دراسات
طاهر ناصر المشطي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 8 .. ص 58
رابط العدد 8 : اضغط هنا
تمهيد:
يصادف شهر رمضان من عامنا الهجري الحالي 1439هـ مرور 500 سنة هجرية على القرصنة البرتغالية على سواحل حضرموت، وإحراق (البلاد) حاضرة (رأس باغشوة) العتيقة -الواقعة تحت جبل الرأس من الجهة الشرقية، على الحد الفاصل بين مديرية الديس الشرقية ومديرية الريدة وقصيعر- وترويع سكان البلدات الساحلية، وضربها بالمدفعية، بل ونزول الجنود البرتغاليين -القراصنة- إلى السواحل واختطاف السكان المحليين وحرق ممتلكاتهم، مما أدى بالسكان إلى الهجرة من الساحل نحو الداخل للبحث عن أماكن آمنة للسكن والاستقرار فيها.
ولإحياء هذه المناسبة قمنا بهذه الدراسة الاستقصائية؛ لتقصي الحقائق عن أهمية وتاريخ منطقة (رأس باغشوة) أو ما كان يسمى بــ(رأس المرزبان) وما حولها، منذ العصور القديمة إلى يومنا هذا؛ حيث قمنا بعدة زيارات ميدانية إلى الموقع، والتقينا بعدد من الشيوخ المعمرين المرتبطين بالمنطقة، وبالرجوع إلى مصادر تاريخ حضرموت والجزيرة العربية، فكانت هذه الدراسة المتواضعة التي بين يديك عزيزي القارئ، آملين أن نكون قد وفقنا فيها.
الموقع:
يقع رأس المرزبان (رأس باغشوة) فلكيًا عند نقطة تقاطع دائرة العرض 14 درجة و51 دقيقة شمال خط الاستواء مع خط الطول 50 درجة و10 دقائق و36 ثانية شرق جرينتش. وجغرافيًا يقع على بحر العرب، عند مدخل خليج عدن، ويبعد عن رأس جولدفوي (رأس عصير) على بحر العجم -الساحل الإفريقي- بحوالي 350 كم، وعن جزيرة سقطرى بحوالي 420 كم، ويبعد عن الشحر باتجاه الشرق بحوالي 57 كم، وعن الديس الشرقية بحوالي 21 كم، وعن قريتي (يضغط) و(حلفون) بحوالي 16 كم. ومكانيًا يقع الرأس بين مصب وادي شزوة شرقًا، ومصب وادي ضرغم غربًا بأقصى الركن الجنوبي الشرقي من مديرية الديس الشرقية (شكل 1، 2).
أهمية موقع رأس باغشوة (المرزبان): تكمن أهمية موقع الرأس في الآتي:
باغشوة الشيخ هب للديامين تربيخ
وإن كان شي ليخ قبلك رفع في الصرية[4]
أ- جبل الرأس (رأس باغشوة): وهو عبارة عن كتلة صخرية جرانيتية ممتدة في البحر -هي جزء من الدرع العربي الجنوبي- ذات حافة بارزة شديدة الانحدار نحو البحر يصل ارتفاعها حوالي 50 مترًا.
ب– مصب وادي شزوة (عيص الرأس): يقع إلى الشرق من (رأس باغشوة)؛ حيث ينتهي وادي شزوة بدلتا خصبة؛ إذ يتعرج الوادي فيها خلال مرحلة شيخوخته مرسبًا كميات هائلة من التربة الغرينية، بقاياها اليوم تتمثل في شروج بيت نمير (الطواعرة) الذين كانوا يسكنون حول (الجزلة الطالعية)، و(المحارجة) الذين كانوا يسكنون حول (الجزلة الهابطية)، وشروج بيت يزيد، وامتدادها نحو الجنوب[5].
ج– البحيرة (العيقة): وهي عبارة عن بحيرة صغيرة، ويطلق عليها الأهالي بـ(العيقة)، تعيش فيها بعض الأسماك وكائنات حية أخرى وأنواع من البجع (باسوما) وغيرها، ربما كانت تشكل (خورًا) يصل نهاية الوادي بالبحر.
د– الشاطئ: وهو شاطئ رملي نظيف ذو رمال ناعمة يمتد من (رأس باغشوة) غربًا باتجاه الشرق، ويشكل جزء منه حاجزًا يفصل البحيرة عن البحر، ويواصل امتداده شرقًا باتجاه رأس قصيعر؛ حيث ينتهي هناك.
هـ– الكهوف والمغارات: والتي تكونت بفعل نحت الرياح والمياه الجارية على حافات الدلتا، فأثر النحت المائي على الصخور اللينة التي تم إزالتها، وبقيت الصخور الصلبة التي قاومت النحت بارزة، والتي شكلت هذه الكهوف والمغارات.
هذا التنوع في هذه العناصر أثَّر إيجابيًا على تنوع الأنشطة التي مارسها الإنسان في هذه المنطقة منذ أقدم العصور بين زراعة وتجارة وصيد ورعي… إلخ، ونتيجة لهذا وغيره من العوامل فقد تكونت عدة مستوطنات بشرية منذ فجر التاريخ في هذا النطاق الجغرافي ما زالت آثار بعضها باقية إلى يومنا هذا، لعل أكبرها (مستوطنة البلاد).
المراحل التاريخية لرأس المرزبان (باغشوة):
يمكننا تصنيف مراحل الاستيطان في رأس المرزبان (باغشوة) إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: الاستيطان في عصور ما قبل التاريخ:
ليس لدينا معلومات كثيرة عن هذه الحقبة، لعدم وجود المصادر، غير أنَّه لدينا حقيقة مهمة وهي إن المنطقة غنية جدًا بآثارها، وخاصة تلك الآثار التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، مما يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن منطقة الرأس وما حواليها من مناطق المشقاص قد استوطنت منذ آلاف السنين.
