شخصيات
محسن علوي أبو بكر باعلوي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 12 .. ص 89
رابط العدد 12 : اضغط هنا
اسمه:
هو الشَّيخ العَالم الفَاضِل القَاضِي مُحَمَّد بنُ عبداللهِ بنِ سَعِيد بنِ عبداللهِ بنِ سَعِيد باجُنَيْد الكِنْدي الحَضْرَمي الدَّوعَني.
ضَبْط باجُنَيَد:
(جُنَيْد): بضم الجيم، وفتح النون، وإسكان الياء؛ كزُبَيْر: تصغير (جُنْد).
نَسَب وأُسرة آل باجُنَيد:
بيت آل (باجُنَيد) من الأُسر الفاضِلة العريقة في وادي (دوعن) الأيسر، ويرجعون في النَّسب إلى (كِنْدة)، هذا هو المشهور، قال ابن جندان، (ت 1389هـ): »(آل باجنيد) من سُكان حريضة، وبلدان الدَّوعن، أصحاب الحراثة، والصَّفق في الأسواق، ومسكنهم في الأصل في بادية الأحقاف: من بني شَبيب بن أشرس بطن من السَّكون من بطون كِندة«اهـ(1).
وقيل: يرجعون إلى (مُضَر) ذَكَرَه العَلَّامة ابن عبيدالله السَّقاف، (ت 1375هـ) في (الإدام) عن السَّيد أحمد بن محمد المحضار، (ت 1304هـ)(2).
ولعلَّ السَّيد أحمد المحضار نسبهم إلى الصَّحابي: (جُنَيْد بن سُمَيْع المُزَني)، قال شارح القاموس: »ومُزَينة كجُهَينة قبيلة من مُضَر«اهـ(3).
وينبغي التفريق بين (باجُنَيد) وبين (بن جُنَيد)، فـ(آل بن جُنيد) هم من المشايخ آل باوزير، يسكنون (رحبة بن جُنيد)، أما (آل الجُنَيد) فهم من السَّادة الأشراف آل باعلوي، و(آل الجُنَيدي) على قسمين: منهم سادة أشراف، ومنهم غير ذلك(4).
أماكن آل باجُنَيد:
قال العَلَّامة ابن عبيدالله السَّقاف في (الإدام): »وآل باجُنيد منتشرون في (رَحَاب)، و(هَدُون)، و(الجَحي)، و(المُكلا)، و(عَدَن)، و(الحِجَاز)، ومثراهم بالخُرَيْبة، حتى لقد رُوي عن الحبيب حامد بن أحمد المحضار أنه قال: دخلت الخريبة فإذا عالمها باجنيد، وقاضيها باجنيد، وتاجرها باجنيد، ودلَّالها باجنيد، وقصَّابها باجنيد، ونجَّارها باجنيد، وسائر أعمالها بأيدي آل باجنيد«اهـ(5).
وفي (الشَّامل) للعَلَّامة علوي بن طاهر الحداد: »ثم (مَطْرُوح) فيه المشايخ آل باجمال، والقثم، وآل عفيف، وباسويد، وباجنيد«(6)، وفيه: »ثم الجُبيل في الجانب القبلي، ثم ذكر أن فيه آل باجنيد«(7).
وقال ابن جندان: »آل باجنيد من سُكان حريضة، وبلدان الدَّوعن… ثم قال: ومسكنهم في الأصل في بادية الأحقاف«اهـ(8).
من اشتهر من هذه الأُسْرة:
قال ابن جندان: »وبيت باجنيد بيت الصَّلاح والتَّقوى«اهـ(9)، وقال العَلَّامة علوي بن طاهر الحداد (ت 1382هـ) في كتابه (الشَّامل): »كبيوت الفقهاء المشهورين بالفقه، وإن اندرست أخبار أفرادهم، مثل: آل باجنيد، وآل باشيخ، وآل باحويرث«(10)، وقال في موضع آخر: »وكان في بيت آل باجنيد قُضاة، وفي مواليهم«(11)، وقد اشتهر منهم جماعة، فمنهم:
1- الفقيه علي بن عبدالمجيد بن عمر باجُنيد، توفي بالخريبة سنة (904هـ)، ذَكَرَه ابن جندان(12).
