ملف العدد
حنان نجيب
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 12 .. ص 109
رابط العدد 12 : اضغط هنا
مُنذُ أن سقط رأسها على هذه الدُنيا في مستشفى الأمومة والطفولة أو (باشراحيل)، كما يُطلق عليها سكان المكلا، وناولتِ القابلةُ الطفلةَ المُولودةَ لأبيها لكي يُكبِّر في أُذنيها، فمع تكبيرات والدها كانت هذه الطفلة تسمع صوت ذلك العملاق، وكانت تشم رائحته، التي تغلغلت في رئتيها، وجرتْ في عروقها.
أخذوها إلى بيتها الموجود أيضًا بالقرب من ذلك العملاق، كبرت الطفلة، ومع الأيام تعلقت به كثيرًا، وصارت تسترق النظر إليه كلما سنحت لها الفرصة، وفي المدرسة كم كانت تسرح في التفكير فيه، وفي الليل عندما تضع رأسها على الوسادة، قبل أن تغرق في النوم كانت كل ليلة تفكر فيه.
ومع موسم نجم البلدة في الصيف حين تصبح الأجواء باردة وتزداد الرطوبة، تتركز رائحة ذلك العملاق، مما يجعل الفتاة تستنشقها بشغف وتنتشي.
أحبَّتْهُ بكل درجات الحب: التيم، الصبابة، الشغف، الهوى، الوله، الوداد.. إلخ.
في يوم من الأيام أُثيرت حول العملاق البلابل، وقيل إنه سيثور ويهيج ويحطم كل بيوت مدينتها المكلا.
جئن نسوة إلى منزلهم لزيارة والدتها، وكن يتحدَّثْنَ عن أن العملاق سيثور، ويحطم كل شيء يعترضه، وفي المدرسة كانت تسمع زميلاتها يتحدَّثْنَ عن هيجان العملاق.
زعلت كثيرًا، ولسان حالها يقول: لا عملاقي طيب جدًّا، ومستحيل أن يفعل شيئًا مما تقولون.
رجعت إلى المنزل، ودخلت غرفتها وبكت كثيرًا، نادتها والدتها لتناول وجبة الغداء.
– تعالي يا ابنتي كلي لكِ لقمة.
– لا يا أمي ما لي نفس.
– ليش فزعانة من العملاق عشانه الليلة بيثور؟
– لا، لكن ما لي نفس.
ومع إصرار والدتها تذهب لتأكل، ثم ترجع إلى سريرها وتنام، وفي تمام الساعة الرابعة استيقظت من نومها وصلَّتْ صلاة العصر، ثم ارتدت ملابس الخروج، وخرجت لتقابل العملاق.
وعندما وصلت إليه، صافحته برجليها أولًا ثم بيديها، وأخبرته بكل ما تكن له من مشاعر.
-أيها العملاق إني أُحبك كثيرًا.
-إني أشعر معك بألفة غامرة.
– وعندما أنظر إليك أشعر بسعادة.
– وعندما أكون مثقلة بالهموم أنت من تغسل همومي.
– كم أُحبك كثيرًا، لكن أهلي والناس لن يفهموا ذلك.
– وسيلفقون حولنا الشبهات، وسيتحدث عن قصتنا القاصي والداني، وإني لأعلم بأنك تبادلني المشاعر نفسها.
– وإني إن وهبت نفسي لك، كما وهبت القبيلة البدائية الفتاة للغوريلا العملاق كينق كونق في الفيلم الشهير، فإنك ستتعلق بي كثيرًا، لكن سيمنعني أهلي منك، وأنت ستثور وتصعد لأعلى قمة جبل المكلا لتبحث عني، مثلما صعد الغوريلا فوق البناية الضخمة، وسوف يحاربك الجميع.
– لذا علينا أن لا نتهور، وعلينا أن نبقى أصدقاء فقط دون أن يعلم أحد بصداقتنا.
– فكم أنا محتاجة إلى يد صديق.
تبدأ قطرات المطر بالتساقط مؤذنة بهيجان العملاق.
فتجري الفتاة عائدة إلى منزلها. وتطرق باب منزلهم وتفتح أمها الباب.
– أين ذهبتِ يا ابنتي في هذا الجو.
– ذهبت للبحر يا أمي.