ملف العدد
منى عمر عوض العماري
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 12 .. ص 110
رابط العدد 12 : اضغط هنا
يمر يومي بين روتين عمل وروتين منزل، لا يكاد يشبع هذه الرغبة العارمة بي أن أبحر في كل الدنيا، وأن يكون كل يوم هو يوم حماس يجري فيه دمي جريًا أشعر به في كل كياني. لكن تلك الرغبات بدت باهتة جدًّا الآن في ناظري، وتساقطت جميع أحلامي ولا أرى منها غير ما كتبته في مذكراتي. لم أعد أقوى على حمل الحياة، ولم يعد لي رغبة في أن أستمر، ولولا تلك الطبيعة الساكنة في أن أعمل أي شيء لسقطت في مكان لا قاع له. بقيت عالقة هكذا يا أبي منذ رحيلك لا أنا آتٍ إليك لأكتمل ولا أنت تأتي لتملأ هذا الكون الفارغ لولا ذكرياتك فيه. والعجيب أن رمضاني الذي أنتظره بلهفة لم أعد أريده أن يعود، ولا أريد لهذه الأيام أن تمضي يا أبي وأنت غير موجود. يئنّ هذا القلب المكلوم لفقدك كل يوم ولا أراني إلا وقد تساقطت دموعي واسودَّتْ أيامي، وتكالبت عليَّ نفسي حتى وقعت. أنا وإن كنت لا أراك بعيني أراك بداخلي في كل شيء. أراك في جدران البيت وفي الشارع، أراك في كل رجل له شعر أبيض مطعم بأسود، وأراك في كل من مر يحمل ابتسامة دافئة مثل تلك التي لك، وحتى أني أراك في كل المواقف الصغيرة، ثم أنطوي على نفسي لأبكيك شوقًا لا ينتهي، وأحترق لفقدك نارًا لا تنطفئ منذ تلك اللحظة التي وجدتْكَ أمي بها لا ترد فأتتني تجري قائلة: “مُنى أبوكِ ما يرد عليَّ” جرينا إليك وجربت كل الوسائل لكي أوقظك ما بين عطر وبصل لعلك فقدت الوعي حتى أني تمنيت أن تكون في غيبوبة على أن ترحل، ثم أتى الصيدلاني ليعلن بأن يوم الإثنين 13/ 8/ 2018م الموافق 2/ ذي الحجة هو اليوم الذي لا بعده عيد ولا فرح. قيل لي بأن هذا ضعف إيمان، وبأنني أقوم بحرقك كلما بكيت، بل قيل أكثر من ذلك، لذا هربت من الجميع ولم أكترث، وانزويت بكون ذكرياتك، ثم إذا ما واجهت هذه الحياة أدور في فراغ كائن جريح، لا يعلم كيف يطبب هذا الجرح! لم يعد لي من نفسي غير بقايا رقيقة متماسكة بركاكة تكاد تتساقط جميعها لولا الأمل بلقاك يومًا قريبًا. لم يعد أي شيء يغريني، ولم أعد أعجب بأي شيء في هذه الحياة، حتى أني أستطيع خسارة كل أحد دون الشعور بأي ألم، ووصلت إلى نقطة أني أبتسم لمجرد الابتسام لا لفرح، حتى أني أضحك وتتساءل نفسي ما لي لا أشعر هكذا أبدًا. لم يعد الحاضر الذي أريده أن يكون رائعًا، ولا المستقبل الذي أردت أن أبنيه شيئًا يسعدني، ولا شيئًا أتوق إليه، وبقيت عالقة في الماضي ما بين أنا وذكرياتي، حتى أني أحاول فقد الجميع قبل أن يرحلوا؛ كي لا يأتي مثل هذا الألم ثانية.
أبي وإن ينسك الجميع لا تنساك ابنتك البكر أبدًا، ولا تنسى الدعاء لك والعيش معك في داخلها حيث لا يوجد سواك. لا تنسى أن تذكرك في كل شيء، وأن تحزن والناس تضحك لأنك لست بينهم. ابنتك تلك حتى لا تريد أن تكمل الماجستير كي لا يأتي يوم مناقشة الرسالة ويأتي الجميع ولا تأتي أنت. أنت الذي سجلتها في الماجستير وشجعتها لإكمال أحلامها ثم حين يتم لا توجد أنت. يحرقني هذا الرحيل المبكر في حين أردت أن أُشاركك الكثير. سأمضي أحمل أحلامك بداخلي؛ لأحقق لك ما كنت تصبو إليه، ثم إذا ما التقينا على ناصية الحلم وأتيت إليك سأحكي لك عن جميع ما حصل.
أبي كن بخير حتى ألقاك. رمضانك بالفردوس يا رب، ورمضاني في ذكرياتك حتى يجتمع الشتيتان وينتهي هذا البين.
تاريخ: 30/ 4/ 2019م
أي بعد مرور 8 أشهر على رحيل التربوي الأستاذ: عمر عوض العماري …. أبي.