2-والفقيه القاضي سعيد بن عبدالرَّحمن باجنيد من قضاة دوعن، له مجموعة من الأحكام، منها حكم في إقرار (آل باحَكُوم) بأنَّ (غيضَة مشرهة) وقفها جدُّهم محمد بن سعيد باحَكُموم على أولاده الذكور، وقد شهد على الحُكم وصحَّحه السَّيد حسن بن شيخ البيتي، والشَّيخ عبدالقادر بن عمر باعشن، وهو – يعني القاضي سعيد باجنيد في رتبة مشايخ الشَّيخ أحمد محمد باشميل على ما سيأتي بيانه فيما يليه.
3-وابنه الفقيه القاضي عبدالرَّحمن بن سعيد باجنيد، كان قاضيًا بدوعن، ذَكَرَه الشَّيخ عبدالله بن سعيد باجنيد في فتوى له في النَّذر لبعض الأولاد، وذَكَرَ أنَّه كان من المُصححين لفتوى الشَّيخ أحمد محمد باشميل، (ت بعد 1270هـ)(13) في بطلان النذر في الحال المذكور، وهذا يعني أنه من أقرانه.
4-الفقيه القاضي: عبدالله بن عبدالرَّحمن باجنيد، وقد جاء في وثيقة حُكمية مخطوطة ما نصه: »جاء آل باحكوم، وهم…. وأحضروا خطوطهم بقلم القُضاة آل باجنيد: الفقيه سعيد بن عبدالرَّحمن، وولده الفقيه عبدالرَّحمن بن سعيد، والفقيه عبدالله بن عبدالرَّحمن فيما يتعلق بوقف (غيضة مشرهة)…إلخ«(14).
5-والفقيه أحمد بن عبدالرَّحمن باجنيد، توفي سنة (1330هـ)(15).
6-ومفتي الشَّافعية بمكة الفقيه: عمر بن أبي بكر باجنيد، (ت 1354هـ)، وهو من علماء الخريبة كما في (إدام القوت) لابن عبيدالله السَّقاف(16).
7-والقاضي محمد بن عمر بن أبي بكر باجنيد، ولعله ابن القاضي السَّابق، كان قاضيًا بدوعن سنة (1329هـ)، كما يُعلم من وثيقة له مخطوطة في المعيان الذي هو شُفة للمسلمين في دوعن، وذكره القاضي عبدالله بن سعيد باجنيد، (ت 1359هـ) مؤيدًا له في نفس القضيَّة.
8-والقاضي محمد بن عبدالقادر أبوبكر باجنيد كان من علماء المكلا، رأيت له وثيقة نذر كتبها، وشهدها في 17 شعبان سنة (1329هـ)، وشهدها الشَّيخ سالم بن أبي بكر بن عبدالله باسودان، والسيد محمد بن علوي البار، واحتمال أن يكون ما صدر منه على جهة الحُكم، والله أعلم.
9-والقاضي عبدالله بن محمد باجنيد قاضي المكلا، ذكره علي بن أحمد بن حسن العطَّاس في ترجمة والده(17)، ولعلَّ صوابه: عبدالله بن سعيد باجنيد الآتي، فأخطأ في التسمية، والله أعلم.
10-والقاضي الفقيه عبدالله بن سعيد باجنيد، (ت 1359هـ)، وهو والد القاضي محمد المترجم له، ولي قضاء دوعن، والمكلا مرات(18).
11-وابنه القاضي سعيد بن عبدالله باجنيد، (ت 1423هـ)، وهو أخو القاضي محمد المترجم له، ولي القضاء بدوعن(19).
مَوْلِد الشَّيخ القَاضِي مُحمَّد عبدالله باجُنَيد:
وُلِد الشَّيخ القاضي محمد باجُنيد سنة (1320هـ)(20) ببلدة (جَحِي الخَنابِشَة) من قرى وادي دوعن الأيسر.
