لغويات
أ.د. عبدالله صالح بابعير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 8 .. ص 92
رابط العدد 8 : اضغط هنا
تذكر المصنَّفاتُ النحويةُ أنَّ كُلًّا وبَعْضًا جاءت في فصيحِ الكلام مُلازِمَةً للإضافة، فتُضافانِ إلى الظاهرِ والمُضْمَرِ، فمِنْ إضافتِهما إلى الظاهر قـوله تعالى: ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ [البقرة: 60] وقـوله تعـالى: ﴿يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ﴾ [يوسف: 10] ومن إضافتـهما إلى المضمر قـوله تعـالى: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم: 95] وقوله تعالى: ﴿فَقُلْنا اضْرِبُوْهُ بِبَعْضِها﴾ [مريم: 73]. وتُضافُ (بَعْض) إلى المفردِ النكرة، كقوله تعالى: ﴿قالَ كَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ [البقرة: 259] والمفردِ المعرفة، كقوله تعالى: ﴿لِيُذِيْقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ [الروم: 41] والجمعِ المعرفةِ، كقوله تعالى: ﴿وَأُولُو الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ [الأنفال: 75].
أمَّا (كُلٌّ)([1]) فتُضافُ إلى النكرة، مفردَةً مذكَّرَةً، كقوله تعـالى: ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ﴾ [القمر: 52] ومفردةً مؤنثةً، كقوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِيْنَةٌ﴾ [المدثر: 38]. وتُضاف إلى النكرة مُثَنَّاةً، كقول الفرزدق:
وَكُلُّ رَفِـيْقَيْ كُلِّ رَحْلٍ وَإِنْ هُما تَعَاطَى القَـنا قَوْمَاهُما أَخَـوَانِ([2])
وتُضاف إلى النكرةٍ المجموعة مذكَّرَةً، كقوله تعالى: ﴿قَـدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ [البقرة: 60]، وقول لبيد:
وَكُلُّ أُناسٍ سَوْفَ تَدْخُلُ بَيْـنَهُمْ دُوَيْـهِيَّةٌ تَصْفَرُّ مِنْها الأَنامِلُ([3])
وإلى النكرة المجموعة مؤنَّثَةً، كقول قيس بن ذُرَيْح:
وَكُلُّ مُلِـمَّاتِ الزَّمانِ وَجَدْتُها سِوَى فُرْقَةِ الأحْبابِ هَيِّـنَةَ الخَطْبِ([4])
وتُضاف (كُلٌّ) إلى المعرفة المجموعة، مذكَّرةً ومؤنَّثَةً فيُقال: كلُّ الرجال، وكلُّ الناس، وكلُّ النساء، من ذلك قول جميل بثينة:
فَقَالَتْ أَكُلَّ النَّاسِ أَصْبَحْتَ مانِحًا لِسانَكَ كَـيْما أَنْ تَغُرَّ وَتَخْدَعا([5])
وأكثرُ ما يكون المضافُ إليه ضميرَ الجمع، والخبرُ عنه مفردٌ([6]) كقـوله تعالى: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِـيْهِ يَوْمَ القِيامَةِ فَرْدًا﴾ [مريم: 95] ونُقِلَ عن أبي حيان قولُه: »ولا يكاد يُوجَدُ في لسان العرب: كلُّهُمْ قائمونَ، ولا كُلُّهُنَّ قائماتٌ، وإنْ كان موجودًا في تمثيل كثير من النحاة«([7]) كما نُقِلَ عن ابن السرَّاج امتناعُ إضافة (كُلٍّ) إلى المفرد المعرَّف بالألف واللام التي يُراد بها العموم([8]) ونُقِلَ إضافتُها إلى المفرد العَلَم، نحو: كُلُّ زيدٍ حَسَنٌ، أي: كلُّ جزءٍ من أجزائه حَسَنٌ([9]).
