دراسات
أكرم مبارك عصبان
مقدمة
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 11 .. ص 42
رابط العدد 11 : اضغط هنا
تمثل المرجعية الفكرية أداة من أدوات التدافع في حياة الدول والجماعات، وتستند إليها -غالبًا- التوجهات السياسية، والبرامج الاقتصادية، والاجتماعية في تدخلاتها، وفرض ما تسعى إليه من أهداف، ولما لها من أهمية في التحولات الجذرية للمجتمعات عبر تغيير البنى الفكرية السائدة أو تعديلها، فقد أفردت لها كتب التاريخ أبوابًا وفصولًا تستعرض فيه أثرها في تكوين الوعي المجتمعي، وتغيير المفاهيم، وازداد التأليف عن الفكر، أو ما يعبر عنه (بالعقائد، أو الأيديولوجيا، أو الثقافة)، ومدى علاقتها بالمجتمعات.
وفي التاريخ الإسلامي يمثل الكتاب والسنة المصدر الرئيس للتشريع؛ بوصفهما وحيين من الله سبحانه وتعالى، ويرتبط الفكر الإسلامي باجتهاد علماء الأمة، فيما أتاح لهم الشرع من خلال البحث والنظر والاستدلال في النصوص الشرعية، وأنتج هذا العمل الاجتهادي تراثًا علميًا في مختلف فنون المعرفة، وجعل الأمة الإسلامية في أزهى عصورها العلمية في مقدمة الأمم، وكان لظهور الفرق والمذاهب دور كبير وآثار مختلفة (إيجابية وسلبية) في (الفكر الإسلامي)، وأحدث الصراع الذي دار بين تلك الفرق حراكًا علميًا، بالرغم من جنوحه أحيانًا إلى العنف والقسوة بدلًا من المناظرات والمحاورات.
وانتقلت تلك الفرق والمذاهب إلى حضرموت بطرق سلمية عبر رحلات العلماء والأسفار، وطرق أخرى كان للأطماع السياسية فيها نصيب، وتدخلت القوة أحيانًا، وحملت معها مرجعيتها الفكرية لتبرر دخولها، وأخذت مسألة الفكر والعلم والثقافة جزءًا من كتابات المؤرخين الحضارمة، ونشأ سجال فكري حول وجود علم وثقافة في بعض أدوار التاريخ الحضرمي.
وخلال القرن الحادي عشر الهجري وصلت جيوش الإمام الزيدي المتوكل على الله إسماعيل القاسم (ت 1087هـ) إلى حضرموت، وقد سبقها تمهيد فكري عبر مكاتبة السلاطين، وإرسال العلماء، ودعوة أهل حضرموت إلى الطاعة والدخول تحت راية الإمام.
ويأتي هذا البحث ليسلط الضوء على المرجعية الفكرية لتلك الحملة وآثارها، وموقف الساسة والعلماء منها، ويتضمن، مقدمة وتمهيدًا، نحاول فيه الإشارة إلى انتشار الأفكار عبر المذاهب والفرق في حضرموت، ويعقبه فصلان: يناقش الفصل الأول المذهب الزيدي، وأئمة اليمن الزيدية، ونماذج من علاقتهم بحضرموت، أما الفصل الثاني فيتحدث عن حملة الإمام المتوكل على الله إسماعيل على حضرموت، مقدماتها ومراميها ومرجعيتها الفكرية وسيرها ونتائجها وآثارها، وخطوط التواصل التي حصلت بين أئمة اليمن وحضرموت بعد الحملة، والصراعات الداخلية بحضرموت في تلك الحقبة.
تمهيد
نبغ من الحضارمة بعد إسلامهم أعلام في فنون العلم، ونهلوا من الكتاب والسنة، فكان لهم سهم في التراث العلمي والفكري في بلادهم وخارجها، وبخاصة في مصر والشام، وشهد العلم والثقافة حضورًا في حواضر حضرموت، ومع وصول الفرق والمذاهب إليها أثر رجال العلم وتأثروا بها وتركوا ثروة علمية تحكي جهدهم، ولا يصمد القول (بعدم وجود علم بحضرموت في بعض القرون)، أمام ما كان من تواصل فكري بين الأجيال، وهو ما تؤكده الأخبار المتناثرة في بطون الكتب، ولا شك أن دورات التاريخ تشهد مدًّا وجَزْرًا، لكن ذلك الحراك الفكري لم يَخْبُ؛ فانتشرت المدارس وتوسعت المناظرات، ووجد الحكام والغزوات الوافدة على حضرموت في الفكر وسيلة لتمرير أهدافهم، ووفد لحضرموت شتى أنواع الفرق والمذاهب، فالبشاري يذكر بعضًا من مذاهب جزيرة العرب في القرن الرابع الهجري، وأن أهل الأحقاف نواصب غتم، ولأهل حضرموت في العلم والخير رغبة إلا أنهم شراة.
وللمرجعية الفكرية أثر في إدارة الصراعات الداخلية بحضرموت، أو التي جاءت من خارجها، فها هو (طالب الحق) عبدالله بن يحيى الكندي يخرج سنة 129هـ على الخليفة الأموي مروان بن محمد الجعدي، الذي كتب إلى عبدالملك بن عطية السعدي لتعقب أصحاب (طالب الحق) في اليمن وحضرموت، وما كان لهذا التعقب أن يتم لولا وجود اختلاف فكري، وحينما تمكن الفكر السُّنِّيُّ من الانتشار بحضرموت ساهم في دعمه الوزير الزيادي الحسن بن سلامة (ت 402هـ) القادم من خارج الحدود، وهكذا كان الأمر في انتشار المذهب الشافعي والعقيدة الأشعرية، يقول الأستاذ سعيد عوض باوزير: »يتمثل نشاط الحضارم الفكري خلال عهود الإسلام الأولى في مشاركتهم في صراع المذاهب والعقائد التي حفل بها تاريخ الأمة الاسلامية أثناء حكم بني أمية وفي العصور الأولى من حكم بني العباس«([1])، ومن صور الصراع الفكري ما حصل في القرن الخامس الهجري بين الأمير الإباضي أبو إسحاق إبراهيم بن سليمان الحضرمي والصليحي الذي غزا حضرموت سنة 455هـ، واستنجد بالدولة الفاطمية العبيدية في مصر، يقول أبو إسحاق:
يخوفني أن المعــــز ملاذه بمصر وما خوفي بأهل المظالم
إذا وفده ولى إلى مصــر رائدا مضى وفدنا قصدا لخير المعالم
وفي مقتل الفقهاء بتريم سنة 575هـ على يد عثمان الزنجيلي أو الزنجبيلي دلالة على تدثر الهدف السياسي بغطاء فكري وعقائدي([2])، وفي سنة 616هـ نكل جنود ابن مهدي بأهل حضرموت، وتتوالى الأحداث والتدخلات كما بسطته كتب التاريخ، ويكون للمرجعية الفكرية وجود في تفاعلاتها.
والصراع الداخلي في حضرموت هو الآخر، لم يكن الخلاف الفكري ببعيد عنه، فعلى سبيل المثال نشب صراع بين فارس بن سليمان النهدي وعبدالله بن محمد بن عثمان العمودي أدى إلى إحراق الكتب، وبرر العمودي استيلاءه على الجانب الأيمن من دوعن بأنه »من أجل إقامة الشريعة ومحو البدعة«([3]).
ويورد المؤرخ سالم بن حميد الكندي (ت 1310هـ) في تاريخه: »أن المكرمي من قبائل صنعاء (قيل من يام، وقيل من نجران) أتى عام 1171هـ -وهو من أهل البدعة- بجيش عظيم، واسمه هبة الله، وكان صاحب جدل، واتفق بعلماء الجهة الحضرمية وناظرهم وامتحنهم بالمسائل، وممن ناظره السيد سقاف بن محمد الصافي وأفحمه«([4])، ويرجع المؤرخ والعلامة عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف (ت 1375هـ) إلى أن سبب خروج المكرمي استنجاد بعض أمراء آل كثير، ورجال يافع بحضرموت على أصحابهم، وقد نصحه أحد علماء آل السقاف بعدم الانتقام من الناس، وينقل ابن عبيدالله عن شيخه عيدروس بن عمر الحبشي »أن المكرمي أظهر العدل بحضرموت، وأشاع الدعوة إلى الله والعمل بالشريعة حتى ظنه الناس أنه صاحب حق«، وأضاف يقول: »وكتب الحبيب سقاف بن محمد للحبيب محمد بن زين بن سميط يطلب منه الدعاء للمكرمي لعدله وحسن سيرته في الناس مع أنه إسماعيلي باطني… فأجابه الحبيب محمد بأن دعوة المنابر كافية«([5])، أما الأديب عبدالله بن محمد بن حامد السقاف فقد وصف المكرمي بأنه نجدي وهابي، ويستدرك الأستاذ كرامة مبارك بامؤمن معلقًا على الأديب السقاف »بأن النزعة الذاتية الشيعية للسيد السقاف في سرد المعلومة التاريخية واضحة البيان«([6])، ويصفه المؤرخ علوي بن طاهر الحداد، بأنه شيعي، أما المؤرخ محمد بن علي باحنان، فعنده أن المكرمي إباضي، وهكذا نرى الاختلاف بين المؤرخين في توصيف المرجعية الفكرية للمكرمي، الذي تذكر المراجع التاريخية عنه أن اسمه الحسن بن هبة الله المكرمي (ت 1189هـ)، وهو إسماعيلي شيعي، ويشبه هذا الاختلاف ما قيل في قضية خروج الوهابية إلى حضرموت سنة 1224هـ، فالمؤرخ عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف يقول: »وفي أيامه -أي عبدالله عوض غرامة- كان وصول الوهابية إلى تريم بقيادة الأمير علي بن قملا فطوى بهم حضرموت ولم يفسد حرثًا ولم يهلك نسلًا، وإنما هدم القباب، وسوى القبور المشرفة، وألقى القبض على المناصب آل عينات وآل تاربة وأهانهم، وأتلف قليلًا من الكتب كثره بعض العلويين«([7])، ولنقرأ ماذا يقول المؤرخ باحنان عن الحدث نفسه: »وفي سنة 1224هـ وصل إلى حضرموت ناجي بن قملا النجدي بجيش عرمرم من قبائل الدرعية فاكتسحوا القطر الحضرمي….. ودخلوا تريم وكسروا قبابها، وحرقوا بعض كتبها -كما قيل- وتوابيتها، وكسروا ألواح قبورها، وحبسوا بعض مناصب الجهة، ومنعوا الأذكار والتذكير والحضرات والطرق«([8])، وبمثله قال المؤرخ الأستاذ محمد بن هاشم في (تاريخ الدولة الكثيرية).
