أضواء
عوض عمر حسان
شراب الشاي خير لي من الدنيا وما فيها
إذا ما أقبلت كأس بخوذ في تهاديها
تولى الهم من نفسي ودانت لي أمانيها(١)
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 11 .. ص 35
رابط العدد 11 : اضغط هنا
تطيب المجالس واجتماعات الأسرة والأقارب والأصدقاء والضيوف في حضرموت الوادي، وبخاصة في كل من تريم، وسيئون، وشبام، والقطن، وحورة، بشرب الشاي وينطقونه (الشاهي)، بل تزدان وتزهو غرف بيوتهم بعدة الشاي التي تعطي الغرفة منظرًا بديعًا خلابًا.
وقد كان أول وجود للشاي في الصين(٢)، ثم انتقل إلى اليابان والهند وأوربا، وانتشر في كل بلاد العالم(٣)، وكان الشاي في بدء أمره لا يشربه إلا العظماء والأغنياء، ثم صار في متناول يد العامة(٤).
تقطف أوراق الشاي من شجيرات دائمة الخضرة لا تعلو على ارتفاع ١,٥ متر تقريبًا، ولا يتم قطف هذه الأوراق إلا في عام الشجرة الثاني، حيث تجفف هذه الأوراق ثم تبرم وتحمر بطرق خاصة تكسب الشاي شكله المنظور(٥).
ظهور الشاي في حضرموت:
في القرن الرابع عشر الهجري جلب السيد حامد بن عبدالله الجنيد الشاي من الحجاز إلى حضرموت(٦)، ويقال إن أول من استعمله في تريم السيد أبوبكر بن شيخ الكاف في حدود عام ١٣١٩ هجرية، وظل في بادئ أمره في بيوت الأغنياء والميسورين، ولم تكن العامة تعرفه، ويروى أن شخصًا ممن كان يقضي للسيد عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف حاجته أرسله إلى تريم، ولما عاد وصف مجلس السيد أبي بكر بن شيخ الكاف بقوله: “وجدته مع أولاده وأصحابه يشربون عسلًا في فناجين فضة”(٧).
كما استقدمه السيد علي بن محمد الحبشي في سيئون وعني به وتغنى، ومن قوله:
طاب طعم الشراب من ذا الشاهي
فتناهى في الحسن أي تناهي
هو نعم الشراب ذوقًا ولونا
ما له مماثل أو مضاهي
وافق الطبع لونه فانبسطنا
لجمال من حسن ذلك باهي
لا تسل عن ذوقه ما وجدنا
من حلاوى تذاق في الأفواه(٨)
وقد وجد الحضارم في الشاي لذة ونشوة، فهو ينعش النفس، ويجلي الهم، ورأوا كأنه خمرهم الحلال الذي لا إثم فيه ولا وزر، وكان يزدان مجلس الشاي بخيرة الصحب ورفاق العلم والأدب؛ حيث يقول السيد علي محمد الحبشي:
لله مشروب حلا شربه
قد أكسب الشارب منه الطرب
يحسبه الشارب من لطفه
كأنه راح علاه الحبب
فإن تقل صرح لنا باسمه
فقد قضينا في اسمه بالعجب
فإنه الشاهي ولا يحتسي
كؤوسه إلا رجال الأدب(٩)
أما الأستاذ السيد صالح علي الحامد فيصفه:
رَوِّق لها ماء الغمام وهَاتِها
ليَ والحَبَابُ يدور في جنباتِها
صهباءَ ما عَبِثَتْ بها يدُ عابث
ما عاشرتْ إلا أكف سُقاتِها
من جيد الشاهي استحال عصيرها
فأتت تحاكي الشهبَ في جاماتها
قد راقَ منظرها ورقَّ زجاجها
فَلِعِلَّةٍ لم يُدْهِقُوا كاساتها
لولا انتصافُ الكأس خُيِّل أنها
