دراسات
د. رزق سعدالله بخيت الجابري
د. رزق سعدالله بخيت الجابري .. كلية الآداب جامعة حضرموت
كلية العلوم الاجتماعية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 8 .. ص 29
رابط العدد 8 : اضغط هنا
في عالمنا أصبح الغذاء سلاحًا سياسيًا مستخدمًا ببراعة وبلا ضمير ضد الشعوب غير المنتجة له؛ لهذا فإن إنتاج الغذاء وصولًا للأمن الغذائي يعد ضرورة اقتصادية وسياسية لكل شعوب الأرض.
لماذا هذا الموضوع؟
عندما زرت زميلي البروفسور عبدالله سعيد الجعيدي مدير (مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر) تحدثنا عن مستقبل حضرموت، وخلاصة حديثنا أن حضرموت بحاجة إلى أن تكون بلدًا منتجًا للغذاء لكي تشق طريق نهضتها، فطلب مني أن أكتب مقالًا لمجلة (حضرموت الثقافية) لوضع الموضوع على طاولة البحث والتخطيط التنموي.
الغذاء مطلب أساسيٌ فمَنْ يتحكم في غذائه يتحكم في أفكاره وفي نهضته، قد يتساءل البعض هل هناك مشكلة غذاء في حضرموت؟ الإجابة عن السؤال المرفوع إلى مشكلة بحث يتطلب الإحاطة بكل المتغيرات التي تشكل عناصر المشكلة وهي على النحو الآتي:
السكان:
تُظهر التقديرات أن حجم سكان حضرموت في بداية عام 1886م بلغ (258,00 نسمة)، ثم ارتفع العدد في نهاية عام 1965م إلى (470,00 نسمة)، بزيادة مطلقة بين الأعوام بلغت (212,00 نسمة). أما معدل النمو من عام 1868م إلى 1935م فلم يتجاوز معدله (0,7%)؛ يعود ذلك إلى ارتفاع معدل الوفيات بسبب انتشار الحروب والصراعات القبلية، وبالإضافة إلى الهجرة الخارجية.
أما في عام 1958م فقد وصل حجم السكان إلى (435,000 نسمة)، وبلغ معدل النمو السكاني (1,2%)، وسجلت الزيادة السكانية المطلقة (130,000 نسمة)، وارتبط ذلك بالتحسن النسبي في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فقد شهدت حضرموت انحسارًا للصراعات القبلية بعد صلح إنجرامس عام (1937م)، والتوجه نحو التنمية المكانية لا سيما الزراعة، فقد بدأ العمل بتطوير البنية التحتية للزراعة؛ حيث أدخلت الآلة في الزراعة، منها المحراث الصناعي، والمضخات، كما شقت العديد من قنوات الري، وبناء الحواجز والسدود. وترتب على ذلك زيادة في إنتاج الغذاء، وتحقق فائض غذائي بعد أن كانت المجاعات ونقص الغذاء أحد المظاهر الاقتصادية السائدة في حضرموت.
وفي أول تعداد سكاني سنة 1973م وصل حجم سكان حضرموت إلى (491,304 نسمة)، وفي عام 1988م بلغ عدد السكان نحو (703,151 نسمة)، فيما بلغت الزيادة المطلقة (211,847 نسمة). أما معدل النمو السكاني (2,4%)، وحسب تعداد عام 1994م فقد وصل العدد (718,008 نسمة)، أما في عام 2004م فقد ارتفع الحجم إلى (1060442 نسمة)، فيما بلغت الزيادة المطلقة (301,799 نسمة)، والنسبية (42,0%).
أما الخصائص العمرية لسكان حضرموت عام 2010م فإن نسبة صغار السن شكلت نحو (40,1%)، بينما بلغت نسبة الفئة العمرية (15- 59 سنة) نحو (50,5%)، أما كبار السن فبلغت (9,4%). هذا التوزيع النسبي للسكان حسب الفئات العمرية العريضة يضع حضرموت ضمن المجتمعات السكانية الشابة الفتية من حيث النمو السكاني، ولكن في الوقت نفسه يضع حملًا ثقيلًا على القوة العاملة، التي يقع على عاتقها عبء إعالة باقي أفراد المجتمع، وهذا يقودنا إلى عرض للقوة العاملة.
