دراسات
محمد عوض محروس
المشترك والمختلف في لهجة حضرموت (2):
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 12 .. ص 36
رابط العدد 12 : اضغط هنا
ورغم الاختلاف والتباين داخل لهجة حضرموت الذي يتضح في لهجات المناطق والمدن الحضرمية فإن هناك كثيرًا من المشترك في لهجة حضرموت، مثل استخدامهم حرفي الباء والألف (با) في أسمائهم وفي أحاديثهم وأقوالهم وأشعارهم، ففي أسمائهم تأتي الـ(با) في مقدمة أسماء العائلات والقبائل، مثال: باسالم، باعلي، بامحمد، بامعلم، بانجار، باغزال، باشحري، باذيب، وهذه العائلات والقبائل التي يتقدم الـ(با) أسماءها هي عائلات وقبائل حضرمية أصيلة، وأصل الـ(با) يمكن أن نجده بسهولة في الجزء الغربي من محافظة حضرموت (وادي دوعن)، ووادي حجر، والجزء الغربي من هضبة حضرموت الجنوبية؛ حيث ما زال الناس يكررون حرف (با) في أسمائهم، فهم ينطقون الاسم (سالم عمر عوض بايسلم) مثلًا على طريقتهم: سالم باعمر باعوض بايسلم؛ حيث حلت الـ(با) محل لفظ (ابن)، فسالم باعمر باعوض بايسلم هو في الأصل: سالم بن عمر بن عوض بن يسلم، وهناك من قرأ الـ(با) في أسماء الحضارم بأنها في الأصل: أبا »فحذفت الهمزة تخفيفًا فآلت اللفظة إلى الصورة التي استقرت عليها في تسمية هذه العائلات«([1]).
كما يرد حرف (با) في أقوال الحضارم وأمثالهم وأشعارهم في محل (السين وسوف) لانتظار ما سوف أو سيحدث كقولهم:
وقول الشاعر هادي عسكول في رائعته المشهورة:
يقول عسكول با يبدع في الوقت من لا سمع يسمع وتسمعوا قوله المازون
وقولهم:
مشعالنا با نفادي به
با نفادي به
يا من بغاه يخرج الرقة
كما يقلب الحضارم حرف الجيم ياء كقولهم:
أو كقولهم: يا يمال من ياوا وياب يمال يم، وهذا القول هو لغز لفظي، وهو: جاء جمال من جاوا وجاب جمال جم.
وينطق الحضارم كاف المخاطبة شينًا، كقولهم:
أو كما قال الشاعر:
لا حنت المويه كُلي رباتش ما با تنفعش أمش ولا خواتش
ويرد حرف (لا) في كثير من كلام الحضارم وأقوالهم وأشعارهم بمعان مختلفة، منها:
أ- بمعنى إذا كما في قولهم:
وفي قولهم:
لا هلت العشر قل يا الله مع الواقفين
حجاج ومسافرين تحت الجبل واقفين
وفي لهجة أهل وادي حضرموت يرد الحرف (لي) محل الحرف (لا) بمعنى إذا، كقول الشاعر عبدالرحمن محمد بن شهاب في مدونة النخيل([2]):
ولي رزمت المحصل وقدك منه تكلكل رجعت تفضل تفضل
تطلب تباصيم للدار
وقول الشاعر عبدالقادر عمر بن شيبان التميمي([3]):
ما لجاوه طلب ذلا المكاتيب يا أحمد لي ضوى الليل أمسيته بليلك مقهد
وقول شاعر آخر يصف حسرة امرأة غاب عنها زوجها في المهجر الإندونيسي بقوله([4]):
ولي تمالت في مكانه عينها من كل شق دمعت ودمعها خضر وقاها والمخدة والسليمود
كما ترد أداة الجر في العربية (إلى) بمعنى (إذا)، كما جاء في قول الشاعر عوض عبدالله سبيتي([5]):
عود الند ريحته زينه بنينه إلى درت با حصله
في البنوك الكبيرة له خزائن يخرجونه من الورشات منقول
ب- ويرد الحرف (لا) بمعنى (إلى)، كما في قولهم:
ج- ويرد الحرف (لا) للنفي، كما في قولهم:
د- كما يرد الحرف (لا) للنهي، كما في قولهم:
ويستعمل الحضارم لفظة (قدا) للتعبير عن الجهة أو الإشارة لشخص معين، كقول الشاعر حسين المحضار([6]):
بقصد معاكم خير مقصد والعقيرة من قدانا بكر وقعود
وقول الشاعر ناصر بن ناصر([7]):