لقد رأينا -فيما تقدم- كيف جاءت الحملات وهي تحمل مرجعيات فكرية، ورأينا أيضًا اختلاف المؤرخين الحضارمة حولها، يقول الأستاذ عبدالقادر الصبان: »إن لكتّاب التاريخ الحضرميين المعاصرين، اتجاهات مختلفة وتكاد تكون متضاربة نابعة عن المذاهب المتصارعة في حضرموت، والتي بقيت ردود فعلها إلى تاريخ قريب«([9]).
الفصل الأول
الزيدية
أولًا: المذهب الزيدي وأئمة اليمن:
ينسب المذهب الزيدي إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم (ت 122هـ)، والزيدية هي إحدى فرق الشيعة الثلاث (الزيدية، الاثنا عشرية، الإسماعيلية)، وهي أقربها إلى مذاهب أهل السنة والجماعة، وأهم نقاط الاختلاف بينهم أن الزيدية تنزع في الاعتقاد إلى المعتزلة، والقول بالإمامة، ويرتكز المذهب الشيعي على وجوب الخروج على الظلمة، وأن يكون الإمام واجب الطاعة، وجواز أكثر من إمام في وقت واحد في بلدين مختلفين، والقول بالإمام المفضول مع وجود الإمام الفاضل، ويزيدون في الأذان (حي على خير العمل)، وإرسال الأيدي في الصلاة، ويعدون صلاة التراويح بدعة، ومن عقائدهم تفضيل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه على سائر الصحابة رضي الله عنهم، وأوليَّته بالإمامة، وقصرها بعد الحسين في البطنين، أي في ذريتهما([10])، ومن شروط الإمامة عندهم، الذكورة، والاجتهاد، وأن يكون علويًا فاطميًا، وغيرها من الشروط، ومعظم الزيدية يقرون بخلافة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولا يلعنونهما كما تفعل فرق الشيعة، بل يترضون عنهما، ويقرون بصحة خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، مع مؤاخذته على بعض الأمور([11]).
ويعد الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي (ت 298هـ)، مؤسس المذهب الزيدي في اليمن، وبويع من قبل أهل صعدة سنة 288هـ، »وبقيام الدولة الزيدية في اليمن ودخول مذهبها وانتشاره في اليمن الأعلى وتزامنه في الوقت نفسه مع انتشار المذاهب السنية الأخرى في اليمن الأسفل قد أوجد حالة متميزة من الجدل الفكري بين هذه المذاهب«([12])، ولئن كان للزيدية هذا الانتشار فإن للمذاهب الأخرى رجالها الذين كافحوا ونافحوا عن أفكارهم، فالشيخ الفقيه موسى بن عمران المعافري أظهر المذهب الشافعي في اليمن، وقصده طلاب العلم، وحملوا مذهبه إلى المدن والقرى، وأقاموا المدارس وحِلق العلم، وحينما وجدت عقائد خالفت عقائد أهل السنة والجماعة تصدى لها العلماء([13])، بل وشارك الحكام في ذلك، وقد عرفت اليمن كل المذاهب السنية، وكذلك الإسماعيلية، والإباضية، والقرامطة، ويلخص الدكتور محمد عبدالله الميسري علاقة الأئمة الزيدية مع أهل السنة الشوافع بطابعين: الأول سلمي، عبر المراسلات والإقناع للتحول إلى المذهب الزيدي، والثاني حربي عبر الحروب، ومن ذلك إخضاع أهل مأرب السنيين من قبل الإمام المهدي مما اضطرهم لقطع ذكر خلفاء بني العباس في الخطبة، وزيادة (حي على خير العمل) في الأذان، ويصل الأمر أحيانًا إلى العنف، كما حصل للفقيه السني أحمد بن زيد الشاوري من قتل بسبب آرائه الفكرية؛ إذ إن الزيدية يصفون أهل السنة بأنهم »أهل المذاهب الرديئة«([14])، وفي صراعهم مع العثمانيين الأتراك عبر الثورة عليهم، كان العامل الفكري أهم عوامل الصراع.
ثانيًا: أئمة اليمن الزيدية وحضرموت:
لم تكن حضرموت حالة استثنائية من البلدان الإسلامية، فقد عرفت الفرق والمذاهب الإسلامية كما تم عرضه سابقًا، ولعل أكبر تغيير فكري بعد تواجد المذهب الإباضي هو انتشار المذهب الشافعي، ويذكر المؤرخ ابن سمرة الجعدي أن من تلاميذ الإمام يحيى بن أبي الخير (ت 568هـ)، محمد بن عبدالله الحضرمي ومسكنه تريم، ثم يذكر عددًا من فقهاء حضرموت من آل بني أكدر، وأبا جحوش، وابن أبي الحب وغيرهم([15])، ونشأت حينها (مدرسة الفقهاء)، التي حملت لواء العلم، وكان الشيخ يحيى بن سالم أكدر أحد أعلام هذه المدرسة، وله صلة بالإمام محمد بن علي القلعي، الذي انتشر به المذهب في حضرموت وضواحيها، وأخذ عن أكدر علماء وفقهاء كثر في القرن السابع الهجري، »وخلصت تريم للفقهاء يبدون فيها ويعيدون«([16])، وجاء في (المشرع) »أن فتاوى السيد سالم بن بصري على أساليب أولى الاجتهاد«، وفي صـ5، جـ2 منه: »أن أهل حضرموت يشتغلون بالعلوم الفقهية وجمع الأحاديث النبوية«، وكان الشيخ سالم بن فضل بافضل (ت 581هـ)، قد عاد من العراق بأحمال من كتب الحديث والفقه وغيرها، وأحيا العلم بحضرموت([17]).
وبقدوم التصوف إلى اليمن وصل حضرموت أيضًا هذا الفكر، يقول المؤرخ باحنان: »وإذا صح ما ذكره صاحب (المشرع) عن دخول التصوف إلى حضرموت على يد الفقيه المقدم، فإن الطريقة الصوفية دخلت متأخرة جدًّا إلى حضرموت بالنسبة لمبدأ ظهورها في العراق«([18])، وتميز الموقف بين الصوفية والفقهاء في اليمن، وبخاصة تهامة وعدن بالصراع والتنافس والجدل العنيف…. أما في حضرموت فقد حدث في البدء غضب من الفقهاء على الفكر الصوفي الغازي عليهم…. فغضب العلامة والفقيه الشيخ علي بن أحمد بامروان على تلميذه محمد بن علي العلوي الذي استجاب لدعوة أبي مدين، فتصوف)([19])، ثم تصالح الفقهاء والصوفية فيما بعد، وموقف الأئمة الزيدية من التصوف يتسم بالعداء في جوانب منه، فقد قتلوا عددًا منهم، وهدموا أضرحتهم، وقد أمر الإمام المتوكل إسماعيل سنة 1074هـ بإحراق كتاب (الفصوص) لابن عربي الصوفي.
ولأئمة اليمن الزيدية وعلمائها تواصل مع ساسة حضرموت وعلمائها، فالعالم الزيدي المعتزلي نشوان بن سعيد الحميري (ت 576هـ)، زار حضرموت، ودخل تريم، ومكث بها زمنًا، وأثنى على علمائها، وقد عاصر الإمام أحمد بن سليمان بن محمد المطهر (ت 566هـ)، ولا تسعفنا المصادر التاريخية عن تحركاته في تريم وأسباب الزيارة، ويقول المؤرخ ابن عبيدالله السقاف: »سمعت من بعض الشيوخ ولا أجزم بأن شيخنا أبا بكر بن عبدالرحمن بن شهاب أو غيره أن الاتصال كان وثيقًا بين العلويين وأئمة اليمن إلى أثناء القرن السادس، وعن بعض آخر، من أن العلائق كانت قوية فيما بينهم إلى آخر ذلك القرن، فإن كان الأول فُهم منه أن ذلك الاتصال لم ينقطع إلا لما حدث من دخول العلويين في أتباع الأشعري«([20])، ويؤكده قوله في (إدام القوت): »بأنه كان للعلويين اتصال بالسادة الزيدية إلا أنه تلاشى بعد التمذهب«([21]).
وسياسيًا فإن لأئمة اليمن اتصالات بحكام حضرموت، فعلى سبيل المثال، توجه السلطان بدر أبو طويرق إلى اليمن في ذي الحجة سنة 925هـ، وطلب من الإمام أن يمده بجيش لترسيخ دولته، واعتمد على دعم الإمام في حربه مع أبي دجانة في حيريج عام 942هـ، وانحاز العمودي إلى الأئمة في القرن العاشر في أثناء صراعه مع آل كثير، وبرَّر هذا الانحياز بسبب توجه أبي طويرق إلى الأتراك، أما الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن العمودي فقد طلب من الإمام أن يعقد له ولاية رسمية على دوعن، فأجابه وكتب له ما طلب، وفي سنة 1065هـ تدخل الإمام المتوكل إسماعيل -كما سيأتي- لعقد صلح بين العمودي، والسلطان الكثيري.