إن أقدم الآثار التي عثر عليها في منطقة رأس باغشوة (المرزبان) تعود لعصور ما قبل التاريخ؛ حيث عثرت (البعثة الفرنسية) على قطعة من الحجر الرملي ذي الوجه الخشن، مع وجود قاعدة مخصصة للعمليات الهجومية.. (سلاح المهاجم الصلب) عبارة عن فهر بحجم قبضة اليد، وهو بمثابة السلاح الشخصي لإنسان العصر الحجري (شكل 5)، وقد التقطت من على الحافة الشرقية لرأس باغشوة (14,865411 درجة شمالًا/ 50,172175 ° E)[6].
كما تنتشر العديد من مقابر عصور ما قبل الإسلام، وهي عبارة عن مقابر تلِّيَّة على التلال المجاورة للرأس، تصنف بعضها للعصر البرونزي، وبعضها للعصر الحجري الحديث، وربما يرجع تاريخها إلى الألفية الرابعة أو الثالثة قبل الميلاد. وبعضها للعصر الجاهلي قبيل الإسلام. هذه المقابر خير شاهد على الاستيطان في هذه المنطقة (شكل 6، 7)، كما تم العثور على أسلحة حجرية متنوعة، مثل تلك التي عثر عليها في وادي حمم القريب من الرأس (شكل 8)، ومصفوفات حجرية متناثرة هنا وهناك.
وهذه الآثار تنتشر على نطاق واسع في جميع مناطق المشقاص من شرق مدينة الشحر وإلى المهرة بل وإلى ظفار. مما يدل على نشاط بشري واسع منذ أقدم العصور، ومن الملاحظ هنا أن آثار حضارة جنوب الجزيرة العربية أقل انتشارًا مقارنةً بآثار عصور ما قبل التاريخ، وهذا يطرح عدة تساؤلات تحتاج إلى إجابات من قبل علماء الآثار وعلماء التاريخ! لا يتسع المجال هنا لمناقشتها.
المرحلة الثانية: مرحلة (رأس المرزبان) والتواجد الفارسي بساحل حضرموت:
أُطلق على هذا الرأس بـ(رأس المرزبان)، وقد عُرف بهذا الاسم عند الربابنة العرب منذ عصور ما قبل الإسلام إلى القرن العاشر الهجري، جاء في كتاب (القاموس المحيط) للفيروزآبادي (ت 817هـ): ورَأْسُ المَرْزُبانِ: معلم قُرْبَ الشّحْرِ[7]، ومعنى المرزبان: رئيس الفرس. أو الفارس الشجاع المقدم على القوم، وهو دون الملك في الرتبة[8]، أو (حاكم مقاطعة فارسي)، ونسب هذا الرأس إلى (المرزبان بن وهرز) قائد الحملة الفارسية على اليمن، وهو القائد الفارسي الذي ولاه كسرى فيما بعد كعامل على اليمن بعد موت سيف بن ذي يزن[9].
ومنذ الاحتلال الفارسي لليمن وحضرموت وحتى قبيل القرن التاسع الهجري كانت ينسب هذا الرأس للفرس؛ حيث كان يطلق عليها: (رأس المرزبان)، كما كان يوجد نشاط تجاري فارسي كبير في المنطقة، ووجود عدد كبير من الفرس في المنطقة الشرقية لحضرموت، حتى إن ابن المجاور عند وصفه للمنطقة الشرقية من حضرموت في نهاية القرن السابع الهجري قال: »وبهذه الأراضي سبع قرى مقلوبة وتسمى عند الفرس (هوسكان) أي (منكورين)«[10]، فهو يقصد بذلك الطفوح البركانية (الحرات) المنتشرة في المنطقة الشرقية من حضرموت، مثل منطقة المصينعة، والمضي، وعسد الفاية وغيرها (شكل 9)، ويتضح من كلامه أن المناطق التي تقع إلى الغرب من ميناء حيريج العاصمة القديمة لمنطقة المشقاص باتجاه الشحر كان يستوطنها بعض الأقوام من الفرس في نهاية القرن السابع الهجري. وكانوا يطلقون اسم (هوسكان) على تلك الحرات البركانية،وقدكان هؤلاء الفرس على المجوسية. ومثل ذلك ما ذكره عند وصف عدن فقال: تسمى عند الفرس (أخرسكين)، وعند الهنود (سيران)[11].
موقع نزول القوة الفارسية بساحل حضرموت:
جاء في كتاب (مروج الذهب) للمسعودي (ت 346هـ/ 957م): »إن الفرس ركبوا في سفن البحر، وساروا حتى أتوا ساحل حضرموت في موضع يقال له (مَثْوَبُ)، فخرجوا من السفن فأمرهم (وهرز) أن يحرقوا السفن؛ ليعلموا أنه الموت«[12]. فَجَمَعَ إِلَيْهِ سَيْفٌ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْ قَوْمِهِ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ لَحِقَهُ السَّكَاسِك مِنْ كِنْدَة[13]..، ثم ساروا من هناك برًّا حتى التقوا بـ(مسروق)«[14].
ويبقى السؤال: أين يقع هذا الموضع الذي يقال له مَثْوَبُ؟
فالدلائل تشير على أن خط الساحل الذي نزلت فيه القوة الفارسية هو الممتد ما بين رأس باغشوة (رأس المرزبان) غربًا، والذي توجد عليه آثار قلعة قديمة تراقب الخط التجاري البحري من بقاياها (حصاة قورن)، وبين رأس قصيعر شرقًا حيث الميناء التاريخي الشهير القرين، وقرية المخرج حيث آثار موضع (مثوب)، الذي يبعد بحوالي 16 كم إلى الشرق من رأس باغشوة (انظر شكل 10).