سألتك بالأمانة ترد الماء قدا شجرة ضمانة
نباها بالثمر تبدر وهي قدها على المعداة
وقول الشاعر خميس كندي([8]):
ولا رفع رأسه شويه كلهم شطوا قداه
ويستعملون كلمة (يوم) بمعنى (حين) أو (عندما)، كقولهم:
وكما جاء في الزامل المشهور:
يوم التقوا في المسحرة العقل ع الشيبان ضاع
وقد وردت لفظة (يوم) في قول للشاعر عمر محمد باعباد بمعنى لأن([9]):
يا هل الدباسة عاد شي من لي تدبسونه ذلا دواء نبغاه لابن آدم تداوونه
يوم العسل فيه الشفاء من كافة الآلام
كما يستعملون لفظة (سنة) بالمعنى نفسه (حين) أو (عندما)، كقولهم:
وقد تحدث د. عبدالعزيز الصيغ عن نطق أصحاب المناطق البدوية الضمير مختومًا بهاء شبيهة بهاء السكت في العربية، حيث يقولون: قلته، وكتبته، وقرأته، كقول الشاعر حسين المحضار([10]):
يا ريتنا سرته معه أو سرت قبله
وهي أيضًا لهجة مشتركة مع لهجة الناس في مديريات وادي حضرموت، كقول مغني الدان سعيد مرزوق([11]):
يا الدان شيبته يعين الله من بعد الصبا شائب
وقول حداد بن حسن الكاف([12]):
من يوم جيته زمان الأنس عندي عاد
وقول خميس كندي([13]):
قال الفتى المشتاق تشوقته إلى أرض الوطن
كلما ذكرت أهلي وخلاني خوت بالدمع لعيان
ويستعمل الحضارم الألفاظ (عاد) و(لعاد) و(معاد) في أحاديثهم وأشعارهم وأقوالهم بمعان مختلفة، وقد تحدث الأستاذ عمر محفوظ باني عن استعمال الفعل المساعد (عاد): »قبل الفعل الماضي والمضارع جامدًا بصيغة الماضي في شتى أساليب النفي والإثبات والاستفهام.. ويلاحظ أنه عندما تسبق ما النافية الفعل المساعد (عاد) تُنطق الكلمتان كلمة واحدة (معاد«([14])، والشيء نفسه يحصل عندما تسبق (لا النافية) الفعل المساعد (عاد) تنطق الكلمتان كلمة واحدة (لعاد).
وتستخدم لفظة (عاد) للوعيد كقولهم:
وقول الشاعر سعيد فرج باحريز([15]):
وذاك الدلو لي قلتوا سقط في البير با يطلع
وعادك با تشل وحدة ووحدة با تخليها
كما تستخدم لفظة (عاد) بمعنى (ما زال)، كقولهم:
وقول الشاعر حسين أبوبكر المحضار([16]):
متى لقانا با يكون عاعين محدث والحصون
والجحي ذاك الزين
نا عادنا عيني بعين
كما تستخدم لفظة (عاد) للاستفهام والتعجب، كقول الشاعر عوض عبدالله سبيتي على دان جيبوتي([17]):
يا دهر ما لك علي شي عاد با تعدل؟
الحِمِل فوقي ثِقِل
وانته مكانَك تحمل
أو كما جاء في القول السائر([18]):
عاد حد للخلق خالق! عاد حد للناس رب؟
عاد حد با ينقد الـ منقود يا ذولا العرب؟
كما ترد لفظة (عاد) بمعنى (لا توجد)، كما في قول الشاعر عوض عبدالله سبيتي([19]):
لا عاد عيشة ولا أسباب لي تبذل
روحي وجسمي نحِل
ضاقت علي وين قِبِل
أما في قول الشاعر سعيد باجعالة على دان الحفة:
عادنا إلا طرحت الحلق حين حطيت رأس المقد ومساهن القافلة
والجمل عاد ما قيديته وسمعت صوت العرابة يحنين
فقد وردت في الأول (عادنا إلا طرحت الحلق) بمعنى (بمجرد ما)، أما في الثانية (والجمل عاد ما قيديته) ففيها تأكيد بأنه ما زال في حالة قدوم إلى المكان الذي وصل إليه.
أما في قولهم: عاده ما شاف ولا شتاف، فتأكيد بأنه ما زال عازبًا، وكذلك وردت في القول المشهور لأغاني سباطة النورة([20]):
يا مروح ضواك الليل والشمس غابت
عاد نحن إلا طربنا والمسابيط طابت
للتأكيد بأنهم ما زالوا في بداية العمل في سباطة النورة رغم حلول الليل.
