أضواء
منير بن سالم بازهير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 12 .. ص 30
رابط العدد 12 : اضغط هنا
تناول الكثير من المؤرخين المتأخرين إثبات أشعار حمينية للشيخ العالم الزاهد سعد بن علي مدحج المتوفى بمدينة تريم سنة 857 هجرية. مع أن الكتب والمصادر التي عاصرت حياته لم تشر إلى شاعريته هذه أبدًا!! مما رابني وحملني على كتابة هذا السطور.
والذي يؤكد أن أشعار الشيخ سعد منتحلة أمور في غاية المنطقية سأذكرها مرتبة ملخصة مركزة على النحو الآتي:
أولًا: أن التراجم المتخصصة في حياة الشيخ سعد ثلاث، كتبت بقلم تلميذه المباشر علي بن أبي بكر السكران، وهي:
الأولى: تُعرف بـ(الدر المدهش البهي في ترجمة الشيخ سعد بن علي).
والثانية: (البرقة المشيقة)، وهي ثبت الشيخ علي بن أبي بكر السكران الذي ترجم فيه لشيوخه، ومنهم الشيخ سعد وأخيه عبدالله.
والثالثة: (معارج الهداية) وهو كتاب يناقش قضايا في السلوك، وذكر فيه الشيخ سعدًا.. وذكر نموذج من كلامه.. ولم يتعرض هذا التلميذ المباشر لشعره أبدًا.
ثانيًا: (النور السافر) و(المشرع) وما قاربهما من تواريخ القرن العاشر والحادي عشر لم تتعرض لشاعرية الشيخ سعد… مع أن هذا الأمر مهم في شخصية المترجم له.
ثالثًا: لعل قائل يقول لعل من ترجموا له لا اهتمام لهم بالشعر فبالتالي أغفلوه وأغفلوا ذكره…!! لأنهم لا يميلون إلى الشعر ولا يعدونه ركنًا من أركان الشخصية المترجم لها..!! وهذا الكلام ليس بصحيح… إذ أن تلميذ الشيخ سعد وهو علي بن أبي بكر السكران كان شاعرًا وفي (البرقة) و(الدر المدهش) و(المعارج) كثير من شعره… وكذلك صاحب (النور السافر) كان شاعرًا… ونراهم يهتمون بذكر تفاصيل عن حياة الشيخ سعد من ذكر أهم كتب التفسير التي قرأت عليه… وأهم كتب العقيدة… والفقه والسلوك.. فعدم ذكرهم لنماذج من شعره يؤكد أنه لم يكن شاعرًا… لأنهم لم يذكروا حتى نموذجًا واحدًا ولو ركيكًا أو حمينيًا..
رابعًا: أكد شاعريته جماعة من المؤرخين المتأخرين فقط كابن عبيدالله في (الإدام) ذكر له نموذجًا واحدًا… وعلوي بن طاهر الحداد في (الشامل).. وابن هاشم في (تاريخ الدولة الكثيرية).. والصبان… وعدد من المتأخرين…
ومصدرهم السماع الشفهي وليس المصادر!!!
فهل يكفي السماع وحده في إثبات شاعريته؟؟
خامسًا: مناقضة كثير مما نسب إليه من شعر… لمرحلته الزمنية التي عاش فيها… فتجده يضاف إليه شعر يصف دولة ما لم يدركها تمامًا.. إما هي سابقة له.. أو جاءت بعد وفاته..!!
سادسًا: نرى أن من تبنى شاعريته يحصرها في أبيات سياسية… وأخرى زراعية.. وهذا الأمر مشكل من جهتين.
الأولى: أين شعره في الزهد والمديح النبوي والرثاء والمحبة والشوق… وهذه الأغراض قريبة من تخصصه حيث ثبت في (البرقة) و(الدر المدهش) أنه مستغرق الوقت في العبادة والصوم والتفكر والخلوة والتدريس… والقيام بحاجات الخلق.. مع ديمومة الاعتكاف بمسجد سرجيس لكونه حصورًا لم يتزوج…
ومن لطيف ما ذكره عنه تلميذه الشيخ علي بن أبي بكر السكران في (الدر المدهش، ص87) أن الشيخ سعد رحمه الله تعالى كان يحب أن يتمثل بهذين البيتين وهما:
تذكر جميلي إذ خلقتك نطفة ولا تنسى تصويري لخلقك في الحشا
وسلم لي التدبير واعلم بأنني أصرف أحكامي وأفعل ما أشا
والأبيات توضح نوع الشعر الذي يستهوي الشيخ سعد رحمه الله تعالى..