صِفَته:
كان رحمه الله طويلًا، صَافي البشرة يقرب من الإسمرار(21)، يتمايل في سيره ومشيته(22)، وكان رجلًا هادئًا(23) اجتماعيًا واسع الصَّدر، رخي البال يجالس ويحب البُسطاء، لا يمل من مجالسة النَّاس، فيجلس معهم بعد الدَّرس في مسجد عمر، ثم يأتون إليه في البيت ويجلسون معه، ومما يُذْكر من سعة صَدْره أنَّ رجلًا كبير السِّن من آل بازياد ومن روَّاد مسجد عمر انتهره، وأغلظ له القول في الدَّرس، ولكنه خرج هو وإياه سويًا من المسجد يتحدثان كأن لم يحدث شيء(24).
ومع سعة صَدْره للنَّاس فإنه كان سريع الانتقاد لا يصبر على رأي المُخالف في مسائل العلم، ومما يُذكر في ذلك أنه في سنة (1357هـ)، خسف القمر في رمضان ليلة السَّادس عشر، فقرَّر الشَّيخ عبدالله بكير في درسه أنَّ خسوف القمر ليلة السَّادس عشر لا يعارض شهادة الرؤية، ولا يكذبها، وأنَّ الأئمة الأربعة اتفقوا على عدم اعتبار الحساب في إثبات الأهلة، فاعترض عليه الشَّيخ محمد باجنيد في أثناء الدَّرس بقوله: إنَّ ما قررتموه لا يقره الشَّرع، ولا نقره، وليس مطابقًا لقواعد الشرع… إلخ ما قاله، وقد رَدَّ عليه الشَّيخ عبدالله بكير برسالة سمَّاها: (حَلَّ القَيْد عمَّا استعصتْ مَعْرِفتُه على باجُنَيد)(25).
ولمَّا سافر رحمه الله إلى السعودية اعترض على بعض العلماء في الحَرَم، وأثبت له عكس ما قرره في الدَّرس، وبيَّنَ له أنَّه خريج الأزهر، ثم ذهب إلى البيت، فجاءت الشُّرطة، وأخذت ابن عم له بنفس الاسم (محمد باجنيد)، ثم سوِّيت القضيَّة(26).
وكان رحمه الله جَهْوري الصَّوت، فعندما كان يؤم النَّاس، ويقرأ كان في صوته ضَخَامة، وفي الوقت نفسه كان إمام مسجد الرَّوضة السَّيد حفيظ المقدي رقيق الصوت حسنه(27).
وكان رحمه الله مَرِحًا يُورد في درسه النُّكت والطَّرائف، وذَكَرَ لي شيخنا سعد باشكيل أنه حضر عنده يومًا درسًا في (رياض الصالحين)، فذكر حديث »رُؤُسُهنَّ كأسْنِمَةِ البُخْتِ«(28)، فقال الشَّيخ محمد باجنيد: (وعلى عينك يا حاسد)، ومن الطرائف أيضًا أن بواب مسجد عمر الذي يفتح المسجد قبل الفجر، ويقال له: (بوعسكر)، كان قبل الفجر يقرأ في راتب الحداد، وكان صوته كبيرًا يوقظ الناس عند قراءة الرَّاتب، فقال له: يا بوعسكر (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)(29).
وكان رحمه الله كثيرًا ما يُردِّد عبارة: (حَيَّاك الله وبَيَّاك)(30)، وتبدو على لسانه لهجة أهل بلده دوعن، وكان يحب الشَّاهي الحار، يشربه بعد صبهِ من القارورة مباشرة(31).
طَلبُه للعِلْم وشُيُوخُه:
طلبَ العِلم على والده الشَّيخ القاضي: عبدالله بن سعيد باجنيد، (ت 1359هـ)، ثم سافر إلى أرض مصر، والتحق بالأزهر الشَّريف وتخرج منه سنة (1344هـ)، متحصلًا على (شهادة الأزهر العالمية للغُرباء)، وذلك في 20 ربيع ثاني سنة (1344هـ)(32) وسِنُّهُ حينها أربع وعشرون سنة، ثم درس فيه أربع سنوات أخرى تبدأ من سنة (1347هـ)، وتخرج سنة (1351هـ) الموافقة لسنة (1931م)(33).