اجتهاد الباحث عبدالرحمن الملاحي في تحديد موضع (مَثْوَبُ):
وقد أشار إلى ذلك الباحث عبدالرحمن الملاحي رحمه الله في كتابه (الدلالات الاجتماعية واللغوية والثقافية لمهرجانات ختان صبيان قبائل المشقاص ثعين والحموم) إذ قال: »لعل قائد الحملة الفارسية وهرز قد حط رحاله وألقى مراسيه في حضن جبل (رأس المرزبان) الشاهق، والذي هو اليوم (رأس باغشوة) فأطلق اسم وظيفته عليه، وهي الإمارة، والرأس يقع على الجناح الغربي لخليج واسع، يشكل رأس قصيعر جناحه الشرقي… ومن البديهي أن يكون الخليج على عهد الحملة الفارسية، مكسو الضباب، كثيف الشجر، غزير المياه، فكان بهذه الصفات ملجأ ومحمى استقرت وتجمعت به القوات اليمنية المساندة للملك اليمني«.
ويقول الملاحي أيضًا: »إن موقع قرية مهينم اليوم، نرى أنه الملجأ الذي وصلت إليه الحملة الفارسية، ولنا ما يرشدنا للاعتقاد بأن مهينم وما حواليها بين ميناء قصيعر ومخرج وادي عسد، هو الموقع الذي عرف تاريخيًا بـ(مثوب)، خاصة وأن بهذا الموقع تقوم قرية المخرج المندثرة اليوم ولربما كانت ميناءً بحريًا هامًا«[15].
أسباب اختيار (مَثْوَبُ) موقع نزول القوة الفارسية بساحل حضرموت:
إن اختيار هذا الموقع كمكان آمن لنزول القوة الفارسية رغم بعده الكبير عن هدف الحملة -صنعاء- كان للأسباب الآتية:
وبعد نجاح الحملة، توفر للفرس ما لم يكونوا يحلمون به من السيطرة على مخارج التجارة البرية والبحرية من بلاد اليمن وإليها عن طريق البحر الأحمر والمحيط العربي -الهندي-، وعلى الطرق البرية المؤدية إلى الخليج والعراق من ناحية وإلى الشام ومصر من ناحية أخرى، إلى جانب ما كانوا يسيطرون عليه من تجارة الخليج العربي[17].
سؤال: ما علاقة ما يسمى بـ(حصون الكافر) الموجودة في المنطقة بالفرس؟ ومتى شيدت؟
فمن المستحيل أن يتم بناء هذه الحصون في مدة نزول الحملة الفارسية على ساحل حضرموت؛ لأن الحملة جاءت لهدف واضح، وهو طرد الأحباش من اليمن، وليس من أجل الاستقرار والتجارة، وهذا ما أكده المسعودي حيث قال: »ثم ساروا من هناك برًّا حتى التقوا بـ(مسروق)«[18]. أي إن الفرس ساروا من (مثوب) حتى التقوا بجيش الحبشة بقيادة (مسروق). بمعنى إن القوة التي أرسلها كسرى لمساندة ذي يزن لم تستقر في حضرموت إطلاقًا. ومن المستحيل أيضًا أن هذه الحصون بُنِيَت بعد انتصار الفرس على الأحباش؛ حيث لم يشر إلى ذلك أحد من المؤرخين، ولم تؤيده الوقائع الآثارية لهذه الحصون القديمة جدًا، التي يعود تاريخها إلى عصور حضارة جنوب الجزيرة العربية، أي إن هذه الحصون موجودة قبل نزول الحملة الفارسية وهذا هو القول الأرجح، وهو ما أكده الباحث الآثاري والأنثروبولوجي المؤرخ الدكتور عبدالعزيز جعفر بن عقيل، الذي تتبع هذه الحصون ووجد أنها تقع على خطوط الطرق التجارية القديمة لمملكة حضرموت، والتي تمتد إلى وديان وجولان أخرى، ومنها إلى قارة حبشية، ومنها إلى وادي سناء ونهايته قرب قبر هود، الذي يمكن تجاوزه شمالًا إلى الهضبة فالصحراء الشرقية. وتحصينات قارة حبشية بنيت في القرن السادس -حسب شكل النقوش-.
وفي هذه الحقبة رغم سيطرة الدولة الحميرية واتساعها فإنها كانت ضعيفة المراقبة على خطوط التجارة ومنها اللبان والبخور وغيره. وأخذت واردات ميناء قنا في الضعف وقلَّ الطلب على مادة اللبان بعد انتشار المسيحية في الامبراطورية الرومانية وإن كان ما زال يستخدم. وهكذا وجد التجار وأرباب القوافل طرقًا عديدة للتهريب عبر الساحل الشرقي إلى وادي حضرموت الشرقي شرق تريم، ومن ثمّ بعدها إلى الهضبة الشمالية الشرقية (ثمود)، ومنها إلى وسط وشمال وشرق الجزيرة العربية، وإن مهمة هذه الحصون مراقبة القوافل التي تعمل على تهريب اللبان[19]. وهذا لا يمنع من استغلال هذه الحصون مرة أخرى في العصور الإسلامية المبكرة لحراسة القوافل التجارية من لصوص البر وفرض الضرائب في أثناء الوجود الفارسي بحضرموت.
