دراسات
عبدالسلام الربيدي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 9 .. ص 62
رابط العدد 9 : اضغط هنا
تمهيد[1]
تتسم مدينة تريم بتاريخ عريق لا سيما في مجال الدراسات الشرعية بشقيها الفقهي المختص بأعمال المكلفين، والروحي الذي يتعلق بالعلاقة العميقة بين العبد وخالقه. وقد كان للحركة العلمية والروحية، التي شهدتها مدينة تريم على مدى قرون، أثرها على كل مناطق حضرموت خاصة، وعلى بعض مدن اليمن والحجاز وجنوب شرق آسيا وأفريقيا والهند وغيرها من مناطق العالم الإسلامي بعامة. ويمكن رصد ذلك الأثر من خلال تتبع أهم عوامله، ويأتي في مقدمتها عاملان أساسيان، أحدهما إنساني مادي، والآخر روحي معنوي.
فأما العامل الإنساني فيتمثل في الهجرات الحضرمية المشهورة تاريخيًا، وأما العامل الروحي فيتجلى من خلال انتشار أفكار المدرسة الحضرمية التريمية في تلك الأصقاع جميعها. وغنيٌّ عن البيان أنّ هذين العاملين يتضافران بصورة عضوية ضرورية في خلق بيئة صالحة لانتقال الأنماط الثقافية وتجذرها في المجتمعات محل الانتقال والتأثر. ونحن إنما نفرِّق بين هذين العاملين لغرض إجرائي بحت رغم تضافرهما؛ ذلك أن هجرات كثيرة قد حدثت، ولم يصحبها تغييرات نوعية كبرى في البيئة الحاضنة، كتلك التي حدثت بالنسبة للهجرات الحضرمية، فقد تغيرت جرَّاءَها شعوب كاملة تغيرات عقدية جذرية »انتقلت بعض تلك الشعوب بالملايين إلى الإسلام؛ بفعل الخطاب الذي كان يتبناه الدعاة الحضارم، وهو خطاب يعتمد على السلوك أكثر من اعتماده على فنون البلاغة اللفظية«[2].
ويحاول هذا البحث أن يلقي الضوء على أثر المدرسة الحضرمية التريمية على مدينة البيضاء، التي اقتبست منها، وكانت امتدادًا علميًا وروحيًا لها؛ أخذت منها، وتأثرت بها، ودخلت معها في علاقة تبادلية على المستويين المادي والروحي.
وسيعتمد البحث في استبصاراته النظرية ( المنهجية) على فحص السيرورة التاريخية لذلك التأثير، آخذًا في الحسبان المتغير الاجتماعي (السيسيولوجي)، الذي مثل البيئة الحاضنة لحركة التأثير والتأثر بين تريم والبيضاء. وسيتوسل هذا البحث بالمنهج الاستردادي التفسيري، الذي ينطلق من واقعية الحدث التاريخي نحو التفسير، ومن ثمَّ الاستنباط والتركيب.
وسيكون من شأن هذا البحث الاستهداء ببعض المراجع المتعلقة بالموضوع، لا سيما تلك التي تتعلق بجهود السيد محمد بن عبدالله الهدار (بوصفه الشخصية التأسيسية) في إرساء بنيان هذه المدرسة التريمية في البيضاء. ويتعلق الأمر هنا بالكتب، والمراسلات، والوثائق المتاحة. هذا فضلًا عن مشاهدات الباحث العينية، ومعرفته المباشرة.
أما عن المدة التاريخية، فإن البحث سيحاول رسم الخطوط التاريخية الرئيسة لحركة التأثير والتأثر، خلال الحقبة الممتدة منذ 1380هـ (1960م)، وهي السنة التي تم فيها تأسيس رباط الهدار للعلوم الشرعية بالبيضاء، حتى الوقت الحاضر 1431هـ (2010م)، مع إيلاء الاهتمام الأكبر بالدور التاريخي، الذي قام به السيد محمد بن عبدالله الهدار منذ تأسيسه للرباط حتى وفاته في الثامن من ربيع الثاني 1418هـ، رحمه الله تعالى.
ويسبق ذلك بيان تاريخي عن الدور العلمي والروحي لمدينة تريم، عن طريق استقصاء البيئة العلمية، التي تكونت في ذلك المكان، واستجلاء الملامح الفكرية لتلك المدرسة التريمية.
وعلى ذلك فإن البحث سينقسم إلى قسمين رئيسين: القسم الأول يتعلق بـ(تريم موطن الأثر)، والقسم الثاني بـ(البيضاء موطن التأثر). وينقسم كل منهما إلى أقسام فرعية جزئية تعالج الظاهرة في مستويي التأسيس والامتداد، بحيث يشمل البحث دائرة الموضوع في بعدها التاريخي والاجتماعي من جهة، وفي بعدها التفسيري التركيبي من جهة أخرى.
1. تريم موطن الأثر:
1.1 البيئة العلمية:
ونقصد بالأثر الحدث التاريخي، وتريم هنا هي موطن الحدث التاريخي محل النظر في هذا البحث. فتريم المدينة الواقعة في شمال شرق مدينة سيئون بوادي حضرموت، والتي تبعد عن المكلا حوالي 356 كيلومتر، اشتهرت بكونها مدينة العلم والعلماء، فهي العاصمة الروحية لتلك البلاد، وقد دخل أهلها الإسلام في العهد النبوي، ووقفت موقف النصرة والدفاع عن الإسلام أيام حروب الردة. وقد اشتهرت تريم بمساجدها وعلمائها، الذين سارت مؤلفاتهم شرقًا وغربًا، وهاجر بعضهم في بلدان الشرق؛ لنشر الإسلام، وتعليم علوم العربية والشريعة، فكانت لهم آثار واسعة النطاق على شعوب أهل تلك البلدان؛ حيث أحدثوا تحولات بالغة في حياتهم، فقد دخلت شعوب جنوب شرق آسيا الإسلام، وكان لذلك دور في تغير الطابع الحضاري العام لتلك البلدان.
وقد رجع بعض أولئك العلماء من بعد إلى بلدهم الأم (تريم) للمساهمة في رسالتها العلمية والروحية.
ومن الأحداث التاريخية المهمة التي شهدتها تريم بصورة خاصة، وحضرموت بصورة عامة وصول الإمام أحمد بن عيسى الحسيني العلوي المعروف بـ(المهاجر) (ت 345هـ) إلى حضرموت، قادمًا من العراق بصحبة ابنه عبدالله ومعه أهله وبعض مواليه، وذلك سنة 318هـ؛ حيث استقر بعد تنقّلٍ في تريم[3]. وبسبب دعوته انحسر وجود الإباضية -الذين كانوا ينتشرون في حضرموت- إلى حده الأدنى، ولم يذكر التاريخ عنه الجنوح إلى استخدام القوة من أجل إخضاع خصومه، وهذا ما يذهب إليه الحامد في تاريخه؛ حيث يصرح: »أعتقد أن دعوة المهاجر كانت كلها سلمية، وأنها كانت كلها بالرأي واللسان، لا بالسيف والسنان«[4]، ويدلل الحامد على ذلك ببقاء نحلة الإباضية بحضرموت زهاء ثلاثة قرون بعده[5]. وقد كان من شأن المهاجر أن طار صيته، واتبعه الكثيرون، وصارت تريم موطنًا لذريته العلويين، ويذكر الشيخ عبدالرحمن بن محمد الخطيب المتوفى سنة 588هـ في كتابه (الجوهر الشفاف) كما ينقل عنه الحامد أنه استقر وأهله في تريم، وبنوا فيها مسجدًا، هو مسجد بني أحمد بن عيسى، وحفروا بئرًا تعرف بـ(بئر أحمد)، ثم يقول الخطيب: »فزاد الله تريمَ شرفًا إلى شرفها، وفخرًا إلى فخرهان وفضلًا إلى فضلها، وتوفي الشيخ أحمد المذكور بالحسيسة المذكورة أولًا، وقبره في شِعبها«[6]. وقد اشتهر من ذرية المهاجر مجموعة كبيرة من العلماء الكبار، الذين درس على أيديهم كثيرون من طلاب العلم، ومن المريدين، الذين تلقوا عنهم الطريقة العلوية، القائمة من حيث تصورها الأساسي على التعمق في العلم الشرعي، وعلى المجاهدة الروحية؛ للوصول إلى رضا الله، ونيل سعادة الدارين. وهي طريقة سلفية من حيث هي تولي الاهتمام الأكبر بالمتابعة المبنية على المحبة.