في كفِّ ساقيها تقوم بذاتها
وإذا الهموم على النديم تكاثفت
وبدت أشِعَّتُهَا جلتْ ظلماتها
فبها غُنِيْتُ عن التي سلب النهى
من شأنها والإثم من تبعاتها(١٠)
والأستاذ علي أحمد باكثير طابت له كثيرًا مجالس الشاي فقال:
واحذف شياطين الهموم بأكؤسٍ
تنقضُّ من (بُرّادِ) شايٍ مُعْلَمِ
مخضرة جنباته فاعجب له
من جنة خضراء فوق جهنم
شاي يفوز من احتساه بلثمة
من كل خد في الحسان ومبسم
من (باسلامة) مثل ذوب التبر أو
من (مشعبي) مثل لون العندم
مثل الطلا في لونها وصفاتها
ونقيضها في رجسها والمأثم
لا نقصَ عنها فيه إلا أنه
حلو المذاق وأنه لم يحرم
فاشربه متخذًا نديمك كل ذي
أدب متى نادمته لم تندم(١١)
ويقول أيضًا:
إن في الشاي عزاء لصريع الهم والغم
لكئيب أو حزين أو عميد أو متيم
حاز لطف الخمر إلا أنه غير محرم
من صفاء اللون في الصين وحين الذوق في الفم
هو مسلات حزين فيه من بلواه معصم
ورسول للتآخي يجمع الناي وينظم(١٢)
كما تغنى به الشعراء الشعبيون، وقد أكثر الشاعر حداد الكاف وتغنى به ومنه قوله:
يا داير الشاهي تفضل صب لي خرمان رأسي
فنجان عطاس يصم الرأس
جبته بلا حس خاف من شاهيك تتراجع حواسي
هيا دركنا قبل يكثرن التناهيس
در كاسك القاطع وصبه لي في البراد كاسي
خله عليّ الكاس بعد الكاس
ومنه قوله:
يا داير الشاهي تفضل اسقنا من كأس شاهي هني
فنجان من شاهيك يشفي لوعتي يا زين الفنون
عدة الشاي:
إليك اشتياقي زاد يا عدة الشاهي
ما أنا بالناسي العهود ولا بالساهي(١٣)
ويقصد بعدة الشاهي أواني طبخ الشاهي وشربه، وقد مرت بمراحل تنوعت وتطورت أدوات عدة الشاهي حتى ظهرت بمظهرها الحالي الأنيق، وتتكون حاليًا من:
الكرسي: ويرتفع حوالي ١٠ سم من الأرض، وتوضع فوقه أواني العدة بكاملها (والبعض يكتفي بقطعة جميلة من المشمع).
البخاري أو السموار: كان البخاري قديمًا يصنع محليًا من القصدير، وحاليًا استوردت من الخارج تصنع من النيكل أو السموار الخارجي، وهي أشكال مختلفة الحجم تناسب أعداد الحضور.. ويتم حملها على حامل صغير يسمى أيضًا كرسيًا أو كرسي البخاري.
البراد: يوضع فوق السموار أو البخاري، وفي داخله يوضع وريقات الشاهي.. وهي أيضًا أحجام مختلفه تناسب أعداد الحضور.
الفناجين: صغيرة الحجم، مصنوعة من الزجاج، ذات شكل جميل جذاب.
الملاعق: وهي صغيرة الحجم، توضع وسط الفنجان لذوبان السكر بتحريكها.
علب السكر والشاهي: ويتم فيهن حفظ كمية من السكر والشاهي الكافية لعمل الشاهي لعدة أيام أو للمناسبة.
علب التعبور: هي علب صغيرة الحجم بداخلها قليل من السكر، توزع بين الحضور لحاجة الشخص المزيد من السكر، والبعض يضع بها قطعًا ما السكر مكعبة الشكل بحجمٍ واحد.
صحون الشاهي: توزع وتوضع أمام كل شخص ليضع فوقها فنجان الشاهي، وهي بشكل معاشر صغيرة الحجم، تسع فنجانًا واحدًا أو فنجانين.