النشاط الاقتصادي الفارسي في المنطقة في العصور الإسلامية المبكرة:
استمر النفوذ الفارسي على ساحل حضرموت بما في ذلك (رأس باغشوة) ومنطقة المشقاص بعد طرد الأحباش من اليمن، ودخول الإسلام إلى حضرموت.. وقد بقيت جماعات منهم على دين المجوسية، وقد أشير إلى وجودهم في أخبار الفتوح؛ حيث دفع الجزية من أبى منهم الدخول في الإسلام. والظاهر أن هؤلاء كانوا مقيمين فيها من أمد طويل بدليل ورود جملة في أخبار الفتوح تفيد ذلك[20].
وكان أوج نشاط للفرس بساحل حضرموت في عهد الخلافة العباسية، عندما كان الخلفاء العباسيون يعملون على تشجيع امتزاج رعاياهم العرب والفرس بعضهم ببعض في وحدة إسلامية لسانها العربية، واستمر الوجود الفارسي في المشقاص إلى ما بعد القرن السابع، وقد ترك الفرس آثارًا عدة في الحياة البحرية لتلك العصور[21]؛ حيث كثير من المصطلحات التي نستخدمها اليوم في لغتنا الدارجة أصلها فارسي ومن هذه المصطلحات على سبيل المثال: البندر، الدُّفْتَر، الخن، النوخُدة، السَّنْبُوق[22]، وغيرها.
توجد دلائل كثيرة على نشاط فارسي كبير جدًا في منطقة المشقاص في العصور الإسلامية المبكرة، ويتمثل في النشاط الصناعي والزراعي كمثال منطقة يضغط (الجربة)[23] حيث آثار صناعة الخزف والزجاج وآثار قنوات الري والحواجز المائية، أما النشاط التجاري فيتمثل من خلال شبكتين تجاريتين عظيمتين شبكة برية وأخرى بحرية ترتبطان ببعضهما البعض.
أولًا: الشبكة التجارية البرية:
وهي التي تربط ساحل حضرموت بالطرق البرية في الجزيرة العربية، وما يتصل بها من طرق برية أخرى، وهذه الشبكة هي امتداد لشبكة الطرق التجارية القديمة لحضرموت، وتقع في مناطق إنتاج اللبان الرئيسة بحضرموت، وقد استخدمت قديمًا في حقبة الممالك القديمة لمراقبة تجارة اللبان، واستخدمت في حقبة الوجود الفارسي لحماية القوافل البرية من لصوص البر وربما لفرض الضرائب، ومن الدلائل على هذه الشبكة التجارية ما يطلق عليه اليوم بـ(حصون الكافر)، وهذ التسمية تشير على أن القائمين عليها في العصور الإسلامية المبكرة ليسوا بمسلمين بل (مجوس) أي كفار، ومن هذه الحصون:
• حصن الكافر (شروان): بمنطقة معبر على ربوة بمدخل القرية.
• حصن الكافر (تنشوه): ويقع شمال شرقي قرية معبر.
• حصن الكافر (شقبون) وادي عسد الجبل (انظر الشكل 11).
• حصن الكافر (سول) بوادي رغدون.
• حصن الكافر (حلفون): يقع شمال غرب قرية حلفون (انظر الشكل 12).
وغيرها من الحصون.
ثانيًا: الشبكة التجارية البحرية:
وهي التي تربط ساحل حضرموت بموانئ المحيط الهندي وشرق أفريقيا والبحر الأحمر، ومن الدلائل على هذه الشبكة (ميناء شرمة التاريخي)، الذي أنشأه تجَّار تعود أصولهم إلى الخليج الفارسي؛ حيث أُسس عند نقطة تقاطع خط سير رحلاتهم البحرية التجارية، وذلك بعد خراب ميناء سيراف، ميناء إيران الرئيس بسبب زلزال عام 977م (367هـ)[24]، كما أكدت ذلك نتائج التنقيبات الأثرية لميناء شرمة من قبل البعثة الفرنسية برئاسة الدكتورة أكسيل روجيل، وذلك بتتبع الصادرات والواردات من وإلى ميناء شرمة. وكما أكدت ذلك أيضًا المسوحات الأثرية في (الجربة) بضواحي قرية (يضغط) على وجود آثار لمجمعات صناعية لصناعة الفخار والخزف والزجاج، وأن القائمين عليها هم من الفرس أيضًا، وارتباطها بميناء شرمة التاريخي[25]. (انظر الخريطة شكل 13).
المرحلة الثالثة: مرحلة (رأس باغشوة) ما بعد القرن العاشر الهجري:
أُطلق على (رأس المرزبان) اسم (رأس باغشوة) منذ القرن العاشر الهجري وإلى اليوم، وذلك نسبة إلى الشيخ أحمد بن محمد باغشوة.
يقول الملاح باطايع في مرشدته الملاحية من مسقط إلى بندر المخا:
باغشــــوة الشـــيخ[26] هب للديامين[27] تربيخ[28]
وإن كـــــان شي ليخ [29] قبلك[30] رفع في الصرية[31]
من هم آل باغشوة؟
أخبرني الشيخ صالح بن عبدالرحمن بن عبدالله باغشوة رحمه الله[32] (انظر الصورة شكل 14) أن أصل آل باغشوة من وادي حضرموت؛ حيث يروى عن أجدادهم أن ثلاثة من أجدادهم الأوائل هاجروا من حضرموت الداخل، اتجه أحدهم إلى منطقة (رأس باغشوة) وسكنوا في (البلاد) تحت الرأس، والتي كانت عامرة في تلك الحقبة، وهم يشكلون اليوم (آل باغشوة) ومساكنهم الحالية في حلفون، واتجه الثاني إلى منطقة بروم وهم يشكلون اليوم (آل مزاحم)، واتجه الثالث إلى منطقة زيلع وهم المشهورون (بالزيلعي). والثلاثة هؤلاء بعد وفاتهم كانت لهم مزارات مشهورة وفي كل مزار تابوت، يقصده العامة بالتبرك والزيارة[33]، كما كانت العادات السائدة في ذلك الوقت لجهل العامة.