ولأن الأئمة يعدون حضرموت إقليمًا يمنيًا، فلم تهدأ محاولاتهم لإخضاع حكامه تحت دولهم، ففي سنة 930هـ أرسل الإمام المتوكل شرف الدين (ت 965هـ) كتابًا ضمنه قصيدة إلى السلطانين محمد وبدر ابني عبدالله بن جعفر الكثيري، يستنهض فيهم الهمم لمواصلة طريق آبائهم بموالاة الأئمة والسير في ركابهم، ومما جاء فيها:
وإنا لندعوكم لما فيه رشدكــم فلا تـهملوا ما سن آباؤكم لكم وكلهمو والى إمام زمــانه ولما توسمنا الهداية فيكـمــو بعثنا لكم طرفين من آل لاحق | ودعوتنا موصولة بالمراحــم فما شبه الآباء منكم بظالـــم موالاة حر مظهر غير كاتــم وأخباركم مشهورة في المواسـم نجيبين موصوفين بين الصلادم |
وقد أجابا عن القصيدة بنظم ونثر من إنشاء الشيخ عبدالله بن عمر بامخرمة (ت 972هـ)([22])، الذي كان بمثابة سكرتير للسلطنة، وفي قصيدة الإمام ما لا تخطئه عين من دعوة السلطان لسبيل الرشد، الذي يعني به الإمام الانضواء تحت راية الدولة الزيدية، والتأكيد على وجوب موالاة إمام العصر بوضوح ومن غير تستر، وتكشف رسالة الإمام المؤيد بالله محمد بن المنصور بن القاسم (ت 1054هـ) إلى السلطان عبدالله بن بدر أبي طويرق (ت 985هـ)*، أن المراسلات لم تنقطع لإقامة الحجة على السلاطين من خلال وعظهم وبيان الحق لهم، ومما جاء فيها »فاعلموا رعاكم الله وثبتكم أننا لم نكرر الدعوة إليكم ونتابع ورود الرسائل عليكم إلا تبليغًا لحجة الله على عباده، ومعذرة إلى الله في الجهاد فيه حق جهاده«، وأفاض في الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الطاغين([23])، وفي عام 1044هـ أرسل الإمام نفسه رسالة إلى السلطان بدر بن عمر بن بدر (ت 1075هـ)، وتضمنت الأمور الآتية:
– وجوب موالاة أهل البيت وإعلان شعار الإمامة والثبات عليه.
– الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
– الاستقامة في الجمع والجماعات.
– الرجوع إلى العلماء.
– وعدهم بإرسال علماء إن أرادوا ذلك، وقال: »وأشكر ما منّ الله به علينا وعليكم وعلى المسلمين من قطع دابر أهل الظلم«، وعلّق ابن عبيدالله على أن المراد بأهل الظلم، الأتراك([24]).
وهكذا نرى أن الصبغة الفكرية ومحاولات نشر مبادئ الفكر الزيدي لا ينفصل عن الهدف السياسي الرامي إلى التوسع وزيادة الرقعة الجغرافية للدولة، فإظهار شعائر الفكر مطلب يتكرر في المكاتبات.
ونقف عند سنة (1056هـ) لتبدأ مرحلة جديدة في العلاقات، تكون بتدخل عسكري في عصر الإمام المتوكل إسماعيل، كما سنرى في الفصل الآتي.
الفصل الثاني
حملة الإمام المتوكل على الله إسماعيل على حضرموت
أولًا: الأوضاع السياسية والفكرية في حضرموت قبل الحملة وفي أثناءها:
دخل القرن الحادي عشر الهجري والأوضاع السياسية بحضرموت تموج بمخاض نتيجة للأوضاع التي عاشتها المنطقة من صراعات وحروب وتدخلات خارجية بعد أن بسط السلطان بدر أبو طويرق سيطرته على أغلب الجهات الحضرمية، ولم يسلم ملكه من المناوشات القبلية، كثورة الحموم، وقبائل دوعن، والهجرين، ورخية، والعمودي، وأهل المسفلة، والمهرة وغيرها، وتناوشته الصراعات الداخلية، ومن أشهرها خروج علي بن عمر بن جعفر الكثيري، واستبداده بشبام، وخلع طاعة بدر، ثم بدأت جولة أخرى من الصراع في البيت الكثيري حينما أزيح السلطان عن الحكم سنة 976هـ([25]).
ولعل أهم حلقة في التاريخ السياسي لحضرموت المتصلة بموضوع بحثنا، تسلم الحكم من قبل السلطان بدر بن عمر بن بدر أبي طويرق سنة (1024هـ)، وسرعان ما ساءت العلاقة بينه وبين ابن أخيه بدر بن عبدالله الذي كان يتطلع للسلطة، وبالرغم من الأسباب التي تذكرها كتب التاريخ لهذا الخلاف ومنها الخلاف العائلي على السلطة، وهضمه -أي بدر بن عمر- لحقوق ابن أخيه فإنَّ العلاقة المتينة بين السلطان بدر بن عمر وأئمة اليمن كانت مدخلًا لابن أخيه لإزاحته عن الحكم، (وحاول إثارة الرأي العام في حضرموت الذي لا يميل إلى الزيود لاختلافهم معهم في العقيدة والمذهب، وبدأ بجمع جماعة من آل كثير والشنافر وغيرهم، ويؤلبهم على عمه زاعمًا أنه سيسهل للأئمة احتلال حضرموت([26])، وتمكن أخيرًا من القبض على عمه وابنه محمد المردوف وأودعهما السجن، وبدأ عقد السلطنة ينفرط، ووجد الأئمة فرصة للتدخل، والملاحظ على هذه الحقبة تنازع البقاء والحكم بين السلاطين، واستمرار الحروب، وتطاحن ذوي القوة على السلب والنهب.
أما الناحية العلمية والفكرية فقد كانت هذه الحقبة زاخرة بالعلم ورجاله، ففي القرن العاشر كثر التأليف في مختلف الفنون، واستمر خلال القرن الحادي عشر، فكان شيوخ هذا العصر وأعلامه يتصدرون للتدريس والفتيا، ومما لا شك فيه أن اصطباغ الحياة بالفكر الصوفي كان واضحًا، ويحدثنا الأستاذ محمد بن أحمد الشاطري عن هذا الأمر فيقول: »وكان ولعهم خاصة بكتب حجة الإسلام الغزالي ولا سيما الإحياء، والبسيط، والوسيط، والوجيز، يكررون قراءتها المرة بعد الأخرى، ويحتفظون بنسخ منها ينسخونها بخط أيديهم«([27])، واشتهر عدد كبير من الفقهاء والمتصوفة والأدباء وذاع صيتهم.
ولا بد من الإشارة هنا إلى ارتباط الحكام ومشايخ القبائل بأصحاب العلم، ودور الفكر في توجيه دفة بعض الحكام، خاصة وأن تأثير التصوف قد شمل الحياة السياسية والاجتماعية فظهر (المناصب) و(الحوط) كرموز روحية لا يمكن لأصحاب الحكم تجاوزها، يقول الأستاذ محمد بن أحمد الشاطري: »وطبيعة حضرموت وظروفها من شأنها أن توجد فيها هذه المؤسسات، الذين يتمتعون بالوجاهة وحسن العقيدة فيهم -وهو ما يسمِّيه البعض (بالنفوذ الروحي)- من القبائل المتسلحة، ولهم نفوذ عليهم في حدود معينة.. فترى النفوذ القبلي والنفوذ الروحي يمشيان جنبًا إلى جنب في تلك الأزمان«([28])، واستشهد لصلة العلماء بالحكام بما كان يقدمه الفقيه الحداد من نصائح لهم: »…. شارك مضطرًا في العمل السياسي من أجل وطنه وشعبه…. وكان يشير عليهم في نواحي اجتماعية فيحترمون إشارته«([29])، وفي جانب آخر كان للفكر دوره في توجيه الحكام وحثهم على أخذ زمام الأمور السياسية، يقول الأستاذ محمد بن هاشم عن السلطان جعفر بن عبدالله بن علي بن عمر الكثيري: »وكان المتصلون به من رجال السادة العلويين كثيرًا ما ينشطونه إلى القيام بنصرة قومه والتصدي لنيل السلطة«([30])، ومثال آخر يورده وهو: »أن السلطان بدر بن عمر بن بدر تولى السلطنة عام 1024هـ بإشارة من سيدنا الحسين بن الشيخ أبي بكر بن سالم العلوي«([31])، وكثيرًا ما يصف بعض المؤرخين الحضارم السلاطين والحكام بأن لهم مسحة صوفية؛ فقد قال المؤرخ ابن هاشم عن السلطان محمد بن علي بن عمر بن جعفر أن له نزعة خاصة إلى التصوف ورجاله، أما السلطان عبدالله بن عمر بن بدر بن عبدالله بن جعفر (ت 1045هـ)، فقد حصلت له جذبة ربانية -حسب قوله- جعلته يتجرد عن ملكه وأبهته، وكان السلطان محمد المردوف يغشى (أولياء الله ومحبيه) في زواياهم ويستضيء بآرائهم([32]).
ثانيًا: الإمام المتوكل على الله إسماعيل (1019- 1087هـ):
ولد الإمام إسماعيل بن القاسم عام 1019هـ، ونشأ في بيت علم وإمامة، فأبوه القاسم (ت 1029هـ)، وأخوه المؤيد بالله محمد بن القاسم (ت 1054هـ)، كانا من أئمة اليمن البارزين، وأصبح إسماعيل إمامًا بعد أن ناظر معارضيه وتفوَّق عليهم بالحجج، وبدأ حكمه بالتخطيط لتحقيق حلم من سبقه بإقامة الدولة الزيدية المركزية في اليمن، وتمكن فعلًا من بسط نفوذه على مناطق كثيرة في الشمال واتجه بعد ذلك إلى المشرق والجنوب، واستخدم المكاتبات والحروب في تنفيذ ذلك، وكان عالمًا في المذهب، فحرص على إرسال العلماء والفقهاء إلى البلدان لنشر الفقه الهادوي؛ إذ كان متعصبًا لمذهبه، وله آراء متطرفة تجاه مذاهب أهل السنة، مع مرونة في التحاور معهم، وأثارت بعض أفكاره ردودًا من قبل علماء عصره، ومن ذلك رسالته التي سماها (إرشاد السامع في نهب أموال الشوافع)، التي ذكرها المؤرخ محمد بن علي الأكوع في كتاب (حياة عالم وأمير)، وحين غزا يافع والمشرق، وحصل ما حصل من نهب للأموال بوصفها بلاد خراجية، كتب العالم الشهير الحسن الجلال (ت 1084هـ) رسالة (براءة الذمة في النصح للأئمة) انتقده فيها على إجازة جنده أخذ أموال الرعايا، وفي جهاده العلمي تصدى لطوائف الإسماعيلية والجبرية والإباحية، وأقام علاقات تجارية وسياسية مع بعض البلاد، وله مؤلفات عديدة، ومن أشعاره بعد أن بسط سيطرته على حضرموت:
يقول إمام العصر والله ناصره على خاذل للحق رام التباسـه
عزمنا على اسم الله ننصر دينه ونهدي إليه من أراد اقتباسـه
وكان يصف مخالفيه بالبغاة، وبلغت عداوته مع الأتراك في مبدأ أمره مبلغًا عظيمًا؛ لأن الأتراك عنده من أهل المذاهب الرديئة، واستمر حكمه من عام 1054هـ إلى 1087هـ.
