أضواء
خالد سعيد مدرك
قبل التصدير
تغنَّ في كلِّ شِعْرٍ أنتَ قائلُهُ إنّ الغِناءَ لهذا الشِّعْرِ مِضْمارُ
يَميزُ مُكفَأَهُ عَنهُ و يَعـزلـهُ كما تَمِيزُ خَبيثَ الفضّةِ النارُ (1)
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 11 .. ص 32
رابط العدد 11 : اضغط هنا
لم يكن أحد يعلم من أسرة الفنان الكبير أبي بكر سالم بلفقيه بأن ميلاد ابنهم أبي بكر في السابع عشر من مارس من عام 1939م(2) سيكون يومًا تاريخيًا مشهودًا ومهمًا، له قيمته ورمزيته، وسيؤرخ في سيرة حياة وليدهم بكل فخر واعتزاز، وسيحتفل به على مر الأيام وكر الأعوام؛ لأنه ميلاد فنان حضرمي كبير، ملأ الدنيا، وشغل الناس بفنه الغنائي والموسيقى، الذي تميز بخصائص ومميزات فنية وموسيقية نادرة، مكَّنته من تقديم الكثير والكثير من القصائد المغناة، أثرى بها المكتبة الغنائية والموسيقية الحضرمية واليمنية بل والعالمية، واستحق بذلك أن يطلق عليه عملاق الغناء والطرب الحضرمي الأصيل، وسفير الأغنية الحضرمية واليمنية إلى العالم العربي والعالم كافة بعد أن تجاوزت شهرته حدود حضرموت واليمن إلى بلاد العرب والعجم، كافة إذ استقبلت بلاده حضرموت وتلك البلدان الخارجية أغنياته الرائعة والجميلة بالترحاب والإعجاب والاندهاش!! وأي اندهاش!!
ولم يكن الفنان أبوبكر سالم بلفقيه فنانًا موهوبًا ومفطورًا يجيد غناء القصائد الشعرية لفطاحل وكبار الشعراء الحضارم والعرب الكبار ومن دونهم، بل »يعد أبوبكر سالم شاعرًا جيدًا لديه مجموعة شعرية كبيرة، يمكن أن يضمها أكثر من ديوان، فهو يطوع الكلمات على حسب ما يريد وما يتناسب مع صوته، وعلى اللحن الذي يستهويه، وهو بحاجة إلى حفظ وتسجيل وتوثيق كل أعماله منذ بداية مشواره الفني حتى اليوم، لأنه يعد مدرسة فنية متكاملة يجب الاستفادة منها«(3).
السفر إلى بيروت:
لقد كان قرار الفنان أبي بكر سالم بلفقيه بالذهاب إلى مدينة بيروت بشكل مؤقت في بادئ الأمر، ثم استقر بها نهائيًا قرارًا تاريخيًا مهمًا وتصرفًا سليمًا؛ فقد وجد في بيروت البيئة المناسبة لإطلاق موهبته بشكل أفضل وأسرع وأجود، من حيث وجود العديد من الفنانين اللبنانيين والعرب الكبار والمشاهير، بالإضافة إلى وجود الفرق الموسيقية المتطورة، وشركات الإنتاج والتوزيع الفني، وزيادة إلى ذلك احتكاكه وتعاونه مع الكثير من الفنانين اللبنانيين من جيله، على سبيل المثال الفنانة نجاح سلام، والفنانة هيام يونس.
»وعلى الرغم من ازدهار الحركة الفنية والثقافية في عدن إلا أن أبوبكر سالم بلفقيه لم يشأ أن يتوقف كثيرًا عند مرحلة التأسيس الفني في (عدن) التي لا صوت يعلو فيها فوق أصوات الفنانين الكبار محمد جمعة خان، عوض المسلمي، علي باشراحيل، وأحمد الجراش، ومحمد سالم بن شامخ، ومحمد سعد عبدالله، إضافة إلى الأوضاع السياسية التي تعيشها عدن، فآثر أن يسافر بفنه إلى وجهة أكثر صخبًا من عدن، ومن شأنها أن تصل بالأغنية الحضرمية إلى أفق أوسع مما هي عليه، فسافر إلى بيروت العاصمة اللبنانية وذلك عام 1958م، وكانت هذه نقطة التحول في حياته التي أشعلت بداخله جذوة الحنين الأبدي إلى مسقط رأسه، وفجرت داخله مكامن الإبداع وصقلت شخصيته بوصفه فنانًا، وفي تلك المرحلة أطلق روائعه الغنائية مثل (24 ساعة)، و(متى أنا أشوفك)، والتي كانت من لحنه وكلماته.