وقد يُقْطَعُ هذانِ اللفظانِ عن الإضافة لفظًا، ولكنها مَنْوِيَّةٌ معنًى عند جمهور النحويين([10]) كقـوله تعالى: ﴿وكُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: 40]، وقول رؤبة بن العجاج:
دَايَنْتُ أَرْوَى وَالـدُّيُونُ تُقْضَى فَمَطَلَتْ بَعْـضًا وَأَدَّتْ بَعْضَا([11])
وعندئذٍ يلحقهما تنوينٌ يُسمَّى تنوينَ العِوَضِ عند أكثر النحويين، في حين ذهب آخَرون إلى أنه تنوينُ تمكين([12]) يقول ابنُ يعيش في هذا الخلاف: »وذلك أن منهم مَنْ جعله تنوين عِوَض كالذي في يومَئِذٍ ونظائره؛ لأن حقَّ هذا الاسم أن يُضافَ إلى ما بَعْدَه، فلمَّا قُطِعَ عن الإضافةِ لدلالة كلامٍ قبلَه عليه عُوِّضَ التنوينَ، ومنهم مَنْ جعلَه تنوينَ تمكين؛ لأن الإضافة كانت مانِعَةً من التنوين، فلمَّا قُطِعَ عن الإضافةِ إليه دخله التنوينُ؛ لأنه اسمٌ مُعرَبٌ حقُّه أن تدخلَه حركاتُ الإعراب والتنوينُ. وهذا الوجهُ عندي الوجهُ مِنْ قِبَلِ أن هذا العِوَضَ إنما جاء في ما كانَ مبنيًّا مِمَّا حقُّه أن يُضافَ إلى الجُمَل([13]) وأمَّا المُعْرَبُ الذي يُضافُ إلى مُفرَدٍ فَـلا«([14]).
أما الصبانُ فيرى أنْ لا مُخالَفَةَ بين القولين (أيْ: بين كون التنوين للعوض أو للتمكين) فالتنوينُ في هذه الكلمات »عِوَضٌ عن المضافِ إليه بِلا شَكٍّ، وللتمكينِ؛ لأنَّ مدخولَه مُعرَبٌ مُنصَرِفٌ«([15]) فقد جاء قولُ الصبان للتوفيق بين هذين القولين([16]).
فهذانِ استعمالانِ مُجْمَعٌ عليهما: استعمال اللفظين مضافينِ لفظًا ومعنًى، واستعمالهما مجرَّدَيْنِ لفظًا من (أل) والإضافة([17]) ولكنَّ الإضافة مَنْوِيَّةٌ في المعنى، وفي هذه الحال يلزم كلٌّ منهما صدرَ الكلام، نحو: كُلٌّ يقومُ، وكُلًّا ضربْتُ، وبكُلٍّ مررتُ، ويقبُح أن تقول: ضربْتُ كُلًّا، ومررتُ بكُلٍّ([18]).
ولِلُزومِ إضافة هذين اللفظين معنًى، كان تعريفُهما بالإضافة عند سيبويه([19]) والجمهور، وخالَفَهما في ذلك أبو علي الفارسي، يقول أبو حيان: »اختلف النحويون في (كل) و(بعض) هل هما معرفتان أو نكرتان؟ فذهب سيبويه والجمهور إلى أنهما معرفتان، تعرَّفا بِنِـيَّة الإضافة؛ لأنهما لا يكونان أبدًا إلَّا مضافينِ … وذهب الفارسي إلى أنهما نكرتان، وألزَمَ مَنْ قال بتعريفهما بنيَّة الإضافة القولَ بأن نصفًا وثُـلُثًا وسُدُسًا معارفُ؛ لأنها في المعنى مُضافاتٌ، وبإجماعٍ مِنَّا أن هذه نكرات، فكذلك (كـل) و(بعض)، فلا تكون الإضافةُ من طريق المعنى تُوجِبُ التعريفَ، ورُدَّ بأن العربَ تحذف المضافَ إليه وتريده … واستدَلَّ أيضًا على تنكير (كل) بقولهم: مررتُ بهم كُلًّا([20]) فنصبوها حالًا، وأُجِيْبَ بأنه شاذٌّ«([21]).
ولأنَّ تعريفهما بالإضافة عند سيبويه والجمهور كما مرَّ آنفًا، ذهبوا إلى أنه لا يجوزُ دخولُ (أل) عليهما؛ لأن إضافتهما محضةٌ، والإضافة المحضة و(أل) لا تجتمعان([22]) هذا إذا كانتا مضافتين لفظًا في حال وقوعهما توكيدًا أو نعتًا([23]) فالتوكيد كقولك: مررتُ بالقوم كلِّهم، والنعت كقولك: زيدٌ الرجُلُ كلُّ الرجلِ. أما إذا قُطِعَتا عن الإضافة لفظًا فمذهب الجمهور عدم جواز دخول الألف واللام عليهما، وعدم وقوعهما حالًا؛ لأنهما معرفتانِ بِنِـيَّة الإضافة، إذْ لا تكونانِ إلَّا مُضافتينِ([24]) يقول ابن مالك: »ولأجل نِيَّة الإضافة لم تدخل عليه الألف واللام إلَّا في كلام المتأخرين«([25]) ويقول السيوطي: »والجمهور أنهما عند التجرد منها معرفتانِ بِنِـيَّتِها؛ لأنهما لا يكونان أبدًا إلَّا مضافين، فلمَّا نُوِيَتْ تعرَّفَ من جهة المعنى، ومن ثَمَّ، أي من هنا، وهو كونهما عند القطع معرفتينِ بِنِـيَّتِها، أي من أجل ذلك، امتنع وقوعُهما حالًا وتعريفهما بأل«([26]) فَعِلَّةُ عدم جواز دخول (أل) على هذين اللفظين أنهما معرفتانِ بِنِـيَّةِ الإضافة، والإضافةُ محضةٌ هنا كما ذكرنا آنفًا، و(أل) والإضافة المحضة لا تجتمعان، فلذلك مُنِعُ دخولُ أداة التعريف عليهما.
ويبدو أن اللغويين مُجْمِعون على أن العرب الفصحاء لم يستعملوا (الكُلَّ والبعض) في كلامهم، ففي تهذيب اللغة: »وقال أبو حاتم: قلت للأصمعي رأيت في كتاب ابن المقفع: (العِلْمُ كثيرٌ ولكنَّ أَخْذَ البعضِ خيرٌ مِنْ تَرْكِ الكل)، فأَنكره أَشدَّ الإِنكار وقال: الأَلف واللام لا تدخلان في بعض وكل لأَنهما معرفة بغير أَلف ولامٍ … قال أَبو حاتم: ولا تقول العرب (الكل ولا البعض) وقد استعمله الناس حتى سيبويه والأَخفش في كُتُبهما؛ لقِـلَّةِ علمِهما بهذا النحو، فاجْتَنِبْ ذلك فإِنه ليس من كلام العرب«([27]) .
وفي مقاييس اللغة: »فأمَّا (كُلٌّ) فهو اسمٌ موضوعٌ للإحاطة، مضافٌ أبدًا إلى ما بعده. وقولُهم: الكُلُّ، وقام الكُلُّ فخطأٌ، والعربُ لا تعرفُه«([28])، وقال الراغب الأصفهاني: »ولم يَرِدْ في شيء من القرآن، ولا في شيء من كلام الفصحاء (الكُلُّ) بالألف واللام، وإنما ذلك شيءٌ يجري في كلام المتكلمين والفقهاء، ومَنْ نَحا نحوَهم«([29]).
وفي (عبث الوليد) للمعري: »كان المتقدمون من أهل العلم يُنكرون إدخالَ الألف واللام على (كُل) و(بعض)، ويُروى عن الأصمعي أنه قال كلامًا معناهُ: قرأتُ آدابَ ابنِ المقفَّع، فلم أرَ فيها لحنًا إلَّا في موضع واحد، وهو قوله: العلمُ أكثرُ من أنْ يُحاطَ بكُـلِّه، فخُذوا البعضَ«([30]).
وفي لسان العرب: »وقال الأَزهري: النحويون أَجازوا الأَلف واللام في (بعض وكل)، وإِنْ أَباهُ الأَصمعيُّ«([31])، وفي المزهر: »وفي كتاب ليس لابن خالويه([32]): العوام وكثير من الخواص يقولون: (الكل والبعض) وإنما هو (كلٌّ وبعض)، لا تدخلهما الألف واللام؛ لأنهما معرفتان في نيَّة الإضافة، وبذلك نزل القرآن، وكذلك هو في أشعار القدماء«([33])، وفي تاج العروس: »ولا تَدخُلُهُ اللامُ، أَي لامُ التَّعْرِيف؛ لأَنَّهَا في الأَصل مُضافةٌ، فهي مَعرفةٌ بالإِضافة لفظًا أَو تقديرًا، فلا تقبل تعريفًا آخَرَ، خِلافًا لابن درستويهِ والزجاجيِّ فإنهما قالا: (البَعْضُ والكُلُّ) . قال ابن سِيْـدَه: وفيه مُسَامَحَة، وهو في الحقِيقة غيرُ جائز، يعني أَنَّ هذا الاسمَ لا يَنْفَصِلُ عن الإِضافة. وفي العُبَابِ: وقد خَالَفَ ابنُ درستويهِ النَّاسَ قاطِبةً في عصرِه … قال أَبو حاتم: قلت للأصمعي: …«([34]).