مقدمات الحملة وأسبابها:
ساعد خروج الأتراك من اليمن عام 1054هـ -بعد حروبهم فيها- على تسريع أطماع المتوكل؛ لتحقيق أهدافه السياسية والفكرية، وحكم اليمن من شرقه إلى غربه، وكان للبعد الاقتصادي أيضًا مكانته لتمويل نفقات الدولة من خلال الزكوات والخمس ومداخيل الموانئ، وبخاصة مينائي الشحر وعدن، وهناك بُعد خارجي لمنع الأتراك من التواجد على الأراضي اليمنية، فعقد العزم على التوجه إلى الجنوب.
أشرنا فيما سبق إلى مكاتبات الأئمة السابقين للمتوكل لسلاطين حضرموت وتبادل الهدايا معهم، وقد استغل الإمام إسماعيل ما حصل في السلطنة الكثيرية من صراع على الحكم بعد أن خطب السلطان بدر بن عمر الكثيري للإمام، فضلًا عن محاولة أبناء أخيه انتزاع الحكم منه، وما حصل من بدر بن عبدالله الكثيري من سجن عمه السلطان بدر بن عمر وابنه محمد المردوف، فبدأ يعد العدة للوصول إلى حضرموت.
البعد الفكري للمكاتبات وإرسال العلماء:
مثلت المراسلات وإرسال العلماء من قبل الإمام، إحدى المقدمات الفكرية للتمهيد للحملة على حضرموت، ففي عام 1057هـ أرسل للسلطان بدر بن عمر كتابًا بوساطة الفقيه بدر الدين بن محمد بن عبدالله، وأمره بإقامة الجمعة، وضرب المرفع، وإظهار الشعار، والتأذين بالأذان النبوي (حي على خير العمل)، والخطبة للإمام، ونفذ السلطان بعضها وخاصة الخطبة، فنازعه أقاربه فيما فعل، وللاطلاع على أثر الرسالة على السلطان، يصور لنا المؤرخ ابن حميد الكندي حالة السلطان فيقول: (حصل على السلطان بدر بن عمر بو طويرق نوع من الوسوسة والخيال والخوف القلبي من تهاويل الزيدية واضطرب حاله، ولم يفده نصح الناصحين في الثقة بالله تعالى، وأنه تعالى حافظ الجهة وناصر الملة ببركات من فيها من (الأحياء والأموات)، حتى خطبوا للإمام في حضرموت والشحر وغيرها، وعظم ذلك على أهل حضرموت، واستمرت مكاتبته للإمام بنوع مجاملة ظنًا منه أنهم يكتفون بذلك)([33])، لقد زلزلت هذه التصرفات أهل حضرموت، وحصلت منها ردات فعل لما تحمله من أفكار مخالفة للسائد من المظاهر الشرعية، ومما زاد من تعقد الأمور ما سرت به الإشاعات من قبل خصوم السلطان بأنه اعتنق المذهب الزيدي، فأخذ الناس ينفرون عنه، واستغل ابن أخيه هذا الأمر بتحريض من بعض الأعيان، وأشاع ابن أخيه عنه أنه يمهد السبيل للإمام لاحتلال حضرموت، فدبر له مكيدة وأودعه السجن([34])، فما كان من بدر بن عمر إلا أن أخبر الإمام بما حصل له، ومن هنا بدأت المكاتبات بين الإمام والسلطان بدر بن عبدالله، واحتوى كتاب (تحفة الأسماع والأبصار مما في السيرة المتوكلية من غرائب الأخبار)، الذي ألفه المؤرخ المطهر بن محمد الجرموزي (ت 1076هـ)، عن سيرة الإمام المتوكل إسماعيل على نصوص الرسائل المتبادلة، واعتمد المؤرخون الحضارمة الذين كتبوا عن الحملة على هذا الكتاب المخطوط حينها، ويسمونه بـ(السيرة المتوكلية)، ومهد مؤلفه بذكر الحالة الفكرية بحضرموت، والتي كما يبدو اعتمد في نقلها على رسل الإمام الذين كانوا يفدون إلى حضرموت -وهي وجهة نظره على كل حال، وتحتاج وقفات ليس هنا محلها- فقال: (فأهل حضرموت وبواديهم وسواحلهم غلب عليهم الصوفية مع أن غالبيتهم جبرية محضًا، وفيهم أشعرية وغيرهم ممن يلحق بهم في التأويل)([35])، وبعد أن ذكر أهل يافع بأنهم يكرهون الزيدية، قال: »وأهل حضرموت بدوها وحضرها كذلك مع ما تقدم«، وسطر الجرموزي هذا وأشياء أخرى عن استحلال الملاهي وغيرها، وهو لا يكتب عن مشاهدة كما تقدم، مما يجعل احتمال الوهم والخطأ واردًا، واستدرك عليه المؤرخ العلامة ابن عبيدالله في مواضع من كتابه، ومنها وصفه لبعض أهل حضرموت (بالحلولية)، قال ابن عبيدالله: »هذا ما يقوله الجرموزي من غير خبرة تامة بأحوال الشيخ أبي بكر بن سالم، ولا معرفة بدخيلة أمره، وإنما تلقى ذلك من أفواه الحسدة والمرجفين، فوهم في ذلك كما وهم في الاسم)، وعقد فصلًا في (بضائع التابوت) عن (الحلول ووحدة الوجود)… ثم قال: (ثم ليس الشيخ أبو بكر حسبما أعتقد في شيء من الحلول، وإنما لعله يفنى من الوجود بالاستغراق في شهود المعبود«([36]).
وبعد الانتصارات التي حققها الإمام في يافع عام 1065هـ، أطلق السلطان سراح عمه، وأعلن الطاعة للإمام، فأرسل إليه الأمير صالح بن حسين الشويع للتأكد، وعاد الشويع بكتاب للإمام تضمن مدائح وثناء، وتهنئة بانتصاراته في يافع، ومما جاء فيه: »فعلمنا أن لا حياة في الدارين لمن لا يواليكم حيث أنكم عترة الرسول صلى الله عليه وسلم،….. ولسنا نجهل أن مصير من يبغض البيت المحمدي إلى سقر«، وأشار أنه أرسل للإمام فقهاء من حضرموت، ومنهم أحمد بن عبدالله الجفري، وأحمد بن علي بن أحمد عباد([37])، وأجاب الإمام برسالة شكر فيها السلطان وأثنى على فعله وامتدحه، ووعظه بالآيات والأحاديث مذكرًا إياه بواجب الطاعة، واتباع الأئمة، والقيام بأوامر الشريعة، وقال وهو يصفه »… منطويًا على تحقيق توليه لله ولرسوله ولنا قولًا وفعلًا… وإقامة فرائض الطاعة، ومعالم الدين الحنيف من الجمع والجماعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإجابة دعوة الله، ودعوة رسوله، ودعوة هذه الإمامة«([38])، وتوالت المراسلات بينهما بعبارات يغلب عليها -السجع والمجاملات- كما وصفها الأستاذ محمد بن هاشم، وتتحدث بعضها عن إخبار الإمام بالصلح مع العمودي، وفي صفر عام 1066هـ أرسل الإمام كتابًا يعلن فيه أنه سيخضع كل المناطق لاتباعه وإقامة الشرع، كما يقول: »فمن أحب الخير والرجوع إلى الله والتوبة قبلناه، ومن أدبر عن الحق واستكبر واتبع هواه قاتلناه«([39]).
وفي عام 1068هـ يقرر الإمام اتباع رسائله بعمل لتثبيت طاعة السلطان له، فأرسل القاضي الحسن بن أحمد الحيمي، الذي كان أحد أذرع الإمام العلمية لمساعدة السلطان فيما يقرره الإمام، وأعطاه كتابًا تضمن (عهدًا وبيعة)، ويتلخص ذلك العهد في: »ضرورة القيام برفع منار الدين الحنيف بالجمع والجماعات، وتعيين من يقوم بهذه الوظيفة الشريفة في كل جانب من تلك الديار، من ذوي التفقه في الدين، والتقوى والطاعة، وفصل الخصومات بين المتخاصمين والحكومات بين المتحاكمين إن شاء الله، ونصب النواب المعتبرين، والحكام المرتضين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود الشرعية على مستحقيها كما شرع الله، وذكر وإحياء السنة المأثورة ومحو آثار البدع المنكورة، والتذكير بحق الله عز وجل وطاعته، وحق رسوله صلى الله عليه وسلم الموجب لشفاعته، وحق أهل بيته المطهرين المخصوصين بحفظ سنته وجماعته…. وأخذ ما أمر الله بأخذه من واجبات الأموال من نحو الصدقات، والأخماس، والمظالم«([40])، وقد علق الأستاذ سعيد عوض باوزير في (صفحات من التاريخ الحضرمي) على هذا العهد بقوله: »والرسالة صريحة في تمسك الإمام بحقه في الإشراف المباشر على شؤون السلطنة الكثيرية، وحتى في فرض الرجوع إلى مذهب أهل البيت في الأحكام والعقائد، كأنه يريد العمل بالمذهب الزيدي بين أهل حضرموت الشوافع«([41])، وبحس العالم الذي يحمل مهمة فكرية، يصف الحيمي جزءًا من الحالة العلمية في حضرموت في رسالة إلى الإمام في جمادى الآخرة 1067هـ، وذكر أنه اتصل ببعض فقهائها، وأن لهم عناية في إحياء المساجد بذكر الله عز وجل، ودروس القرآن، وتعليم الصبيان من غير أن يقارف ذلك شيء من البدع التي يتوهم بها، وأرسل السلطان رسالة للإمام يبين فيها الصلح مع العمودي والالتزام بما ورد في العهد، وقد أرسل هدايا من الخيول، والزكاة والفطرة، ومحصول الشحر، وما تم أخذه من البونيان (التجار الهنود) كضرائب([42]).
