دراسات
أ.د. محمد بن هاوي باوزير
أ. د. محمد عبدالله بن هاوي باوزير .. أستاذ تاريخ اليمن والجزيرة العربية القديم
قسم التاريخ – كلية الآداب، عدن (جامعة عدن)
الصلات الحضرمية الهندية منذ القدم حتى ظهور الإسلام
الهند وبلاد العرب:
تعود العلاقات التجارية القديمة بين بلاد العرب([1]) والهند إلى سنين موغلة في القدم – نحو خمسة آلاف سنة قبل الميلاد. وقد كانت مصر وبلاد الرافدين والشام وفارس والحبشة وبلاد الروم تحصل على بعض المنتجات العربية الجنوبية (البخور) والبضائع القادمة من الهند والشرق الأقصى بواسطة التجار العرب – عرب شبه الجزيرة العربية. ويبدو أن عرب شرق شبه الجزيرة العربية وجنوبها – خاصة الحضارمة والعمانيين هم أول من أبحر في المحيط الهندي، مستعينين بسبقهم في معرفة النجوم والفلك، ولعلهم بذلك أصحاب السبق في استيراد منتجات الهند والشرق الأقصى وتصديرها إلى العالم القديم، بل يبدو أنهم خاصة (الحضارمة والعمانيين) قد أسهموا في تطوير النشاط التجاري الملاحي آنذاك. وقد كانت السفن تبحر بالمنتجات الهندية من الهند عبر الخليج العربي إلى بلاد الرافدين، ثم عبر الصحراء إلى فلسطين ومصر، غير أن الطريق الأهم هو الطريق البحري بين الهند وحضرموت وعدن([2]).
إن بلاد العرب كلها من بلاد الرافدين والشام إلى شرق الجزيرة العربية وجنوبها قد اتصلت اتصالًا وثيقًا بالهند تجاريًا وثقافيًا. ومنذ القرن الأول قبل الميلاد نالت بلاد العرب الجنوبية شهرة فائقة في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية، وفي هذا العصر اتصلت العربية الجنوبية، وخاصة مملكة حضرموت القديمة، اتصالًا وثيقًا بالهند([3])،وزادت هذه العلاقات تقدمًا وازدهارًا وتوثقًا على مر السنين([4]). وظل الحال كذلك حتى أتى على العربية الجنوبية وحضرموت عهد من الاضطرابات السياسية ألقى بظلاله على نشاطهم التجاري وعلى علاقاتهم الخارجية، وقبيل انقراض الدولة الحميرية – آخر دولة عربية جنوبية – وقعت أحداث سياسية خطيرة أدت إلى أن تصبح الدولة الحميرية وبلاد العرب الجنوبية كاملة فريسة للدول المتنافسة في تلك الآونة (القرن السادس الميلادي) وهي فارس وبيزنطة والحبشة. ولا شك أن هذه الأحداث قد أسهمت في شتات هذه الأمة العظيمة (أهل العربية الجنوبية)، ولعلها كانت من أبرز الأسباب التي دفعت أبناءها إلى الهجرة والتنقلات، ومنهم الحضارمة، فهاجروا إلى العديد من البلدان الآسيوية والأفريقية، مثل الهند والشرق الأقصى، والحبشة وشرق أفريقيا وغيرها. وهذه الظاهرة ساعدت على انتشار ثقافتهم في تلك البلدان التي هاجروا إليها – التأثير والتأثر([5]).
حضرموت والهند.. اتصالات وعلاقات تجارية وحضارية على ضوء المعطيات الأثرية والنقشية والتاريخية:
إن العلاقات التجارية بين الأمم والشعوب هي العامل الرئيس في التقارب بينهما على كافة المستويات الحضارية ـ الثقافية والاجتماعية والسياسية، ولقد كان لهذا العامل منذ فجر التاريخ دورٌ أساسيٌ في اتصال المجاميع البشرية المتناثرة والمتفرقة، وارتباط بعضها ببعض إثر عمليات التبادل التجاري بالمقايضة، ثم ازداد هذا التعامل تعقيدًا بعد ظهور النقد ليصبح العامل الأساسي في علاقات الجماعات البشرية، فتمازجت الجماعات وتداخلت الشعوب وتقاربت الأمم، بل كان ذلك في إطار ما يمكن أن نطلق عليه الدائرة الحضارية الكبرى، التي امتزجت شعوبها، وتعمقت علاقاتها، وتعددت سبل التأثير والتأثر فيما بينها، وسوف نتناول هنا الصلات والعلاقات التجارية والحضارية التي كانت تربط عرب جنوب شبه الجزيرة العربية وعلى وجه الخصوص عرب حضرموت بساحل الهند الغربي وغيرها من المناطق الهندية.