ومن أهم هؤلاء الذين سارت سيرهم وعلومهم في كل ربوع المعمورة -للتمثيل فحسب- الإمام الفقيه المقدم محمد بن علي باعلوي (ت 653هـ)، والإمام عبدالله بن علوي الحداد (ت 1132هـ)، والعارف بالله الشيخ أبوبكر بن عبدالله العيدروس (ت 914هـ)، والسيد علي بن محمد الحبشي (ت 1334هـ)، وغيرهم. وإذا كانت المدن تتميز بمعالم محددة، أو بصفات معينة، فإن ما يميز تريم هو كونها مدينة علمية ينتشر فيها تدريس العلوم الشرعية، ولا سيما في رباطها المشهور بـ(رباط تريم)، الذي أسسه مجموعة من أعيان تريم وسادتها وافتتحوه سنة 1305هـ[7]؛ ليأوي الطلاب الغرباء من كل أنحاء المعمورة. وقد مثل لقاء طلاب العلم في تريم طوال عقود القرن الرابع عشر الهجري حالة من التثاقف، والتلاقح، والتخالق، فقد أثرت تريم على مصائرهم المعرفية والحياتية، وكان لشخصية راعي الرباط، الذي أداره مدة نصف قرن (من 1314هـ إلى 1361هـ) السيد عبدالله بن عمر الشاطري دور بارز في توجيه هؤلاء الطلاب، وتربيتهم تربية جدية شاقة، تؤهلهم لحمل عبء الدعوة، ورسالة العلم العظيمة، وكان من هؤلاء علماء كبار، توزعوا في مناطق عديدة في اليمن وخارج اليمن، ومن هؤلاء -تمثيلًا لا حصرًا- الشيخ محمد بن سالم البيحاني، والسيد محمد بن عبدالله الهدار، والسيد إبراهيم بن عقيل، والسيد علي بن أبي بكر المشهور، والسيد محمد بن أحمد الشاطري، والسيد محمد بن سالم بن حفيظ وغيرهم كثيرون ممن انتشروا في أماكن مختلفة، وأسسوا الربط والمراكز العلمية، وكانوا نماذج تحتذى في السلوك والمعرفة.
ومن هنا فإن رباط تريم قد شكل بؤرة جامعة لتراث تريم العلمي، وأضاف إلى ذلك اجتذابه لطلاب العلم من مختلف الأماكن. وبذلك فقد أدى تأسيس هذا الرباط إلى إحداث نقلة نوعية في الدراسات الشرعية الإسلامية على محورين: أحدهما رأسي، والآخر أفقي.
فأما المحور الأول: فقد تم فيه تعميق الموروث التريمي العلمي في تريم نفسها عن طريق استحداث هذه المؤسسة، التي ضمت بين جنباتها علماء تريم، الذين أحيوا التقليد العلمي الشرعي في إقامة الحلقات العلمية، التي تدرس فيها كتب التفسير، والحديث، والسيرة النبوية، والفقه، والتصوف، واللغة، والمنطق، وكذلك المجالس الروحانية التي تعج بها تريم أصلًا.
وأما المحور الثاني فقد تم فيه نشر فكر هذه المدرسة بصورة واسعة من خلال طلاب العلم الوافدين إليها من مناطق متعددة من العالم، والذين كانوا يقومون بدورهم الإلزامي في البيان والدعوة؛ وهذا يعني اجتذاب المزيد من الطلاب وتوسيع دائرة التأثير.
1.2 الملامح الفكرية لمدرسة تريم:
مدرسة تريم العلمية مدرسة وسطية تتبع التيار العريض للمسلمين، فهي في مذهبها الفقهي تتبع أحد المذاهب الإسلامية الكبرى وهو مذهب الإمام الشافعي (ت 204هـ)، وقد دخل المذهب الشافعي إلى اليمن عندما تولى الإمام الشافعي القضاء في نجران، ثم انتشر في اليمن عن طريق تلميذه حرملة، الذي ولي القضاء في صنعاء، وكان من رواة مذهبه الجديد الذي أنشأه في مصر. ويذهب السيد سالم بن عبدالله الشاطري إلى أن الإمام أحمد بن عيسى المهاجر قد اعتنق مذهب الإمام الشافعي في القرن الثالث الهجري، وبذلك فهو أول العلويين أخذًا بهذا المذهب الذي انتشر في اليمن؛ لشموله وسعته ومرونته، فهو خلاصة المذاهب الإسلامية الكبرى؛ حيث أخذ الشافعي علم مالك وأبي حنيفة، ودرس على يديه الإمام أحمد بن حنبل، وكان من رواته[8].
ويرجح الشاطري أن المهاجر لم يكن إماميًا بل كان شافعيًا، خلافًا لمن قال بالعكس كابن عبيدالله السقاف وصالح الحامد[9].
وانتشر بعد ذلك المذهب الشافعي في ربوع حضرموت، وكان أن ازدهر على يد الإمام الفقيه المقدم محمد بن علي باعلوي الذي لقب بـ(الأستاذ الأعظم)[10]، وبرز في تريم خاصة وفي حضرموت عامة منذ ذلك العهد حتى اليوم علماء شافعية كبار، كان لهم دور مهم في إغناء المذهب بالكتب الكثيرة الموجزة، والمتوسطة، والمطولة، سواء منها المتون، أو الشروح، أو الحواشي، وسواء منها المنظوم، أو المنثور.
كما كان لهم دور بارز في نشر هذا المذهب السني في أصقاع عديدة من آسيا وأفريقيا. وليس من شأننا هنا الخوض في هذه القضية الواسعة[11].
أما فيما يتعلق بالعقيدة فالمدرسة التريمية مثلها مثل كبريات المدارس العلمية في العالم الإسلامي (كالأزهر في مصر، وديوبند في الهند، والقرويين والزيتونة في شمال أفريقيا وغيرها) تتبع طريقة الإمام أبي الحسن الأشعري (ت 324هـ)، وهو المذهب الذي اجتمع عليه أهل الفقه، وأهل الحديث؛ لوسطيته ولجمعه بين الاستدلال العقلي، الذي تميز به المعتزلة (وقد كان أبو الحسن في بداية أمره رأس المعتزلة)، والاعتصام بالنص الشرعي، مع ميل إلى التنزيه للذات الإلهية عند الحديث عن الآيات المتشابهات، وإن تطلب الأمر الأخذ بالتأويل دفعًا لشبه المجسمة وغيرهم[12]. ولهذه الميزات جنح السواد الأعظم من المسلمين نحو العقيدة الأشعرية، وفي هذا الصدد يقول الدكتور القرضاوي: »إنّ الأمة الإسلامية منذ قرون -في جملتها- أشعرية«[13]. ولقد اتبع هذه الطريقة التيار العريض من العلماء المسلمين، وألفوا عنها المؤلفات الكثيرة، ولعل من أهمهم حجة الإسلام محمد بن محمد الغزالي (ت 505هـ).
هذا، وتشتهر المدرسة الحضرمية التريمية بانتهاجها طريق التصوف، والتصوف في أدبيات هذه المدرسة وسلوك منتسبيها يعني -بعبارة موجزة- التحقق بشروط درجة الإحسان في كل لحظة وكل خطرة، ومن هنا تغدو الحياة كلها عبادة وسير نحو الله، مع زهد في الدنيا، وإعراض عن مباهجها.