المعاشر: توضع فوقها الفناجين وهي ملأى، وتدار بين الحضور ليأخذ منها كل واحد فنجانه (أو كاسه)، وكذا تعاد فيها وهي فارغة.
علبة الصخر: يوضع بها قطع من الصخر (الفحم)، ويتم اختيار هذه القطع بما يتناسب مع حجم قصبة البخاري أو السموار.
طاسة: توضع على الكرسي جنب السموار، ويتم غسل الفناجين فيها.
متفلة: ويسكب فيها ماء الغسل.
بالدي ماء: به ماء لسكب كمية منه في السموار.
قلاس صغير: لأخذ الماء من البالدي وصبه به في السموار.
بابور: وبه جمر يؤخذ بعض من الجمر للسموار.
قانصة: لأخذ الجمر.
مناشف: لتنشيف الفناجين بعد غسلهن، وقبل أن يصب الشاي في كل صبة شاهي.
مروحة يد: من الخوص وذلك لإشعال الجمر في السموار وفي البابور.
ولشدة ولع الحضارم بالشاهي في الوادي فقد تفننوا في عدة الشاهي، وتجد في كل بيت أكثر من عدة شاهي، فهناك عدة الشاهي المصنوعة من الإستيل ومن المطلي الأبيض، ومن الزجاج بنوعيه العادي والذهبي، بل يزينون غرف بيوتهم بأكثر من عدة، وبالرغم من أن عدة الشاهي باهظة الثمن فإننا نرى أن كل أب يزود ابنته بعدة أو اثنتين ضمن ما يقدمه لابنته لعرسها تنقل معها إلى بيت العريس، الذي يتوفر في بيته أيضًا أكثر من عدة شاهي.
فالشاهي في الوادي إكسير لا يستغنى عنه، ولا يتم المجلس إلا به، ويتعدد مجلس شرب الشاهي في الأسرة، فيبدأ البعض بشربه من الصباح الباكر مع وجبة الفطور المبكرة، وينتظم في بعض البيوت في البكرة، ويسمى شاهي (البكرة)، أو (الضحوة)، ويبدأ من حوالي الساعة العاشرة إلى أول وقت الظهر.
يقول الشاعر الشعبي:
من معه ثنتين يا بخته بهن
شاهي البكرة لوحدة منهن
ويفضل البعض شرب الشاهي بعد الغداء، وربما استحسن فنجانًا أو اثنين قبله.. كما أن السمر بعد العشاء لا يحلو ويطيب إلا حول عدة الشاهي وموسيقى برطمة السموار (صوت نشيش وغليان الماء في السموار)، وحنات الملاعق ذات النغم الشجي.
يا بو علي في غلب قبلي سمعت حنات الملاعق
أمَّات حبه ريت كأسي يخلط الكأسات
فناجين (أمَّات حبة) جميلة الشكل رقيقة جدًّا، وباهظة الثمن، اختفت حاليًا وظهرت أنواع أخرى بنفس الشكل وأكثر متانة..
هناك من يرى أن للشاهي فوائد كما أن له أضراره من الناحية الصحية والاجتماعية، وكذا عدة الشاهي والتفاخر في اقتنائها وتزيين الغرف بها، فإن شاء الله نجد الفرصة في الكتابة عنها.
الهوامش :
١- أكواب الشاي أو صورة من الأدب الحضرمي، عمر بن محمد باكثير، دار حضرموت للدراسات والنشر، حضرموت، المكلا، ط1، 2008م، ص٣٦.
٢- المصدر السابق، ص١٢.
٣- المصدر السابق، ص١٤.
٤- المصدر السابق، ص١٤.
٥- المصدر السابق، ص ١٤.
٦- أدوار التاريخ الحضرمي، ص٢٨١.
٧- أكواب الشاي، ص١٦.
٨- المصدر السابق، ص٢٢.
٩- المصدر السابق، ص٢٣.
١٠- المصدر السابق، ص٣٢.
١١- المصدر السابق، ص٣٥.
١٢- المصدر السابق، ص٣٦.
١٣- المصدر السابق، ص٢٣.