لقد كانت للممالك العربية الجنوبية ومنها مملكة حضرموت، مع الهند علاقات تجارية لا نعرف على وجه الدقّة بدايتها، وقد كانت الهند تشتهر بمنتجات ومصنوعات عديدة تحتاج إليها شعوب العالم القديم، (كالأحجار الثمينة وأنواع الطِّيْب بالإضافة إلى التوابل، وكذا الأخشاب كالساج والأبنوس والصندل، والأنسجة والحرير، والمعادن وغيرها من المنتجات([6])، ولعل موقع حضرموت بالنسبة للهند جعل منها مركزًا لاستلام المنتجات الهندية وتوزيعها بوساطة التجَّار الحضارم أو غيرهم من تجَّار شبه الجزيرة العربية أي تصديرها لبلدان العالم القديم. وقد عكس ذلك التواصل التجاري نفسه في المدى التاريخي على العلاقات الحضارية بين مملكة حضرموت والهند، علمًا أن تلك العلاقات لم تقتصر على الجانب التجاري، وإنما تمخض عنها اتصال وتفاعل حضاري وثقافي فاعل ونشيط، والشواهد على ذلك كثيرة، منها:
إقليم ظفار:
كان هذا الإقليم تابعًا لمملكة حضرموت، ونتيجة لأعمال التنقيب الأثرية في مناطق هذا الإقليم، كشفت البعثات الأثرية عن وجود آثار متنوعة تؤكد حقيقة الصلات والعلاقات التجارية والحضارية بين حضرموت القديمة والهند، ومن الشواهد الأثرية التي تؤكد لنا عمق العلاقات الحضارية مع الهند ما عثر عليه أثناء الحفريات في منطقة ظفار العُمانية (كانت تابعة لمملكة حضرموت القديمة) من بقايا عظام بشرية تفيد الدراسات أنها تحمل أثر وتقسيمات الإنسان الهندي، ومن المحتمل أن تكون بقايا آثار لجماعات قَدِمَتْ من الهند، واستوطنت السواحل التابعة لحضرموت أو القريبة منها، وما زالت العلاقات مع الهند قائمة؛ إذ تحمل لنا بين الحين والآخر موجات مهاجرين هنود إلى سواحل جنوب غرب الجزيرة العربية والخليج العربي([7]).
بالإضافة إلى معثورات (البعثة الأمريكية لدراسة الإنسان) فقد وجدت في ميناء سمهرم -خور روري حاليًا- حوالي خمس قطع حجرية وقطع برونزية كتب عليها بالخط العربي الجنوبي (المسند)، تصف تأسيس الحضارم للمدينة كمركز لتجميع (البخور) وتصديره للخارج، وظهر من خلال هذه الكتابة اسم سمهرم واسم إله حضرموت (سين ذا اليم)، كما تم الكشف عن آثار للقلعة التي تحمي المدينة، وآثار معبد قديم شيّد وسط الجانب الشمالي للمدينة، وهو المعبد الذي يُعبد فيه الإله (سين) إله القمر، أيضًا عثر على أحد أبواب مدينة سمهرم منقوشًا عليه اسم ملك حضرموت ( إل عزيلط ) واسم عاصمته شبوة([8]).