ثانيًا: ثبت في أوائل صفحات (الدر المدهش البهي، المخطوط، ص5) بالتحديد، أنه كان لا يميل إلى الزراعة أصلًا.. ولا إلى الحراثة وأعمالها… ولا يرغب فيها ألبته.. فدفعه أهله إلى الشيخ عبدالرحمن السقاف فاهتم بتربيته وتعليمه حتى صار من كبار مشايخ تريم الذين يشار إليهم بالبنان…
فكيف تكون أشعاره في الزراعة ومواسمها وأخبارها وتفاصيلها الدقيقة؟ وهو لا يميل إليها أصلًا… وثبت أنه لا يميل إلا إلى العلوم والمعارف والخلوة والمجاهدة؟؟؟ أبمجرد مجالسة والديه سرت له هذه الخبرة؟؟ أم لمجالسته لأهل زمانه سرت إليه هذه السرايات؟؟
ولكن لماذا لم ينقل عنه الشعر الزهدي بالمقابل مع أنه من أعلام العلماء الزهاد العباد في زمانه…؟؟
سابعًا:.. أنا كباحث لا أمانع أن يكون الشيخ سعد شاعرًا…ولكن كحقيقة بحثية هذا الأمر مشكل تمامًا… وأحبذ أن يغربل ويحاكم ما نسب إليه من شعر وأقاصيص وفقًا ومرحلته الزمنية من حيث التواريخ والدول أو السلطنات التي عاصرها… ووفقًا وما رقم عنه بأقلام معاصريه من اتجاهات علمية وفكرية…
فالتاريخ أحبتي فن دقيق.. بصحيحه توزن وتمحص الحقائق المضطربة… وتغربل إشكالات التاريخ وتقوم…
ومع كل ما قلته أتمنى أن تثبت هذه المقاطع الشعرية الحمينية.. وأن تؤيد بما يؤكد صدورها من الشيخ سعد… بميزان علمي صحيح… وإلا ستبقى في حيز ما نسب إليه من الشعر دون أن نجزم بذلك…
وأحب أن أختم مقالي هذا بقولي: لماذا نسبت أشعار إلى الشيخ سعد بالذات؟؟ التحقيق موازانات سياسية من خلال شعره؟؟
أم لإعطاء الأبيات هالة احترام وقبول وتسليم بين العامة لكون الشخصية محل احترام وتقدير في التاريخ…؟؟
أم لكونه شاعر مغمور لم يطلع على شاعريته حتى خواص تلاميذه… لأنه ربما كان يسرب أشعاره بشكل خفي ابتعادًا عن حب الشهرة والظهور؟؟ واتقاء للااستهداف السياسي المباشر؟
ولكن حتى هذا الأخير لا نسلم به لإشكاليات عدة وهي: كيف عرف أن هذا الشعر له مع تخفيه في إخراجه..!!
وهل كان الشيخ سعد من العلماء المصلحين الجبناء..!! ليخرج شعره الناقد للأوضاع السياسية بتخف مريب!!
مع أن الثابت في (الدر المدهش البهي) مصارحته للسلاطين ولغيرهم بإنكار المنكر المخالف لظاهر الشرع. انظر: (الدر المدهش، ص128).
هذا ما استطعت جمعه وفقًا والمصادر المتوفرة لديَّ… بعد مدة من المطالعات المكثفة في أيامي الخالية لعلي أظفر بمن يقول بشاعريته ممن عاصره… فلم أجد..
ولكن لعل الأيام تكشف أمرًا لم نتفطن له… أو لم نقف عليه… فإذا ثبت هذا تراجعت عن كل ما قلته في مقالي هذا… وبالله التوفيق…