إن تتبُّع مخرجات التعدادات السكانية يبين لنا حجم القوة العاملة، فقد أظهرت البيانات الرسمية لتعداد 1988م أن حجم القوة العاملة بلغ نحو (180,190 عاملًا)، وحسب بيانات عام 1994م وصل العدد إلى (150,698) بانخفاض مطلق (29492). أما مسح القوى العاملة لعام 2013م فأظهر أن حجم القوة العاملة في حضرموت (175,000 عامل).
أما توزيع القوة العاملة على القطاعات الرئيسة الكبرى في حضرموت فقد جاء العاملون في الخدمات في المرتبة الأولى بنحو (11000 عامل) بنسبة (62,9%) من إجمالي القوة العاملة، وفي المرتبة الثانية العاملون في الصناعة بحوالي (33000 عامل) بأهمية نسبية (18,9%)، وأخيرًا العمالة الزراعية (32000 عامل) بوزن نسبي (18,2%). هذا التوزيع يبيِّن أنَّ هناك تغيرًا كبيرًا في توزيع القوة العاملة حسب القطاعات الاقتصادية في حضرموت، وهو الاتجاه نحو العمل في الخدمات والصناعة بدلًا من الزراعة، لهذا من الضرورة بمكان تتبع الوضع الزراعي في حضرموت.
الأوضاع الزراعية:
حضرموت أرض زراعية، وقد قامت حضارتها القديمة على مورد الزراعة، يقول سترابون: »السهول الجنوبية ووادي حضرموت في وقت سابق كان منتجًا لكثير من النباتات العطرية والتمر واللبان والتوابل والقرفة. أمَّا الإنتاج في الوقت الحاضر فالذرة ونخيل التمر والسمسم. كما أن الزراعة في حضرموت تعتمد على المياه الجوفية«. هذا الوصف يبين أن حضرموت في تلك الحقبة من تاريخها الاقتصادي ومرحلتها الديموغرافية منتجة للغذاء، كما يعطي مؤشرًا على أن هناك فائضًا غذائيًا يُصَدَّر للخارج، وهو ما يفسر عمليًا عدم وجود مشكلة غذائية، وأن هناك أمن غذائي في حضرموت. هذا حال الزراعة بالأمس الذي امتد إلى خمسينيات القرن العشرين، في ظلِّ تكنولوجيا إنتاج بدائية منتجة من البيئة المحلية، معتمدة كليًا على طاقة الإنسان والحيوان.
أما بالنسبة للزراعة في الزمن الحاضر (اليوم) علمًا بأن مقومات الإنتاج البشرية قد تغيرت واستفادت من كل ثمار الثورة الصناعية فقد حدث تطور في أنظمة الري، فأدخلت المضخات، والري الحديث، واستخدمت الآلة في تهيئة الأرض والحصاد، وتم استخدام البذور المحسنة، وتطور وسائل النقل، بالإضافة إلى الخبرة المتراكمة، ورأس المال. وكلها مؤشرات لحدوث تطور كبير، وثورة في الإنتاج الزراعي في حضرموت، ولكن الأوضاع الزراعية اتجهت نحو الانحدار، ويمكن أن نبين ذلك من تتبع تطور المساحة والإنتاج، ونظرًا لعدم وجود بيانات إحصائية من واقع تعداد زراعي فكل البيانات الزراعية هي تقديرات؛ لأن آخر تعداد زراعي في حضرموت كان عام 1985م، وسوف نعتمد على تقديرات 2010م الواردة في كتاب (الإحصاء السنوي لمحافظة حضرموت لعام 2010م).