ومن المعثورات الأثرية التي تؤكد على وجود علاقات حضارية بين حضرموت والهند، التمثال الذي عثرت عليه البعثة الأمريكية في نفس الموقع هو تمثال برونزي لفتاة هندية -لعلها راقصة- تعزف على الناي، وفي دراسة حديثة تصف الباحثة ( عزة عقيل ) هذا التمثال بأنه صغير الحجم يبلغ ارتفاعه (8 سم) لامرأة عارية واقفة في حركة راقصة.. وترى الباحثة أن وضع الجسم وحركة الورك والساقين يشير إلى أن هذا التمثال يمثل الرّبة الهندية (salabhanjaka إلهة الشجرة)، ويعود تاريخه إلى القرن الأول أو الثالث للميلاد، كذلك حملت لنا النقوش المسندية التي عثر عليها في موقع (العُقلة) بالقرب من العاصمة الحضرمية شبوة أخبار زيارات واستقبالات رسمية لوفود هندية قدمت حضرموت للمشاركة في احتفالات تتويج الملك الحضرمي (إل عز يلط) على عرش مملكة حضرموت (سيأتي نص النقش وشرحه لاحقًا). كذلك عثر في سمهرم على آثار هندية – قطع من الفخار، وعملة هندية صادرة عن الملك (kanishka 1)، كما تم العثور على كتابة هندية من ثلاثة أحرف، ربما تكون اسمًا لأحد التجار الهنود([9]).
وفي شبوة عاصمة مملكة حضرموت وجدت الكثير من المعثورات ذات الأصل الهندي، ومنها بقايا قطع عاج مزخرفة، عثر عليها في القصر الملكي بشبوة عام 1976 و1980 م، وعددها يزيد على مئة قطعة، بعضها مستورد من الهند([10]).
– قنأ الميناء الحضرمي القديم:
هو الميناء الرئيس لمملكة حضرموت (وهو الموقع المعروف الآن باسم بير علي)، تعد الحقبة الممتدة بين نهاية القرن الثاني والقرن الخامس للميلاد فترة أوج ازدهار قنأ، وخلالها وجدت الكثير من المعثورات ذات الصلة بالعديد من بلدان العالم القديم (مصر والشام وبلاد الرافدين وفارس واليونان والرومان). أما بالنسبة للهند فهناك الكثير من المعثورات أو المنتجات الهندية التي تم العثور عليها في ميناء قنأ، منها قطع لأوانٍ فخارية مستوردة من الهند كالصحون والكؤوس والمزهريات والمصابيح والمسارج وكذا الأوزان وغيرها، ويعود تاريخها إلى الحقبة من القرن 2 ق. م إلى 5 م([11]).
جزيرة سقطرى:
ومن شواهد تلك العلاقة الحضارية أيضًا أن جزيرة سقطرى التابعة لمملكة حضرموت، والتي تتمتع بموقع استراتيجي مهم في المحيط الهندي، تشتهر بإنتاج السلع المرغوبة آنذاك كاللبان والمر والصبر ودم الأخوين وغيرها من النباتات الغريبة([12])، وكانت حلقة وصل بين الهند ومملكة حضرموت، وكذا شرق أفريقيا، فهي بمثابة محطة استراحة تتوقف عندها السفن قبل أن تنطلق إلى الهند، لذلك اهتم الهنود القدماء بسقطرى وأسموها (الجزيرة السعيدة)، بل يقال إن الاسم سقطرى راجع لاسم السنسكريتي الهندي القديم (دفيبا سخدرا Dvipasakhadra)، بينما المصادر الكلاسيكية تراها كمركز تجاري مهم يتبع مملكة حضرموت، وأطلق عليها (أجارثارخيدس Agathachides) اسم (جزيرة السعادة)، أما كتاب الطواف فقد أطلق عليها اسم (ديزكوريدا Discorida)([13]).