انتقالُه إلى المكلا وتولِّيه القَضَاء بها:
بعد إكماله الدراسة بالأزهر الشَّريف عاد إلى بلده حضرموت، وانتقل إلى المكلا حاضرة حضرموت، والتي سكنها والده من قبل: قاضي المكلا الشَّيخ عبدالله باجنيد، (ت 1359هـ)، وكان للشَّيخ عبدالله بيت في الحَارة، وسَكن الشَّيخ محمد أولًا ببيت بجانب مسجد النُّور، ثم بنى له بيتًا قرب مسجد عمر(34).
وذُكِرَ أنَّه لما جاء من مصر أتى ومعه نقودٌ كثيرة قيل: إنَّه جمعها أثناء دراسته بالأزهر(35)، وأُدخِلت شهادته الأزهريَّة على السُّلطان عمر بن عوض القعيطي، (ت 1354هـ)، ثم بعد ذلك أُدخل على السُّلطان عمر فوافق على توليه القضاء بالمكلا، وتوظَّفَ في سلك القضاء في سنة (1932م)(36)، أي بعد تخرجه من الأزهر بنحو سنة.
الأعْمَالُ الوظيفيَّة التي تولَّاها:
1-تَوَلِّي القَضَاء بالمَحْكَمَة الشَّرعيَّة بالمكلا: توظَّف أولًا رحمه الله بالمحكمة الشَّرعيَّة بالمكلا سنة (1932م) في عهد السُّلطان عمر بن عوض، وكان مساعده في فترةٍ الشَّيخ أحمد بن عبدالَّرحيم باعبَّاد أحد طلبة السَّيد محسن أبي نمي برباط الغيل(37).
2-توَلِّي القَضَاء بمَحْكمة الشِّحر: ذَكَرَ الشَّيخ عبدالرَّحمن بكير في (مُذكِّراته) أنه تولى القَضَاء بالشِّحر في عهد السُّلطان صالح بن غالب(38).
صورة لحكم قضائي للشيخ / محمد عبدالله باجنيد
3-العَمَل بالمجلس العالي: ثم عَمِلَ رحمه الله بالمجلس العالي مع الشَّيخ محمد عوض بن طاهر باوزير، وكان الشَّيخ عبدالله بكير حينها قاضيًا بالشِّحر، نقله النائب علي بن صلاح من المكلا إليها، وهذا في سنة (1355هـ).
وحصل بين الشَّيخ باجنيد وبين الشَّيخ محمد بن طاهر نزاع كما يعلم ذلك من مكاتبة كتبها بعضهم للسَّيد محسن أبي نُمي، وليس بها تاريخ لكن من الكلام يتبين أنها في آخر سنة (1355هـ)؛ لأنها كانت في وقت قضية (دعكيك)، وقد جاء في المكاتبة ما نصه: »النزاع الباطني بين باجنيد وابن طاهر بالغٌ حدَّه، ولا يدركه كل إنسان، والسَّادة يميلون إلى باجنيد، ومُشاعٌ أنهم بغوا بكير (كذا) في المجلس العالي، والشَّيخ عبدالله ما أظن يقبل، والله أعلم«اهـ.
ثم أصبح الشَّيخ محمد باجنيد المُساعد الأول للشَّيخ عبدالله بكير في المجلس العالي، وفي سنة (1952م) كان المساعد الثاني هو الشَّيخ محفوظ المُصَلَّي.
وحَضَر (مُؤتمر القُضاة الثَّاني) بالمكلا سنة (1375هـ/ 1955م) بصفته المساعد الأول لرئيس المجلس العالي(39).