وقبيل أن نعرض ملخصًا لسير الحملة يحسن بنا أن نسلط الضوء على ما ساقه الجرموزي من مبررات فكرية للتعجيل بالحملة، مبتدئًا بما حصل من مشاحنات بين بدر بن عمر وبني أخيه جعفر وبدر، وما دبراه لعمهما من حيلة لأخذ ظفار منه، مما أدى إلى توجهه إلى الإمام الذي تأكد لديه أن السلطان بدر بن عبدالله شريكٌ في المؤامرة على واليه في ظفار، فتبادل معه الرسائل لحل القضية، غير أنه -كما ذكر الجرموزي- يتلون ويروغ، وبعث السلطان الشيخ محمد بن شيبان (من صوفية حضرموت)، ومعه كتاب لقائد الجيش الإمامي أحمد بن الحسن، فكان جواب أحمد للشيخ محمد بن شيبان: »قل للسلطان هذا كتابي وبعده ركابي وسيفي هذا«([43])، وقد قال قبله الإمام حينما وصله بدر بن عمر: »نصرت يا بدر بن عمر«([44])، ويضيف الجرموزي من التبريرات الفكرية: »ولما قررت النواصب في نفوس كثير من الأمة المحمدية، وغالب أهل المذاهب المخالفة للذرية النبوية، سوء الاعتقاد في آل محمد صلى الله عليه وسلم«، ثم أورد قصة قديمة الحدوث عن السلطان عبدالله بن عمر بن بدر (ت 1045هـ)، مفادها أن رسل الإمام إليه لم يسمعوا منه وأصحابه إلا كراهة أهل بيت الإمام وأهل البيت ومذهبهم، وأنه قال: »ما يريدون الزيدية بالكتاب إلينا؟ وتأفف بهمم، وتهكم برسلهم«([45])، وهكذا تعددت الأسباب فقرر الإمام تجريد حملة على حضرموت.
سير الحملة:
بعد أن بسط الإمام سيطرته على عدن ولحج ويافع وما والاها، تطلع إلى حضرموت، وشارك الشعراء في التحريض، ومن ذلك قصيدة للقاضي أحمد بن سعد الدين المسوري، حين عزم الإمام بالحملة على بلاد الرّصاص وما والاها من بلاد المشرق، يقول فيها:
عزمت على اسم الله بالفتح والنصـر وباليمن والإيمان تصدع بالأمر
….
وحرض جنود الحق في قمع شافة الـ عدو رماه الله بالهـلك والبـتر
…..
تقيم عمود الدين في كل وجهة وتظهر معروفًا وتزجر عن نكر
يقول الجرموزي: »… وقامت الخطباء والدعاة إلى الجهاد في صنعاء وجهاتها، فأجابه أهل الهمم العالية والنيات الصادقة… «، وخرج قائد الحملة أحمد بن الحسن الملقب (الصفي) (ت 1092هـ) في شوال 1069هـ، بعد أن جمع له الناس مؤنة لجيشه وخيولًا وأغنامًا وحبوبًا وأعلافًا، وانضم إليه من المناطق التي مر عليها أعداد كبيرة من الرجال، وأحمد بن الحسن هذا كان من قادة المتوكل، وكان يميل إلى عقيدة الروافض الاثني عشرية، وأشار على المتوكل بالاحتفال بيوم الغدير، وقاد حملة الإمام على يافع وبلاد الرصاص، وقد امتدحه حينها الأديب علي بن الهادي الصنعاني قائلًا:
سيفتح أقصى الأرض عصمة عصرنا وينفذ حكم الله فيمن عصى قسرا
ويملك أقصى حضرمــوت وشحرها وتخفق في سيئون رايته الخضرا
وينشر فيها العدل من بعد جــورهم بأجناد حق لم تزل نحوهم تنزى([46])
وقد مر الجيش بالجوف، وبلاد المصعبين، وبيحان، وبلاد الرصاص، وبلاد العولقي، ورافقهم السلطان بدر بن عمر، ومن العلماء عز الدين بن دريب التهامي، والحسن بن أحمد الحيمي، والهادي بن عبدالله الحارثي، وأحمد بن الهادي بن هارون الهادوي، وجمال الدين علي بن صلاح الجملولي، ونزل الجيش في (بير حليمة) من بلاد العولقي، ووصف الجرموزي العولقي بأن معتقده في أهل البيت سيء، وأمر بعض عسكر الإمام أحد المؤذنين بهذه الناحية أن يؤذن بزيادة (حي على خير العمل)، فتهدد العولقي المؤذن، ودخلت القوات بلاد الواحدي، وعزان، وميفعة، وأحور، واعترضت الجيش في الطريق عوائق كثيرة، وتعرضت الخيول والجمال للتعب والموت، واشتد العطش ونفد الزاد، وقد أرسل أحمد بن الحسن رسالة إلى الإمام يخبره فيها بوصول الشيخ محمد بن شيبان من قبل السلطان بدر بن عبدالله الذي اعتذر عن مقابلة قائد الحملة وأرسل أخاه وابنه.
ولاقاهم الشيخ العمودي الذي استضافهم وزودهم بالغنم والطعام والجمال دعمًا للجيش، ووصلوا يبعث وريدة بامسدوس، وأخذوا ما في حصون السلطان بدر من طعام وتمر.
سيطر الجيش على الهجر الأعلى والهجر الأسفل، ثم وصل محلة نجران وأمامهم جيش السلطان، وحرض الصفي أحمد الجيش على الجهاد، وأنه لا يسعهم مع نصر الله تعالى إلا صدق العزيمة، وإخلاص النيات، ومن وصاياه للجيش: »من خالف تدبيره فهو مؤاخذ، وكل فارس يطعن وينزل لقطع الرأس فهو مؤاخذ،….«، وغيرها من الوصايا، وتلخص الرسالة التي أرسلها الصفي أحمد للإمام سيطرته على حضرموت وتفاصيل الحملة، وقد وصفت الاستيلاء على حضرموت (بالنصر المبين، والفتح المستبين)، وافتتحها بقوله تعالى: ((وَقُلْ جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ البَاطِلُ إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا)) [الإسراء: 81] ومما جاء فيها:
– الاستيلاء على قطر حضرموت، وتسليم حصونه ومصانعه، وما فيها من الذخائر والسلاح.
– إذعان أهل الحق جميعًا بالطاعة.
– هروب القبائل التي اجتمعت مع السلطان.
– خروج السلطان إلى هينن بعد قتال شديد، وأسر الجند، وحصول غنائم من المال والسلاح.
– وصول رسول السلطان إلى المخينيق، وأنه يطلب الأمان.
– وصول قوات الإمام إلى شبام، وإرسال قوات لاستلام حصون سيئون وتريس وغيرها.
– الذهاب إلى سيئون وتأمين حاشية السلطان وأقربائه وحفظهم من (معرة الجيش).
– أخذ بيت مال السلطان وذخائره كغنيمة، ووصول أهل تريم وسيئون وعينات ومريمة وتريس والغرفة.
– استسلام السلطان([47]).
ولما استقر أحمد بن الحسن في سيئون »تصرف في حضرموت كحاكم فعلي في المنطقة، فصادر ممتلكات السلطان بدر ووزعها على جنوده الزيديين، وأدخل عبارة (حي على خير العمل) في نداء الصلاة، وعين القضاة للفصل في الخصومات«([48]).
ونبين ها هنا كيف تحدث المؤرخون الحضارم عن هذه الحملة، يقول المؤرخ ابن حميد الكندي في (تاريخ حضرموت): »فخرج عليهم إمام الزيدية أحمد بن الحسن الملقب (سيل الليل) بخيله ورجله، واستولى على ممالكهم، وزاد في الأذان (حي على خير العمل)، وكم أهريق بسبب ذلك دماء، وكم قتلت بالتوهم نفوس لا جرم لها«([49])، وتوسع المؤرخ ابن عبيدالله السقاف في وصف الحملة وأطنب في وصفها، وذكر وصول السلطان بدر بن عمر إلى الإمام شاكيًا إليه ابني أخيه ثم قال عن الإمام: »… وغضب غضبة مضرية من انتهاك حرمة محبه وحليفه… وانفصل الجيش يوم الخميس 18 شوال عام 1069هـ بقيادة الشهم الهصور والصفي المشهور أحمد بن الحسن بن الإمام القاسم بن محمد«، وقال وهو يصف الجيش: »لا يعارضه معارض إلا اجتاحه كما يكتسح السيل هشيم الأشجار«، وأضاف: »وما هي إلا جولة وانهزم السلطان وتفرقت عساكره شذر مذر… وخلع الصفي على السلطان بدر بن عبدالله وعلى أولاده وأنزلهم بحيث يستحقون من التأهيل والاحترام حسبما يليق، بسعة حلمه وطيب عنصره وشرف أرومته«، وقال ممتدحًا الصفي مستشهدا بقول الشاعر الحيص بيص:
ملكنا فكان العفو منا سجية ولما ملكتم سال بالدم أبطح([50])
وكتب الأستاذ محمد بن هاشم: »وهنا ننقل ما كتبه سيدي الحبيب علي بن حسن العطاس العلوي في كتابه (سفينة البضائع)، ومما جاء فيه: (كان خروج الإمام أحمد بن حسن ووصوله إلى حضرموت آخر شهر رجب سنة 1070هـ… وبعد ذلك أهل الهجرين خرجوا إلى عند الإمام وطلبوا أمانًا منهم لأهل الهجرين ونواحيها حتى صبيخ… وتقدم أحمد بن الحسن وقومه إلى حضرموت وسلمت له مصنعة هينن بغير قتال، ثم خضعت له جميع مصانع حضرموت، وقابله أهلها… وكتب له السيد عمر بن عبدالرحمن العطاس العلوي كتابًا أوفده مع ولديه حسين وسالم فقابلهما الإمام بكل تجلة وتبجيل، وقال لهما أرى عليكما سيما الخلافة ومخائل النجابة، وقرأ في كتاب الحبيب قوله: انظر إلى أهل حضرموت بعين الرحمة ينظر الله إليك. قال: إني لما نظرت هذا طرح الله الرحمة العامة في قلبي لأهل حضرموت«([51])، يقول الأستاذ ابن هاشم: »وبدخول جيوش الإمام إلى حضرموت انتهت السلطنة الكثيرية تمامًا، وأصبح السلطان عديم القوة والشوكة«([52])، وللأستاذ سعيد عوض باوزير رأيه الذي يقول فيه: »لم يكن بد من استعمال القوة لحل ما عجزت المفاوضات والمكاتبات عن حله، فأصدر الإمام المتوكل أمره بالتعبئة العامة ودعوة الناس في اليمن إلى الحرب…. وخرج السلطان بدر بن عبدالله من هينن على رأس عدد غير قليل من جنوده قاصدًا إلى معسكره في سدبة، وكانت قد وصلته الإمدادات من عمد والشحر وغيرها…«([53])، وينقل ابن حميد عن المؤرخ الشلي في كتابه (عقد الدرر): »استولى إمام الزيدية إسماعيل بن القاسم على حضرموت كلها، وانتهت دولة آل كثير من تلك البلاد«([54])، وأشار إليها باقتضاب الأستاذ محمد بن أحمد الشاطري في معرض حديثه عن استشارة السلاطين لأهل العلم، من أن السلطان بدر بن عبدالله بو طويرق »استشار الإمام عمر العطاس في قتال الزيدية لما بدأوا في اكتساح حضرموت، فأشار عليه بأن لا يقابلهم قائلًا إنهم (سيل ليل)«([55])، ويقول الأستاذ كرامة سليمان بامؤمن عن الحملة: »في عام 1069هـ جهز إمام الزيدية في شمال اليمن المتوكل على الله إسماعيل جيشًا تحت قيادة أحمد بن الحسن الصفي، وقد سُمي هو وجيشه (سيل الليل)، لقوة جيشه وبطشه ولكثرة غزواته ليلا، وفي عام 1070هـ تمكن هذا الجيش من الاستيلاء على حضرموت، وعمت طاعته جميع أنحائها قهرًا بالسيف«([56]).
