مدارات
د. عبدالباسط سعيد الغرابي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 8 .. ص 89
رابط العدد 8 : اضغط هنا
ولد الشاعر الغنائي محمد عبدالله الحداد في عام 1947م بمدينة الديس الشرقية.
تربى وعاش في كنف والده العلامة والقاضي عبدالله محفوظ الحداد الغني عن التعريف، ترعرع الحداد في أسرة معروفة بحب العلم وقول الشعر.
أنهى تعليمه الابتدائي في عام 1960م بـ (المدرسة الغربية) بمدينة الديس الشرقية.
انتقل بعدها إلى الشحر لتلقّي تعليمه المتوسط بالمدرسة الوسطى بالباغ.
كانَ متفوِّقًا في تعليمه، ولتفوُّقه التعليمي تحصّل على منحة دراسية لاستكمال دراسته الثانوية، وتحصل على الثانوية العامة في القسم العلمي من ثانوية الشويخ بدولة الكويت سنة 1969م.
وفور عودته إلى مسقط رأسه من الكويت بعد تخرُّجه فيها عمل بسلك التدريس بمدرسة الحامي، ثم انتقل في عام 1970م إلى مدرسة الحافة بمديرية الريدة وقصيعر.
غيرَ أنّه لم يلبثْ كثيرًا حتى حصل على منحة جامعية لمواصلة التعليم الجامعي، فدرسَ في جامعة عدن، ثمّ نال شرف أول دفعة بجامعة عدن (كلية التربية بخو رمكسر) تخصص كيمياء ـ أحياء، ونال شهادة البكالاريوس سنة 1974م. وبهذه الدرجة عُيِّن معلّمًا بثانوية المكلا.
في عام 1981م انتقل إلى ثانوية الديس الشرقية ثانوية الصديق حاليًّا في ضمن أول هيئة تدريس لها وظلّ معلّمًا لمادتي الأحياء والكيمياء حتى تقاعده عن العمل سنة 1999م.
وافاه الأجل يوم الأربعاء الحادي عشر من مارس من عام 2015م.
الحداد الشاعر:
انطلق صدى صوت الحداد مدوِّيًا شاعرًا غنائيٍّا من خلال روائعه الغنائية التي جاءت كانطلاقة لمولود جديد في سماء الشعر الغنائي الحضرمي، وخصوصًا بعد رائعته الشهيرة ( يا ساهر الليل )، فقد جعلت الساحة الفنية في حضرموت تلتفت إلى هذه الموهبة المتميّزة وتعطيه الكثير من الاهتمام، وتتابع كلّ ما يصدح به الفنانون من قصائده الرائعة، التي سجّلت حضورًا في الذاكرة الفنية، وخصوصًا اللون الغنائي الحضرمي الديسي الذي جاء امتدادًا لشعراء الأغنية الديسية من مؤسسها الشاعر والملحّن سعيد يمين عبدالله بايمين مرورًا بالملحّن سالم سعيد جبران، والأستاذ أحمد محفوظ الحداد، والموسيقي الملحّن عبدالله حسين الطفي، وسالم محمد مفلح (أبو راشد ) وغيرهم.
مساجلات الدان:
الشاعر الحداد ابن بيئته، التي اشتهرتْ وعُرِفَتْ بتراثها الأصيل في مختلف أطياف الدان الحضرمي والرقص الشعبي، وخصوصًا دان رقصة الهبيش أو الحفة.
بطبيعة الحال كانتْ مساجلات دان الحفة تجذب كلّ شعراء وادي عمر؛ لما تمتلكه من خصوصية نابعة من طبيعتها الخلابة من سواحلها الفضية من شرمة والقرن ويثمون، ومن وديانها الواسعة حمورة ويموان وقصماي، ومن جبالها الشاهقة وأكواتها وحصونها الأثرية، ومن ينابيعها المختلفة الصيق، والعارة، والعيينة، وصنعه. من تلك الربوع كانت تقام المساجلات الشعرية، تكاد لا تخلو ليلة من الليالي المقمرة من مساجلات هذه الرقصة في خليف الصفر ووادي حبيب في الاحتفالات العامة والخاصة، في الزيارات والحراوات (الأعراس)، فهي تسجّل حضورها بقوة، فيرتادها كبار شعراء حضرموت من أبناء الديس الشرقية من أمثال سعيد باجعالة، وعوض وسعيد أبناء عبيد بامطرف وقد عرفا بأبناء طيور، وعبود ريحان، وسعيد عمرو الغرابي المعروف بابن عسيمة وغيرهم الكثير.
وما هؤلاء الشعراء إلّا أمتداد لشعراء عرفتهم حضرموت وتميّزوا بهذا اللون من أمثال الشاعر عوض عبدالله بن سبيتي، وعلوي عبدالله المقدي، وعبدالله سعيد باعمرو، وعبدالله محمد بن سلم، وفرج باجعالة وغيرهم.
بالإضافة إلى مغنيي الدان المتميزين من أمثال سالم أبوبكر المقدي، وفرج سعيد مفلح، وصويلح بن حمزة، وسبيت بازهير، وسعيد سالمين الوعل، وسالم سعيد بن زغيو، وصبيح الغرابي وغيرهم الكثير. كما أنّ الديس الشرقية في ذلك الوقت كانت مقصد الكثير من شعراء حضرموت ومسرحًا لسجالاتهم ومساجلاتهم الرائعة من أمثال الشاعر حسين المحضار، والشاعر والملحّن عبدالله عمر سواد، والشاعر سعيد حمود …. إلخ.
كل هذه الخلفية رُسِّخَتْ في الذاكرة التاريخية للديس الشرقية، وجعلتْ من الحداد عاشقًا مُتَيَّمًا حتى النخاع لرقصة الهبيش وشعرائها وكلّ شيء متعلق بهذه الرقصة الجميلة، فهي النبع الذي لا ينضب، وهي ميدان الرهان لكل شاعر أراد أن يسجل اسمه في صفحات تاريخ الرقصة، فلها بريقها الجذاب الذي جعل الحداد يقتحم محرابها، ويخوض يمَّها بكل جدارة وثقة، فكان له ما أراد، فأصبح من أبرز شعرائها، ونِدًّا يُحْسَب له ألف حساب في مساجلات دان الهبيش.
وفي سجل تاريخها الناصع استطاع الحداد أنْ يكوِّن ثلاثيًّا رائعًا في السبعينيات والثمانينيات إلى التسعينيات من القرن الماضي مع الشاعرين سعيد سالم باجعالة، والشاعر عبدالله محسن الحويري، واستطاع هذا الثلاثيُّ الرائع أن يقدِّم أجمل المساجلات الرائعة، التي ما تزال يستذكرها الرواة ويتناقلها هواة الدان الحضرمي.
وقد وصفهما أحد الشعراء حين قال :
با يطيب السمر للوحيري حضر في سعفته خو حسن
يا المغني نهـم شل صوتك ولا يحلا لك الليل
وعندما نستذكر ما دوّنه الرواة في ذاكرتهم، وما سجّله المدوِّنون في مذكراتهم من هذه المساجلات فهي كثير غيرَ أنَّنا نأخذ هذه المساجلة التي حدثت وقائعها في السبعينيات من القرن الماضي في منطقة حضاتهم بمديرية الريدة وقصيعر يقول فيها:
الحداد :
بركة المحلة في حضاتهم
البن آدم حيت ما يحب قلبه يحل
أيش يبغي الواحد
لا با يحصل وقر للرأس وكنان
سعيد بامطرف (بن طيور) :
نا سري ودحق مهاشم
ما تنشّد عا الحذاء عا القدم يا هبل
نتسمّع الراعد
ونسمع حنين البل والقعدان
سعيد با جعالة :
يا المطرفي لك قلب ظالم
لا حسبنا كل ظالم با ضرب بك مثل
ما تأمن الشارد
كمين خيفان منك ما لحق مان
الحداد :
يا باجعالة لا تهاجم
ذا جبل سدك ولا حد يناطح جبل
أحسن وقع واهد
وشف نهشت الذئب ما هي نطحة الضان
سعيد بامطرف :
هذا الجزاء يا ود سالم
لي حصل منك بسد العدو يا النغل
عا تكدر المورد
لا با يردن النشر لحقوك شيطان
كان الحداد كثير الحضور في مساجلات الدان وخصوصًا فيما بعد التسعينيات، ففي هذه المرحلة ساجل العديد من الشعراء من أبناء الديس الشرقية من أمثال: سالم عمرو الغرابي الشهير بالعكر، وسعيد سبيتي، وطالب حسين المقدي الشهير بـ (أبوظبي)، ومحمد حسن الشنيني، وأحمد عوض الشنيني، وسعيد لحونة، وحاج باغويطة، وعبدالصمد باوزير وغيرهم الكثير.
كما ساجل الحدّاد شعراء من حضرموت من خارج المديرية من أمثال عبيد باجراد، وسعيد بلكديش، وحسن مصبح الجمحي، وثابت السعدي، وعبيد باجراد، وسعيد القبيلي وغيرهم الكثير.
ومن هذه المساجلات التي حدثت وقائعها عام 1994م بمدينة الشحر يقول فيها الشاعر عبيد باجراد:
جيت وقت السمر وبلغت ماجوبي
وأنت كما ما خلفت وعدك وسعيد كل من حضر
ولعاد بانسأل على الغائب
ولي حضروا معانا يسمرون
المحضار :
إن معك لي عسل نبغاه من نوبي
بافرح إذا مديت يدك لو جات أربع قطر
نا وياك بانذكر الصاحب
ولا با ينتسي صاحب ولا مضنون
محمد بن شحنة :
يومنا ما قدر شديت مركوبي
با عطيك مقدارك وعزك ما نسيت كلما عبر
ولعاد با قاضي وبا حاسب
ونا إلا زين ليهم يحسبون
المحضار :
كل من جاء صبن عا حجرة الذوبي
والبز من كاكي ومن دك وأيش با يذوب الحجر
ما شيء انقلب في صاحبك قالب
يسكتون العرب وإلا يصيحون
باجعالة :
خلنا خلنا يا عبيد بعيوبي
ما بغيت شيء من مال جدك خليه لك يندخر
ما حد مع المغلوب عالغالب
وأن بغيت الصدق وسط الطين مدفون
باجراد :
السرين انطوت ما شلت إغروبي
تبكي الدمع ما أنته لوحدك صابر وعادك صبر
لي من صلاة الصبح والمغرب
ولا جو ناس فوق البئر يسنون
المحضار :
يوم صوبك إذا تصوبت من صوبي
لا غلطت لازم بانردك لكن حكم القدر
لا قد نزل با وقف كما الحاجب
إذا با يوخرون ما يقدرون
باجعالة :
يوم طربت بك ما سمعت تطروبي
أيش الذي هو قل سمعك لما خذاك الصور
نا نعرفك ما تنفذ الصائب
وغير الشر لي هو من كذاك مسهون
الوحيري :
خط داري معي ما ضاع مكتوبي
وأنته طمع ما كفاك جهدك تصطاد وسط العكر
لما متى يا سعيد نتخاطب
مع من قال لكم رحيب والعون
المحضار :
ليش تحكم وتلقي حكم مقلوبي
وليت وتخطيت وحدك كل من قفز يفتقر
يكويك لأنت بك الحالب
بغاله جبس شف كسرك ومعجون
الوحيري :
أنت يرضيك
والكذب والتزوير سدك كن لا تغض النظر
ما قلت شيء في حق بوطالب
مكانه صاحبي والسر مكنون
باجراد :
كلفونا قطع نخلتي وعلوبي
وأنت صبر عا دوم علبك ما دام عاده خضر
والحكم يمشي لحكم غالب
رضوا وإلا عساكم ليس ترضون
المحضار :
لا تكدر علي اليوم مشروبي
لا كدروا الصبيان شربك والحلو خلوه قر
ولعاد حد با يصلح الخارب
ولا حد هنا في الشحر ينسون
باجعالة :
با نغض النظر لا قدك هبهوبي
ما بمسك بيد وزندك حتى إذا فلت شر
يا حسين نا لي نعرف الواجب
نغض الدف ونحافظ على النون
الحداد :
نا كما الناس بفضايلي وعيوبي
وأنت مع شوكك ووردك مقبول يا بوعمر
أحيان نباعد ونتقارب
ولا شيء طول يتغير في الكون
باجراد :
صبرهم ما يضر قدنا صبر دوبي
ووعودهم من غير وعدك لكننا ننتظر
ومن الدهر قد صابنا الضارب
ولا با شكي وبعض الناس يشكون
المحضار :
عادهم عادهم ما رسلوا لك اللوبي
وأنته كبير وبلغت رشدك فكر ودير الفكر
الحداد :
نا من زمن عا حسب ترتوبي
وأنته تغير لون جلدك وعساك نلت الوطر
دائم مع الأيام تتجاوب
وقادر كل سلعة تنقلب عا لون
ونختتم هذه المقالة المتواضعة عن شاعرنا الكبير بمساجلة من مساجلاته في ليلة سفره لأداء فريضة الحج، يوم السبت الموافق 25/ 1/ 2003م، في بيت صديقه الشاعر عبدالله محسن الوحيري، وكان لي شرف الحضور والمشاركة التي يقول فيها الشاعر سعيد سالم باجعالة:
ذا فصل والفصل الآخر سمر
يا سعيد صوتك يجلي الحزن
ماشي مثيل السلا
يا المحبين يشفيك من هم وأحزان
باجعالة :
للحج قاصد وبايعتمر
يا بخت من زار جد الحسن
رب السماء كافله
با يسافر وبيعود عا جود وأحسان
محمد الحداد :
من سار بايعود بعد السفر
وعسى بعودة لنا للوطن
لعادت القافلة
كل من تأخر بايقفله بقشان
الحداد :
خلي المخالع تحن عالزبر
لا تطفي الكير لقد رشن
وخلها شاعلة
خلها مثل عوضة وصاحبه حسان
عبدالله محسن :
له حظ واقبال سالم عمر
يستبشرو به حلول اليمن
يوصفه من عاملة
بالطافة ويسرى معاهم وليمان
باجعالة :
خلوك في بحر ما شفت بر
ساروا وخلوك أهل السفن
وسفينتك عاطلة
سير بحري مع بن قطامي وسيفان
أبوظبي :
شيء عايسرك وشيء ما يسر
وتكاثر الحقد هو والفتن
وحبالهم خاملة
والدير ضيعوها وسط خور فكان
د. الغرابي :
ما شيء عليهم مخاطر وضر
با تحصل الخير يا خو حسن
وحكمته عادلة
شد باسك وهم شا الوقت قد حان
باجعالة :
صابر على حلو فيها ومر
أرضي ولا منها با ضعن
ولا عاد با ملها
خالنا حل في كهف شاوي وعا ضان
الحداد :
العود لما اشترخ وانكسر
والعائلة تفرقت من زمن
لا تسّعن العائلة
با يردون ما اليوم لآمة كما كان
باجعالة :
كل من يدور على التبر الحمر
بتحصله من بدن لبدن
با يقرب المرحلة
بالسفينة يسير حتى اليابان
د. الغرابي :
ما شيء سوى النار هي والشرر
يا رب عفوك يزيل المحن
والهم لي شائله
رب يا رب فرّج على كل إنسان
الحداد :
لو با تحل في خليف الصفر
ما فيه شيء خير با يستهن
لا عرش بلقيس ولا
لا وسطها عصا موسى ولا كرسي سليمان
باجعالة :
بوظبي بعد الشتات استقر
ولا عاد عا يسير للا الليل جن
عامد في البنقلة
عاشر الأنس بعد العفاريت والجان
د. الغرابي :
شف كل شيء با يجي بالفكر
يا عبيد لا قدك عاقل فطن
لا تعبر الجنبلة
ساير الوقت قبل التهاويل وجنان
الحداد :
قدها مقالة إذا شفت شر
الشر منه تباعد وغن
أيامك المقبلة
با تحسب لها قال حداد حسبان
باجعالة :
أنت وأنا وسط حوش البقر
ما حد بحوش البقر يرتكن
ذا الوقت لا تحل له
يوم خلى العرب تحت حكم المريكان
د. الغرابي :
نا إلا في المان وأنت حضر
يا باجعالة تفضل وكن
رأسك في الفاضلة
يوم عندي وسع للضيف ومكان
باجعالة :
أنت تحارب بمدفع بعر
وقيادتك كل بوهم خيّن
لا جاتك القنبلة
با تروح ضحية وبا تفر دخان