وترد لفظة (لعاد) في محل (لا الناهية)، كما في قولهم:
كما ترد لفظة (لعاد) في محل (لا النافية)، كقول الشاعر حسين أبوبكر المحضار في قصيدة رمضان([21]):
قالوا نسوك الصحب والخلان ولعاد واحد منهم يسميك
وودك السابق عليهم هان ولعادهم حسب العوائد فيك
كما ترد لفظة (لعاد) بمعنى (كي لا)، كما في قولهم:
وترد لفظة (معاد) بمعانٍ مختلفة، فهي في قولهم:
جاءت بمعنى: كيف!
أما في قولهم:
فقد وردت في محل (لا الناهية).
وترد في محل (لا النافية)، كما في قولهم:
وكذلك وردت في القول المشهور لطارق علي العطاس في محل (ما النافية)([22]):
ودلوك لي سقط في البير معاد با يطلع.
فهو ينفي طلوع الدلو، أي: عودة حكم السلطنة القعيطية. وكذلك وردت في قولهم:
فقد وردت لفظة (معاد) في محل (ما النافية).
وفي لهجة حضرموت هناك جملة من أدوات الاستفهام، التي يقترن بعضها بردة فعل مستنكرة لفعل ما، ومن تلك الأدوات:
وكقول الشاعر سعيد فرج باحريز([23]):
ومن حرق بنه بيده أيش عاده با يقول!
وكقول د. سعيد سالم الجريري([24]):
أيش من بلوى جرت يا خو عمر والولد شرعي ترى وإلا حرام
عاهد رونيبي سام ودي لحقك ذليق ليشك عادك ما تلتام
وقول الشاعر حسين أبوبكر المحضار:
حبيت أنا ما في المحبة شك لكننا لا عند من بشكي
الله يعلم حالتي ليشه
ويرى محمد عبدالقادر بامطرف أن الشاعر حسين أبوبكر المحضار قد استعملها في قوله السابق بمعنى (لكن)([25])، وهي قد وردت كذلك في قول الشاعر البدوي المشقاصي، وهي ترد أيضًا للاستفسار والتعجب، كما في قولهم:
وكما وردت في قول الشاعر عوض عبدالله سبيتي([26]):
ليش لك بالحضا والله لانته البس!
ويش با يلف الطهف يا خوك لا قد تطير كيف جرب طير به في الأرض طيار
وعادة ما يختصرها العامة إلى (وش)، كقول الشاعر عوض عبدالله بن عبدات([28]):
وش عاد لا جا ضيف با يلحق العدة دزيله
أقول له إيه لو قال ما لي نفس تهواك ما لي إذن تسمعك ما لي عين تتمنى تراك
وفي البيت الآخر في القصيدة الأخرى يقول المحضار([30]):
أقول لك إيه تبغاني أقول لك إيه تعلمت الدلع يا صاحبي والتيه
وقد وردت في قصيدتي المحضار للسؤال والتعجب.
وتدخل لفظة (كنه)، (كنك)، (كنكم)، (كنهم)، في الحديث أو في الشعر بمعنى (كأن)، كما ترد للسؤال والتعجب أو الاستنكار كقول الشاعر سعيد قشمر([31]):
كنك على أهل المسيلة حامل الشده!
ويقول الناس: كنه ما جاء معك؟ كنك شارد من الناس؟ كنكم ما سمعتوا الكلام؟ كنهم راحوا هناك؟ وهي هنا تعبر عن الاستفهام واللوم.
ما لك؟ ما له؟ ما لكم؟ وهي لفظة تفيد السؤال، وترد للتوبيخ أو التحذير، فقد وردت للتوبيخ في قول الشاعر حسين المحضار:
ما لك وما ل الناس يا عامر الكون مهما تدعي معمور
وجاءت للتحذير في قول الشاعر عبدالله سعيد باعمرو، في قوله على دان جيبوتي([32]):
با حذرك من جبوتي عشقها يبليك
با هديك نا با هديك
تأخذ شبابك وترميك
بني الحجر المدى أما الخشب أما الخشب تمسيك
ما لك وما ل الفليك
سائر زمانك يربيك
وقد ترد للسؤال عن تصرف غير مقبول مقرونًا بعدم الرضا أو الشتم في بعض الحالات، كقول أحدهم للآخر: ما لك؟! أو ما ل أهلك؟! أو ما ل أبوك؟!
– (وا) واحدة من أدوات الاستفهام في اللهجة الحضرمية، وهي بمعنى (ما) أو (ماذا) لغير العاقل كما يقول د. عبدالله صالح بابعير([33])، وهي أيضًا بمعنى (أيش) المنحوتة من (أي شيء)، وقد تلحق بها هاء السكت فتصير (واه) كقولهم: واه بك؟ بك واه؟ أي ما بك، أيش بك، بك أيش، بغيتنا نقول لك واه؟ وهي هنا ترد للاستفسار والتعجب وربما بشيء من (الوحلة) أي الحيرة.