ولئن كان الأمر كذلك فإن آل باغشوة يرجع نسبهم إلى آل باجابر، وهم مشائخ كانوا يسكنون عندل[34]، ويُزعم أنهم يُنسبون إلى الصحابي جابر بن عبدالله الأنصاري ولا سند لذلك. ويرى بعضهم أنهم من سلالة عقيل بن أبي طالب والله أعلم بالصواب[35].
موقع بلدة (البلاد):
تقع هذه البلدة تحت جبل (رأس باغشوة) من جهة الشرق في سهل منبسط، وتمتد بشكل طولي من جهة الشمال الشرقي باتجاه الجنوب الغربي بمسافة حوالي واحد كيلومتر، وبشكل عرضي من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي بمسافة 400 متر، يحدها من الشرق مصب وادي شزوة، ومن الغرب جبل رأس باغشوة، ومن الشمال قارة صغيرة تسمى (قارة الشِمال) -بكسر الشين- ومن الجنوب البحر العربي. (انظر الشكل 15 الخريطة الجوية لموقع البلاد).
تاريخ مستوطنة (البلاد):
كانت (البلاد) بلدة آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدًا من كل مكان، من البر حيث المزارع والغياض المنتشرة على طول الجزء الأسفل من وادي شزوة لتوفر المقومات الزراعية من تربة خصبة ومياه، ومن البحر حيث النشاط التجاري والسمكي.
وعند قدوم آل باغشوة إليها واستقرارهم حولها نسبت الرأس إليهم لمكانتهم الروحية؛ حيث كان سائدًا في ذلك الزمان بأن تنسب المواقع البحرية لأولياء الله الصالحين، مثل شرمة تنسب للشيخ عمر محضار، والمكلا بندر يعقوب، وبروم تنسب لآل مزاحم، وعدن تنسب للعيدروس… وهكذا[36].
رأس باغشوة والقرصنة البرتغالية:
في نهاية القرن التاسع وبداية القرن العاشر الهجري كانت (رأس باغشوة) جزءًا من دولة حضرموت (الدولة الكثيرية الأولى)، وكان سلطانًا على حضرموت السلطان بدر بن عبدالله بن جعفر الكثيري، المشهور بــ(بدر بوطويرق). وهناك حكام العشائر والقبائل على مناطق نفوذهم. وكانت الدولة الكثيرية، امتدادًا لدولة الخلافة الإسلامية (الدولة العثمانية العلية)، والتي كان يمثلها في ذلك الزمان السلطان سليمان القانوني، الذي كان إذ ذاك ملك الدنيا، ووحيد سطوتها[37].
في هذه المدة ظهر البرتغال كقوة تريد السيطرة على طريق التجارة في المحيط الهندي، فقاموا بمحاولة لاحتلال ميناء عدن عام 923هـ، فشكلت الشحر وضواحيها مصدر إمداد ورافدًا قويًا لصمود مدينة عدن في محنتها بمحاولة البرتغاليين الاستيلاء عليها، فكان انتقام البرتغاليين من مدينة الشحر عام 929هـ ومن ضواحيها، والتي منها (رأس باغشوة).
وفي هذه المدة ظهر البرتغاليون القراصنة، الذين كانوا يغيرون على الموانئ لنهبها وحرقها وإغراق السفن في أعالي البحار والموانئ، ويأسرون البحارة ويبيعونهم بيع الرقيق، ومن أهم الموانئ التي هاجمها الإفرنج: قصيعر، وروكب، وخلفة، وبروم، ورأس باغشوة، وغيرها. وإغراق حوالي 14 سفينة من سفن أهل الحامي التي كانت قادمة من الخليج العربي، وذلك لدور أبناء الحامي في مقاومة الغزاة البرتغاليين على عدن والشحر، واستخدام سفنهم في نجدة إخوانهم[38]. وفي هذه الظروف الصعبة استنجد السلطان بدر بدولة الخلافة العثمانية التي أمدته بالسلاح؛ حيث عرفت حضرموت لأول مرة الأسلحة النارية (بوفتيلة) والمدافع، كما أمدته أيضًا بالرجال.
إحراق البلاد من قبل البرتغاليين:
ذُكرت بلاد (رأس باغشوة) في مصادر تاريخ حضرموت من ضمن البلدات التي تعرضت للتدمير الشامل والإبادة الجماعية من قبل القراصنة البرتغاليين. فقد ذكر المؤرخ محمد بن عمر الطيب بافقيه في كتابه (تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر) ضمن أحداث شهر رمضان من سنة 939هـ (1532م) حركة القراصنة بعد اقتحامهم ميناء بروم؛ حيث قال: »بعد مسيرهم (أي البرتغاليين) من بروم، مروا مكان باغشوة فحرقوه، ونزل منهم جماعة فكمنوا في الساحل حتى مر بهم اثنان من الصيادين فأخذوهم«[39]. وأحرقوا جانبًا من ديار الأهالي المصنوعة من القش، وقتلوا ثلاثة من رجالها، وأسروا اثنين[40].