وأشار إلى الحملة بعض المؤرخين اليمنيين ومنهم صاحب كتاب (طبق الحلوى وصحاف المن والسلوى)، عبدالله بن علي الوزير (ت 1147هـ)، ويقول يحيى بن الحسين بن القاسم في كتابه (بهجة الزمن في تاريخ اليمن): (يرى بعض المؤرخين أن أسباب التوسع في المناطق الجنوبية وجود منكرات وجهل وعدم تطبيق الشريعة)([57])، وأضاف سببًا اقتصاديًا وهو خراج بندر الشحر، ومنهم أيضًا حسام الدين محسن بن القاسم (ت 1117هـ)، في كتابه (تاريخ اليمن)، قال: (وكان الموجب للجهاد الآتي ذكره زفرات البغيض على صاحب حضرموت وما صنع بعمه)، ويقول المؤرخ عبدالواسع بن يحيى الواسعي عن توسع حملات المتوكل: »ولم يزل يفتح البلاد ويطهرها من أرجاس الفساد حتى بلغ مبلغًا لم يبلغه أحد ممن تقدمه، وملك اليمن بأسره ومدنه وبواديه وفتح الشحر وحضرموت والمشارق كلها«([58]).
وفي رمضان 1070هـ طلب السلطان بدر بن عبدالله الذهاب إلى الإمام، ولما وصل أكرمه، ثم عاد إلى بلاده بعد سنوات.
إجراءات أحمد بن الحسن في حضرموت:
أكرم أحمد بن الحسن -حسب تعبير الجرموزي- سلاطين حضرموت وفقهاءها وأخذ (الفطرة) وردها على الفقراء، وغيّر المنكرات، ونكّل بمن قد فحش عصيانه كأهل الملاهي، والبيوت المعهودة الفساد، ونصب القضاة للخصومات، وترك للسلطان عوائده مع أهل بلاده الموافقة للشريعة النبوية وعلى ما جرت به الرسوم الإمامية، وأرسل الفقيه بدر الدين محمد بن علي بن جميل مع ستمائة مقاتل إلى الشحر لمساعدة والي الإمام على الشحر السلطان بدر بن عمر، وتمردت قبائل الحموم وقتلوا أفرادًا من جيش الإمام([59]).
عاد أحمد بن الحسن إلى صنعاء بعد أن أرهقته وجنوده الأحوال المعيشية وصعوبة العيش في حضرموت، واستخلف السلاطين على حضرموت والشحر وظفار، على أن يقبل منهم الامتثال وظاهر الطاعة والاعتزاء إلى الدولة المحمدية والعصابة العلوية، وأخذ معه من عرف فساده واعتداؤه في الطرقات، واحتملهم معه مكبلين بالحديد([60])، وقد امتدح الشعراء هذا القائد الذي أصبح إمامًا عام (1087هـ)، وتلقب بـ(المهدي)، يقول علي بن أبي الرجال عنه:
فطهر أقطار البلاد بسيفـــه ومهدها للقائم المتوكـــــل
وسار إلى لحج وأطلال خنفر بكل فتى ماضي العزيمة فيصـل
وفي يافع لم يبق للقوم نافــع من السيف في يوم أغّر محجـل
وفي حضرموت فلّ حدّ جيوشهم وحكّم بيض الهند في كل مقتـل
ولبيان حالة حضرموت من الناحية الجغرافية، وصف أحد مرافقي الجيش بلاد حضرموت في رسالة بعثها إلى صنعاء، فقال عن شبام إنها مدينة كبيرة وعليها أثر ضعف بسبب توالي أيدي الجبابرة، وفيها جامع عظيم، وحولها نخيل واسع، وأنهار ومزارع أكثرها لآل كثير، وأن الطريق من شبام إلى سيئون نخيل وآبار ومزارع، وأما سيئون فمدينة عظيمة، وفيها جامع ومساجد أخرى، وأوقاف ووظائف، وكل أهلها، بل أهل حضرموت فقراء ضعفاء، وأن وادي حضرموت واد عجيب وسيع رحيب عريض طويل، كله عمارات ومزارع ونخيل متصل من شبام إلى المسفلة([61]).
موقف أهل حضرموت من الحملة ورأي المؤرخين:
يلحظ القارئ ممَّا كتبه المؤرخون الحضارمة عن الحملة مواقف مختلفة يدور أكثرها حول التغييرات الفكرية التي أحدثتها الحملة، ومن ذلك ما اتخذه الفقيه أحمد بن محمد مؤذن باجمال من موقف سابق للحملة، وبالتحديد عام 1056هـ حينما مهد الإمام لحملته بالمكاتبات؛ حيث »انتدب له -هذا الفقيه- بالدلائل الواضحة من الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة، فخمدت نيرانهم التي كانوا يوقدونها… وبطل ما زعموه«([62]). ويشير المؤرخ عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف إلى أن »أحمد بن الحسن غادر حضرموت، وقد أخذ على أهل حضرموت العهد للسلطان بدر بن عمر بالنيابة عن أمير المؤمنين المتوكل على الله إسماعيل«([63]). ويستدرك على ما ذكره المؤرخ أحمد بن حسن العطاس من أن القائد الزيدي »انتهى إلى سيئون ولم يتعدها إعظامًا للإمام عبدالله بن علوي الحداد«، ووصف هذا القول بالمشكل على اعتبار أن الحداد لا يزيد سنه حينها عن ست وعشرين سنة وظهوره إنما كان بعد ذلك، وأن أحمد بن الحسن دخل تريم، وذكر أن أحد المشايخ آل باوزير استفتى الفقيه الحداد، »هل يجوز ترك الجمعة للتكليف بالدعاء لإمام الزيدية في الخطبة؟« فأجابه: »إن بعض الشر أهون من بعض، وليس في الدعاء كثير محظور، ولكن المحظور إعطاء الزكاة لهم يحكمون فيها بخلاف حكم الله ورسوله، فينبغي بل يجب أن لا تسلم إليهم إلا بشرط أن يضعوها حيث وضعها الله، فإذا علمت هذا فلا وجه لترك صلاة الجمعة بسبب الدعاء لأهل البدعة… وعلى الجملة فاستشراف هذه الطائفة الباغية في هذه الجهة والتفاتتهم إليها مفسدة عظيمة وبلية عميمة وداهية دهياء ومصيبة عظماء«([64])، وهذا موقف فكري من الحملة ومبادئها الفكرية، وهو موقف بعض صوفية حضرموت »الذين لم يرحبوا بقدوم الجيش الزيدي إلى حضرموت ودخوله مدينة تريم في عهد القطب الصوفي عبدالله بن علوي الحداد«([65])، ومن مواقف الفقيه الحداد ما كتبه للسلطان بدر بن عبدالله ينصحه »بأن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق… «، وقال له: »اعلم أنه لا ينفعك أن تجيبهم إلى كل ما يدعون إليه؛ لأن بيننا وبينهم تباينًا في الأصول والفروع، وكلما ندبوك لأمر فانتدبت له ندبوك إلى ما هو أعظم منه ولا يرضون منك بدون أن تصير أنت ورعيتك زيود«([66])، وقد وصف المؤرخ ابن عبيدالله السقاف العبارة الأخيرة للفقيه الحداد بأن فيها إسرافًا ناشئًا عن عدم الاطلاع على حقيقة الزيدية -كما يقول- لأن من رعاياهم الشافعية والأشعرية ولم يجبروا أحدًا على ترك مذهبه لمذهبهم([67])(ا. هـ).
ومن الأمور التي حصلت كما وردت في كتب المؤرخين الحضارم زيادة (حي على خير العمل) في الأذان، وهو شعار للزيدية، جاء في (المشرع الروي): »وزيد في الأذان (حي على خير العمل)، وترك الترضي عن الشيخين، ومنعوا الدف واليراع«([68])، وعند الأستاذ محمد هاشم: »ومنعت الزيدية راتب الحداد، ونودي بأن يزاد في الأذان (حي على خير العمل)، ولم يقدر أحد على المخالفة إلا عبدالله عمر بارضوان بافضل المؤذن في باعلوي، فإنه استمر بالأذان العادي من أول خلافة الزيدية إلى آخرها، وكلما هددوه بأنهم سيفعلون ويفعلون به سكت ولم يجب على أحد وسلمه الله من معاقبتهم«([69])، وقريبًا من هذا ما ذكره المؤرخ السقاف »من أنهم منعوا الرواتب والقنوت إلا بالقرآن فلم يسع الناس إلا الامتثال غير أن أحد المشايخ، وكان ظريفًا أخذ يقنت بهذه الآية ﴿رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العَذَابِ وَالعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا﴾ [الأحزاب: 68] فعاتبوه في ذلك، فقال لهم: أليست آية؟ قالوا: بلى ولكنك تتعمدنا بذلك، وأرادوه على الترك فلج في الامتناع عن القنوت إلا بها حتى حصلت المصالحة على الدعاء المشهور«([70])، وعلّق ابن عبيدالله على هذه الحادثة بأن فيها شاهدًا على أن الزيدية يعطون للحجة نصيبًا، وأسهب في الحديث بعدها عن بعض ما يفعله الزيدية في الأذان والإرسال في الصلاة، وعند المؤرخ سعيد باوزير أنه مُنع (راتب السقاف)، والمراد به الحضرة المعروفة، ويتفق هذا مع ما ورد في (المشرع) من منع الدف واليراع الذي يقام في المساجد، وقد مُنع راتب الحداد في المساجد -حسب قول الاستاذ محمد بن هاشم- حتى أعاده السلطان علي بن بدر بن عمر (ت 1107هـ)، ولعل الذي مُنع ليس الراتب، وإنما حضرة السقاف كما تقدم.