2- الشواهد النقشية:
لقد تم العثور على بعض من المخربشات ( الجرافيت ) والنقوش في أماكن متفرقة من حضرموت، فمثلًا في جزيرة سقطرى كشفت البعثات الأثرية عن بقايا أثرية مصدرها الهند، كما تم العثور على عدد من المخربشات الهندية في أحد كهوف جزيرة سقطرى([14]). وهذه الجزيرة تتبع ملك بلاد اللبان (مملكة حضرموت)، وهي واحدة من أهم مراكزه التجارية قديمًا، وقد لعبت دورًا كبيرًا في النشاط التجاري العام لحضرموت، ويسكن فيها (آنذاك تجار عرب وهنود ويونان)([15])، ولعل من أبرز شواهد العلاقات الحضرمية الهندية النقش الموسوم بــ(Ja 931) (السطرين 3- 4):
1- خ ي ر ي/ و ع ذ ذ م/ ت ذ م ر 1- خ ي ر ي/ و ع ذ ذ م/ ت ذ م ر
2- ي هـ ن/ ذ م ت ر ن/ و ف ل ق ت 2- ي هـ ن/ ذ م ت ر ن/ و ف ل ق ت
3- ك ش د ي ي هـ ن/ د هـ ر د هـ/ و م 3- ك ش د ي ي هـ ن/ د هـ ر د هـ/ و م
4- ن د هـ/ هـ ن د ي ي هـ ن/ ش و ع و 4- ن د هـ/ هـ ن د ي ي هـ ن/ ش و ع و
5- م ر أ س م / إ ل ع ذ / ي ل ط / م 5- م ر أ س م/ إ ل ع ذ/ ي ل ط/ م
6- ل ك/ ح ض ر م ت 6- ل ك/ ح ض ر م ت
المعنى:
(خيري وعذذ) من تدمر في بادية الشام، و(ذمترن) أو ذمتران و(فلقة) من الكشديين، وهو (كشدي) الشكل الأصلي لاسم القوم الذين ندعوهم الآن بالكلديين، والذين كانوا يسكنون جنوب العراق في العصور القديمة، (ودهردة) (ومنذة) الهنديين أو من الهند كما يدل عليه شكل الاسمين، ويذكر أن سفيرًا هنديًا يدعى (دهردة)، كان قد وفد إلى قيصر الروم خلال السنوات (218- 222م) فيظهر أنه مكث مدة في حضرموت إبان رحلته من الهند إلى بلاد الروم عند عودته من هناك([16]).
ويذكر النقش أن هؤلاء جميعًا قد رافقوا ( العذيلط) ( إل عزيلط) ملك حضرموت، إلا أن النقش لم يوضح لنا ما هي المناسبة التي من أجلها رافق هؤلاء الملك الحضرمي، ولكن من خلال دراسة نقوش العُقلة التي تتحدث عن مملكة حضرموت، يظهر أنها تتحدث عن بعض ملوك حضرموت، وأنهم اعتادوا إجراء مراسيم المُلك وتوزيع الألقاب بأسفل جبل العُقلة من الناحية الشرقية، ومن الملاحظ في النقش أن كل دولة يمثلها شخصان، مما يدل على أنها دعوة رسمية واحتفالات منظمة، فضلًا عن مدى العلاقات الطيبة التي تربط مملكة حضرموت وهذه الدول، بالإضافة إلى ما تتمتع به حضرموت من مكانة قوية بين الدول المعاصرة لها آنذاك بفضل تجارتها وتحكمها في بعض المواد العطرية إلى غير ذلك من الأسباب، كما يدلنا هذا النقش على أن الدول في العالم القديم كانت تتبادل السفراء والمندوبين مثل ما تقوم به الدول في عصرنا الراهن وذلك لتسهيل العلاقات بينهما ([17]).