ومن أمثال حضرموت: أيش الديك وأيش مرقه، الذي ينطقه البعض: واه الديك وواه مرقه.
وفي وادي حضرموت ترد للاستفسار عن الحال، كقولهم: واه إنت؟ واه إنتم؟ أي كيف حالك، كيف حالكم.
– (وراك) يقول د. عبدالله صالح بابعير: »وراك؟ بمعنى (ما بك).. ويبدو أن الأصل (ما وراءك).. فصار اللفظ وراك«([34])، وهي ترد بمعنى لماذا؟ كما في قول الشاعر حداد بن حسن الكاف:
على باب محبوبي وراء ما ركب قفلي
وكذلك في قول الشاعر حسين أبوبكر المحضار:
وراء لي يحبوني بالأمس عادوني
وقول الشاعر جمعان أحمد بامطرف:
وراء بقعة تعكت تعكت ما تبتت
[1] – د. عبدالله صالح بابعير: انحراف اللهجات العامية الحديثة عن العربية الفصحى مظاهر من لهجة مدينة المكلا، ص61.
[2] – روبرت سارجنت: نثر وشعر من حضرموت، الجزء الثاني، ص127.
[3] – المصدر السابق، ص106.
[4] – جعفر محمد السقاف، لمحات من الأغاني والرقصات لشعبية في محافظة حضرموت، ص51.
[5] – د. عبدالباسط سعيد الغرابي، مجلة (المكلا) العدد (الثالث عشر) أبريل/ يونيو 2012م، ص31.
[6] – حولية الدان الصادرة إدارة الثقافة والإعلام بوادي حضرموت، العدد (1) يونيو 1989م، ص69.
[7] – المصدر السابق، ص 60.
[8] – عبدالله حسين الهدار: محاولة للإجابة على السؤال الكبير هل للأدب اليمني خصوصية، مجلة (آفاق)، العدد (الحادي عشر) سبتمبر 1987م، ص74.
[9] – حولية الدان، ص60 .
[10] – اللغة عند المحضار، المحضار بأقلام عشاقه، ص40 .
[11] – عبدالقادر محمد الصبان، ملحن الدان سعيد مبارك مرزوق، ص96.
[12] – عبدالقادر محمد الصبان، الدان في حضرموت، ص101.
[13] – جعفر عمر السقاف، لمحات عن الأغاني والرقصات الشعبية في محافظة حضرموت، ص63.
[14] – الشعر الحميني في حضرموت، ص46.
[15] – مجدي سالم باحمدان، باحريز فارس المدارة، ص95.
[16] – ديوان ابتسامات العشاق، ص61.
[17] – عبدالرحمن عبد الكريم الملاحي، دراسات شعر الملاحين والصيادين (مخطوط)، ص10.
[18] – محمد عبدالقادر بامطرف، الميزان، ص92.
[19] – عبدالرحمن الملاحي، دراسات شعر الملاحين والصيادين (مخطوط)، ص11.
[20] – ورد هذا البيت عند جعفر محمد السقاف في كتابه (لمحات عن الأغاني الشعبية في محافظة حضرموت)، ص13.
يا مروح ضواك الليل والشمس غابت
عاد نحن طربنا والمناشير طابت
وهي كما يقول : ((أغنية واحدة مشتركة لهذين العملين بلحن واحد، فيضع النجارون كلمة منشارًا أداة عملهم، ويضع العمال كلمة مسباط أداة عملهم)).
[21] – ديوان ابتسامات العشاق، ص45.
[22] – مجدي سالم باحمدان، باحريز فارس المدارة، ص95.
[23] – المصدر السابق، ص30.
[24] – بخيته ومبخوت، (قصيدة ورطة)، ص17.
[25] – محمد عبد القادر بامطرف، الميزان، ص134.
[26] – عبدالرحمن عبد الكريم الملاحي، مصدر سابق، ص11.
[27] – عمر محفوظ باني، مصدر سابق، ص184.
[28] – عبدالقادر محمد الصبان، سعيد مبارك مرزوق مغني الدان، ص42.
[29] – ديوان ابتسامات العشاق، ص85.
[30] – المصدر السابق، ص 183.
[31] – محمد عبدالقادر بامطرف، الميزان، ص123.
[32] – عبدالرحمن عبد الكريم الملاحي، مصدر سابق، ص18.
[33] – المصدر السابق، ص136.
[34] – المصدر السابق، ص137.