أضواء
د. خالد حسن الجوهي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 10 .. ص 12
رابط العدد 10 : اضغط هنا
تمهيد
تشكل وثائق الإرشيف العثماني، وإرشيف قصر (طوب قابي) في مدينة إستانبول التركية، مصادر مهمة في دراسة تاريخ الجزيرة العربية.
حيث يمكن تقسيم تصنيفات الإرشيف العثماني المتعلقة بالعالم العربي إلى قسمين:
الأول: تصنيف الدفاتر، والثاني: تصنيف الوثائق.
تصنيف الدفاتر والتي منها:
تصنيف الوثائق
وتشكل الوثائق الجزء الأكبر لـ600 سنة من عمر الإمبراطورية العثمانية، ومنها:
وسوف نستعرض عددًا من الوثائق العثمانية المتعلقة بالشأن الحضرمي، ومعظمها ذات طابع سياسي.
ففي خطاب وجهه السيد فضل بن علوي مولى الدويلة إلى السلطان عبدالمجيد، ذكر فيه أحوال بلاده حضرموت، وما يسودها من صراعات وتناحر، وقدم السيد فضل في رسالته عدة مطالب واقتراحات من شأنها أن تنهي الحالة المزرية التي تعيشها بلاده حضرموت، وذلك من خلال دعم السلطان الكثيري غالب بن محسن ضد خصومه، ومن ثمَّ وضع حضرموت تحت السيادة العثمانية.
تحمل الوثيقة تصنيف رقم 1624/ 39 IMMS، وفيها طلب السيد فضل من السلطان العثماني أربعة مطالب رئيسة، تندرج تحتها مطالب فرعية، وهذه المطالب الرئيسة كالآتي:
أولًا: أن تعمل الدولة العثمانية على الاستعداد للسيطرة على مينائي الشحر والمكلا، وأن تكون البداية بالرسو في ميناء قصيعر الذي يقع تحت سيطرة آل كثير، ومن ثمَّ محاصرة البندرين الشحر والمكلا، حيث أورد في هذا الخطاب تفاصيل هذه العملية العسكرية.
ثانيًا: إن السيطرة على هذين الميناءين سوف يبث الرعب في قلوب السكان إذا تعطلت أعمالهم ونشاطهم البحري، وتصبح كل القبائل تحت طوع النفوذ العثماني، وعندها تستطيع الدولة العثمانية ترتيب وضعها السياسي في هذه المنطقة.
ثالثًا: شرح فيها أن حضرموت بلاد غنية، ولكن مع كثرة الاختلافات فيما بين القبائل خربت البلاد، وأن أدنى عمارة لها سوف ترجع البلاد إلى سابق عهدها، وبيَّنَ للعثمانيين أنه وصلت إليه رسائل من رؤساء قبائل حضرموت يطلبون فيها وضع بلادهم تحت النفوذ العثماني.
رابعًا: في حالة خضوع البندرين وضبطهما عسكريًا لصالح العثمانيين يستطيعون حينها تسخير حضرموت للدولة العلية، وتعيين الأمير غالب بن محسن الكثيري واليًا على هذه البنادر؛ لكي يتمكن حينها من تطويع القبائل وينفذ فيها أوامر الدولة العثمانية، حيث إن العرب إذا فهموا وعرفوا محاسن الدولة، وحُسن تدبير أمور الرعية انصاعوا لها، كما إن الحكمة تقتضي استخدام أسلوب الترغيب والترهيب. انتهى.
إن السيد فضل وفي ظل احتدام الصراع بين يافع وآل كثير من أجل السيطرة والنفوذ على حضرموت، قد حدد موقفه من هذا الصراع شأنه شأن بقية العلويين إلى جانب آل كثير، ولهذا أراد الاستعانة بالعثمانيين ضد الدويلات اليافعية القائمة آنذاك.
في (القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي)، بدأت الدعاية العلوية تقوم بنشاط واسع ونشط لمؤازرة آل كثير ضد قبائل يافع، مستغلِّين نفوذهم لدى السلطنة العثمانية وأشراف الحجاز، وكان من بين هؤلاء العلويين الذين كان لهم دور في هذه الحملة الدعائية ضد قبائل يافع السيد علي بن عمر بن محضار العيدروس، والسيد إسحاق بن عقيل العلوي نقيب السادة العلويين في الحجاز، والسيد فضل بن علوي مولى الدويلة، والسيد عبدالرحمن بن حسين بن سهل العلوي.
ففي وثيقة تحمل تصنيف رقم 6/ 4 Y.PRK.TKM أرسل السيد عبدالرحمن بن حسين بن سهل جمل الليل خطابًا إلى السلطان عبدالحميد الثاني، مؤرخ بتاريخ 17 شوال 1297هـ/ الموافق 22 سبتمبر 1880م، ومضمون الخطاب هو الطلب من السلطان العثماني ضم حضرموت للنفوذ العثماني حتى تستقر أحوال البلاد السياسية والاقتصادية.
وفي ما يلي نستعرض مضمون الخطاب:
بدأ الخطاب بالبسملة والدعاء للسلطان العثماني عبد الحميد الثاني بقوله: »نقبِّل أقدام سلطان البرين، وخاقان البحرين، أمير المؤمنين، حامي بيضة الإسلام، مولانا الغازي عبدالحميد بن عبدالمجيد خان خلَّد الله ملكه ونصره على أعداء الدين والظالمين آمين..«. بعدها أشار الخطاب إلى أنه قد تم التواصل منذ خمسة عشر عامًا مع السلطان عبدالعزيز في أثناء حياته عن طريق وسطاء منهم القنصل الفرنسي في العاصمة العثمانية الأستانة، والثاني عن طريق شريف مكة المكرمة السيد عبدالمطلب أمير مكة، ليتواصل مع الباب العالي، والثالث عن طريق الإنجليز في عدن، مشتكين مما نحن فيه وطالبين نجدته، ولم نقف على جواب من الجميع.