وعلى الرغم من ذهاب أكثر النحويين واللغويين إلى منع إدخال (أل) على هذين اللفظين نجد أن قسمًا منهم أجاز ذلك، إمَّا نَصًّا وإمَّا استعمالًا([35]). أمَّا النَّـصُّ فقد عُزِيَ إلى أبي منصور الأزهري أنه قال: النحويون أجازوا الألف واللام في (بعض وكل) وإنْ أباه الأصمعي، كما ذكرنا غيرَ بعيد. ومن هؤلاء النحويين الذين أجازوا ذلك الأخفش وأبو علي الفارسي وابن درستويه([36]) ويقول المعـري: »وكان أبو علي الفارسي يزعم أن سيبويه يُجيزُ إدخال الألف واللام على (كُلٍّ) إلَّا أنه ما لفظَ بذلك، ولكنه يَسْـتَدِلُّ عليه بغيره، والقياسُ يُوجِبُ دخول الألف واللام على كل وبعض«([37])، ونقل الرضي عن بعض النحويين أنه إذا قُطِعَ (كل وبعض) عن الإضافة »فالأكثر إبدال التنوين، وامتناع دخول اللام فيهما، وبعضهم جوَّزَه«([38])، ويقول ناظر الجيش: »وأمَّا (كلّ) غير الواقع توكيدًا ولا نعتًا فإنه مُلازِم الإضافة معنًى لا لفظًا، لكنه لا يُجَرَّدُ عن الإضافة لفظًا إلَّا وهو مضافٌ معنًى؛ فلذلك لا تدخل عليه (أل) وقد أدخلها عليه أبو القاسم الزجاجي في جُمَلِه، ثم اعتذر عن ذلك، وشذَّ تنكيرُه وانتصابُه حالًا في ما حكاه الأخفش، فعلى هذا لا يمتنع أن تدخل عليه (أل)«([39])، وفي تاج العروس: »ويُقال: كلُّ وبعضٌ معرفتانِ، ولم يَجِئْ عن العرب بالألف واللام، وهو جائز؛ لأن فيهما معنى الإضافة، أضفتَ أم لم تُضِفْ… قال أبو حاتم: وقد استعمله الناسُ، حتى سيبويهِ والأخفشُ في كتابيهما؛ لقِـلَّةِ علمهما بهذا النحو، فاجتَنْبْ ذلك؛ فإنه ليس من كلام العرب، وكان ابنُ دُرُسْـتَوَيْهِ يُجَوِّزُ ذلك، فخالَفَه جميعُ نحاة عصره«([40]).
أمَّا الاستعمالُ فقد وجدْنا أكثرَهم قد دأبوا على استعمال لفظتي (الكل والبعض) مقترنتينِ بالألف واللام، حتى أولئك الذين أنكروا ذلك. فابن فارس يقرر التخطئةَ بقوله: »وقولهم: الكلُّ، وقام الكُـلُّ فخطأٌ، والعرب لا تعرفُه«([41]) في حين يقول في موضع آخَر من المقاييس: »يصيب بعضَها المطرُ، ولم يُصِبِ البعـضَ«([42]) ويقول في موضع ثالث: »والنَّقب والمَنْقَبة: الطَّريق في الجَبَل، والكُـلُّ قياسٌ واحد«([43]).
ويقول عباس السوسوة، تعليقًا على قول المعري: »والقياسُ يُوجِبُ دخول الألف واللام على كل وبعض«([44]) وقوله أيضًا: »وكان أبو علي يُجيزُه، ويدَّعي إجازتَه على سيبويه، فأمَّا الكلامُ القديمُ فيُفْـتَقَدُ فيه الكلُّ والبعضُ«([45]) يقول السوسوة: »وهكذا رأيْنا المعري منسجمًا مع نفسه، فهو يرى أن القياس يُوجِبُ هذا التعريفَ، وإنْ كانت اللغةُ القديمةُ تَفْـتَقِدُ هذه الظاهرةَ. أمَّا المتشدِّدون من اللغويين وغيرهم فيُنكِرون ذلك نظريًّا، لكنهم في الكتابة لا يستطيعون عنها فكاكًا، إذْ يستعملون: القليل والكثير والجميع والجزء والفرد، جنبًا إلى جنب مع البعض والكل والغير، وبعضهم يستعملها، ويعتذر عن استعمالها…«([46]).
والأمثلة على ورود عبارَتَيِ (الكل والبعض) في كتب النحويين واللغويين، متقدِّميهم ومتأخِّريهم، كثيرةٌ، ومن هؤلاء: سيبويه، والفراء، والمبرد، وابن السرَّاج، وابن دريد، وابن الأنباري، وابن جني، وابن فارس، وعبدالقاهر الجرجاني، وأبو البركات الأنباري، وأبو البقاء العكبري، وابن مالك، وابن هشام الأنصاري، وابن عقيل، وخالد الأزهري، وجلال الدين السيوطي والأشموني، وغيرهم([47]).
من ذلك قولُ سيبويه: »ولا يريد أن يُدخِلَ السخلةَ في الكُلِّ؛ لأن (كُلّ) لا يدخل في هذا الموضع إلا على نكرةٍ«([48])، وقول أبي عبيدة: »فلا يكون الحِمام ينزل ببعض النفوس، فيُذْهِبُ البعضَ، ولكنه يأتي على الجميع«([49])، وقوله أيضًا: »البعضُ ها هنا الكُلُّ«([50])، وقول المـبرد: »فإنْ قلتَ أخذتُ من مالِه، وأكلتُ من طعامه، ولبستُ من ثيابه، دلَّتْ (مِنْ) على البعض«([51])، وقوله أيضًا: »فتقول: جاءني بنو فلان، فيجوز أن تعني بعضًا دون الكل«([52])، وقول أبي العباس ثعلب: »وقال: ما أحدٌ إلَّا قائمٌ، قال: ليس له معنى. ولا يُقال في العربية (إلَّا) موقع (أحد) إلَّا على الكُـلِّ«([53])، وقول ابن السراج: »فهذا كأنه كما قال: من أحدٍ، اجتزأ بالبعـض من الكـل«([54])، وقوله أيضًا: »والكلُّ عَقيبُ البعض، فهو منسوب إلى ما يتضمنُه الشيء«([55])، وقول أبي منصور الأزهري: »ليس يريد عن بعض شكواه دون بعض، بل يريد الكُلَّ، وبعضٌ ضدُّ كُلٍّ … وإنما ذكر البعضَ لِيُوجِبَ له الكُلَّ، لا أنَّ البعضَ هو الكُلُّ«([56])، وقول ابن جني: »وما كانت هذه حالُه أقنع منه البعض، ولم يجبْ في الكُلِّ«([57])، وقوله أيضًا: »لأن حكم البعض في هذا، جارٍ مجرى حكم الكُلِّ«([58])، وقوله أيضًا: »فإذا كان كذلك، علمتَ أن (قام زيدٌ) مجازٌ لا حقيقةٌ، وإنما هو على وضع الكُلِّ موضع البعض؛ للاتِّساع والمبالغة، وتشبيه القليل بالكثير«([59])، وقول عبدالقاهر الجرجاني: »وقول الناس: قتْلُ البعض إحياءٌ للجميع«([60])، وقوله أيضًا: »واعلمْ أنه إذا لم تُمْكِنْ معرفةُ الكُلِّ، وجَبَ تركُ النظرِ في الكُلِّ«([61])، وقول ابن عصفور: »وبدلُ البعض من الكل، وهو أن تُبْدِلَ لفظًا من لفظٍ، بشرطِ أنْ…«([62]). وعلى هذا النحو ظهرت عبارات أخرى عند ابن مالك([63])، ورضي الدين الإستراباذي([64])، وابن منظـور([65])، وابن هشام([66])، وابن عقيل([67])، وغيرهم من النحويين واللغويين الأعلام.
([1]) يُنظَر في إضافة (كُـلٍّ)، وأحكام هذه الإضافة ومعانيها: أحكام (كـلّ) وما عليه تدلّ: 29 وما بعدها، ومغني اللبيب: 3 / 95- 112، وتاج العروس (كلل): 30/ 338.
([3]) شرح ديوان لبيد بن ربيعة العامري: 256.
([6]) ينظر: نظرات دقيقة حول (كل وبعض) في الأساليب العربية: 167.
([7]) تاج العروس (كلل): 30/ 338.