المصادر الكلاسيكية هي المؤلفات التي وضعها الكتّاب اليونان والرومان، وهم المؤرخون والجغرافيون والرحالة وغيرهم ممن عني بوصف الجزيرة العربية وأخبارها في العصرين اليوناني والروماني.وقد رسمت تلك المعارف المتراكمة صورة تاريخية تشكلت تدريجيًا حتى أضحت جزيرة العرب جزءًا من اهتمام عالم البحر الأبيض المتوسط القديم كما يُلاحظ ذلك بوضوح إبان ازدهار الإمبراطورية الرومانية، وقد تعرضت بعض هذه المصادر لذكر أخبار الممالك العربية الجنوبية ومنها مملكة حضرموت قبل الفترة المسيحية، أو في عصورها الأولى، ومعظم هذه الأخبار عامة تحتوي غالبًا على معلومات جغرافية عنها، وعن منتجاتها مما حصل عليها المؤرخ عادة عن طريق السماع، أو قام بتسجيلها بعض التجار والرحالة اليونانيين الذين تمكنوا في مختلف الأزمنة من الوصول إلى شواطئ الجزيرة العربية، فجمعت الكثير من الأخبار والمعلومات عن العرب وعن جنوب شبه الجزيرة العربية عمومًا وحضرموت خصوصًا ومن هؤلاء المؤرخين الأغريق والرومان: هيرودوتس (القرن الخامس ق. م)، ديودور الصقلي (الأول قبل الميلاد)، وبالإضافة إلى هؤلاء الكتّاب الكلاسيكيين أيضًا: (ثيوفراست Theophraste) حوالي (300 ق. م). وبعد ثيوفراست بنصف قرن تقريبًا تولى (أيراتوستن القورينى Ératosthene de Cyrène) (ت نحو 195) منصبًا مهمًا هو مدير المكتبة الكبرى للإسكندرية، وكانت لهم إشارات عن بلاد العرب الجنوبية وحضرموت عمومًا وبالذات عن طِيْبِها وذكروا أنها تستحق تسميتها بـ(العربية السعيدة)؛ لأن أراضيها خصبة، بل هي مصدر السلع المقدسة (اللبان والمر)، وقالوا إنَّ العربية الجنوبية تسكنها أربعة شعوب (سبأ، وقتبان، ومعين، وحضرموت)([19]).
وبعد (أيراتوستن) ببضعة عقود، أي حوالي منتصف القرن الثاني، نجد عالمًا آخر مثله يهتم بجمع معلومات مفصلة عن الجزيرة العربية هو (أغاثر كيدس Agatharchide de Cnide)، وفي كتاباته خص الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية باسم العربية السعيدة([20]).
ومن بين المهتمين أيضًا بجمع المعلومات عن العربية الجنوبية هو (إسترابون Strabon) (ولد نحو 63 أو 64 ق. م، وتوفي بعد سنة 2 0م)، وهو جغرافي ومؤرخ زار مصر عند فتح الرومان، استفاد من مكتبة الإسكندرية، من أهم مؤلفاته كتاب (الجغرافيا) المكوَّن من (17) جزءًا، والذي كان غنيًا بالمعلومات عن العالم القديم، وقد أفرد فصلًا خاصًا من الجزء (16) ذكر فيه مدن العرب وقبائلهم ووصف أحوالهم التجارية والاجتماعية والاقتصادية، كما ذكر فيه الحملة الرومانية على الممالك العربية الجنوبية (24 ق. م)، بقيادة (إليوس جالوس Aelius Gallus)، (وقد وصلت حتى أسوار مأرب، ولم يَبْقَ لها إلا مسيرة يومين للوصول إلى موطن اللبان حضرموت)، وتكمن قيمة حديثه عن هذه الحملة كونه معاصرًا لها، بل يقال إنه كان صديقًا لقائد الحملة فشارك فيها، فتضمنت مدوناته جوانب مهمة من تاريخ العرب بوجه عام، وعرب الجنوب بوجه خاص([21]).
أما كتاب (الطواف حول البحر الأريتري)، أو (التطواف حول البحر الأحمر)([22])، الذي كتبه رحّالة يوناني مجهول، فقد وصف فيه تطوافه في البحر الأحمر وسواحل بلاد العربية الجنوبية، وكشف عن معلومات جغرافية وتاريخية مهمة عنها([23])، ومن بين معلوماته المهمة حديثه عن تصدير الطِّيْب من موانئ العربية الجنوبية وخاصة الموانئ الحضرمية، ومثل ذلك نجده أيضًا عند بليني (القرن 1 م) في كتابه المسمى (التاريخ الطبيعي)([24]).
