الخاتمة:
واحتوت على الدعاء، والتاريخ في قوله: (جعلنا الله وإياه ممَّن رضي الله عنه، وتقبل علمه – (لعل صوابه عمله) -، وللبيان حُرِّر في 22 شهر شعبان سنة 1334هـ.
12- توقيع السلطان: وتوقيع السلطان غالب القعيطي، موجود أعلى الصفحة كما هي عادته، وتوقيع السلطان عمر موجود في الأسفل.
13- وقد ألحق بالوثيقة نفسها عهد السلطان عمر بن عوض القعيطي للسيد محسن بما تضمَّنه عهد السلطان غالب، وذلك بتاريخ 9 شعبان سنة 1341هـ.
_____________
الهوامش:
(1) لعل في السياق حذفًا، ولعل الأصل: وألزم بأعلى إعلامه الحكم بين الناس.
(2) الغمام: السحاب.
(3) الصواب حذف الألف.
(4) لعل الصواب: وولي بزيادة واو العطف.
(5) صوابه: خمس عشرة سنة.
(6) لعل صوابه: يسأل، أو سؤال.
(7) كلمة غير واضحة، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(8) القاسم: هو الذي يقسم الأشياء بين الناس.
(9) انظر كتابنا: عجالة المقتصد من بر الولد – الترجمة المختصرة للسيد محسن بن جعفر أبي نمي – غير مطبوع ص175.