وهكذا يتبين أن الزيدية أحدثوا تغييرات فيما يقام من الرواتب والحضرات، ووجدت أيضًا بعض المناظرات والتساؤلات، منها أن الفقيه عبدالله بن علوي الحداد أجاب عن أسئلة بعض المستفتين من الزيدية عام 1072هـ، ومنهم أحمد محمد الغشم، وحسب رأي الأستاذ كرامة سليمان بامؤمن أن هذا حوار فكري([71])، وتتلخص أسئلة الغشم في جوانب مختلفة من الشرع الحنيف، منها سؤال في الاعتقاد، عن أفعال العباد فأجابه »إن مذهبنا مذهب وسط بين الجبرية والمعتزلة«، وسأله عمن حارب أمير المؤمنين عليًّا رضي الله عنه ونازعه من المسلمين؟ فأجابه: »إن من خالفه ثلاث طوائف الأولى أهل الجمل والزبير وطلحة وعائشة رضي الله عنهم أجمعين، والثاني أهل صفين ومعاوية وعمرو بن العاص وأهل الشام وكلهم بايعوا عليًّا وخرجوا عليه يطالبون بدم عثمان، الثالثة أهل النهروان وهم الخوارج«، ثم قال: »وكلهم بغاة عندنا ومنازعون بغير حق صريح وصواب واضح«، وأردف: »وليس الخروج على الأئمة عندنا كفرًا… وليس يزيد عندنا بمنزلة معاوية فإن معاوية رضي الله عنه صحابي«، وسأله عن ما يمارس من حضرات في المساجد: »ما قولكم في هذه الجموع التي نراها في مساجدكم تنشد فيها الأشعار الغزلية بالنغمات الطيبة والألحان الموزونة؟«، فأجاب: »إنها ليست عندنا من الذكر ولا هي مثله ولكنها شيء مباح وتركها أفضل.. «، ثم قال: »ونحن على بصيرة من أمرنا وهدى من ربنا وكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ولسنا جاهلين بأمر الدين ولا مبتدعة ولا متبعين الأهواء المضلة«، واختتم جوابه: »والظاهر أنك متعصب على مذهبك لا تقبل إلا ما وافقه ولا ترى الحق إلا فيه«([72])، يقول الأستاذ سعيد عوض باوزير معلقًا على تلك المواقف: »ومما هو جدير بالملاحظة أن الناس في حضرموت كانوا ينظرون إلى مذهب الزيدية على أنه بدعة وضلالة، حتى العلماء منهم الذين يمزجون عقيدتهم السنية ببعض الأفكار الشيعية الإمامية، بل أفتى بعض العلماء الحضارمة من العلويين بعدم جواز إعطاء الزكاة لأئمة الزيدية الذين حكموا حضرموت، وبعدم جواز الدعاء لهم على المنابر، وقالوا إنه لا تجب طاعتهم على الحضارمة الذين لا يدينون بمعتقدهم«([73]).
ثالثًا: اتصال أئمة الزيدية بحضرموت بعد الحملة:
انتهت حملة الإمام المتوكل إسماعيل بحسم الخلاف بين سلاطين آل كثير وتعيين الولاة وأخذ العهود، وكان ولاة الإمام على الشحر الأمير طالب بن عبدالله بن عمر بن بدر، وتولى محمد بن بدر بن عمر الملقب (المردوف) (ت 1080هـ)، بعد وفاة أبيه عام 1073هـ بأمر الإمام، ثم تولى بعده أخوه عيسى بن بدر، أما السلطان بدر بن عبدالله فقد عاش في صنعاء، ثم عاد وتوفي عام 1075هـ.
وفي المدة من عام 1070هـ إلى عام 1087هـ، وهي سنة وفاة الإمام إسماعيل هدأت الأمور نسبيًا، وانتزع آل كثير ظفار من الأمير خلف الذي عينه السلطان العماني سلطان بن سيف، ودخلها السلطان محمد بن جعفر الكثيري، وحوّل الخطبة للإمام، وذلك عام 1073هـ، وعين الإمام في عام 1075هـ الفقيه أمير الدين القرشي واليًا على الشحر، أما ولاية حضرموت فللسلطان محمد بن بدر، وفي ظفار الشيخ زيد بن خليل، وليضمن الأئمة الوجود المستمر لهم، أرسلوا في عام 1080هـ عبده الحاج عثمان إلى حضرموت لنيابتهم، وهكذا لم تحل هذه السنة إلا وحضرموت خالصة لسلاطين آل كثير عدا الشحر، وبوفاة المتوكل، بادر سلطان حضرموت بإرسال الهدايا للإمام الجديد المهدي أحمد بن الحسن (ت 1092هـ) وإعلان البيعة([74])، وفي عام 1081هـ عين الإمام السلطان علي بن بدر بن عمر بن بدر (ت 1107هـ)، عاملًا له على حضرموت بعد وفاة أخيه عيسى بن بدر بن عمر، وفي عهد علي بن بدر حصل التمرد من قبل حسن بن عبدالله بن عمر والي الشحر، فخلع طاعة الإمام عام 1093هـ، »وبث روح العصبية والمذهبية في الناس«، لكن علي بن بدر أخرجه منها، غير أن الانصياع للأئمة بدأ يتضاءل ولم يبق لهم عزل ولا ولاية عدا الخطبة وإكرام من جاء من قبلهم([75]).
ويظهر في الساحة السلطان بدر بن محمد المردوف بعد وفاة علي بن بدر عام 1107هـ، وفي عصره (تغلبت السلطة اليافعية على السلطة الكثيرية الإمامية…. وانقسم المجتمع الحضرمي سياسيًا ومذهبيًا بين سلطة الشوافع التي يعضدها بدر بن محمد وسلطة الزيدية التي يؤيدها آل عبدالله([76])، وتبدأ مرحلة بلغ فيها الخلاف مستوى كبيرًا من خلال استقواء كل طرف بحلفائه، غير أن التواصل الإمامي شق طريقه في ظل هذه الأجواء المتلبدة بغيوم النزاعات وعدم الاستقرار، فأرسل الإمام المهدي الفقيه أحمد بن ناصر بن محمد الحيمي، الذي التقى ببعض علماء حضرموت، ومنهم العلامة عبدالله بن أبي بكر قدري باشعيب، الذي أجازه الحيمي في منظومة على عقيدة مذهبه([77]).
وظهر من آل كثير عمر بن جعفر بن علي بن عبدالله بن بدر ليتزعم معارضة بدر بن محمد المردوف وعلاقته بيافع، وبخاصة بعد أن تفاقمت الأمور في عام 1113هـ بقدوم المدد اليافعي عن طريق الشجاع عمر بن صالح بن هرهرة، الذي وصل حضرموت قادمًا من يافع لزيارة آل الشيخ بن أبي بكر في عينات، ومعه نحو خمسين فردًا، وينقل المؤرخ السقاف في (إدام القوت) عن الرحلة التي كتبها ابن هرهرة ما مفاده: أن الشيخ علي بن أحمد بن الشيخ أبي بكر أمرهم بالخروج إلى حضرموت؛ »لأن السلطان عمر بن جعفر طغى وبغى وعظم الشعائر الزيدية..«([78])، ويؤكد ابن هرهرة للسلطان أن خروجه هو لإخراج الزيدية وإزالة خطبها طوعًا أو كرهًا. وينقل المؤرخ ابن هاشم عن أحمد فضل في كتابه (هدية الزمن): »أن يافع إنما ساروا إلى حضرموت لإنقاذ من بها من أهل السنة (الشوافع) عندما استصرخهم ولي الله السيد علي بن أحمد بن علي بن سالم بن أحمد بن حسين بن الشيخ أبي بكر مولى عينات عام 1116هـ لمحاربة السلطان عمر بن جعفر الذي انتحل مذهب الزيدية، وعظم شعائرهم في حضرموت«([79]).
وخلال السنة المذكورة حصلت أمور تتعلق بالوجود الزيدي في حضرموت، منها أن بعض الزيدية غادروا، ومنهم النقيب سيلان الشامي، وتم إشعار خطيب تريم أن يرجع الخطبة الثانية (النباتية)، ويذكر الصحابة كما في الخطبة، ويذكر الإمام أيضًا، وبلغ الخوف بالناس مبلغه بعد أن حصل قتال بين السلطان بدر بن محمد المردوف وعمر بن جعفر الكثيريين ومن معهم من الحلفاء، وهُزم فيه عمر بن جعفر، وتمكن بدر من الاستيلاء على جميع حضرموت، وأمر أمير سيئون خطيب الجمعة أن يخطب للإمام وللسلطان بدر بن محمد المردوف، وذلك في محرم 1117هـ، وحين اشتد الصراع وتوالت الأحداث خاف من بقي من الزيدية بسيئون، ومن العجائب أن الدائرة بدأت تضيق عليهم في حضرموت، فقد نقص عليهم المصروف، بل أُمروا في وقت عيد الفطر بعدم فعل ما اعتادوه من زوامل بالرغم من السماح ليافع بترديد الزوامل والبرع، وعدَّ الزيدية أن هذا إهانة لهم([80]).
ولحسم الأمور توجه السلطان عمر بن جعفر إلى صنعاء، ورجع منها في جمادى الأولى 1118هـ إلى الشحر، وكان معه دراهم عليها لفظ الجلالة والشهادتان واسم المهدي، ووصل بعد ذلك كتاب الإمام المهدي يطالب فيه أهل حضرموت بالطاعة وإلا قدم بجيشه، وأعلن مندوبه أن الناس في أمان المهدي.