يقول بلفقيه عن رحلته إلى بيروت »كان يراودني الحلم بأن أغني الأغنية الحضرمية وخلفي الأوركسترا، وأن أخرجها من النطاق الضيق الغناء بالعود والإيقاع فقط، ونجحت في ذلك بين عامي 1960- 1961م«.
وفي مرحلة بيروت قدم تعاونات فنية، مثل أغنية (من نظرتك يا زين) مع نجاح سلام، وأغان مع هيام يونس، وتعلق بلبنان إنسانًا وفنًا، وظل يتردد بين بيروت وعدن مرورًا بجدة«(4).
»لقد كانت إقامة الفنان أبوبكر سالم بلفقيه في بيروت بعد مغادرته إليها في عام 1958 ميلادية إقامة شبه مستقرة هناك في حي الروشة، وسجلت معظم أعماله الفنية الغنائية في تلك الحقبة هناك، واستطاع أن يوسع انتشاره إلى جميع أنحاء الوطن العربي إلا أنه غادر بيروت في عام 1975م بسبب الحرب الأهلية هناك، وعاد إلى وطنه، واستقر في عدن مدة قصيرة وغادرها ليستقر بعدها في مدينة جدة.
وبعد النجاح الذي حققه أبوبكر سالم بلفقيه في تلك المدة بعد عام 1958م، كان ينبغي عليه أن يشق طريقه وحيدًا دون مساعدة من أحد من أجل مزيد من النجاح ومزيد من الشهرة والاكتساح.
خرج أبوبكر سالم في أعماله الفنية عن الإطار المحلي إلى الإطار العربي حينما سافر إلى مدينة بيروت، وقام بتسجيل عدد من أغانيه التي سبق تسجيلها لإذاعة عدن وتوزيعها موسيقيًا، وشارك في عدد من الحفلات في دول الخليج العربي، وأشهر أغانيه التي ظهرت في هذه المدة أغنية (24 ساعة)، التي نال عليها (الكاسيت الذهبي) من إحدى شركات التوزيع الألمانية، لتوزيعها أكثر من مليون نسخة من هذه الأغنية، وأغنية الحلاوة كلها من فين، وعدد من أغاني الشاعر لطفي جعفر أمان، والشاعر حسين أبوبكر المحضار، وظل بلفقيه يتنقل بين بيروت ومدينة عدن مدة.
ثم هاجر الفنان القدير والمبدع أبوبكر سالم بلفقيه إلى مدينة بيروت في عام 1387 هجرية الموافق للعام 1967م واستقر فيها، وغنى له في هذه المرحلة عدد من المطربين اللبنانيين، ومن أشهر أغانيه في هذه المرحلةة (كل شيء إلا فراقك يا عدن)، و(يا طائرة طيري على بندر عدن)، ثم انتقل إلى الكويت فعاش فيها مدة انتقل بعدها إلى مدينة الرياض فاستقر فيها، وحصل على الجنسية السعودية، وغنى للسعودية عددًا من الأغاني مثل: (يا مسافر على الطائف)، (إلا معك في الرياض) و(برج الرياض)، و(يا بلادي واصلي)، كما غنى لكل من الملكين (خالد بن عبدالعزيز) و(فهد بن عبدالعزيز).
وبعد الظهور الملحوظ لنجم أبوبكر على مستوى الجزيرة العربية بدأ أبوبكر سالم رحلاته المكوكية بين جدة وبيروت التي سجل فيها مجموعة اسطوانات (24 ساعة)، و(درب الطائف)، و(الجبال السود)، و(يا عين لا تذرفي الدمعة)، و(قالي باتوب)، التي غنتها الفنانة هيام يونس وتلتها أعمال أخرى من أغنياته الجميلة فيما بعد«(5).
ومن الأغنيات التي غناها الفنان أبوبكر سالم بلفقيه، أو أعاد غنائها وتسجيلها في مدينة بيروت هي كالآتي:
1- متى أنا أشوفك.
2- 24 ساعة، (نال عليها الكاسيت الذهبي من إحدى شركات التوزيع الألمانية لتوزيعها أكثر من مليون نسخة من هذه الأغنية).
3- من نظرتك يا زين، (تعاون فني مع الفنانة اللبنانية نجاح سلام).
4- درب الطائف.
5- الجبال السود.
6- يا عين لا تذرفي الدمعة.
7- قال لي باتوب، (غنتها الفنانة اللبنانية هيام يونس)(6).
8- كل شيء إلا فراقك يا عدن.
9- يا طائرة طيري على بندر عدن(7).
10- يا بلادي واصلي، (سجلت في بيروت).
11- يا مسافر على الطائف، (سجلت في بيروت)(8).
وعليه فإننا نرى تقديرًا لهذا الفنان ما يأتي:
1- ضرورة تكثيف الدراسة والبحث عن النشاط الفني الغنائي والموسيقي للفنان أبي بكر سالم بلفقيه في مدينة بيروت العاصمة اللبنانية؛ وذلك بالنظر إلى أن العديد من المصادر والمراجع التي تناولت السيرة الشخصية والفنية الغنائية والموسيقية للفنان أبي بكر سالم لم تخصص محاور خاصة للحديث عن نشاط بلفقيه الفني الغنائي والموسيقي في بيروت على الرغم من أهمية تلك المرحلة الفنية التي عاش فيها بلفقيه في بيروت بشكل مؤقت أو دائم.
2- تحويل بيت الفنان أبي بكر سالم بلفقيه إلى متحف خاص به، يضم مقتنياته الشخصية، وآثاره الغنائية والموسيقية، وكذا قصائده الشعرية، ومقابلاته الصحفية المقروءة والمسموعة والمرئية، إضافة إلى صوره الفوتوغرافية النادرة، وإن تعذر إقامة ذلك المتحف في بيته فمن الضروري إقامة متحف خاص به في مدينة تريم يضم ما سبق ذكره، تكريمًا للفنان العملاق بلفقيه، وحفظًا لتراثه الفني والغنائي والموسيقي الخالد الذي أصبح جزءًا مهمًا من تاريخ الأغنية الحضرمية الأصيلة، وجزءًا من الإرث الثقافي الحضرمي، وليكون ذلك المتحف مزارًا وواجهة ثقافية حضارية في مدينة تريم تخليدًا لهذا الفنان الكبير.
3- إعداد وإنتاج العديد من الأفلام الوثائقية القصيرة والطويلة التي تتناول السيرة الشخصية والفنية الغنائية والموسيقية للفنان أبي بكر سالم بلفقيه.
4- تواصل إقامة الفعاليات الثقافية والفنية الغنائية والموسيقية احتفاء بميلاد ووفاة الفنان بلفقيه في كل عام.
5- الاهتمام بوثائق هذه الندوة المكتوبة والمسموعة والمرئية وحفظها وجعلها وثائق خاصة بمكتب الثقافة بتريم، وحبذا لو تنشر الوثائق المكتوبة في كتاب أو كتيب ليكون أحد المراجع الخاصة بسيرة وفن الفنان بلفقيه.
المصادر والمراجع:
1- شبكة الانترنت/ موقع انيفرار/ الموريتاني Niefrar/org/word press/p=226 تاريخ التصفح 7/ 12/ 2018م.
– قائل هذا البيت الصحابي الجليل وشاعر الرسول عليه الصلاة والسلام (حسان بن ثابت).
2- شبكة الانترنت الصفحة الشخصية للفنان أبوبكر سالم بلفقيه في (الفيس بوك).
3- حداد أبوبكر علي بلفقيه. أنا من الغناء مدينة حضرموت، الطبعة الأولى، 1426هـ/ 2005م، دار الفكر، بيروت – لبنان، ص40.
4- شبكة الانترنت/ موقع (درر العراق) الإلكتروني/ تاريخ التصفح 2/ 12/ 2018م.
5- شبكة الانترنت/ الصفحة الشخصية للفنان أبوبكر سالم بلفقيه في (الفيس بوك)/ تاريخ التصفح 2/ 12/ 2018م.
6- المرجع السابق نفسه.
7- شبكة الانترنت/ موقع ويكيبيديا، (صفحة الفنان أبوبكر سالم بلفقيه).
8- شبكة الانترنت/ موقع درر العراق الالكتروني/ تاريخ التصفح 2/ 12/ 2018م.