([8]) ينظر: المصدر نفسه. ولكنْ ورد عنهم إضافتها إلى المفرد المعرَّف بالألف واللام التي يُراد بها العموم إذا كان نعتًا، كقولهم: (زيدٌ الرجلُ كلُّ الرجلِ). ينظر: شرح التسهيل لابن مالك: 3 / 244 -245، وشرح التسهيل لناظر الجيش: 7/ 3207.
([9]) ينظر: نظرات دقيقة حول (كل وبعض) في الأساليب العربية: 167.
([10]) ينظر: شرح الكافية الشافية: 1/ 949، وشرح التسهيل لناظر الجيش: 7 / 3207- 3208.
([11]) ديوان رؤبة بن العجاج: 79.
([12]) ينظر: ارتشاف الضرب: 2/ 668، وشرح المفصل لابن يعيش: 9/ 31- 32.
([13]) يعني (يومئذٍ، وحينئذٍ) ونظائرهما.
([14]) شرح المفصل لابن يعيش: 9/ 31- 32.
([15]) حاشية الصبان على شرح الأشموني: 1/ 78- 79.
([16]) ينظر: ظاهرة التعويض في النحو العربي: 69.
([17]) ينظر: نظرات دقيقة حول (كل وبعض): 166- 167.
([18]) ينظر: تاج العروس (كلل): 30/ 338- 339، ونظرات دقيقة حول (كل وبعض): 166- 167.
([19]) ينظر: كتاب سيبويه: 2/ 114- 115.
([20]) هذه حكاية أبي الحسن الأخفش. ينظر: أمالي ابن الشجري: 1/ 234.
([21]) شرح التسهيل لناظر الجيش: 7 / 3210. وينظر كذلك: ارتشاف الضرب: 4/ 1818- 1819.
([22]) ينظر: شرح ابن عقيل: 2/ 46، ودراسات في اللغة والنحو: 189.
([23]) ينظر: شرح التسهيل لابن مالك: 3/ 244- 245، وشرح التسهيل لناظر الجيش: 7 / 3207.
([24]) ينظر: شرح التصريح على التوضيح: 2/ 35.
([25]) شرح الكافية الشافية: 1/ 949- 950.
([27]) تهذيب اللغة (بعض): 1/ 490- 491.
([28]) مقاييس اللغة (كل): 5/ 122.
([29]) المفردات في غريب القرآن: 437.
([31]) لسان العرب: (بعض) ولم أقف على هذا القول المنسوب إلى الأزهري في (تهذيب اللغة).
([32]) النص الذي نقله السيوطي من كتاب (ليس في كلام العرب) لابن خالويه، ليس موجودًا في نسخة الكتاب المنشورة بتحقيق أحمد عبد الغفور عطار.
([34]) تاج العروس (بعض): 18/ 243.
([35]) ينظر: دراسات في اللغة والنحو: 191- 192.
([36]) ينظر: أمالي ابن الشجري: 1/ 135- 233، وهمع الهوامع: 2/ 51.
([38]) شرح الرضي على الكافية: 2/ 259.
([39]) شرح التسهيل لناظر الجيش: 7/ 3207. وينظر قول الزجاجي في: الجُـمَل: 23، 25.
([40]) تاج العروس (كلل): 30/ 339- 340.
([41]) مقاييس اللغة (كل): 5/ 122.
([42]) المصدر السابق (بقع): 1/ 281.
([43]) المصدر السابق (نقب): 5/ 466.
([45]) رسالة الغفران: 456- 457.
([46]) العربية الفصحى المعاصرة وأصولها التراثية: 106.
([47]) ينظر: دراسات في اللغة والنحو: 196- 197.
([53]) مجالس ثعلب: 5/ 191 (القسم الأول).
([54]) الأصول في النحو: 1/ 292.
([56]) تهذيب اللغة (بعض): 1/ 489- 490.
([59]) المصدر السابق: 2 / 448. وينظر أيضًا: 1/ 357، 3/ 24- 25، 334.
([60]) دلائل الإعجاز: 261. والقول بلفظه ص390 أيضًا، وهو مذكورٌ في (البيان والتبيين) للجاحظ: 2/ 316، منسوبًا إلى بعض الحكماء.
([62]) شرح جمل الزجاجي (الشرح الكبير): 1/ 281. وينظر أيضًا: 1/ 287، 288.
([63]) ينظر: شرح الكافية الشافية: 2/ 1276.
([64]) ينظر: شرح الرضي على الكافية: 2/ 206، 207.
([65]) ينظر: لسان العرب: (بعض، ربأ، رقق، كلل،…).