بعدها شرح الخطاب الحالة التي تعيشها حضرموت وأهلها من الظلم الذي لحق بهم من قبل ولاتها القعيطي والكثيري، كما أشار إلى موضوع تعيين السيد فضل بن علوي على ظفار من قبل الدولة العلية.
(حيث استغل السيد فضل علاقته الطيبة بالسلطان عبدالحميد، وحصل على فرمان بتوليته على إقليم ظفار، بعد أن أعطته رتبة وزير، وذلك تطبيقًا للقوانين المرعية حتى يتمكن من حكم ظفار تحت السيادة العثمانية، وقد صدر هذا الفرمان سنة 1292هـ/ 1874م، وبعد حصوله على هذا الفرمان توجه باتجاه ظفار، وهناك بايعه أهلها على السمع والطاعة، واستمر يحكمها حتى سنة 1296هـ/ 1879م).
نرجع الى موضوع الخطاب فقد أبدى السيد عبدالرحمن بن سهل سروره بهذا التعيين، وأنه كان يأمل في هذا التعيين وما سوف يرد إلى خزينة الدولة من مكاسب، وبيَّن فيه أن الدولة العثمانية سوف يدخل خزينتها بعد خمس سنين ما يقارب خمسة مليون سنويًا بعد أن يتم استقطاع مجمل نفقات الجيش، وأنه متأكد من هذه النتائج؛ لأن حضرموت أرضها مثل الذهب.
وفي نهاية الخطاب أشار السيد عبدالرحمن بن سهل أنه قد خاب أمله بعد أن سمع بقرار الدولة العثمانية عزل السيد فضل عن ظفار، وشرح تأسفه عن تجاسره لمخاطبة السلطان بهذا الشأن.. انتهى.
ويبدو من هذا الجواب أنه كان يأمل من السلطان العثماني أن يتراجع عن قراره بشأن العزل، وأن تعمل الدولة العثمانية على مد نفوذها مرة أخرى على ساحل حضرموت الممتد آنذاك من ظفار شرقًا إلى عين بامعبد غربًا.
كما توجد العديد من المراسلات بين عدد من الشخصيات الحضرمية وبين السلطات العثمانية موجودة لدى الإرشيف العثماني، ومعظمها كان يتناول فيه الوضع السياسي في حضرموت، وسعيهم الحثيث لكي تدخل حضرموت تحت النفوذ العثماني؛ حيث كانوا يأملون أن تستقر البلاد، ويتحسن وضعها الاقتصادي والاجتماعي.
ولكن الواقع أن سعي هؤلاء لمثل هذا التدخل كان يقع ضمن التنافس السياسي على السلطة؛ حيث عملت بعض الأطراف على إيجاد توازن في العلاقات الخارجية بين حضرموت والدول الكبرى، وبما أن يافع ترتبط بعلاقات مع بريطانيا، اتجه الطرف الآخر إلى الدولة العثمانية كونها منافسًا لها في المنطقة.
وقد تبنى العلويون هذا السعي من خلال تحالفهم مع آل كثير خصوم القعيطي سياسيًا، مستغلين علاقاتهم الطيبة التي تربطهم بالعثمانيين.
ومن بين هؤلاء العلويين الذين لعبوا دورًا في هذا الصراع، السيد إسحاق بن عقيل العلوي نقيب السادة العلويين بمكة المكرمة.
ولد السيد إسحاق بمكة المكرمة، وتلقَّى العلم عن أفاضل علمائها، له الشعر الفائق، والنظم الرائق، أخذ عن والده، وعن الشيخ عمر بن عبد(رب) الرسول الحنفي المكي، تولى السيد إسحاق مشيخة السادة العلوية عام 1243هـ/ 1827م بأمر من الشريف محمد بن عون أمير مكة المكرمة.
وقد اعتنى السيد إسحاق بالشأن الحضرمي من خلال تدخله في الحياة السياسية، وسعيه إلى الوقوف مع أحد الأطراف المتصارعة في حضرموت، وهم آل كثير ضد يافع؛ إذ نجحت مساعيه في تشكيل قوة عسكرية بدعم من العثمانيين وأشراف مكة المكرمة (محمد بن عون)، ووصلت هذه القوات إلى ميناء بروم والمكلا والشحر وذلك سنة 1266هـ/ 1849م.
كما قام السيد عبدالله بن عمر بن يحيى العلوي بجمع عدة توقيعات من قبل رؤساء حضرموت ووجهائها مرفوعة إلى والي الحجاز العثماني آنذاك حسيب باشا، والشريف محمد بن عون شريف مكة المكرمة آنذاك، وبتنسيق من قبل السيد إسحاق بن عقيل العلوي، داعين السلطنة العثمانية وأشراف الحجاز الوقوف إلى جانبهم ومساعدتهم في حربهم ضد القوى اليافعية، وقد استطاع العلويون من إقناع العثمانيين وأشراف مكة المكرمة على إرسال حملة عسكرية إلى حضرموت.
كما يحتفظ الإرشيف العثماني بالعديد من الوثائق التي تخص حضرموت، وهي عبارة عن تقارير تفصيلية بعث بها مسؤولوها الموجدون في اليمن في أثناء سيطرتهم عليها ووجودهم الأول والثاني فيها، يشرحون فيها الحالة السياسية والاقتصادية في البلاد، وذلك في إطار المنافسة على السلطة والنفوذ في اليمن بينهم وبين البريطانيين.