تلك كانت لمحة موجزة عن الصلات الحضرمية الهندية القديمة التي تمخض عنها تواصل وتفاعل حضاري وثقافي فاعل (تأثير وتأثر)، ولعل ذلك كان أساسًا ورافدًا للهجرات المتبادلة بين الهند وحضرموت لاحقًا.
الهوامش:
([1]) نقصد ببلاد العرب هنا بلاد الرافدين والشام ومصر وشبه الجزيرة العربية. وللإفادة الوافية عن علاقاتهم التجارية والحضارية والثقافية مع الهند انظر: محمد الندوي: تاريخ الصلات بين الهند والبلاد العربية، ط1، دار الفتح للطباعة والنشر، بيروت، (الهند والشام والعراق القديم)، ص5- 19؛ (الهند ومصر)، ص20- 31؛ (الهند والجزيرة العربية في العصر الجاهلي)، ص32- 35.
([2]) شوقي عبدالقوي عثمان: تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة الإسلامية، سلسلة عالم المعرفة، العدد (151)، الكويت، 1995م، ص41- 42؛ وأنور عبدالعليم: الملاحة وعلوم البحار عند العرب، عالم المعرفة العدد (13)، 1979م، ص69- 73.
([3]) ديتلف نلسن: التاريخ العربي القديم، ترجمة: فؤاد حسنين، ط1، القاهرة، 1958م، ص121.
([4]) انظر السطرين (4- 5) من النقش (Ja931)، وفيه إشارة إلى وصول مبعوثين أو سفيرين هنديين إلى حضرموت في عهد الملك الحضرمي (إل عزيلط)، ولعل ذلك من قبيل العلاقات الدبلوماسية بين الهند وحضرموت. ولمعرفة المزيد انظر: بافقيه وآخرين: مختارات من النقوش اليمنية، ط1، تونس، 1985م، ص329- 330.
([5]) نلسن: المرجع السابق، ص114- 117.
([6]) محمد إسماعيل الندوي: تاريخ الصلات بين الهند والبلاد العربية، دار الفتح للطباعة والنشر، بيروت، لا. ت، ص 17- 19، 33؛ ونورة عبدالله النعيم: الوضع الاقتصادي في الجزيرة العربية في الفترة من القرن 3 ق. م حتى القرن 3م، ط1، دار الشواف للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الرياض، 1992م. كما ورد ذكر بعض المنتجات الهندية المستوردة في كتاب (الطواف)،
The Periplus ch. 14, 17, 32, 41, 56, p.27 28 – 29, 34- 35, 39, 44- 45.
([7]) ثريا منقوش: قضايا تاريخية وفكرية من اليمن، دار العودة، بيروت، د. ت، ص74.
(8) سمهرم: اسم الميناء الذي بناه الحضارم القدماء، وهو الاسم الذي ورد في نقوشهم المسندية، أما الاسم الإغريقي الذي أطلق على الميناء فهو (موشا)، وهذا الاسم ورد ذكره في كتاب (الطواف)، فقرة 32، وهو الموقع المعروف الآن باسم (خور روري). انظر: بافقيه وآخرين: مختارات، ص324- 325؛ عمان عبر التاريخ، وزارة الإعلام، سلطنة عمان، ودار أميل للنشر المحدودة، لندن، 1995م، ص74- 75. وانظر: Albright, F. P: The Himyarites Temple at Khor – Rory Orientalia, XXII, 1953, P. 787.
([9]) أسمهان الجرو: الموانئ العمانية القديمة، ط1، مؤسسة عمان، مسقط، 2011م، ص172- 173؛ عمان عبر التاريخ، مرجع سابق، ص98؛ وعزة علي عقيل، البرونز في اليمن القديم، ج1، صنعاء، 2010م، ص53- 54.
([10]) جان كلود بيال: الصندوق العاجي من قصر شبوة، المركز الفرنسي، صنعاء، 1996م، ص88، 97.
([11]) قرياز نفتش: دراسة ميناء قنأ القديم، نتائج البعثة السوفيتية، ط1، ج1، مركز الأبحاث.. سيئون، 1987م، ص25؛ أكوبيان وآخرون: التنقيبات الأثرية في ميناء قنأ القديم، ص40- 48؛ وسيدوف: قنأ ميناء كبير بين الهند والبحر المتوسط، من: اليمن في بلاد ملكة سبأ، ترجمة: عرودكي، دمشق، 1999م، ص195.
