حديث البداية
د. عبدالقادر باعيسى - رئيس التحرير
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 13 .. ص 4
رابط العدد 13 : اضغط هنا
ظل المشقاص فترة طويلة من الزمن بيئة مغلقة على نفسه، فلم تمتد إليه يد الاهتمام التعريفي والدراسي إلّا قليلًا، والمؤلم أن أحدًا لم يعترف بتقصيرهِ تجاه المشقاص، حتى من أهله، والمشقاص جزءٌ أصيلٌ من حضرموت يجب ألّا يغيب عند الحديث عنها. ولعلّ تسليط الضوء على منطقة الوادي لا سيما في كتابات الرحّالة الأوربيين في العصر الحديث مارس ميلًا خفيًا نحو الوادي بوصف أغلب المشقاص بادية لم يتسنّ للرحّالة الأوربيين التوغل فيه، كما لم يتوغلوا في بعض بوادي حضرموت إلّا ما كان في طريقهم بين أوديتها المتعددة، ولعلّ هذا سحب نفسه تلقائيًا على الكتابة عن المشقاص عند الكتّاب الحضارمة فلم يميلوا إليه إلا قليلا.
وما نرمي إليه من هذا الملف هو أن نسهم في إخراج المشقاص إلى أفق الحضور والتفاعل، والواقع أننا بعدم التفاتنا إليه نعاني نوعًا من التخلف لا نفطن إليه، ذلك لأنّ التأصيلَ لهويةِ حضرموت والكتابة عنها لايكون إلّا متكاملًا بدراسة تفاصيل كل مناطقها والتعريف بها. ومازال المشقاص غامضًا، ولعلَّ أحد المعابر إليه يكونُ عبر أدبه الشعبي الذي يفتحنا على قلب المشقاص مباشرة، وأظن أنَّ كلمة مشقاص بمعنى المشرق مقابلة للمعراب أمرٌ أكثرُ مقبوليةً وانسجامًا يجب إعادة إحيائهِ بدل ثنائية الساحل والوادي التي سمعناها ومازلنا في السنوات الأخيرة بمحمولات مقيتة.
إنَّ أجمل ما في هذا الملف عن المشقاص هو الشعر والحكاية وماقيل فيهما. فالمشقاصُ أثر، و الأثر مقترنٌ بالتاريخ، وجمالية الأثر حين نلقاه بكراً، ومن ذلك شعر (الكرَّام) الذي ينقل لنا صدى قرون سحيقة في البادية المشقاصية والحضرمية عمومًا، والذي يأخذ موقعًا خاصًا منّا على بساطتهِ، فيجب ألّا يتكدَّر أو يتغيَّر بوصفهِ فنًا أثريًا، وإن شئت تاريخيًا يمثلُ لأشياء كثيرة دقيقة لا تدرك إلّا بالدراسة، فالإيقاع داخل الكرَّام، وكلماته، وطريقة تنظيم المعنى ذات أبعاد اجتماعية وبيئية وانثروبولوجية ولسانية، ولذا يجب الحفاظ عليه في روايتهِ الأصلية، كما يجب المحافظة على كل شيء جميل في المشقاص الأصيل.