ثم فُصِل من القَضاء بالمجلس العالي(40) بسبب قضيَّة حاصلها أنَّ شخصًا يُدعى (سالم بن عوض) من عدن كانت له قضية منظورة في المحكمة بالمكلا، فأرسل له بالبريد ظرف الرسائل وبداخله نقود، ثم إن مراسل المجلس العالي أتى بالرسائل، وهم في اجتماع المجلس، ففتح الشَّيخ محمد باجنيد الظرف فسقطت النقود، فقبضها الشَّيخ عبدالله بكير، واستجوبهم فدارت الشُّبهة على رأس الشَّيخ محمد فَعُزِل من المجلس(41) مع أنه قد لا تكون له يدٌ في الموضوع؛ ولكن صرامة الشَّيخ عبدالله بكير اقتضت ذلك، ولعل ذلك كان في سنة (1376هـ).
4-العَمَل في مَحْكمَة الاستئناف بالمكلا: وبعد خروجه من المجلس العالي عَمِل في محكمة الاستئناف، قال ابن عبيدالله السَّقاف في (الإدام): »ثم فُصِل عن قضاء المكلا، وجُعِل من أعضاء الاستئناف فيها«اهـ(42)، والصحيح أنه جُعل رئيسًا لها، وذلك في سنة (1376هـ/ 1956م) كما ذكره الشَّيخ عبدالرَّحمن بكير في (القضاء في حضرموت)(43)، ومحكمة الاستئناف تأسست في 2/ 2/ 1376هـ، وحضر رحمه الله (مؤتمر القضاء الثالث) المنعقد في المكلا، وألقى به محاضرة بصفته رئيس محكمة الاستئناف وذلك في تاريخ 7/ 6/ 1377هـ/ 28/ 12/ 1957م(44).
وبقي في الاستئناف إلى تاريخ 2/ 1961م حيث أعطي إجازة طويلة، وعين خلفًا له السَّيد عبدالله بن محفوظ الحداد(45)، وكان هذا آخر عهد الشَّيخ محمد بالقضاء في حضرموت، وقد مكثَ رحمه الله في سلكه ما يقرب من ثلاثين سنة توَزَّعت على ثلاث محاكم: المحكمة الشَّرعية، والمجلس العالي، ومحكمة الاستئناف.
5-العمل في إدارة المعارف: بعد خروجه من الاستئناف عَمِل في (المعارف) وعُيِّن في 27/ 2/ 1962م رئيسًا للجنة المعهد الديني بالغيل، ولما فُتِح القسم الثانوي بالمعهد في سنة (1964م) كان رئيسًا للجنة المعهد الديني الثانوي أيضًا(46).
6-العمل في إدارة الأوقاف: عُيِّن رحمه الله رئيسًا (للأوقاف والتركات) سنة (1368هـ/ 1948م) عيَّنه السُّلطان صالح بن غالب القعيطي (ت 1375هـ)، وقد أمر السُّلطان بتسجيل جميع الأوقاف في هذه الإدارة، وكانت (الأوقاف) حينها ليست إدارة مستقلة؛ بل كانت تابعة للقضاء، فكان الشَّيخ محمد باجنيد هو أول رئيس للأوقاف بحضرموت(47).
7-الاشتغال بالإمامة في جامع عمر بالمكلا: وُلِّي رحمه الله الإمامة بجامع عمر أكبر مسجد في المكلا، خلفًا للشَّيخ سالم بن محمد التَّميمي، والشيخ محمد باجنيد هو الإمام الثالث لهذا المسجد المبارك بعد السِّيد محسن أبي نُمي، والشَّيخ التميمي(48).
الأعمال الأخرى والمشاركات:
10-ورئيسًا للجنة وضع أسئلة الاختبار النهائي التَّحريري لتلاميذ كورس القضاء الثالث، والأعضاء هم: الشَّيخ القاضي عبدالله بامطرف، والشَّيخ القاضي سعيد علي بامخرمة، والشَّيخ عبدالله الناخبي، حسب خطاب المجلس العالي رقم (1872/8/6) بتاريخ 17/ 7/ 1369هـ/ 4/ 5/ 1950م.