([12]) شجرة دم الأخوين (Dracaena Cinnabari): من النباتات التي تنمو في جزيرة سقطرى، وقيل هي (العندم) أو (الأيدع)، واسمها باللهجة السقطرية (أعرهيب)، ويستخرج منها مادة سائلة تدخل في أغراض الصناعة والعلاج الطبي، وهي شجرة نادرة لا توجد إلا في جزيرة سقطرى، ويوجد ما يشبه هذه الشجرة شكلًا فقط في جزر الكناري، والمادة المستخرجة منها والمستخدمة في الصباغة كانت تصدر إلى الخارج عبر ميناء قنأ الحضرمي. انظر: ريتشارد بورتر وتوني ملير: الطيور والنباتات في جزيرة سقطرى، ترجمة: عبدالولي الخليدي وعادل سعيد، إنجلترا، أدنبره، ص20؛ نورة النعيم: المرجع السابق، ص238.
([13]) Schoff, Wilfeld: The Periplus of the Erythraean Sea. New York. 1912,ch. 30, P. 33-34 ولمزيد من المعرفة انظر: محمد علي البار: سقطرى الجزيرة السحرية، ط1، بيروت، 1996م، ص 13- 47.
([14]) منير عربش: معطيات جديدة حول تاريخ مملكة حضرموت (القرن 7 ق. م- 3م) المعهد الفرنسي، صنعاء، 2003م، ص13.
([15]) جورج فضلو حوراني: العرب والملاحة في المحيط الهندي، ترجمة: السيد يعقوب، دار الكتاب العربي، 1958م، ص83.
([16]) بافقيه وآخرين: مختارات، ص329؛ والبريهي: الخط المسند، المسند وثيقة للصلات الحضارية في تاريخ الجزيرة العربية، الألكسو – تونس، 2001م، ص660.
([17]) بافقيه وآخرين: مختارات، ص329- 330؛ والبريهي: الخط المسند، ص660.
([18]) المصادر الكلاسيكية هي المؤلفات التي وضعها الكتاب اليونان والرومان، وقد عنيت بتاريخ وحضارة العرب،
L’Arabie du sud chez les auteurs classiques, Maxime Rodinson, In Joesph Chelhod, L’Arabie du sud, histoire et civilization, Tom 1,Maisonneuve et Larose, Paris.1984,PP.55-89.
وقد جمعت النصوص والمختارات عن بلاد اليمن، في كتاب باسم) بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية)، ترجم إلى العربية، القسم الأول حميد العواضي (دراسة ومختارات)، للمستشرق ماكسيم رودنسون (ص21- 92). والقسم الثاني (مختارات)، جمعها عبداللطيف الأدهم، ص97 وما بعدها، ط1، صنعاء، 2001م.
([19]) العواضي والأدهم: بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية، ص26- 30.
([20]) أغاثر كيدس: عن البحر الأريتري، ترجمة وتغليف: الحسين أحمد، ط1، الجيزة، 2011م، ص129- 140.
([21]) جواد علي: المفصل، ج1، ط1، دار العلم، بيروت، 1969م، ص58- 59، وجرجي زيدان: العرب قبل الإسلام، دار المكتبة الأهلية، بيروت، لا. ت، ص21.
([22]) كتاب الطواف حول البحر الأرتيري، أثار جدلًا حول تأليفه لعدم معرفة مؤلفه، وقيل الذي كتبه رحالة أو تاجر يوناني، وقام بترجمته إلى الإنجليزية (يولفراد. هـ. شوف Wilfred H. Schoff).
The periplus of the eryhraean sea translated from the greek and Annotated by W.H Schoff, Newyory, 1912.
([23]) العواضي والأدهم: بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية، ص49- 50؛ وجواد علي: المفصل، ج1، ص59.
([24]) العواضي والأدهم: بلاد اليمن في المصادر الكلاسيكية، ص43- 46.