واضطربت الأحوال ثانية وأعلن في سيئون أن الناس في أمان الله، ثم في أمان الإمام المهدي والسلطان عمر بن جعفر، قال المؤرخ عبدالله بن علي الوزير في كتابه (تاريخ اليمن): »وفيها -عام 1118هـ- أخرج أهل يافع من بحضرموت من الزيدية وكانوا رتبة من الأيام المهدوية الأحمدية، وقد كانوا بها أهل أسباب ونخيل«([81])، وقد حصل هذا بعد أن تم ترتيب عسكر يافع في شبام فارتاب الزيدية وغادروا، ووصل كتاب من الأمير سعيد أن لا يبقى في سيئون زيدي، وقُطع الدعاء للإمام في خطبة الجمعة.
لكن هناك نوع من التواصل استمر، حيث توجه السلطان عمر بن جعفر إلى اليمن لتهنئة الإمام وإعلان الطاعة([82])، ومكاتبات بين الفقيه عبدالله بن علوي الحداد والإمام القاسم بن الحسين (ت 1139هـ)، والفقيه أحمد بن محمد ناصر الحيمي، وذلك عام 1128هـ.
وتموج البلاد بأحداث كبيرة لنصل إلى عام 1129هـ فيستجير السلطان عمر بن جعفر مرة أخرى بالأئمة ويحضر معه مئات من قبيلة دهم، وتجتمع عليهم قبائل حضرموت وتبيدهم جميعًا، وبهذه الهزيمة تنتهي أحلام السلطان، وانشغل الأئمة حينها بأوضاعهم الداخلية.
وفي القرن التالي تراود طاهر بن الحسين العلوي نفسه بإقامة دولة، ويشير عليه أخوه عبدالله بالاتصال بأئمة اليمن، وفي القرن الرابع عشر يتصل العلامة عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف بالإمام يحيى حميد الدين ويزوره ويستنجد به لإزالة الظلم وتطلعات المستعمر البريطاني، فيقول في قصيدة أرسلها للإمام:
نغار من الأمر اليســـير ينــاله فكيف وفي استعماره استشرف الكفر
فهل من خلاص هل لنا من وســـيلة يذاد بها عن قطرنا الطاهر الشـــر
ويقول في أخرى:
أبا الفضل قد أضحى عليك استنادنا وما خاب إنسان عليك استناده([83])
والخلاصة إن المرجعية الفكرية للحملة الزيدية المتوكلية على حضرموت في القرن الحادي عشر الهجري كانت واضحة في مكاتبات الأئمة، التي حملت سمات المذهب الزيدي، وطلب الطاعة والولاء للإمام، وإقامة بعض الشعائر المتصلة بالمذهب، والحصول على موارد مالية تبعًا لما ينص عليه الفكر الزيدي، ولتباينه مع المذهب الشافعي لم يستطع أن يحقق شيئًا يذكر، عدا مراسيم ومظاهر ليست جوهرية، بل ظل الناس وحتى الحكام على مذهبهم، ولم تتأثر المحاضن الفكرية كالمدارس وحلقات التعليم في المساجد وغيرها من الأمور، ومارس أهل التصوف عوائدهم باستثناء ما منعوا منها كحضرة السقاف، ولم يكن للعلماء والفقهاء الذين وصلوا من قبل الأئمة نشاط علمي أو فكري مؤثر، ويبدو أن البعد الجغرافي لمركز الأئمة عن حضرموت قلل من تأثيرهم، بخلاف اليمن الأوسط الذي أحدثوا فيه تغيرًا ملموسًا.
الهوامش:
1 – باوزير، صفحات من التاريخ الحضرمي، ص65.
[2] – مفلح، حضرموت بين القرنين الرابع والحادي عشر للهجرة، ص87.
[3] – السقاف، بضائع التابوت (مخطوط)، 1/ 305.
[4] – ابن حميد الكندي، تاريخ حضرموت (العدة المفيدة)، تحقيق: عبد الله محمد الحبشي، 1/ 314.
[5] – السقاف، مصدر سابق، 2/ 103، 104، 106.
[6] – باكثير، رحلة الأشواق القوية إلى مواطن السادة العلوية، ص33، ينظر: علوي بن طاهر الحداد، جني الشماريخ، ص43، بامؤمن، الفكر والمجتمع في حضرموت، ص304.
[7] – السقاف، إدام القوت، ص540.
[8] – باحنان، جواهر تاريخ الأحقاف، 2/ 221.
[9] – مفلح، مصدر سابق، ص365.
[10] – الأكوع، الزيدية نشأتها ومعتقداتها، 8، 54، وينظر: الكلدي اليافعي، المذهب الشافعي في اليمن، ص120.
[11] – الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، ص259.
[12] – الكلدي، مصدر سابق، ص124.
[13] – المصدر السابق، ص164.
[14] – الميسري، الزيدية في اليمن، ص289، 294.
[15] – ابن سمره الجعدي، طبقات فقهاء اليمن، ص220.
[16] – أكرم عصبان، التحفة السنية من البلاد الحضرمية، ص13، 15.
[17] – السقاف، مصدر سابق (الإدام)، ص430، 492.
[18] – باحنان، مصدر سابق، 2/ 133، 134.
[19] – بامؤمن، مصدر سابق، ص224 ، 225.
[20] – السقاف، مصدر سابق، (البضائع)، 2/ 70.
[21] – السقاف، الإدام، ص433.
[22] – السقاف، مصدر سابق، (البضائع) 2/ 423، 424، 425.
[23] – المصدر السابق، 2/ 431.
[24] – المصدر السابق، 2/ 434.
[25] – للمزيد ينظر: ابن هاشم، تاريخ السلطنة الكثيرية، ص79، باوزير، مصدر سابق، ص152، باحنان، مصدر سابق، ص115، 184.
[26] – باوزير، مصدر سابق، ص152.
[27] – الشاطري، أدوار التاريخ الحضرمي، 2/ 41.
[28] – المصدر السابق، ص80.
[29] – المصدر السابق، ص114.
[30] – ابن هاشم، مصدر سابق، ص48.
[31] – المصدر السابق، ص95.
[32] – المصدر السابق، ص83، 93، 112.
[33] – ابن حميد، مصدر سابق، 1/ ص238.
[34] – ينظر: ابن هاشم، مصدر سابق، ص96، باوزير، مصدر سابق، ص152.
[35] – الجرموزي، تحفة الأسماع والأبصار بما في السيرة المتوكلية من غرائب الأخبار، تحقيق: عبدالحكيم عبدالمجيد الهجري، 2/ 67.
[36] السقاف، البضائع، 2/ 35.
[37] – الجرموزي، مصدر سابق، 2/ 766، وينظر ما بعدها.
[38] – المصدر السابق، 2/ 733.
[39] – المصدر السابق، 2/ 788.
[40] – المصدر السابق، 2/ 791.
[41] – باوزير، مصدر سابق، ص154.
[42] – الجرموزي، مصدر سابق، 2/ 796.
[43] – المصدر السابق، 2/ 839.
[44] – ابن القاسم، تاريخ اليمن، ص77.
[45] – الجرموزي، مصدر سابق، 2/ 825، 826، 827.
[46] – المصدر السابق 2/ 719.
[47] – المصدر السابق، 2/ 830 وما بعدها.
[48] – سلوى الغالبي، الإمام المتوكل على الله إسماعيل ودوره في توحيد اليمن، ص93، 96.
[49] – ابن حميد، مصدر سابق، 1/ 241.
[50] – السقاف، البضائع، 2/ 51، 52.
[51] – ابن هاشم، مصدر سابق، ص99، 100.
[52] – المصدر السابق، ص100.
[53] باوزير، مصدر سابق، ص157، 160.
[54] – ابن حميد، مصدر سابق، 1/ 241.
[55] – الشاطري، مصدر سابق، 2/ 41.
[56] – بامؤمن، مصدر سابق، ص302.
[57] – يحيى بن القاسم، بهجة الزمن في تاريخ اليمن، تحقيق أمة الغفور الأمير، 1/ 32.
[58] – حسام الدين بن القاسم، تاريخ اليمن، 1/ 37، وينظر: الواسعي، تاريخ اليمن.
[59] – الجرموزي، مصدر سابق، 2/ 868، 869.
[60] – المصدر السابق، ص871، 872.
[61] – المصدر السابق، 2/ 867.
[62] – ابن حميد، مصدر سابق، 1/ 238.
[63] – السقاف، البضائع، 1/ 53.
[64] – المصدر السابق، 1/ 68، 69.
[65] – بامؤمن، مصدر سابق، ص226.
[66] – السقاف، المصدر السابق، 2/ 69.
[67] – المصدر السابق، 2/ 69.
[68] – الشلي، المشرع الروي، 1/ 139، 169.
[69] – ابن هاشم، مصدر سابق، ص100.
[70] – السقاف، البضائع، 2/ 70.
[71] – الشاطري، مصدر سابق، 2/ 112.
[72] – عبد الله بن علوي الحداد، النفائس العلوية في المسائل الصوفية، ص119- 124.
[73] – باوزير، الفكر والثقافة في التاريخ الحضرمي، ص129.
[74] – الوزير، طبق الحلوى وصحاف المن والسلوى، ص187، 195.
[75] – للتوسع ينظر: ابن حميد، مصدر سابق، 1/ 242، والسقاف، إدام القوت، ص439، ابن هاشم، مصدر سابق، ص115.
[76] – ابن هاشم، مصدر سابق، ص116، وينظر: البكري، تاريخ حضرموت السياسي، ص108.
[77] – ابن حميد، مصدر سابق، 1/ 246.
[78] – المصدر السابق، 1/ 249، وينظر: السقاف، إدام القوت، ص599.
[79] – ابن هاشم، مصدر سابق، ص118، والسقاف، البضائع، 2/ 84- 86.
[80] – ابن حميد، مصدر سابق، 1/ 262 وما بعدها، وابن القاسم، مصدر سابق، 2/ 316.
[81] – الوزير، مصدر سابق، 2/ 317.
[82] – السقاف، البضائع، 1/ 144، 145.
[83] – السقاف، ديوان عبد الرحمن بن عبيدالله السقاف، ص454، 462.
قائمة المصادر والمراجع:
(ب) الموسوعات:
– الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، 1409هـ/ 1989م.
(ج) الدوريات:
– التحفة السنية من البلاد الحضرمية، تريم، 1431هـ/ 2010م.
المصادر المطبوعة: