مدارات
د. أحمد صالح رابضة
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 8 .. ص 73
رابط العدد 8 : اضغط هنا
لجنة فهرسة المخطوطات وعرضها على شبكة الإنترنت:
بناء على الاتفاقيات المبرمة بين (رئاسة جامعة عدن) ممثلة برئيسها الأسبق الأستاذ الدكتور صالح علي باصرة، و(جامعة أكستر) في بريطانيا ممثلة برئيس (مركز دراسات البحر الأحمر في معهد الدراسات العربية والإسلامية) الدكتور عبدالسلام نور الدين([1])، والدكتور أحمد صالح رابضة كرئيس للجنة فهرست المخطوطات، تشكلت اللجنة برئاسة كاتب هذه السطور بتاريخ 13/ 3/ 2003م، وتم اختيار عناصرها من مجموعة من المدرسين والمهتمين بالمخطوطات والوثائق في مدينتي تريم وسيئون.
واستنادًا إلى أمر تكليف رئيس الجامعة لنا([2]) شرعت في قراءة مفردات المجموعة المكونة من (أربعمائة مخطوطة)، وتبيَّن لي أنها تميزت بالتنوع، وحسن الاختيار، والجودة وتفرَّدت بمحتويات، وموضوعات علمية قيمة في الزراعة، والطب، والحساب، والجبر، والمقابلة وسواها.
واعتمدنا في فهرستها على طرائق التصنيف المعروفة، وتتبّعنا أرقام المخطوطات، ورفوفها وموضوعاتها الخاصة، والعامة ومؤلفيها، وتواريخ ميلادهم، ووفياتهم، وعدد الأوراق، ومضامين المحتويات، وما بها من إحالات وأسماء ناسخيها، وتاريخ نسخها، وعدد نسخها، ومقاساتها، والتشكيل، والتنقيط، والعلامات المائية فيها، وتوصيفها المادي، ونوع خطوطها وأوراقها، ومصادرها، ومحققيها، وما طرأ عليها، وأصابها من هشاشة وتلف في الخياطة، وتأرض واحتراق، وبلل ثم نوعية الورق، والمادة المصنوعة منها إلى غير ذلك.
وتعدَّدت موضوعات هذه المخطوطات ومحتوياتها، منها ما يقع في نطاق الحساب مثل (الإرشاد في معرفة سباعيات الأعداد) لأحمد الحبشي، و(فائدة جليلة تتعلق بجمع المربعات والمكعبات) لأحمد بن محمد باعلوان، و(الأسرار المنطوية في المثلثات المستوية)، و(شرح الياسمينة في علم الجبر والمقابلة) لمحمد المارديني، و(الطريقة الواضحة إلى الجبر والمقابلة) لصالح بن غالب القعيطي، ومنها في علوم الطب، الطب الوقائي، مثل (رسالة في الطب) لمحمد بن عمر بحرق، التي قمت بدراستها وتحقيقها([3])، و(الأدوية المنتخبة والأدوية المجربة)، مجهول المؤلّف، و(الدرة السنية في زبدة الكتب الطبية)، و(الزلال الصافي والدواء الشافي) لعبدالرحمن باكثير، ومن المخطوطات الطبية المفيدة كتاب في الطب، يعالج أمراض الإنسان الجسدية والنفسية، مجهول المؤلف([4])، وتتناول هذه المخطوطة الأمراض التي تصيب جسم الإنسان وأعضاءه وعلاجها، والأمراض وأعراضها وأسبابها.
ومن المخطوطات (تذكرة وأدوية) لمؤلفها علي بن حسن العطاس المتوفى 1172هـ([5])، ومنها في الفلك (الشرك في علم الفلك) لعثمان العمودي، وفي علم المساحة مخطوطات مثل (شرح الأفهام المراحة في رياض الميسر ة والإراحة) لأحمد عبدالله السانة، و(الروضة المباحة لمريدي التفاحة)، وفي التعليم (بشرى الكريم بشرح مسائل التعليم) لسعيد باعشن، وفي أحكام المنشطات (الجواب المحرر لأحكام المنشط والمخدر) لعبدالرحمن بن زياد، وفي التحذير من التمباك (تحذير الإخوان من شرب الدخان) لأبي بكر الأهدل، و(مخرج المتباك من دخان التمباك)، و(تحذير النساك عن شرب دخان التمباك) لعمر محمد باذيب، و(فائدة جليلة في شرب التتن )، وهناك من وقف موقف النقيض من ذلك، فهذا أحمد بن عوض الحضرمي يسمي مخطوطته (تنبيه الغبي الشاك القائل الجازم بتحريم التمباك)([6]) مؤكِّدًا جواز تعاطيه دون حرمة أو كراهة، وفي الأحبار (كيمياء) (نبذة في صفة الحبر وصناعة المداد)، وفي السياسة على غالب الظن (سبائك الأبريز في الرد على الأنقريز) لأحمد بن عمر باذيب، و(السيف البتار على من يوالي الكفار) لعبدالله بن عبدالباري بن محمد الأهدل.
لقد كانت هذه المجموعة المختارة، لا سيما العلمية منها، منتقاة انتقاء نوعيًّا، يقف على أسس ومعايير دقيقة، وللأمانة العلمية فقد كان للدكتور عبدالسلام نور الدين قصب السبق في ذلك وحسن الاختيار، وكان قد زار (مكتبة الأحقاف) في السنوات الماضية، وانتقى هذه المجموعة العلمية التي امتازت بالتنوع والطرافة والمحتويات العلمية القيمة.
وأيًّا كانت الحال، فهي تشتمل، كما ألمحنا فيما تقدم، على علوم شتَّى في النبات، والفلك، والزراعة، والطب، والأغذية، والمقابلة، والجبر، والحساب، والمساحة، وعلوم البحار، والمآثر، والمعالم، والرحلات، والطيور، والحيوانات، والبلدان، والفقه، والتفسير، والتصوف.
وثمة مخطوطات درست وحققت ونشرت من هذه المجموعة وهي (رسالة في الطب) لمحمد بن عمر بحرق المتوفى سنة 930هـ، التي قمت بدراستها وتحقيقها، ونشرت سنة 2010م، وشرعت في دراسة وتحقيق رسالة طبية أخرى حالت الظروف دون إتمامها.
نظرات عابرة في المتون النادرة:
وفي أثناء العمل الجاد في الفهرسة، كنت أجيل النظر في متون بعض المخطوطات، وعلى الأخص، الطبية، ولعلي لا أعدو جانب الحقيقة إذا قلت إن إمعان النظر في المتون أفضل من الفهرسة، فهي قراءات نادرة قد لا تتكرر، ولهذا حرصت على نقل بعض الفقرات الطبية، ففي كتاب الأغذية والأشربة، وهو جزء من مخطوطة (تيسير الأسباب والعلامات في الطبائع والعلاجات) للشارح نفيس بن عوض بن حكيم، وهو مخطوطة كتبت عام 1008هـ([7])، فالحمص الأبيض، وهو حار في آخر الدرجة الأولى، رطب في وسطها وأكله يهيج شهوة الجماع ويزيد في المني ويحسن النوم ويسمن خاصة إذا خلط بالباقلاء، وإذا نقع في الماء وأكل على الريق نَيْئًا يحدث([8]).
واللوبيا تهيج الباءة وتدرُّ البول والطمث وخاصة اللوبيا الحمراء، واللوبيا ليست بصالحة للمعدة بل تغثي، ولذلك ينبغي أن تؤكل بالخل.
وثمة كتاب اسمه (كتاب في الطب) في المعروضات عدد أوراقه 181، ومؤلفه يمني مجهول، بناه على طريقة الجداول، وبطريقة معاصرة حديثة، ويعد من النوادر، والنسخة من مخطوطات القرن العاشر الهجري، وعليها تصحيح وفي صدرها تاريخ 1255هـ.
وهذا نموذج منه على النحو الآتي ورقة 63:
عنكبوت عظم عاج عقيق عسل عشر علك، قيل إن العنكبوت عظم الإنسان، يقوي القلب، ينفع من إذا علق على الرأس، محرق يشفي وينفع من السعال، ينفع من الصداع، من الصرع، الخفقان، البارد المزمن، وإذا طبخ بدهن ورد مشروبًا، يدر البول، وينفع في الأذن سكت وجعها من وجع الركبتين وألمها، ويخرج الشوك، والسلي، ويلحم الجراحات وينبت.
ومن المخطوطات الطبية (الرحمة في علم الطب) -طب شعبي- لمهدي بن علي إبراهيم المقري المتوفى 815هـ([9])، وهي تتناول علم الطبيعة، وما أودع الله فيها من الحكمة وطبائع الأغذية والأدوية، وما يصلح للبدن، وصلاح الأمراض الجامعة بكل عضو، فيضع لك علاجًا لخفة الرأس، وعدم النوم من العسل منزوع الرغوة والسمن، ويصف لك علاجًا للشقيقة بنقع أفيون، وزعفران، ويسحقان بخل وماء وورد وتطلى به الأصداع، ولأوجاع الأذن يؤخذ سليط ويطرح فيه ثوم وفلفل ومصطكى وقرنفل، ويغلى على النار اللينة حتى يزيد زبدًا أبيض، ثم يقطر منه في الأذن فائرًا، ويجعل منه في قطنة.
وألف سلاطين الدولة القعيطية في حضرموت مصنفات عدة وفي مجالات مختلفة، من ذلك كتاب منسوب للسلطان صالح بن غالب القعيطي المتوفى 1375هـ في الرياضيات في حساب المثلثات المعروف بـ(الأسرار المنطوية في المثلثات المستوية)، وفيه جداول وأشكال وكتب بخط نسخي إلَّا أنه حديث عهد، وله كتاب في علوم البحار بعنوان (الملاحة البحرية)([10]) يحتوي على شرح جملة من المصطلحات الهندسية، وشرح مدروس عن الملاحة البحرية، وآخر في الرياضيات بعنوان (الطريقة الواضحة إلى الجبر والمقابلة)([11]).
ومخطوطة (حسن الاختصار بحل سبك النضار نظم نزهة النظار) لعبدالله سعيد باقشير([12])، وهي تتناول علم الحساب من جمع وضرب وطرح وأشكال الأعداد.
وثمة مخطوطات في صناعة الحبر (كيمياء) منها رسالة لطيفة في معرفة عمل الأحبار وتركيبها([13]).
وفي علم الفلك، ثمة مخطوطة بعنوان (نبذة في علم الفلك) لعبدالله بن عمر بامخرمة([14])، تناولت علم النجوم والمواقيت، وقسمه على أربعة فصول، ومثلها (جدولة لمعرفة المواقيت) لعمر بن حسن باهارون([15]).
وعن الزلازل، هناك رسالة صغيرة عن الزلازل عنوانها (كشف الصلصلة عن وصف الزلزلة) لعبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، في أربع أوراق([16])، وتحتوي على بعض الأذكار والأوراد التي تقال عند وقوع الزلزلة، وذلك في الورقتين الأولى منها، وفيما تلا ذلك ذكر للزلازل التي حدثت من هلاك قوم شعيب وحتى عام 881هـ، وكل حادثة مؤرخة بالعام الهجري.
العلاجات الشعبية للأمراض العصرية:
لقد استفاد الأقدمون والمحدثون من معطيات هذه المخطوطات، وفي الأخص، الطبية في علاج الكثير من الأمراض والعلل، وقد تتبعت هذه العلاجات في أثناء دراستي وتحقيقي لمخطوطة (رسالة في الطب) للعلامة محمد بن عمر بحرق المتوفى سنة 930هـ([17])، وقد برز عدد من الباحثين -لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الواحدة- اعتنوا بهذه الدراسات، يحضرني منهم الساعة الباحث المجتهد عادل حاج باعكيم من أهالي مدينة الشحر، الذي حقق نموذجين من هذه المخطوطات الطبية في غالب الظن، وأهداني إحداهما وهي (مجربات باهرمز) في الطب الوقائي.
ومن العلاجات في تريم وحضرموت بعامة، استخدام الأهالي قهوة اللوز الصنعاني، بدقه وطحنه وغليه وشربه كقهوة تعالج الأرق، كما يعدّون زيت القرع (الدباء) الذي يزرع في تريم ويباع في أسواقها، علاجًا للمصاب بالأرق، وذلك بدهن الرأس به، وطريقة استخلاصه على حد تعبير الراوي (يشخونه)، أي يقطعونه ثم يغلونه من غير وضع الماء فيه، ومما يدل على نضجه فإنهم يضعون خوصه في الزيت، فإذا اشتعلت، فهذا يعني أنه أصبح زيتًا يدهن به الرأس.
