إبداع
سعيد محمد بن هاوي باوزير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 12 .. ص 101
رابط العدد 12 : اضغط هنا
كيف ألقاهُ؟ وألقى من أُحِبْ.؟
وطنًا أبكي عليه أنتحب
هل أضعناهُ؟ وهل ضيّعنا؟
أم كلانا في المنافي مغترب؟
وطنًا غادرتهُ.. غادرني
كاد قلبي من ضلوعي أن يثب
منذُ أن فارقتهُ ما انطفأت
في مزاميري لحوني تلتهب
شابت الأعوامُ فينا إنما
أنت فينا عنفوانٌ لم تشب
يا رفاق العمرِ هل من عودةٍ
فإليكم نبضُ قلبي يشرئب
غابت الأقمارُ والعمرُ انقضى
جفَّ عودي بعدما كان رطِبْ
شفتي يابسةٌ.. يابسةٌ
وفمي قد صار كالبيت الخرِب
ظامئٌ ما زلتُ، لا لم أرتوِ
ومياهُ المزنِ فوقي تنسكب
شربت أوديةٌ من فيضها
وأنا قلبي -يمينًا- ما شرب
وطيوفُ الأمسِ بي حائمةٌ
بعدت مني وحينًا تقترب
هذه الأشباحُ من أيقظها؟
كالدّمى حول فراشي تنتصب
صوتها في داخلي دمّرني
وفؤادي من خطاها يرتعب
أيها الصوتُ الذي أرّقني
عِمْ مساءً أيها الصوتُ وطِب
هل تناديني؟ وهل تسمعني؟
فلماذا عن عيوني تحتجب؟
أنت من أنت؟ فهل تعرفني؟
أم لشعري ولصوتي تستلب؟
هل تقمّصتَ خيالي ثانيًا؟
وانتحلتَ الآن شخصي بالكذب؟
كيف قد جئتَ؟ متى؟ نادمتني؟
هل مع الريح التي كانت تهب؟
هل أنا أنتَ؟ وهل أنت أنا؟
هل تعاطيني الحكايا واللعب؟
لا تدعني في همومي غارقٌ
لخرافاتي وهمّي أحتلب
إنني ضيّعتُ عنواني هنا
فإلى دنياك خذني واصطحب
إنني وحدي غريبٌ ضائعٌ
في بلادي لم يعد صوتي طرِب
هل أنا نفسي أنا يا هاجسي؟
هل بلادي نفسها؟ قل لي أجب؟
ما الذي صار تعرّى بعضنا
أم نسينا في هوانا ما يجب؟
لم تعد تعرفني.. أعرفها
صرتُ فيها اليومَ كالعِيرِ الجرِب
هذهِ أرضي بها ما تشتهي
يرغبُ الغيرُ وقلبي ما رغب
غير أنّي وبلادي غائبٌ
رغم فيها كلُّ شيء لم يغب
داخلي أسئلةٌ قد هرمت
إنني أرجوكَ ألّا تنسحب
لا تسلني كيف أبدو ساخرًا؟
وفؤادي من همومي يصطخب
إن أحزاني لها فلسفةٌ
وبها بعثرني صدري الرحب
كان عندي الصعبُ سهلًا دائمًا
فلماذا السهلُ قد صارَ صعِب؟
ضقتَ ذرعًا من جدالي.. إنني
فيلسوفٌ كلُّ لبٍّ أختلب
تابت الدهشةُ من أسئلتي
وأنا عن حب أرضي لم أتب
خفتَ من وجهي ومن تشكيلتي؟
منذُ ميلادي ووجهي مكتئب
لا تخافوا إنني من عالم
بالأساطيرِ بحاري تضطرب
امرؤ القيسِ نديمي في الدجى
ثم يأتيني ضحىً معدي كرِب
شكّلتني هكذا أزمنتي
أيَّ أيامٍ معاها أنقلب؟!
إنني من ألفِ عامٍ ها هنا
لبزوغ الفجرِ شوقًا أرتقب
أزرعُ الفرحةَ في آفاقنا
وربيعًا في روابيها خصِب
بعتُ عمري كلّه من أجلها
أن تناديني سريعًا أستجب
ألفُ ينبوعٍ سقاني عشقَها
فإليها الروحُ دومًا تنجذب
شكّلتْ روحي شذى أنسامها
فهواها بلسمٌ عندي وطِب
أصنعُ العشقَ قناديلًا لها
تعِبَ العشقُ وقلبي ما تعب
إن بدت أيامنا كالحةً
فظنوني في التلاقي لم تخب
إنّها في داخلي تسكنني
وأنا فيها.. ومنها أنتسب…
__________
سعيد محمد بن هاوي باوزير*
* عضو اتحاد الأدباء والكتّاب العرب.