وقد كان لمحمد بن علي باعلوي (الفقيه المقدم) فضل إدخال طريقة المتصوفة إلى حضرموت، وذلك في القرن السابع الهجري، عندما أخذ الطريقة الصوفية من الشيخ شعيب أبي مدين، بوساطة الشيخ عبدالرحمن المقعد، وعبدالله الصالح المغربيين[14]. ولأن الفقيه المقدم عالم فقيه، وقد لقب – كما مر- بـ(الأستاذ الأعظم) لتبحره في علوم الشريعة، فقد اختط لمن بعده الطريق، الذي يجمع بين التفقه في الدين والتصوف، وهو ما يعرف بالتصوف السني، الذي يجمع فيه القوم بين الحقيقة والشريعة، وهو طريق الجنيد والقشيري والغزالي وغيرهم.
ومن هذا الباب نجد الاحتفاء البالغ لأتباع الطريقة العلوية في التصوف برسالة القشيري، وبكتب الإمام الغزالي، ولا سيما (إحياء علوم الدين)، الذي نال من هذه المدرسة كل العناية حتى نستطيع أن نطلق عليه دستورها في السلوك، فهو عندهم كتاب جامع؛ لأنه يضم بين دفتيه أربعة أرباع (ربع العبادات، وربع العادات، وربع المنجيات، وربع المهلكات)، تشكل تصورًا عمليًا متكاملًا عن المعاش والمعاد، فهذا الكتاب يحوي على ما لا تحويه كتب الفقه وغيرها. ولذلك يقول عنه مؤلفه -عند حديثه عن الطبقة العليا من علوم اللّباب-: »وبالجملة يشتمل كتاب (الإحياء) على أربعين كتابًا، يرشدك كل كتاب إلى عقبة من عقبات النفس، وأنها كيف تُقطع، وإلى حجاب من حجبها، وأنه كيف يُرفع، وهذا العلم فوق علم الفقه والكلام وما قبله؛ لأنه علم طريق السلوك، وذلك علم آلة السلوك، وإصلاح منازله، ودفع مفسداته كما يظهر، والعلم الأعلى الأشرف علمُ معرفةِ الله تعالى، فإن سائر العلوم تُراد له ومن أجله ولا يُراد لغيره«[15]. ومن هنا حث علماء تريم طلابهم على إدمان النظر فيه، والتعمق في معانيه، ويأتي في مقدمة هؤلاء الإمام عبدالله بن علوي الحداد، الذي يعد الوريث الأول للغزالي في الجزيرة العربية وما جاورها، فقد انتهج نهجه في مؤلفاته، وأحاديثه، وأشعاره، وسلوكه[16]. وفي هذا السياق يقول عبدالقادر بن شيخ العيدروس- وهو علوي حضرمي سكن الهند- (ت 1038هـ) عن سبب تأليفه لرسالته (تعريف الأحياء بفضائل الإحياء): »… لما كان عظيم الوقع [ كتاب الإحياء]، كثير النفع، جليل المقدار، ليس له نظير في بابه، ولم ينسج على منواله، ولا سمحت قريحة بمثاله، مشتملًا على الشريعة، والطريقة، والحقيقة، كاشفًا عن الغوامض الخفية، مبينًا للأسرار الدقيقة: رأيت أن أضع رسالة تكون كالعنوان والدلالة على صبابة من فضله وشرفه، ورشحه من فضل جامعه ومصنفه… «[17]. وهذا المديح السابغ ينطلق من تقدير عميق يكنه رجالات هذه المدرسة لهذا الكتاب، وقد أورد العيدروس في كتابه الكثير من الأقوال لبعض مشايخ الطريقة في حضرموت، التي يحثون فيها على مطالعة الإحياء، والاستفادة من علومه.
فهذه المدرسة الشافعية المذهب، الأشعرية العقيدة، الصوفية المنهج، قد تشكلت صورتها العقدية والسلوكية من خلال التفاعل بين هذه العناصر الثلاثة، فالفقه بلا سلوك هو عمل دنيوي محض كما يذهب إلى ذلك الغزالي في إحيائه، والتصوف بلا فقه يعني الانحراف عن جادة الشرع، والفقه والتصوف لا يستقيمان ما لم يُحاطا بعقيدة واضحة المعالم بينة الأدلة راسخة البنيان.
2. البيضاء موطن التأثر
2.1 الخلفية التاريخية
تقع البيضاء في المنطقة الجنوبية الوسطى لليمن، وقد كانت ولا تزال ملتقى لعدد من المحافظات والمناطق الكبرى، التي تحدُّها من الشمال ومن الجنوب، ولسببٍ من هذا الموقع كانت محطة تجارية للقوافل الآتية من أقصى الجنوب إلى الشمال. ومن هذا الباب تأتي علاقتها التاريخية بحضرموت، »وتفيد الأخبار عن بعض المسنين عن من قبلهم أن القوافل التجارية تصل من شبام حضرموت إلى البيضاء، ومنها تعود محملة بالبضائع، و أنها تسلك طريق السَّرو وأطراف الربع الخالي«[18]، وبذلك تكون البيضاء هي المستقر لتلك القوافل، أو المحطة التي تمر من خلالها القوافل إلى أطراف شمال الشمال.
وقد حدَّثوا أن تاجرًا بيضانيًا اتجه خارجًا من شبام بقافلته، وعندما خطا خطوته الأولى، نظر وراءه إلى شبام القريبة منه، ونظر أمامه إلى الطريق الطويلة التي تؤدي به إلى البيضاء موطنه، فأنشد شعرا يملأه الحنين والعزيمة على المضي نحو الأهل:
ألا يا مقرب الليله البيضاء وما ابعد شبام
على الجمال المنيبة والرجـال الهمـام[19]
فشبام صارت بعيدة وهي القريبة، والبيضاء صارت قريبة وهي البعيدة، وليس ذاك إلا في نظر المشتاق، الذي أمضّه الحنين إلى الأهل والسكن، وبرحت به الأسفار التي يجتاز فيها كثبان الصحارى، وعاليات الجبال.
إذن فالعلاقة التاريخية بين البيضاء وحضرموت علاقة قديمة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ؛ وذلك لأن الإنسان اليمني قد عرف التنقل؛ لغرض التجارة واكتساب المعيشة منذ زمن بعيد.
لكنّ علاقةً من نوعٍ آخر تربط البيضاء بحضرموت، وهي علاقة علمية روحية، ولها وجهتان متعاكستان في بعدهما الظاهر، لكنهما متفقتان في مضمونهما: فالوجهة الأولى: تتعلق بموجة الدعاة القادمين من حضرموت على مدى قرون، ومنها ما هو موثق، ومنها ما هو غير موثق، وغالبًا ما يتجنب العلماء الصوفية ذكر مثل هذه الأمور خوفًا من الرياء والسمعة اللذين يحبطان الأعمال، والوجهة الثانية: تتعلق بطلاب العلم، الذين رحلوا إلى تريم طلبًا للعلم من مناطق البيضاء وما جاورها، وهذا في معظمه موثق كما سيأتي.
أما بخصوص الوجهة الأولى التي تتصل بالدعاة الحضارم، وخصوصًا من السادة العلويين، الذين كانوا يفدون إلى البيضاء وما جاورها من مناطق، كيافع، وبيحان، وبلاد العواذل، وغيرها لغرض الدعوة إلى الله، ونشر المعارف الشرعية، فقد وثق السيد حسين بن محمد الهدار أهم تلك الجهود في كتابه الجامع (هداية الأخيار في سيرة الداعي إلى الله محمد الهدار)[20]. ونحن هنا سنحاول بلورة أهم ما ذكره مفرقًا لغرض بيان أثر تريم على البيضاء من الوجهة العلمية والروحية. وأهم ما يذكر في هذا السياق رحلة الشيخ الحسين ابن الشيخ أبي بكر بن سالم العلوي، الذي وصل إلى البيضاء سنة 1027هـ وأسس فيها مسجدًا يدعى بـ(مسجد الحسين) مع بئر تابعة له، والمسجد ما يزال يعرف باسمه حتى يومنا هذا، وقد كان له دور في الإصلاح بين القبائل المتخاصمة، وفي القيام بواجب الدعوة والإفتاء. وبعد أن عاد إلى حضرموت استمر في جهوده الدعوية والإصلاحية حتى توفي سنة 1044هـ[21].