ويأكل بعض الناس الخس؛ لأنه يجلب النوم ويزيل السهر والوسواس، وماؤه ينفع من الصداع، ويذكر صاحب (فوائد في الطب من حلية البنات والبنين) لمحمد بن عمر الحداد([18]) أن الزبدة إذا دهنت بها (المرة)([19]) المرأة بعد طهرها، أسرع الحمل لها مجرب صحيح على حد تعبيره، وأنبأني أحد المشاركين في لجنة الفهرسة أن بعض الأهالي يعتقدون بصحة ذلك.
ولوجع الأسنان والضروس، يسحق فلفل وثوم مع لباب خمير الحنطة، ويضمد به موضع الضرس، وإذا تآكلت الأسنان، أو تحركت يكون علاجها بدق العفص، وثمرة الورد والكركم دقًّـا ناعمًا، ويعجن بخل ويضمد به أصول الأسنان فإنه يقوِّيها.
دعوة قديمة حديثة:
كنا قد ألمحنا في كثير من المقالات الصحفية، منذ عقدين من الزمان، إلى ضرورة تحقيق المخطوطات والنصوص والرسائل الخطية العلمية في العلوم النظرية والتطبيقية، وإدراج مادة تحقيق المخطوطات في مناهج الدرس الجامعي، وعلى الأخص، في مساقي الماجستير والدكتوراه، فكثير من الرسائل والمخطوطات العلمية في مجالات الطب والفلك والرياضيات والجبر والمقابلة والكيمياء وعلوم مختلفة أخرى تحتفظ بها مكتبة الأحقاف، ومكتبات أهلية كثيرة في حضرموت وسواها لم تحقق ولم تدرس الدراسة المنهجية، وهي في مسيس الحاجة للعرض على مجهر الفحص العلمي المنهجي ومعرفة محتوياتها، فقد دأبت مراكز البحث والأكاديميات العلمية في العالم العربي والإسلامي، بما في ذلك كليات الطب والهندسة والاقتصاد وسواها على تحقيق المخطوطات المتعلقة بكل تخصص في هذه الكليات، وقد لمست ذلك في مشاركاتي في مؤتمرات تاريخ العلوم عند العرب التي عادة ما تعقد في بلاد الشام (سوريا) وبلدان أخرى، فوجدت الطبيب يدرس ويحقق المخطوطة الطبية، والمهندس في كلية الهندسة يحقق مخطوطة في مجالات المعمار والمآثر التاريخية، وأستاذ الرياضيات يحقق مخطوطة في الجبر والمقابلة، وأستاذ الكيمياء يحقق مادة أو نصوصًا أو رسالة كيميائية في صناعة الحبر والأحبار إلى غير ذلك، ووجدت حركة علمية زاهرة في الجامعات العربية ومراكز البحث العلمي تبدو ثمارها جلية في معارض الكتب التي تضم أعدادًا كبيرة من المخطوطات العلمية المحققة، أما نحن، فمعظم أطاريحنا يكرِّر بعضها بعضًا، هذا لمن يمعن النظر في إحصاءات الأطاريح للأعوام الماضية والحالية، فلا جديد ولا جدة، حشو ونقول واقتباسات غير منضبطة لا طائل تحتها، ثم يمنح الطالب في آخر المطاف درجة ممتاز (امتياز) كقاعدة أساسية متبعة اليوم في الجامعة، ولهذا فإننا ندعو مجدَّدًا إلى إبراز هذا التراث العلمي، الذي نؤكد غير مرة أنه لم يدرس دراسة أكاديمية، بيد أنه طبع بغثه ورثه لاعتبارات تجارية أو فئوية أو مذهبية ليس إلا، ندعو رئاسة الجامعة -جامعة عدن- إلى إصدار قرار تشترط فيه الجامعة لمن يتقدم لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه من دراسة وتحقيق مخطوطة في العلوم النظرية أو التطبيقية استكمالًا للرسالة المزمع تقديمها للأقسام العلمية.
إننا نعلم علم اليقين أن هذا المشروع سيقابل بالرفض، وسيقف منه بعض الأساتذة والمدرسين، وطلاب الدراسات العليا، موقف الحذر والحيطة وربما الرفض والنقض لأسباب وحجج واهية منها أن هذه المخطوطات طبعت ونشرت، ونحن لا ننفي صحة ما ذهبوا إليه، خاصة أننا هجرنا هذا التراث وجعلناه نهبًا للعبث والأرضة، بيد أننا نؤكد أن ما طبع لم يدرس ولم يحقق البتة، بل نشر بغثه ورثه، وربما زاد النسَّاخ عليه ما لم يكن منه، فمعظم ما طبع منه، وهو قليل، ونادر الوجود، لا يعدو أصابع اليد الواحدة، ومع ذلك لم نقف إلا على النزر اليسير منه، ويوصي بعض الاختصاصيين في علم تحقيق النصوص، والحال هذه، بدراسة وتحقيق ما طبع خلوًا من التحقيق، وإذا لم تتوافر نسخ مماثلة منه، فالأجدر بنا دراسة المخطوطة ومطابقة محتوياتها بالعلوم الحديثة، إذا أمكن ذلك، فهذا مسعى حميد في كل الأحوال، وإن لم يعد من صلب التحقيق، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تظل أطاريح رسائل الماجستير والدكتوراه على هذه الشاكلة التي تسوَّدُ اليوم، وعلى وجه الخصوص، في العلوم الإنسانية، فمعظمها اجترار لما سبقها، ونقول لا قيمة لها البتة.
كما تكتظ مراكز الوثائق في بلادنا بأعداد كبيرة ومتعدِّدة من الوثائق، أبرزها أرشيف عدن في فترة الإدارة البريطانية على سبيل المثال، فلم نطلع على رسالة علمية واحدة تناولت هذا الأرشيف أو جانبًا منه تناولًا منهجيًا أكاديميًا، فالكلُّ ينأى بنفسه عن هذين الاتجاهين، المخطوطات والوثائق لصعوبة الخوض فيهما، ويميلون ميلًا شديدًا إلى الأطاريح الجاهزة والنصوص المجمَّدة، التي يسهل اقتباسها، وهي لا تغني ولا تسمن من جوع.
ومن نافلة القول أن نعيد ما ذكرناه في عقود مضت من أن إغفال الجامعات وجامعتنا على وجه الخصوص، للعلوم النظرية والتطبيقية في متون المخطوطات والوثائق، وهما ركيزتا الحضارة والتمدّن في الشعوب، لأمرٍ لا ينبغي السكوت عنه طويلًا، فالتحديث يقتضي ذلك في العلوم الإنسانية بخاصة، ولهذا يجب أن نذكِّر به دائمًا، وأن نطيل الوقوف أمامه، ونعالجه بكل ما أوتينا من قدرات وإمكانات متاحة؛ ذلك لأن مخرجات التعليم الجامعي العالي تميل إلى الانحطاط والانهيار، إذا ما قارنَّا مخرجات التعليم العالي في بلادنا بمخرجات التعليم العالي في الأردن والعراق وسواهما، ونزعم أننا في مسيس الحاجة إلى تغيير وتطوير النظم العلمية في مساقَيْ الماجستير والدكتوراه، على شاكلة النظم الأردنية والعراقية والسورية على سبيل المثال لا الحصر، وليس هذا الأمر بدعًا أو غريبًا في العمل الأكاديمي، فالجامعات العربية في الأقل، تشهد تطوُّرًا علميًّا ومنهجيًّا، رغم المصاعب والمعوقات ؛ لأنها وقفت على أسس متينة، فتطورت مناهجها الأكاديمية.
ولعلنا لو وقفنا على لائحة تقويم أداء عضو هيئة التدريس في جامعة عدن لسنة 2010م([20])، الذي أثير حولها لغط كثير لا مسوّغ له البتة، أثاره لفيف ممَّنْ لا صلة لهم بالعمل الأكاديمي الهادف إلى تطوير الجامعة، لو أننا عملنا بها سنتئذ أو بالخطوات الأولية فيها في أدنى حدودها، لشهدت جامعة عدن، وهي من الجامعات العريقة في بلادنا، تطوُّرًا ملحوظًا في الأداء الأكاديمي خلال السبع السنوات الماضية، ولنبذنا القاعدة التي باتت سائدة اليوم المتمثلة في الامتيازات الجوفاء.
وحريٌّ بنا والحال هذه أن نتحلى بالدقة في اختيار الكفاءات العلمية العاملة في الحقل الأكاديمي، التي يجب أن تتمتع بالقدرة والدراية والخبرة فيما ترغب فيه من تخصصات قبل ولوجها أبواب الماجستير والدكتوراه، وليس فيما نقول مطعن لطاعن أو إساءة لأحد، بل هو طموح في الرفعة والعلو، وعناية فائقة بالعلم، وأخص بالذكر التراث العلمي الذي تزخر به مكتباتنا الخطية، والذي نال قسطًا وافرًا من الصد والإهمال، في حين اعتنى به الأجانب، وكانوا سبّاقين فيه لحيازة الفضيلة وإبرازه إلى حيز الوجود، لأن هؤلاء قبل أن يقفوا على أسس البحث العلمي، ويمتلكوا أدواته، كانوا منشغلين بالدرس ومحبِّين للبحث، ولهم مهارات وممارسات ودربات سابقة فيه، وهي ظاهرة قلَّما نلمسها في الزخم الوظيفي المتنامي في جامعاتنا، والهادف للأسف إلى امتلاك ناصية الشهادات فحسب، ولا يغرب عن ذي مسكة في العلم، قلَّت أو كثرت، خطأ هذا المنحى، وضعف هذا المسلك، الذي يورث المزيد من الضعف في التعليم الجامعي.
واستشعارًا بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا تجاه الأجيال، فقد أدرج مركز الرشيد للتدريب والدراسات في خطته العلمية لسنة 2017م دورة تدريبية لتحقيق المخطوطات، وكان كاتب هذه السطور هو المشرف والمدرب والمحاضر فيها بتكليف من قبل رئيس مركز الرشيد، رئيس مجلس الأمناء الأستاذ الدكتور صالح علي باصرة، وذلك ابتداءً من يوم السبت 1 أبريل حتى الثلاثاء 30 مايو 2017م، قدمت فيها جملة من المحاضرات تركزت في ثلاثة محاور:
المحور الأول: الجوانب النظرية في التحقيق وطرائقه.
المحور الثاني: التحقيق العملي.
المحور الثالث: تجارب عملية في تحقيق النصوص.
وقد آتت الدورة ثمارها.
بقي لنا في الختام أن ندعو جامعة عدن منفذة (مشروع فهرست مخطوطات الأحقاف وعرضها على شبكة الإنترنت لسنة 2003م)، والجامعات اليمنية، ومراكز البحث العلمي أن تسهم في تصوير هذا الكم من المخطوطات العلمية وقدرها أربعمائة مخطوطة من القطع الكبير والصغير والرسائل والمجموعات، وفق طرائق التصوير الحديثة، وعرضها على شبكة الإنترنت؛ كي تكتمل الفائدة ويتمكن الباحثون والمحققون وطلاب الدراسات العليا في مساقَيْ الماجستير والدكتوراه من الاطلاع عليها وتصويرها ودراستها وتحقيقها.
تجدر الإشارة إلى أن رئيس مركز الرشيد قد بذل جهودًا بهدف تصويرها وعرضها على الشبكة، بيد أن العمل يتطلب ميزانية خاصة لا تقوى على تنفيذها إلا الجامعات ومراكز البحوث والوثائق والمخطوطات وهذا لم يتأت بعد.
[1] – ينظر: اتفاقية فهرست المخطوطات، وثيقة مؤرخة 10/ 3/ 2003م.
[2] – وثيقة مؤرخة 10/ 3/ 2003م، المرجع (100/ 1/ 2/ 1).
[3] – ينظر: الطبعة.
[4] – رقم المخطوطة 247.
[5] – رقم المخطوطة 2458.
[6] – رقمها 3077، الرف 2، الخزانة 3.
[7] – مجموعة آل يحيى 67، طب، تريم.
[8] – لعل المراد يسهل.
[9] – رقم المخطوطة 2462.
[10] – رقم المخطوطة 2518، رقم الرف 1، خزانة 24.
[11] – رقم المخطوطة 2505.
[12] – رقم المخطوطة 2510، الرف 4، الخزانة 24.
[13] – رقم المخطوطة 2490، الرف 3، خزانة 24.
[14] – رقم المخطوطة 2560، رقم1، خزانة 15.
[15] – رقم المخطوطة 2547، الرف1، خزانة 25.
[16] – رقم المخطوطة 2626، الرف 5، خزانة 25.
[17] – لمن أراد الاستزادة فليرجع إلى دراستنا وتحقيقنا للمخطوطة، طبعة مطابع الإبداع، عدن 2010م.
[18] – رقم المخطوطة 2467، الرف 1، خزانة 24.
[19]– كذا في الأصل وهي عامية.
[20] – الصادرة عن مركز التطوير الأكاديمي، سنة 2010م.