البلاد (آثار وأطلال):
قمنا بزيارة لموقع (البلاد)، ضمن مشروعنا (كنوز بلادي)؛ وذلك لتوثيق المواقع الأثرية بمديرية الديس الشرقية، برفقة الإخوة جمال سالم قرنح (رئيس جمعية التراث والآثار بالمديرية)، والأخ أحمد كناش النموري، والوالد صالح البخيت كرامة النموري، والسائق الأخ صالح أحمد النموري، وذلك بتاريخ 28 سبتمبر 2013م، وبهذه المناسبة أتقدم بالشكر لآل نمير وفي مقدمتهم الأخ أحمد كناش، الذي أعد لهذه الرحلة وذلَّل جميع الصعوبات. كما أتقدم بالشكر لجميع مرافقينا. وكان من نتائج هذه الزيارة التعرف على بقية الآثار في الموقع، وتم العثور على بعض الملتقطات السطحية، ويكون لدينا تصور عن البلدة.
المواقع الأثرية في بلدة رأس باغشوة (البلاد):
أولًا: آثار المباني المدمرة:
في أثناء زيارتنا لموقع البلدة وتجوالنا بين أنقاض تلك المباني المنهارة تبين لنا آثار الدمار والخراب، الذي حل بهذه البلدة، فقد رأينا أكوام المباني المنهارة، على شكل أكوام من الحجارة المتراكمة والمتناثرة، وآثار الحرائق في جميع مواقع البلدة، فكلما نبشنا التراب في أي موضع من مواضع البلدة نجد الرماد، مما يدل على أن البلدة تعرضت لقصف بالمدفعية الثقيلة، وإحراقها بالكامل، وفرار سكانها، واستشهاد البعض الآخر. (انظر الصورة 16، 17 آثار الدمار والخراب الذي تعرضت له بلدة رأس باغشوة).
لماذا هذا الدمار؟
إن الدمار الشامل الذي تعرضت البلدة، يدل على الحقد الصليبي على الإسلام والمسلمين. قال تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم…) [البقرة: 120]. كما يعد انتقامًا من سكان البلدة الذين تصدوا للهجمات البرتغالية المتكررة على حضرموت خاصة والجنوب عامة ومناصرة إخوانهم سكان مدينة الشحر وسقطرى وعدن؛ حيث تذكر كتب تاريخ حضرموت والشحر عددًا من رجال البحر منهم آل طوعري، والحموم، وبعض قبائل المهرة، ومواقفها الباسلة في مقاومة القرصنة البرتغالية على السواحل الجنوبية.
تصور عن البلدة:
من النظرة الشاملة للدمار يمكن تصنيف البلدة إلى ثلاثة أحياء وهي:
وصف مباني البلدة:
مباني البلدة أساساتها من حجر الجرانيت، وجدرانها مبنية بالحجر الرملي أو الحجر الكلسي (الخرشع)، ومعظم المباني مطلية وملبسة بمادة الجس، لا يوجد أي أثر لأي مبانٍ طينية في البلدة، وجميع المباني مبنية بالحجر المنحوت المنتظم، وهذا يدل على الرقي الحضاري والتطور المعماري للبلدة، ويدل أيضًا على الحياة الرغيدة لسكانها الذين عاشوا حياة فيها نوع من الترف. تنتشر آثار المباني على البلدة ما يقارب من نصف الكيلومتر طولًا، مما يدل على كبر البلدة نسبيًا وكثرة عدد المباني التي تبلغ بالمئات.
ولاحظنا أن مباني البلدة تمتد بشكل عام طوليًا من الشمال إلى الجنوب، مما يساعد تجديد الهواء في المنزل بفعل تأثير نسيم البحر نهارًا ونسيم البر ليلًا، مما يساعد على تهوية وتلطيف جو المنزل طوال اليوم، والغرف ضيِّقة لحد ما، وهي تمتد بشكل طولي والمعروفة محليًا بـ(ضيقة)، مساحتها حوالي (3 × 7 متر)، تختلف المباني من حيث عدد الغرف (الضيق)، فبعضها كبير يتكون من ست غرف، وبعضها أقل من ذلك، وهذه الغرف ملبسة بمادة الجس.
كما توجد آثار لبعض المباني المتناثرة هنا وهناك، ونعتقد أن معظم السكان في هذا النطاق من الطبقات المتوسطة والكادحة كالعمال والصيادين وغيرهم لطبيعة تلك المساكن.
جامع البلاد:
وخلال نزولنا للموقع لم نستطع تحديد موقع المسجد بدقة، إلا أن بعض المعمِّرين من كبار السن ومنهم الشيخ صالح بن عبدالرحمن بن عبدالله باغشوة، والشيخ صالح البخيت كرامة النموري، أكدا لنا إنهما يتذكران آثار سواري المسجد وآثار الحريق والدمار على جدرانه، وأن موقعه شرق الجبل، غير أننا في أثناء نزولنا السريع لم نتبين ملامح المسجد بشكل دقيق بسبب الدمار الشامل للبلدة، وتأثير عوامل التعرية مع مرور الزمن. وهذا يحتاج إلى المزيد من البحث في نزولات قادمة إن تيسرت.
المقابر:
توجد في منطقة (رأس باغشوة) ثلاث مقابر كبيرة، منها مقبرتان قديمتان في البلدة القديمة (البلاد)، والمقبرة الثالثة مقبرة (مول العيقة)، شاهدة على الاستيطان البشري في هذا الموقع. وتفصيلاتها كالآتي:
(1) مقبرة البلاد القديمة:
تقع في الجانب الشمالي الشرقي من البلدة، مقبرة عظيمة، بها مئات القبور ظاهرة للعيان، وهناك مجموعة أكبر من القبور قد اندرست معالمها وأزالتها عوامل التعرية والتجوية، ولم تبقَ منها إلا معالم بسيطة، بها بعض القبور الدائرية الشكل، وهي شاهد على الاستيطان البشري في البلدة في عصور ما قبل الإسلام (العصر الجاهلي)، وبها قبور إسلامية تعود لفجر الإسلام، تتميز تلك القبور بأنها طويلة؛ إذ يصل طول القبر إلى حوالي عشرة أقدام.