بادئ ذي بدء وجب التنبيه إلى أن هناك تباينًا كبيرًا في البيانات الزراعية بين الكتب الصادرة من وزارة الزراعة في صنعاء وبين الكتب الصادرة في حضرموت، ولحل هذا الإشكال تم الاعتماد على الكتب الصادرة من حضرموت فـ(أهل مكة أدرى بشعابها)، وتظهر البيانات أن إجمالي المساحة الزراعية عام 2009م بلغت (29968 هكتارًا)، أما في عام 2010م فوصلت إلى (29970 هكتارًا)، بزيادة مطلقة (3 هكتارات). ونصيب الفرد من المساحة الزراعية عام 2010م حوالي (0,228 فدانًا)، أما الإنتاج الزراعي عام 2009م فقد كان (286291 طنًا)، وبلغ في عام 2010م (286291 طنًا)، ولم تحصل أي زيادة مطلقة في الإنتاج، وهذا مؤشر خطير يعكس تدهور الأوضاع الزراعية في حضرموت.
أما إذا وقفنا على أنواع المحاصيل الزراعية فالمساحة الزراعية للحبوب عام 2009 بلغت (4096,44 هكتارًا) مشكلة (13,7%) من جملة المساحة الزراعية، أما في عام 2010م فبلغت (4099,44 هكتارًا) بوزن نسبي (13%) من إجمالي المساحة الزراعية، أما مساحة الخضار عام 2009م فبلغت (2283,08 هكتارات) بوزن نسبي (7,6%)، أما في عام 2010م فكانت (2283,08) بأهمية نسبية (7,6%) من إجمالي المساحة الزراعية، أما بالنسبة للفواكه فقد بلغت المساحة الزراعية نحو (11195,9 هكتارات) مشكلة نحو (37,4%) من جملة المساحة الزراعية، أما في عام 2010م فقد بلغت مساحة الفواكه (11195,94 هكتارًا) بوزن نسبي (37,4%).
أما بالنسبة للمساحة الزراعية للمحاصيل النقدية فقد بلغت مساحتها عام 2009م (1438,68 هكتارًا) مشكلة نحو (4,8%) من إجمالي المساحة الزراعية، أما في عام 2010م فبلغت المساحة (1438,68 هكتارًا) بوزن نسبي (4,8%) من إجمالي المساحة الزراعية.
أما بالنسبة للأعلاف فقد بلغت المساحة المزروعة (10953,1 هكتار) مشكلة (36,6%) من إجمالي المساحة الزراعية، أما في عام 2010م فقد بلغت المساحة (10953,12 هكتارًا) بأهمية نسبية (36,5%) من إجمالي المساحة الزراعية.
أما بالنسبة للإنتاج الزراعي عام 2009م فقد بلغ (286291,6 طن)، أما في عام 2010 م فبلغ (286291,58 طنًا) بانخفاض نحو (0,02 طن) عن عام 2009م.
أما بالنسبة لإنتاج الحبوب فقد بلغ عام 2009م حوالي (5258,6 طن)، أما في عام 2010م فبلغ (5258,6)، أما إنتاجية الهكتار الواحد من الحبوب (1,28 كغ).
أما إنتاج الخضار فقد بلغ عام 2010م (11489,86 طنًا)، وبلغت إنتاجية الفدان في نفس العام (5,03 كغ) للهكتار الواحد، أما بالنسبة للفواكه فقد بلغ الإنتاج عام 2009م نحو (57669,04 طن)، أما إنتاجية الهكتار الواحد (0,20 كغ) للأعوام 2009م و2010م.
أين المشكلة؟
المؤشرات السابقة تعكس تدهور الأوضاع الزراعية في حضرموت؛ فالإنتاج الزراعي متدنٍّ للغاية، وبالعودة إلى تلك البيانات على المستوى العام أو لكل محصول نجد هناك تراجعًا في كل منهما، أو أن هناك حالة ثبات في المساحة والإنتاج في الوقت الذي يزيد فيه حجم السكان. هذه هي المشكلة الغذائية ومكمن الخطر على سكان حضرموت في الحاضر والمستقبل، فالطلب على الغذاء يزيد يومًا بعد يوم بسبب الزيادة السكانية لارتفاع خصوبة المرأة، بينما المساحة والإنتاج في حالة تراجع وثبات.
ماذا لو توقف استيراد الغذاء من الخارج؟!