11-وعضوًا في لجنة وضع أسئلة الاختبار النهائي الشفهي لتلاميذ كورس القضاء الثالث، ورئيس اللجنة هو سكرتير الدولة: سيف البوعلي، والأعضاء هم إضافة إلى الشَّيخ باجنيد: والشَّيخ قدال القدال ناظر المعارف، والشَّيخ القاضي عبدالله بامطرف، والشَّيخ القاضي سعيد بامخرمة، والشَّيخ عبدالله الناخبي، حسب خطاب المجلس العالي السَّابق ذِكْره في الذي قبله.
12-وعضوًا في لجنة دراسة موضوع مدرسة القضَاء الشَّرعي، -كورسات القضَاء- وقد انبثقت هذه اللجنة عن مؤتمر القضَاء الأول سنة 1952م، ورئيسها الشَّيخ عبدالله بكير، والأعضاء بالإضافة إلى باجنيد: السَّيد محسن أبونُمي، وقاضي الغيل علي بامخرمة(52).
التَّدريس في جامع عُمر بالمكلا:
اشتغل رحمه الله بالتَّدريس في جامع عمر بعد توَلِّيهِ الإمامة به، وهذا خطاب رئيس لجنة الشُّؤون الدِّينية الشَّيخ عبدالله بكير:
المُكرَّمِين المشَايخ:
محمد عبدالله باجنيد – إمام مسجد عُمر.
عبدالله سعيد باعنقود – إمام مسجد الرَّوضة.
حسين بن محمد بن الشَّيخ بوبكر – إمام جامع البلاد.
مبارك سالم الجُوهي – إمام مسجد النُّور.
بعد التَّحيَّة:
نلفتُ نظرَكم إلى خطاب مدير الأوقاف والتركات بتعيينكم مدرسين في المساجد المذكورة، ونرجو اعتماد ما ذكر مع الابتعاد عن التَّعرض للمسائل الخلافية في غير الفروع الفقهيَّة، ودمتم/ عبدالله عوض بكير رئيس لجنة الشُّؤون الدِّينية: 9/ 11/ 1382هـ/ 3/ 4/ 1963م.
ودُرُوس الشَّيخ باجنيد في مسجد عمر على قسمين: خاصَّة وعامَّة، وكانت بعد الفجر إلى الإشراق، وبعد صلاة العصر، وكانت له حلقة في المسجد بين المغرب والعشاء تحت المنبر، وفي هذا الوقت -بين المغرب والعشاء- كان في المسجد أربع حلقات: الحلقة الأولى حلقة الشَّيخ محمد باجنيد تحت المنبر، والحلقة الثانية حلقة الشَّيخ محمد بن قاسم في القرآن، والثالثة حلقة الحبشي في الحديث، والرابعة: حلقة الشَّيخ عبدالله الناخبي في السِّيرة، وكانت في ضاحية المسجد(53).
ومن الكتب التي درَّسها (فتح المُعين)، وله اتساع في الفقه، ومعلوماته فيه قوية؛ لكن مما يؤخذ عليه عدم تفرغه للتدريس(54).
وفي رمضان كان يتحدث عن الزَّكاة، وفي يوم من الأيام دخل تاجرٌ، ومعه ظروف فيها زكاة، وأخذ يوزعها على بعض الموجودين ممن ليس من أهل الزكاة، فدعاه الشَّيخ باجنيد، وقال له يا فلان إيش هذا؟ فقال: زكاة، فقال يا جماعة اطرحوا الظروف، وسأله هل هذا من الناس المستحقين للزكاة الذين ذكرهم الله؟ فسكت الرجل، فقال له: خذ الزكاة ووزعها على الناس الذين أراد الله(55).
الخَطَابَة في جَامع عُمر:
قال الشَّيخ عبدالرَّحمن بكير في الشَّيخ محمد باجنيد: »كما تولَّى في عهد من عهود حياته الوظيفيَّة دائرة الأوقاف والتركات بالمكلا، وإمامة مسجد جامع عمر، وخَطابته«اهـ، وقال قبله في وصف الشَّيخ باجنيد: »خطيبٌ مِصْقَع، وواعظٌ مؤثرٌ ببلاغته«اهـ(56).
والمعروف أن الخطيب الرَّسمي لجامع عمر في عهده هو الشَّيخ عبدالله الناخبي، فيحتمل أنه تولى الخَطابة قبل الشَّيخ الناخبي، ويحتمل أنه كان مُشاركًا له، يتناوب معه، والله أعلم، ويَذكرُ بعض أحفاد الشَّيخ باجنيد أنه ما تزال بعض قصاصات خُطبهِ موجودة.
إلقاء المحاضرات:
كان الشَّيخ باجنيد رحمه الله مُشاركًا جيدًا في إلقاء المحاضرات، ومن ذلك:
الاشتغالُ بالتِّجارة:
اشتغل رحمه الله بالتِّجارة، فكان يبيع ويشتري في الأخشاب، والحديد، ومواد البناء، ويتولى البيع والشراء بنفسه في محله المعروف بالشَّرج(57).
وكان رحمه فوق ذلك تاجرَ عقار تملَّك في المكلا ستة بيوت، أُمِّمتْ كلها في عهد النظام السَّابق ما عدا البيت الذي هو فيه بجانب مسجد عمر، قال شيخنا سعد باشكيل: ثم رُدَّتْ بعضها بدون كراء، قال: فقلت له: رُدَّت عليك البيوت -يعني بدون الكراء- فقال الشَّيخ باجنيد: (إذا حصَّلتَ الجَمَل لا دُوّر لخِطَامه)، قال شيخنا سعد باشكيل: (لا زلت استشهد بها) يعني بالعبارة.
قال الشَّيخ عبدالرَّحمن بكير: »ثم هو -يعني باجنيد- من رجال المال، والأعمال بالمكلا بما كان خلَّفه له أبوه، وبما استفاده من خبرته، ونشاطه العملي في مالٍ محدودٍ شديد المحدودية شأنه شأن الوَسَط، أو دُون الوَسَط من تجار مدينة المكلا بحضرموت«اهـ(58).
نشَاطُهُ الإصْلاحِي:
قال الشَّيخ عبدالرَّحمن بكير في الشَّيخ باجنيد: »مُساهم جيد في الأندية والمجالات الإصلاحية، والعِلميَّة، والجمعيات الخيريَّة كما هو شأن عُلمَاء حضرموت«اهـ(59).
ومن الأعمال الإصلاحيَّة التي قام بها توجهه ضمن وَفْد فيه: حسن قحطان، ومحمد سعيد الجوهي إلى بلاد (القمرة)، بتاريخ 15/ 6/ 1380هـ، وذلك لإزالة ما علق بالأذهان من مخاوف حول قرار حظر السَّلطنة إطلاق النار بدوعن(60).
ومن ذلك أيضًا مشاركاته في مؤتمرات القضَاء، وتقديم الآراء، والمقترحات، قال الشَّيخ عبدالرَّحمن بكير عن مؤتمر القضَّاء الثالث: »كما شارك رئيس محكمة الاستئناف الشَّيخ محمد عبدالله باجنيد بمحاضرة أكثر موادها تتعلق بالاستئناف ومشاكله«اهـ(61).
وكان ضمن الوفد المرافق لرئيس القضاة لإقناع علماء حضرموت الداخل بـ(القانون الجنائي) للسَّلطنة القعيطيَّة، وكان هذا في بداية شهر ذي القعدة سنة (1369هـ)، وكان الشَّيخ باجنيد حينها مديرًا للأوقاف والتركات(62).
كما كان رحمه الله من العلماء المُوَّقعين على وثيقة المنع من (اليانصيب)، مع السَّيد محسن أبي نُمي، وعبدالباقي نعمة السُّوداني، والشَّيخ سعيد صِدِّيق جان، والشَّيخ علي بامخرمة، وذلك في 11/ 1/ 1369هـ/ 30/ 1/ 1950م، وكذلك وقَّع على خطاب لوزير السَّلطنة في نهي العوام عن اليانصيب.
كما أنه يقوم بالصُّلح بين المتخاصمين في بيته ممن يقصده لفِّض النزاع، أو من يتحاكم عنده إذا رضوا بالصُّلح، كما أفاد ذلك حفيده.