وممن هاجر من السادة العلويين من حضرموت إلى البيضاء أجداد محمد بن عبدالله الهدار؛ محسن بن علي بن صالح من آل أبي بكر بن سالم، وأخوه سالم، وقد استوطنا البيضاء في بداية القرن الثالث عشر الهجري على الأرجح[22]، وقد كان من شأن هذه الأسرة الشريفة أن برز فيهم محمد بن عبدالله الهدار، الذي درس في رباط تريم، ثم أنشأ رباط البيضاء سنة 1380هـ، وبرز من بعده أولاده، وعلى رأسهم حسين بن محمد الهدار.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأستاذ الكاتب محمد بن أحمد الشاطري قد عمل على ترتيب وزارة المعارف وتنظيمها في السلطنة العوذلية قبل قيام الثورة[23]، والسلطنة العوذلية كانت تقع بمنطقتي مكيراس ولودر، وهما على مقربة من البيضاء، وعلى اتصال وثيق بها من حيث النسيج الاجتماعي، والموروث التاريخي.
ولقد وفد إلى مناطق البيضاء، ويافع، وبيحان، والعواذل، كثيرون من الدعاة الحضارم من آل الحبشي، وآل العمودي، وآل بافضل، وآل المحضار، وغيرهم. ونحن هنا نكتفي بهذا ففي كتاب (هداية الأخيار) من التفاصيل الجزئية ما يغني.
وأما بخصوص الوجهة الثانية فتتعلق برحلات طلب العلم، التي قام بها بعض سكان البيضاء وما جاورها إلى حضرموت، ويذكر في هذا السياق بعض الشخصيات العلمية، التي اكتسبت معارفها الشرعية في تريم، وعادت إلى البيضاء، وكان لها أثر كبير في نشر العلوم الشرعية، والقيام بواجب الإفتاء والدعوة، ومن هؤلاء:
– الشيخ محمد بن حسين الهيثمي[24].
– الشيخ محمد بن أحمد المشعبي[25].
– صادق بن حسين الهيثمي[26].
– عبدالله بن عمر بن حسين الهيثمي[27].
– عبدالله بن محمد المطري[28].
– محمد بن عبدالقادر الشمسي[29].
وغيرهم من آل المسيبلي، وآل الهدار، وآل الجنيدي، وآل الشمسي.. إلخ. وقد بسط صاحب (هداية الأخيار) في حواشي كتابه ترجمات لعديد منهم، وذكر رحلاتهم لطلب العلم في حضرموت.
2.2 رباط البيضاء: التأسيس والأثر
* أفق التأثر
غالبًا ما تتحدث الدراسات الاجتماعية عن المضمون السلطوي للتأثير، فالتأثير -حسب بودون وبوريكو- شكل خاص من أشكال السلطة يعتمد على آلية الإقناع، وهو يختلف عن الأشكال الإكراهية الأخرى للسلطة[30]. لكن المتأمل في العلاقات الدينية بين المدن وما تضفيه بعضها على بعض من إضافات ثقافية تنصبغ بالصبغة الروحية يجد أن الأمر مختلف؛ ففي حالة القناعات الدينية يسري التأثير بشكل سلس وسريع ومتراكم، ويكون المتأثر أحرص على اقتفاء طريق المؤثر من المؤثر نفسه. وتاريخ الشعوب والمدن التي مرت بمرحلة ما يمكن أن نطلق عليه (الاستهداء الروحي) تشهد بأن تلك الشعوب والمدن قد انطبعت بطابع المؤثر، وأضافت إليه من الأنماط الثقافية المتفرعة ما يدل على خصوصيتها، مع بقاء الصورة الواضحة للأصل. وهنا تنتفي الصيغة السلطوية للتأثير في حالة (الاستهداء الروحي)، ويدخل الأمر في باب القناعات الدينية، التي تتشكل منها العقائد، التي هي أخطر أنواع القناعات على الإطلاق[31].
ومن هذا الباب يصح أن نصف العلاقة بين تريم والبيضاء بأنها علاقة (استهداء روحي) و(اقتباس علمي)، ترسّمت بصورة مؤسسية باستحداث رباط الهدار للعلوم الشرعية سنة 1380هـ الموافق1960م، على يد السيد محمد بن عبدالله الهدار[32]، بإشارة من أستاذه راعي رباط تريم السيد عبدالله بن عمر الشاطري، وقد احتضن الرباط منذ لحظته الأولى طلاب العلم من اليمن وخارجه، وقد تخرج على يد مؤسسه مئات الطلاب، الذين انتشروا في أماكن مختلفة. واستمر الرباط على وتيرته تلك حتى وفاة مؤسسه، وما زال مستمرًا في تخريج أفواج الطلاب، برعاية مشايخ الرباط من أبناء السيد محمد الهدار وذريته، وغيرهم من المشايخ الآخرين.
* البرنامج الدراسي: الحلقات والمجالس العامة
وقد اتبع الرباط في برنامجه الدراسي[33] النهج التقليدي للربط والمعاهد العلمية، وخصوصًا رباط تريم، سواء فيما يتعلق بتقسيم الأوقات، أو بمضمون المادة العلمية المقدمة للطلاب، مع اختلاف في التفاصيل المتعلقة باختيار هذا الكتاب أو ذاك. أما فيما يخص أوقات الدرس فتبدأ من الساعة الأولى للنهار؛ حيث يبدأ درس الصباح بتسميع الطلاب المبتدئين لمحفوظاتهم، وغالبًا ما تكون من القرآن الكريم، والأربعين النووية في الحديث، كما إن من الطلاب من يسمع محفوظه من المتون المنثورة كالآجرومية في النحو، ومتن أبي شجاع في الفقه، أو المنظومة كألفية ابن مالك، وملحة الإعراب في النحو، ومتن الزبد في الفقه، والرحبية في المواريث، والبيقونية في علم الحديث، وغير ذلك. ويشاع الحفظ في الرباط كغيره من المعاهد الإسلامية التقليدية، وتأتي طريقة الحفظ في الدراسة اتساقًا مع التقليد الذي يرى ضرورة فهم المتون وتحقيقها وحفظها، ومن الموروث المطرد في الرُبُط قولهم: (من حَفِظَ المتونَ نالَ المنون)، و(احفظ فكُلُّ حافظٍ إمامُ)، و(علِّمُوْهُمُ المتونَ ثُمَّ ارْمُوْهُمْ في البحر)، وغير ذلك من المنطوقات المَثَلية المتداولة، التي تدل على رسوخ طريقة الحفظ في التعليم من أجل التحقيق.
يلي ذلك مباشرة درس النحو، وغالبًا ما يكون من كتاب (الإيضاح) لحسين بن محمد الهدار، أو (الآجرومية) لابن آجروم، أما المتقدمون من الطلاب فيدرسون على يد المشايخ الكبار كتاب (متممة الآجرومية) بشرحه (الكواكب الدرية) للأهدل، وكذا كتاب (قطر الندى) لابن هشام، و(شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك)، وربما فتح بعضهم دروسًا خاصة في (أوضح المسالك)، أو (مغني اللبيب) لابن هشام، أو غيرهما من كتب النحو وحواشيه المطولة.
يعقب ذلك درس الضحى، الذي يتوزع في الدراسات الفقهية بمختلف أنواعها من عبادات، ومعاملات، وفرائض، وأنكحة، وتعتمد الدروس على بعض الكتب الفقهية الشافعية، التي يقرأها الطلاب على المشايخ، وتتدرج حسب مستويات الطلاب من الكتب الموجزة الصغيرة (المتون) إلى الكتب المتوسطة، إلى المطولات من الشروح والحواشي. وأهم تلك الكتب من كتب فقه العبادات الصغيرة كتاب (سفينة النجاة) لابن سمير التريمي، و(الرسالة) لأحمد زيني دحلان، و(أهم الواجبات والمندوبات) لحسين بن محمد الهدار، ومن أهم الكتب المتوسطة كتاب (متن أبي شجاع)، وكتاب (الياقوت النفيس) للشاطري، وكتاب (العمدة) لابن النقيب المصري، و(المقدمة الحضرمية) لبافضل وشرحها (بشرى الكريم) لسعيد بن محمد باعشن، وكتاب (زبدة الحديث في علم المواريث) للسيد محمد بن سالم بن حفيظ، وكتاب (فتوحات الباعث شرح تقرير المباحث في أحكام إث الوارث) لأبي بكر بن عبدالرحمن بن شهاب، و(المفتاح لباب النكاح) في الأنكحة لابن حفيظ، و(عدة السلاح في أحكام النكاح) لبافضل مع شرح بامخرمة وتعليق الشيخ محمد بن حفيظ، و(متن الورقات) في علم أصول الفقه للشيخ العمريطي بشرح المالكي، و(المستصفى من علم الأصول) للغزالي، و(إرشاد الفحول إلى علم الأصول) للشوكاني. أما الكتب المطولة فيأتي في طليعتها كتاب (المنهاج) للنووي بشروحه المختلفة كشرح الشربيني، وشرح ابن حجر الهيتمي، وشرح الرملي، وبعض الكتب في المسائل الفقهية ككتاب (بغية المسترشدين) لمفتي تريم عبدالرحمن المشهور.
ومن كتب علم الحديث التي تدرس كتاب (القواعد الأساسية في مصطلح الحديث) لمحمد بن علوي المالكي، وكتاب (التقريرات السنية بشرح المنظومة البيقونية) للشيخ حسن محمد المشاط.
هذا، ويلفت المشايخ الطلاب إلى مطالعة بعض الكتب المطولة من حواشي وشروح لغرض مناقشتهم فيها، وربما أثاروا لديهم بعض التساؤلات حول بعض المسائل، التي تتطلب الإحاطة بها العودة إلى الحواشي، والشروح المطولة، وبعض الكتب الأخرى، التي لا تدخل ضمن البرنامج الأساسي، وكل ذلك يدخل ضمن دروس المراجعة، التي يقوم بها الطلاب، مع الرجوع إلى مشايخهم لحل ما يشكل عليهم من قضايا علمية.
ويدخل ضمن درس الضحى دراسة و حفظ بعض الطلاب من المبتدئين لعقيدة العوام لعبدالله بن حسين بن طاهر، و دراسة بعض الطلاب من المتقدمين لكتاب الجوهرة في التوحيد بشرح الباجوري، وهو كتاب في العقيدة.
ويأتي بعد ذلك درس الظهيرة الذي يأخذ طابع المجلس العام، وفيه تقرأ بعض الأحاديث النبوية من كتاب (الشفاء) للقاضي عياض، و(رياض الصالحين بشرح دليل الفالحين) لابن علان الصديقي الشافعي. وتقرأ بعض أحاديث السيد محمد الهدار المجموعة من جلسات كان قد عقدها في الرباط وتم جمعها في مجموع (الغيث المدرار)، ويغلب عليها الطابع الوعظي التذكيري، بلهجةٍ وَسَطٍ بين العامية والفصيحة. ثم تبدأ الحلقات الخاصة بقراءة القرآن الكريم وتجويده على يد المشايخ المتمرسين.
أما درس العصر فيقرأ فيه صحيح البخاري، وتعقد بعض الدروس الخاصة في بيوت بعض المشايخ للقراءة في (كنز العمال)، وكتب الأمهات الست في الحديث. كما تقرأ بعض كتب التصوف، والتفسير، والسيرة النبوية في هذا الوقت (ويسمى هذا المجلس في رمضان بـالروحة)، أو في أوقات متفرقة كـ(إحياء علوم الدين)، و(كتاب الأربعين) الأصل للغزالي، ورسالة القشيري في التصوف وغيرها. كما تُقرأ بعض كتب التفسير عند بعض المشايخ كتفسير البغوي، وتفسير ابن كثير، وتفسير القرطبي وغيرها. وقد تقرأ بعض كتب السيرة كسيرة ابن هشام وغيره.
ويعقب ذلك درس ما بين المغرب والعشاء، ويخصص لتدريس الفقه على النحو الذي بيَّنَّاه بخصوص دروس الضحى، ويحضر في هذا الوقت، غالبًا، من ينشغلون في وقت الضحى بالأعمال، أو بالدراسة، أو التدريس خارج الرباط.
وتخصص بعض الدروس الفقهية والأصولية للمدرسين، وذلك بعد صلاة العشاء، ويقوم بتدريسهم كبار المشايخ.
هذا كل ما يخص البرنامج الدراسي بصورة عامة (قد يعتورها بعض القصور في الوصف التفصيلي)، وهو برنامج صارم كما هو واضح، لكنه قد يخضع للتعديل عند المناسبات الإسلامية؛ حيث تحل نشاطات أخرى محل الدروس بصورة مؤقتة.
* حِلَق الذكر: الأذكار والإنشاد
يفتتح طالب الرباط يومه بقراءة سورة ياسين، ثم قراءة (الورد اللطيف) للإمام الحداد، وهو مجموع يضم بعض الأذكار الواردة في السنة، ويُقرأ الورد بصورة جماعية قبل أن ينطلق الطلاب إلى دروسهم الخاصة، وتظل حلق الذكر مطَّردة عقب كل صلاة، فقد يقرأ بعض الطلاب بعد صلاة الظهر (ورد الإمام النووي)، و(وحزب الشاذلي) بعد العصر، إلى أن يختم الطالب نهاره بقراءة بعض الأذكار المأخوذة من (راتب الحداد)، وهي أذكار مأثورة في السنة النبوية. وقد تُقرأ رواتب أخرى كـ(راتب العطاس)، و(راتب علي بن أبي بكر السكران). وفضلًا عن ذلك، فإن بعض الطلاب -ناهيك عن المشايخ- يلزمون أنفسهم بتتبع بعض الكتب الخاصة بآداب طالب العلم، وفيها الكثير من الأذكار، ومن الكتب التي تذكر في هذا السياق كتاب (بداية الهداية) للغزالي، وفيه برنامج صارم ينطوي على صنوف العبادات والمجاهدات ومنها الأذكار.
ويضاف إلى حلق الذكر تلك المجالس الروحانية، التي تعقد في الرباط كجلسة ( الحضرة)، التي تردد فيها بعض الأذكار والأناشيد، وجلسة ( المولد النبوي) التي تقرأ فيها كتب الموالد كمولد ابن الديبع الزبيدي، ومولد الحبشي، وغيرهما، وجلسة (الروحة الرمضانية)، وجلسات أخرى تنشد فيها الأناشيد الدينية لبعض شعراء المتصوفة كعلي بن محمد الحبشي، وعبدالله بن علوي الحداد، وعبدالرحيم البرعي، وأحمد بن علوان، والشاطري، وغيرهم.
* العبادة
يحافظ طالب الرباط على العبادات، من أداء للفرائض اللازمة، وقراءة للقرآن، وحضور لمجالس الذكر، ومحافظة على الوضوء، والرواتب، والسنن الأخرى كالضحى والوتر، وقيام الليل بالصلاة، والدعاء، والذكر الفردي.
* الخدمة
يُلزم طالب الرباط بالخدمة المتعلقة بالنظافة، أو بالحراسة الليلية وغير ذلك، وغالبًا ما يُوكل ذلك إلى الراشدين.
2.3 البيئة العلمية: المنجز والامتداد
* المنجز
يتضح مما تقدم أن الرباط بصورته التي تم إيجازها في الصفحات السابقة يعد منجزًا علميًا ضخمًا في بيئة قبلية لم تشهد من قبل ما يماثل هذا الصرح العلمي، ولذلك فلرباط البيضاء قيمة اجتماعية وعلمية مضافة. ونحن هنا لن نطنب في الحديث الإنشائي، وإنما سنتعرض لهذا المنجز من وجهة نظر واقعية، ملخصين أثر تأسيس الرباط العلمي في النقاط الآتية:
– استفادة طلاب العلم من دروس الرباط استفادة كبيرة، فالطالب يدرس بصورة اختيارية، تتحكم فيها روح الإخلاص بعيدًا عن الإلزام المدرسي. ومن هنا فطلب العلم في الرباط من أجل غاية سامية (رضى الله) لا من أجل مصلحة عابرة تنتهي همة الطالب بانتهائها.
– ومن ذلك أن المنطقة شهدت حركة علمية وروحية لافتة، اجتذبت كثيرًا من الطلاب، وجعلت من البيضاء ملتقى للكثيرين، الذين ينتمون إلى خلفيات ثقافية واجتماعية مختلفة، وهو الأمر الذي رشّح المنطقة لتشهد دورًا تثاقفيًا متميزًا.
– شكل رباط البيضاء حلقة وصل بين عدة ربط في اليمن، كرباط تريم في حضرموت، ورباط البطاح في زبيد، ورباط المشهور في أحور وعدن وغيرها.
– ويدخل في هذا الصدد العلاقات الاجتماعية الجديدة، التي نشأت في البيضاء، وأضافت إلى نسيجها الاجتماعي؛ فبعض الوافدين من المشايخ وطلاب العلم إلى البيضاء من حضرموت، وتعز، ويافع، وأبين، وتهامة، وغيرها من المناطق استوطنوا البيضاء، ودخلوا في علاقات اجتماعية عن طريق آصرة الزواج ومن ثمَّ القرابة، وهذا من مظاهر (التعارف) المذكور في القرآن الكريم.
– تطور مدينة البيضاء من الناحية الاقتصادية، فقد أصبح الرباط نقطة جذب لكثير من طلاب العلم والوافدين في المناسبات الدينية، والمناشط الدعوية، وهو الأمر الذي فتح بابًا للحركة التجارية النشطة.
– ويدخل في هذا السياق انتشار الكتب المطبوعة والمكتبات، فقد استحدثت بعض المكتبات في البيضاء -لا سيما في فترة التسعينيات من القرن الماضي (وهي فترة ازدهار الرباط) بعد تحقيق الوحدة اليمنية- لتلبية حاجة طلاب العلم، مما جعل بعض الناس من خارج الرباط يقبلون على اقتناء بعض الكتب الدينية، والأدبية، والتاريخية. ومن أهم المكتبات التي كان لها دور مذكور في النشر مكتبة (المهاجر في البيضاء)، التي كان لها علاقة بنظيرتها في تريم، وبمكتبة الرفاعي في مصر، والإرشاد في صنعاء، وغيرها من المكتبات، ومن خلالها استطاع شباب المنطقة والوافدون من طلاب العلم الحصول على كثير من نفائس التراث الصوفي، والفقهي، واللغوي.
– زيارة بعض الشخصيات الدينية والعلمية الكبيرة للبيضاء من حضرموت، والحجاز، وصنعاء، ومصر، وغيرها. وقد دَرَسَ في الرباط ودرّس فيه بعض العلماء المعاصرين في حضرموت كالسيد عمر بن حفيظ، والسيد زين بن سميط وغيرهما.
– انخرط في الدراسة العلمية في الرباط بعض أبناء القبائل، الذين عادوا من الرباط محمَّلين بالقيم والآداب التي تحث على التسامح، ونبذ عادات التشاحن، والثأر. وقد كان لمشايخ الرباط وعلى رأسهم السيد محمد الهدار أثر بالغ في إزالة كثير من المشكلات الاجتماعية.
– استطاع الرباط بمشايخه المزودين بالأدوات العلمية الشرعية أن يوفر لأهل المنطقة الحلول الشرعية لقضاياهم، وخصوصًا فيما يتعلق بفقه الأسرة، ولأن الحكم الشرعي مفروض قبوله على كل مسلم، حسب التصور الجمعي الحاكم للعقلية الاجتماعية المسلمة، فقد اختصرت الأحكام الشرعية الصادرة من الرباط الطريق الطويل أمام المختلفين، أو المتنازعين.
– استوعب الرباط بعض المشايخ الذين ينتمون إلى بعض المناطق المحيطة والبعيدة في سلك مدرسيه، بعد تلقي بعضهم العلم فيه، وهو الأمر الذي جعلهم دعاة مؤثرين في مناطقهم، كالشيخ عبدالرب اليافعي من مرفد يافع، والشيخ عبدالله صالح الخشيبي من رباط العواذل، والشيخ محمد عبده من تعز، وغيرهم من المترددين على الرباط من الأسر العلمية من آل المسيبيلي في مكيراس وعريب، ومن آل الحريري في يافع، ومن آل باهرمز في لودر وأبين، ومن آل الكوني في العين، وآل الشمسي في عوين. وكذلك من بعض القبائل الكبرى المحيطة كآل عواض، وآل حميقان، وآل عزان، ومن آل سوّاد، وآل ملجم، وآل دبان، وبني عامر، وآل عمر، وغيرهم.
– استحداث بعض الربط العلمية المتفرعة عن رباط البيضاء، كفرع الرباط في البيضاء نفسها، وفي تعز والتي شاركت في نشر العلوم الشرعية والعربية.
* الامتداد
يُعدُّ رباط البيضاء امتدادًا لمدرسة تريم العلمية والروحية، فمؤسسه كان من طلاب تريم، وتتلمذ على كبار مشايخها، وقد نقل النموذج التريمي العلمي والفكري إلى البيضاء، ويمكن أن نلخص قضايا هذا الامتداد من خلال عرض النقاط الآتية:
الناحية المادية:
ونقصد بذلك أن فكرة بناء الرباط (في صورته المادية)؛ بوصفه بناء مشيدًا انطلقت من تصور له تراث تاريخي، ويتجلى أكثر ما يتجلى في التراث الصوفي الإسلامي، وقد سبق أن أشرنا إلى ما ذكره السهروردي في (عوارف المعارف) عن ربط الصوفية وآدابها، وقد شبهها في شكلها التعاوني الجماعي بحال أهل الصُّفَّة في العهد النبوي.
لكنّ ما يظهر في حال رباط البيضاء هو حضور النموذج التريمي في تصور المنشئ بصورة خاصة، فبعد دراسته في تريم، وتأثره بالشخصية العلمية والروحية لمدير رباط تريم السيد الشاطري أسس هذا الرباط بناء على إشارة من شيخه؛ ولعل الشيخ كان يرى في تلميذه من المؤهلات والاستعداد ما جعله يشير عليه بذلك. ومن هنا ارتسمت الصورة الهيكلية التنظيمية لرباط تريم في رباط البيضاء، سواء من حيث التنظيم التراتبي للتدريس، والتلقي عن المشايخ، أم من حيث التقسيم لأوقات حلقات الدرس، ومجالس الذكر.
الناحية الفكرية:
ونقصد، هنا، المحتوى الفكري، الذي جعل من الرباط مؤسسة قابلة للتأسيس المبدئي وللاستمرار، وهو الأمر الذي يقودنا للنظر في المرجعية الفكرية للمؤسِّس، ولا بد أن نرجع هنا إلى بعض آثاره الفكرية، وإلى ما كتب عنه، ولعل من أصدق ما يعبر عن وجدان الإنسان وأفكاره تلك الرسائل الشخصية، التي يذكر فيها ما يؤمن به، وما يحب أن يبثه في الآخرين، ولا سيما إن كان هذا الإنسان قد أوقف نفسه وجهده من أجل الدعوة إلى ما يؤمن به، وبين يدي كتاب (المختار من مراسلات الداعي إلى الله محمد الهدار)[34]، وفيه مراسلاته الموجهة -في غالبها- إلى أولاده، والتي يحثهم في جلها على الاهتمام بالمعرفة الشرعية، مع مطالعة بعض الكتب في التصوف ككتب الغزالي والحداد وغيرهما، وحتى نجمل القول عن المرجعية الفكرية التي أشرنا إليها سنعمد إلى اقتطاف فقرات خاصة من تلك المقدمة الضافية التي قدم بها السيد حسين بن محمد الهدار الكتاب، وأشار فيها إشارات واضحة إلى المنطلقات الفكرية لتصوف والده. يقول في هذا الصدد: »وتصوفه رحمه الله كان مبنيًا على الشريعة المطهرة، فقد كان شغوفًا بكتب التصوف ( كإحياء علوم الدين)، و( منهاج العابدين)، و(الأربعين الأصل) للإمام الغزالي، و(لواقح الأنوار القدسية)، و(تنبيه المغترين) للشعراني، وسلسلة الإمام الحداد، ومراسلاته، وديوانه، وكان يحذر من قراءة كتب الشيخ ابن عربي، ويفيد أنها دست عليه، وفيها كثير من الأمور الخارجة على الدين وبالذات (الفتوحات المكية)، و(الفصوص)، فقد لا يحسن القارئ فهم عبارة الكتاب، فيؤولها على فهم مخالف لمقصودها، ويكرِّر المقولة (مَنْ تصوّفَ قبلَ أنْ يتفقَّهَ تَزَنْدَقَ)، وكان لا يقيم وزنًا لتصوفٍ لم يرتبط بالشريعة، ويرفض ذلك التصوف، ويرى أن حقيقة ثمرة الإيمان هو التصوف، وأنه الإحسان المشار إليه في حديث جبريل عليه السلام، ولا يتأتى ذلك إلا بعد معرفة الإسلام، والإيمان، ومقاصد الشريعة وأحكامها، وأنه لا يتم الوصول إلى لبّه إلا بالعلم، ومن دون العلم انزلق كثير من روّاد هذا الطريق في هاوية الضلال، كما كان يُجلّ مشايخ التصوف كابن عربي، والحلاج، وأبي يزيد البسطامي، وغيرهم من مشايخ الطرق، وبالذات رجال (الرسالة القشيرية)، و(المشرع الروي)، و(طبقات الخواص)، و(جامع كرامات الأولياء)، ويعدهم أئمة في الدين… إلخ«[35].
وقد نقلنا هذا النص بطوله لأنه ينطوي على تلخيص جيد لما نحن بصدده، ويفتح أمامنا بابًا لرسم ملامح المرجعية الفكرية التي تبناها السيد الهدار، وكانت عماد المدرسة التي نهل منها، وعمل على ترسيخ تقاليدها في رباط البيضاء، ويمكن أن نلخص ما نستنتجه منها في الفقرات الآتية:
تتبنى هذه المدرسة ما يمكن أن نطلق عليه مدرسة التصوف الإسلامي الوسطي، ومن لوازم هذا التبني الفكري الربط بين الحقيقة والشريعة، من حيث أن الحقيقة هي لب الشريعة وعليها مدار قبول الأعمال، ومن الملاحظ أن الكتب التي تم سردها في النص المقتبس تنزع هذا المنزع التكاملي، فـ(إحياء علوم الدين) وهو أهمها كتاب في الشريعة والحقيقة، أي أنه يعرض للأحكام والآداب الشرعية من خلال رؤية عرفانية، تضع في أولوياتها المعرفة الحقيقية بالله، والبحث العميق في بواطن النفوس، حتى تتم هذه المعرفة على نحو صحيح. ومن هنا كان الربط بين المعرفة الربانية التي هي اللب، والمعرفة الشرعية التي هي الظاهر ربطًا عضويًا ضروريًا، فلا فقه بلا تصوف، ولا تصوف بلا فقه، فهذه الطريقة تنفي عن نفسها الدروشة المجانية؛ إذ إن عماد الأمر فيها هو التبحر في علوم الشريعة، مع التخلق بأخلاق العارفين.
وعلى ذلك، يمكن أن نتبين أن هذه المدرسة المتصلة اتصالًا وثيقًا بمدرسة تريم؛ إذ هي امتداد طبيعي لها لا تولي أي اهتمام لتصوف فارغ من محتواه الإسلامي. فهي تتبع كالمدرسة التريمية الأم تصوف الإمام الغزالي، وهو التصوف الذي تجذّر في حضرموت بالاهتمام البالغ الذي أولاه الإمام عبدالله بن علوي الحداد له، فكُتُبُ الحداد تلخِّص وتفرِّع المادة الغزالية في التصوف، ولهذا تنال هذه الكتب ما تناله كتب الغزالي من اهتمام فهي تنويع عليها، وإعادة نظر فيها.
ومما يلفت النظر في النص المقتبس الحديث عن الإجلال والتقدير للشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي، وللشيخ الحلاج، وللشيخ البسطامي، وذلك أن هذه الشخصيات الثلاث إشكالية في تاريخ التصوف الإسلامي، فالموروث الفلسفي للأول والعبارات الإشكالية المشهورة للثاني والثالث تجعل الحيرة حائمة حول الأحكام الصادرة في حقهم. ولذلك كان موقف هذه المدرسة الكف عن التعرض لهم بأي تجريح، والحقيقة أن هذا الموقف الذي يبرئ ابن عربي والبسطامي والحلاج هو موقف يلقى تأييدًا من بعض علماء المسلمين القدامى كالشعراني، والحرضي، وابن العماد، وابن المقريء، وغيرهم[36]، ومن بعض المفكرين الإسلاميين المعاصرين كالشاعر المفكر محمد إقبال، والشيخ الدكتور عبدالحليم محمود، وغيرهما[37]. ونحن نقول (بعض) لأن كثيرًا من الفقهاء عارضوهم، بل نقدوهم نقدًا مريرًا إلى أن وصلت الحال ببعضهم إلى حد التكفير.
يبقى أن نشير إلى أن هذه المدرسة تولي جل اهتمامها للدراسة الفقهية الشرعية كما اتضح من كم الكتب الفقهية والشرعية التي يتم تعاطيها في برنامجها الدراسي، فهي مدرسة فقهية بامتياز، تهتم بالدراسة الشرعية حتى لا يدخل طلابها في تهويمات روحانية تبتعد بهم عن جادة الشرع، وهذه المدرسة هي مدرسة التيار العريض لمتصوفة اليمن عامة -مع بعض الاستثناءات-، ومتصوفة حضرموت خاصة، التي لم يكن بين النزعة الفقهية ونزعة التصوف فيها من تعارض منذ تأسيسها،كما يشير إلى ذلك الأستاذ عبدالله الحبشي في كتابه عن الصوفية والفقهاء في اليمن[38]، فالطريقة المتبعة لديهم صوفية، والعقيدة أشعرية، مع اعتصام بفقه راسخ في أصول الشريعة وفروعها؛ وهم لا يكتفون بما يعرف في التراث بـ(فقه النفس) وهو فقه الكليات، بل يخوضون في دقائق هذا العلم خاصة؛ لأنه علم يتعدى فيه النفع للنفس إلى النفع للآخرين من خلال الفتوى.
لكن هذا الفقه سيكون مجرد حرفة يحترفها البَرُّ والفاجر ما لم يتوَّجْ بعلوم القلوب، التي اهتم بها الغزالي في إحيائه، وغيره ممن ساروا على نهجه كأعلام المدرسة التريمية، يقول السيد محمد الهدار في خاتمة إحدى رسائله: »رزقنا الله وإياكم كمال العلم والعمل والخوف والورع والإخلاص، وهذه الخمس هي طريقة سادتنا آل باعلوي، كما أفاد سيدنا الإمام أحمد بن زين الحبشي«[39]. ونحن نجد في هذه المراسلات، وفي غيرها من أحاديثه كـ(الغيث المدرار) ما يؤكد هذا النهج التكاملي بين الفقه والتصوف، أو بين الحقيقة والشريعة.
ولعل فيما أوردناه سابقًا ما يرسم صورة عن تلك المدرسة، التي تم ترسيخ بنيانها في البيضاء على مدار نصف القرن الماضي.
[1]) قدم هذا البحث في مدينة تريم حضرموت ضمن تريم عاصمة الثقافة الإسلامية – مؤتمر الوسطية في الإسلام في ديسمبر 2010م. ويطيب لي أن أتقدم بجزيل الشكر للصديق العزيز محمد عبدالله الخلاقي الذي أمدني ببعض المراجع القيمة حول الموضوع وبكثير من المعلومات عن رباط البيضاء.
[2]) للحضارم هجرات مشهورة تبتدئ في عصر الإسلام بهجرتهم إلى المدينة المنورة ومكة، ثم إلى مصر والشام والعراق والأندلس وشمال أفريقيا وشرقها وجنوب شرق آسيا، وغيرها من المناطق. يقول سقاف علي الكاف -وقد استقصى هذا الموضوع بإيجاز- عند حديثه عن هجرتهم إلى شرق أفريقيا: »ولهم الفضل في نشر الإسلام في هذه المنطقة، وكادوا يجعلونها بلادًا عربية ناطقة بالضاد مسلمة تمامًا أو غالبًا«، وهذا ينطبق في جملته على كثير من المهاجر الحضرمية. لمعرفة المزيد عن هذا الموضوع يمكن الرجوع، تمثيلًا لا حصرًا، إلى: سقاف علي الكاف، حضرموت عبر أربعة عشر قرنا، مكتبة أسامة، بيروت، ط1، 1410هـ/ 1990م، ص116 وما بعدها.
[3] ) ينظر: صالح بن علي الحامد، تاريخ حضرموت، ج1، ط2، مكتبة الإرشاد، صنعاء، 1423هـ/ 2003م، ص282 وكذا ص293 وما بعدها.
[4] ) نفسه، ص308.
[5] ) نفسه، والصفحة نفسها.
[6] ) نقلًا عن المرجع السابق نفسه، ص313.
[7] ) يهتم المتصوفة بتأسيس الربط، وقد ذكر السهروردي في كتابه (عوارف المعارف) أحوال المتصوفة في ربطهم، وشبههم بأهل الصفة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وتكلم عن آداب الخدمة والمعاشرة بين الإخوان داخل الربط. ينظر: الإمام السهروردي، عوارف المعارف، بهامش إحياء علوم الدين، مج5، دار إحياء الكتب العربية – فيصل البابي الحلبي، القاهرة، د.ط، د.ت. ص106- 114.
هذا، وقد انتشرت الربط في حضرموت ومنها: »رباط سيئون، ورباط غيل باوزير، ورباط قيدون، ورباط عينات، ورباط الشحر«. ينظر حول ذلك: سقاف علي الكاف، حضرموت عبر أربعة عشر قرنا، ص73.
[8]) ينظر: سالم بن عبدالله بن عمر الشاطري، انتشار المذهب الشافعي في بعض البلدان الإسلامية من حضرموت، بحث منشور نسخة Pdf، على موقع رباط تريم الإلكتروني، ص4، ص5.
[9]) يرجع حول هذا الموضوع إلى المرجع السابق ص5، وإلى: تاريخ حضرموت، للحامد، ج1، ص323 وما بعدها. وممن ذهب إلى اعتناق الإمام المهاجر لمذهب الإمام الشافعي مؤلف (المشرع الروي) الشيخ محمد بن أبي بكر الشلي، وهو من مشايخ الإمام عبدالله بن علوي الحداد.
[10]) سالم بن عبدالله الشاطري، انتشار المذهب الشافعي في بعض البلدان الإسلامية من حضرموت، ص5.
[11]) من أجل معرفة المزيد حول هذه القضية يمكن الرجوع إلى المرجع السابق، ص7 وما بعدها.
[12]) لأبي الحسن الأشعري الكثير من الكتب، وقد قيل إنها تبلغ230 مؤلفًا، ومن أهمها (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين)، الذي أخرجه وحققه المستشرق الألماني هلموت ريتر، و(الإبانة عن أصول الديانة)، الذي رد فيه على المعتزلة، و(الرد على المجسمة) وغيرها.
[13]) د. يوسف القرضاوي، الشيخ الغزالي كما عرفته: رحلة نصف قرن، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1420هـ/ 2000م، ص83.
[14] ) ينظر: صالح بن علي الحامد، تاريخ حضرموت، ج2، ص729.
[15] ) الإمام أبو حامد الغزالي الطوسي، جواهر القرآن، تحقيق: الدكتور الشيخ محمد رشيد رضا قباني، دار إحياء العلوم، بيروت- لبنان، ط2، 1406هـ/ 1986م، ص41 وص42.
[16] ) ربما احتاج هذا الأمر إلى بحث مستقل.
[17] ) عبدالقادر بن شيخ بن عبدالله العيدروس، تعريف الأحياء بفضائل الإحياء، بهامش إحياء علوم الدين، مج5، دار إحياء الكتب العربية – فيصل البابي الحلبي، القاهرة، د. ط، د. ت، ص6
[18] ) حسين بن محمد الهدار، هداية الأخيار في سيرة الداعي إلى الله محمد الهدار، فرع الدراسات والمناهج وخدمة التراث- رباط الهدار للعلوم الشرعية، البيضاء، ط2، 1420هـ/ 2000م، ص79
[19] ) ينظر هذا البيت الشعبي في المرجع السابق، ص81، وهو مما يتداوله بعض المسنين حتى اليوم.
[20] ) يؤرخ المؤلف في كتابه ذاك لسيرة والده لكنه يستعرض -بعقلية المؤرخ الحصيف- تاريخ المنطقة عامة في علاقتها بكل ما حولها، وفي حواشي الكتاب من التراجم لكثير من العلماء والأعيان ما يوفر كثيرًا من الجهد على الباحثين. ولقد استفدت من قراءة هذا الكتاب كثيرًا عند إعدادي لهذه الورقة البحثية المتواضعة.
[21] ) المرجع السابق نفسه، ص69 وص70.
[22] ) نفسه، ص13.
[23]) نفسه، ص210.
[24]) ينظر ترجمته في: حسين الهدار، هداية الأخيار، ص204.
[25]) نفسه، ص137.
[26]) نفسه، ص204.
[27]) نفسه، ص360.
[28]) نفسه، ص138.
[29]) نفسه، ص254
[30]) ر. بودون و ف. بوريكو، المعجم النقدي لعلم الاجتماع، مادة (تأثير)، ترجمة: د. سليم حداد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، ط2، 1428هـ/ 2007م، ص116.
[31] ) ربما كان مثال المدينة المنورة بسكانها من الأوس والخزرج أوضح مثال -في سياق التاريخ الإسلامي- على ما نومئ إليه هنا.
[32] ) ولد محمد بن عبدالله الهدار من آل أبي بكر بن سالم العلوي الحسيني في قرية عزة بالبيضاء – اليمن سنة 1340هـ، ودرس على يد والده، ثم على مفتي البيضاء -آنذاك- محمد بن حسين الهيتمي، ثم درس في تريم عدة سنوات، وقد تلقى العلم هنالك على يد مجموعة من العلماء، وبعد عودته أسس رباط البيضاء، وأشرف عليه، وكانت له العديد من الرحلات إلى دول عدة، وألف العديد من المؤلفات الدينية، وتوفي سنة 1418هـ ودفن بمكة. وقد كان آية في العلم والعبادة والدعوة والإصلاح الاجتماعي. ولمعرفة المزيد عن كل جوانب حياته يمكن الرجوع إلى كتاب (هداية الأخيار) لحسين بن محمد الهدار.
[33] ) لمعرفة المزيد عن برنامج الرباط يمكن الرجوع إلى: حسين بن محمد الهدار، هداية الأخيار، ص370 وما بعدها.
[34] ) الكتاب لم ينشر بعد في حدود علمي، وهو ما زال منسوخًا على آلة الحاسوب، وقد حصلت على نسخة ورقية منه من بعض الزملاء. وهو بتقديم وترتيب: حسين بن محمد الهدار، ويقع في مائتين وسبع صفحات.
[35]) من مقدمة (المختار من مراسلات الداعي إلى الله محمد الهدار)، ص14، وص15.
[36]) ينظر: الحاشية بصفحة 15 من المرجع السابق نفسه.
[37] ) يطلق محمد إقبال على الحلاج الولي الشهيد في كتابه (تجديد الفكر الديني)، ويطلق عبدالحليم محمود على البسطامي سلطان العارفين في كتابه (أبو يزيد البسطامي سلطان العارفين).
[38] ) عبدالله محمد الحبشي، الصوفية والفقهاء في اليمن، مطبعة دار نشر الثقافة، القاهرة، 1396هـ/ 1976م، ص24.
[39] ) حسين بن محمد الهدار، مراسلات الداعي إلى الله محمد الهدار، ص109.