(2) مقبرة البلاد الحديثة نسبيًا:
تقع المقبرة شمال البلاد، وهي امتداد للمقبرة القديمة نحو الشمال، أحدث القبور فيها تعود للثلث الأول من القرن العاشر الهجري، أي قبيل إحراق البلدة، بها مئات القبور، وبعضها قد اندرست معالمها بفعل عوامل التعرية والتجوية، إلا إن أكثرها ظاهر للعيان، وكبر المقبرة شاهد ودليل على الاستقرار البشري في بلدة الرأس وكثرة السكان؛ حيث يصل امتداد المقبرتين معًا حوالي نصف كليومتر، هناك بعض القبور المميزة بارتفاعها، والتي نعتقد أنها قبور أولياء وأعيان البلدة، إلا أننا لم نعثر على كتابات على شواهد تلك القبور؛ إذ إن تلك الشواهد قد أزيلت معالمها. (صورة شكل 18).
(3) مقبرة مول العيقة:
هي أحدث المقابر في (رأس باغشوة) تعود إلى حوالي منتصف القرن العاشر الهجري بعد انتقال السكان نحو الداخل قليلًا بعيدًا عن مرمى مدافع السفن البرتغالية، تقع على الضفة الغربية لوادي شزوة أمام العيقة، وهي مقبرة كبيرة جدًا بها المئات من القبور، وبها مزار الولي أحمد بن محمد باغشوة المكنَّى بــ(مول العيقة)؛ حيث توجد غرفة صغيرة على شكل (مربعة)، قد انهارت، ثم رممت من قبل المعلم مبارك عبيد بن حمزة، إلا أنها قد انهارت مرة أخرى[41].
الملتقطات:
في أثناء تجوالنا المحدود بين أنقاض البلدة عثرنا على بعض القطع الأثرية والملتقطات أهمها:
• مجموعة أعضاد وأساور: مصنوعة من مادة شبة زجاجية، وتنتشر بقايا هذه الأعضاد بكميات كثيرة، وهي تشبه مثيلاتها في منطقة الجربة بيضغط.
• قطع فخارية متنوعة مثل شقفات: أزيار، وجحال، وأكواز، ومباخر، وأذن قدر وجرار، وفناجين حيث تتناثر قطع من الفخار وبقايا القدور.
• سيراميك (صين): من النوع الراقي ذي لون أسود لامع وناعم الملمس ومزخرف.
• روث حيوانات (أغنام وجمال وأبقار): في أكثر من موقع، مما يدل على أنَّ الموقع عبارة عن حضيرة أغنام لأحد سكان البلدة؛ حيث يلاحظ أن مجموعة من سكان البلدة كانوا يقومون بتربية الأغنام، لوجود هذه الزرائب ملحقة بمنازلهم. (صورة شكل 19).
خُلْفة تثأر للبلاد: بقتل 7 جنود برتغاليين، وجرح آخرين وتدفع الثمن غاليًا:
جاء في كتاب (تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر) لمحمد بن عمر الطيب بافقيه ص 215 ما يأتي:
تعرض ميناء خلفة لقرصنة من قبل البرتغاليين، وذلك يوم السبت 23 من شهر رمضان سنة 939هـ؛ حيث وصل غراب الفرنجة إلى ميناء خلفة، وصادف طرادًا من زيلع، وأخذ ما فيه من دقيق وغيره، وهرب أهل الطراد إلى البر ومعهم بعض الحوائج والرقيق، فلحقوهم إلى البر وأخذوا بقية ما معهم من ذلك، ورجعوا ثم إنهم توهّموا أن الذين هربوا دفنوا الذهب، فخرجوا في اليوم الثاني ليخرجوا الدفين فكمن لهم جماعة من آل محمد[42] فقتلوا منهم سبعة وجرحوا اثنين، وهرب من سلم منهم إلى البحر، ثم رجع الغراب إلى الهند[43].
وبهذا العمل الفدائي ضد الجنود البرتغالين وهزيمتهم فإن خلفة دفعت الثمن غاليًا؛ حيث دب الخوف بين السكان عندما رأوا مصير البلدات الساحلية التي قاومت المحتل البرتغالي بإحراقها وتهجير سكانها، لذا فقد هاجر سكان خُلْفة والبلدات الساحلية نحو الداخل بعيدًا عن مرمى المدفعية البرتغالية. نحو الغياض التي يتناوب عليها المزارعون والشُرَّاح؛ حيث أنشأوا لهم بعض الأكواخ من سعف النخيل ليكونوا قريبين من مزارعهم، ومن ثم تكاثروا واستقر عددٌ منهم حول معيان الصيق. وبذلك تكونت مستوطنة جديدة هي بلدة الديس الشرقية. ومن أقدم الأسر التي انتقلت من خلفة وسيف مقرة وسكنت بالديس: باهجيرة، وباخبازي، وباعمرو، وباغويطة، وبن جمعان، والخامر، ومحروس، وبن سما، وبامكي، وبن سلومة، وغانم.. وغيرهم[44].
المصادر والهوامش:
[1]– بازار، سالم ربيع سعيد (المهددات والملوثات: مصادرها – وتأثيراتها – وكيفية الحد منها)، ورقة عمل لمشروع المحميات الساحلية بلحاف – بئر علي – بروم – شرمة – جثمون – للفترة من 27 – 29 يناير 2004م، ص4.
[2]– بامطرف، محمد عبدالقادر، الرفيق النافع على منظومتي الملاح باطايع، مطبعة السلام، عدن، ص10.
[3]– كتبت هذه المرشدة سنة 1805م، المرجع: محاضرة مسجلة بالفيديو للأستاذ عبدالرحمن الملاحي ألقيت بالمركز الثقافي بالديس الشرقية بتاريخ 8/ 10/ 2010م، يوم الجمعة.
[4]– بامطرف، محمد عبدالقادر، الرفيق النافع، ط1، ص67.
[5]– مقابلة مع الأستاذ أحمد كناش النموري، باحث مهتم بتاريخ المنطقة.
[6]-Rémy Crassard, Marie-Louise Inizan, Axelle Rougeulle (Sharma Un entrepôt de commerce médiéval sur la côte du ДaḌramawt (Yémen, ca 980-1180). I/1. L’occupation préhistorique, P NO 16
[7]– الفيروزآبادي، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، ط 8، ص89.
[8]– إبراهيم مصطفى، أحمد الزيات، حامد عبدالقادر، محمد النجار، المعجم الوسيط، تحقيق: مجمع اللغة العربية.
[9]– شرف الدين، أحمد بن حسين، اليمن عبر التاريخ، ص156.
[10]– ابن المجاور، جمال الدين أبو الفتح يوسف بن يعقوب بن محمد الشيباني الدمشقي (ت 690هـ)، تاريخ المستبصر، طبعة 1996م، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ص298.
[11]– المرجع السابق، ص129.
[12]– المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص55.
[13]– ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ط1، ج1، ص408.
[14]– المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص55.
[15]– الملاحي، عبدالرحمن، الدلالات الاجتماعية واللغوية والثقافية لمهرجانات ختان صبيان قبائل المشقاص ثعين و الحموم..، ص44.
[16]– علي، جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ط4، ج12، ص268.
[17]– عبدالعزيز بن صالح، تاريخ شبه الجزيرة العربية في عصورها القديمة، ص121.
[18]– المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج2، ص55.
[19]– مقابلة مع المؤرخ ومقتطفات من كتاباته على صفحته على الفيس بوك.
[20]– علي، جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج12، ص268.
[21]– حوراني، جورج فضلو، العرب والملاحة في المحيط الهندي، ترجمه وزاد عليه: د. السيد يعقوب بكر، تقديم ومراجعة: د. يحيى الخشَّاب، مكتبة الأنجلو المصرية، ص199.
[22]– المرجع السابق.
[23]– الجربة: وهي مشتقة من لفظ (الجريب)، والجريب: وحدة لقياس المسافات، وأصله فارسي وهو عندهم مساحة من الأرض تعادل عشرة آلاف متر مربع، اقتبسه العرب منذ بداية العصر الإسلامي مع اختلاف في المساحة، واستخدموه في تحديد مساحات الأرض، فالجريب عند العرب يعادل (1200 م2). وقد يراد به المزرعة، ويسميها الحضارمة: الجَرْب. ينظر: إدام القوت، الهامش ص375.
[24]– أكسيل روجيل، (الحفريات الأثرية في شرمة موسم 2001- 2002م) مجلة (حوليات يمنية)، 2013م، المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية، صنعاء.
[25]– أكسيل روجيل، الطبقات المعاصرة لشرمة: الآنية المزخرفة المنحوتة والخزفيات المزججة الأخرى لتجارة المحيط الهندي (حوالي 980- 1150م)، دراسة أثرية نشرت في (أعمال ندوة الدراسات العربية الـ35، 2005م، ص223-246)، ترجمة: عبدالله صالح النموري.
[26]– المقصود به: ولي الله الصالح الشيخ أحمد بن محمد باغشوة.
[27]– الديامين: جمع ديمان، وهما حبلان تربطان أسفل مؤخرة الشراع.
[28]– تربيخ: ترخي حبال الديمان.
[29]– ليخ: شباك يستخدمها الصيادون لاصطياد سمك القرش (اللخم).
[30]– قبلك: أمامك.
[31]– رفع في الصرية: ادفع بالسفينة صوب البحر مبتعدًا عن شباك الصيادين.
[32]– توفي الشيخ صالح بن عبدالرحمن بن عبدالله باغشوة رحمه الله تعالى فجر يوم الثلاثاء 22 مارس 2016م، ودفن بمقبرة حلفون.
[33]– مقابلة مع الشيخ صالح بن عبدالرحمن بن عبدالله باغشوة بتاريخ 9/ 10/ 2013م.
[34]– السقاف، (مجلة العرب)، ج8، ص526.
[35]– أشار عبدالرحمن بن عبيداللاه السقاف في كتابه (إدام القوت) إلى أن الشيخ مزاحم بن أحمد باجابر قد أتى من منطقة عندل بوادي حضرموت إلى بروم حوالي 1416م (819هـ).
[36]– بامطرف، محمد عبدالقادر، الرفيق النافع، ط1، ص19، بتصرف.
[37]– بن مرعي، سالم بن أحمد، آل كثير، فصول في الدول والقبائل والأنساب، ص87.
[38]– بامطرف، محمد عبدالقادر، الشهداء السبعة، ص109.
[39]– بافقيه، محمد بن عمر الطيب، تاريخ الشحر، ص215.
[40]– بامطرف، محمد عبدالقادر، الشهداء السبعة، ص111.
[41]– مقابلة مع الوالد الشيخ صالح البخيت كرامة النموري.
[42]– وآل محمد: هم قبيلة من المهرة المتحالفين مع السلطان بدر أبوطريرق حيث كانت المنطقة الساحلية تخضع لسيطرتهم.
[43]– بافقيه، محمد بن عمر الطيب، تاريخ الشحر، ص215.
[44]– من الذاكرة الشفهية للكثير من كبار السن منهم الشيخ باصعة وغانم وغيرهم.