سَفرُهُ إلى السعُوديَّة:
بعد قيام الثورة في الجنوب لم يطب له العيش في البلاد، وقد تعرض رحمه الله لمضايقات كثيرة من أصحاب الجبهة القوميَّة؛ لأنه كان في بداية الأمر يتناولهم في خطبه، ومن جهة أخرى فإنه كان صاحب عقار، فكان حذرًا منهم، وهم متخوفون منه، وأرسلوا له الجواسيس تحت بيته، وأحكموا المراقبة عليه، وقاموا بتفتيش بيته(63)، ولم يتمكن من السَّفر إلى خارج البلاد إلا بتقرير طبي، فسُمِح له بالسَّفر إلى مصر بقصد العلاج، وعالج هناك رجله، ولما كان في مصر علم به التاجر الدَّوعني الكبير (ابن محفوظ)، ورتب له السَّفر من مصر إلى جدة، ثم رتب له في جدة مسجدًا في (باب شريف)(64).
التأليفات:
1-شارك رحمه الله في تأليف: (المواد القانونية لمحاكم السَّلطنة القعيطية)، -والتي سمَّاها الشَّيخ عبدالرَّحمن بكير بالمسائل المختارة- مع جماعة من العلماء، هم: السَّيد محسن أبونُمي، (ت 1379هـ)، والشَّيخ عبدالله بكير، (ت 1399هـ)، وقاضي الغيل الشَّيخ علي بامخرمة، (ت 1388هـ)، والشَّيخ سالمين شَطَر، (ت1413هـ)، وحُرِّرت في سنة (1360هـ).
2-وشارك رحمه الله في فتوى جواز إقامة جمعة ثالثة بالمكلا مع المشايخ: عبدالله بكير، والسَّيد محسن أبي نُمي، والسَّيد حسين بن الشَّيخ أبي بكر، والشَّيخ مُبارك الجُوهي، والشَّيخ محفوظ المُصَلِّي، وقد ذكرنا هذا سابقًا.
3-وله رحمه الله بعض المقالات في صحيفتي (الطليعة)، و(الرائد)، منها مقالة: (رسالة رمضان) في العدد (89) من صحيفة (الطليعة) لسنة (1961م)، وتعقيب على مقال الشَّيخ عبدالقادر العمَّاري صدر في صحيفة (الرائد) عدد (21).
تَلامِيذُه:
أخَذَ عنه جُملة من طُلاب العِلم، منهم:
1-الشَّيخ عُمر باقُمري.
2-الشَّيخ سعيد باحِمدان من طلبة رباط الغيل، أخذ عن السَّيد محسن أبي نُمي وغيره، وأخذ عن الشَّيخ محمد باجنيد الفقه بمسجد عمر، وحضر دروسه العامة.
3-الشَّيخ سعد باشكيل: حضَرَ بعض دروسه في مسجد عمر.
أوْلادُه:
أعقب الشَّيخ محمد ثلاثة أبناء، وبنتًا، والأبناء هم:
1-جُنيد، وهو أكبر أبنائه، مقيم بجدة، وما يزال حيًا.
2-عبدالله، توفي.
3-أمين، توفي(65).
الوَفَاة:
بعدَ حياةٍ حافلةٍ بالدَّعوة، والنشاط، والصَّلاح والإصلاح، حصل له حادثٌ في جدة، نُقل على إثره إلى المستشفى، وتمرَّض فيها أيامًا(66)، ثم توفي رحمه الله في سنة (1396هـ/ 1976م)، على ما ذَكَره شيخنا عبدالرَّحمن بكير في كتابه (القضَاء في حضرموت)(67)، وذَكَرَ الشَّيخ المؤرخ المحقق الدكتور محمد باذيب في كتابه البديع (جُهود فقهاء حضرموت) نقلًا عن ابنه جنيد أنه توفي في سنة (1395هـ)(68) فيكون عمره حينها (75 سنة)، قضى منها نحو ثلاثين سنة في القضاء، فرحمه الله رحمة الأبرار، وأسكنه الجنة دار القرار.
الهوامش: