أضواء
د. خالد حسن الجوهي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 13 .. ص 20
رابط العدد 13 : اضغط هنا
لقد كانت العلاقة التي تربط الحضارم بالسلاطين والأمراء العثمانيين في الحجاز في غالبها يسودها الود والاحترام المتبادل، مع وجود تنافر وصراع في أحيان أخرى، أي أن هذه العلاقة لم تكن على نمط واحد من الاتفاق أو الاختلاف.
نظر السلاطين العثمانيون للحضارم، وبخاصة السادة العلويين منهم نظرة احترام وتقدير كونهم ينتسبون إلى البيت النبوي الشريف.
ففي مدة إقامة السيد فضل بن علوي السقاف في إستانبول في عهد السلطان عبدالحميد الثاني نجده قد وصل إلى مرتبة عليا لديه، حيث مُنح السيد فضل رتبة وزير، وذلك عام 1300هـ/ 1883م.
كما كان السيد إسحاق بن عقيل العلوي من المقربين لدى سلاطين آل عثمان؛ حيث كانت تأتي المكاتيب من الصدارة العظمى ومن مشيخة الإسلام بالتوصية على السيد إسحاق، وعند قدوم السادة العلويين إلى إستانبول، كان السلاطين يقومون بإكرامهم والإغداق عليهم، فقد كان السيد صافي بن عبدالرحمن الجفري، وهو من أعيان المدينة المنورة، قد عاش مدة في إستانبول، وكان من رجال السلطان عبدالحميد.
كرمت الدولة العثمانية السيد أمين السقاف، وهو من أهالي مكة المكرمة حيث صدرت الأوامر من جناب السلطان على تقديم أعطيات سنوية له، وفي خطاب موجه من الباب العالي إلى شيخ الحرم النبوي الشريف بتاريخ 1294هـ/ 1877م، خاص بتعيين السيد سالم العطاس في وظيفة توزيع البخور للحجرة النبوية المعطرة.
ومن مظاهر هذا التقدير من السلاطين العثمانيين للحضارم صدور فرمان بتوجيه الرتبة الثانية للتاجر الحضرمي علي باعشن، وذلك في عام 1286هـ/ 1869م، كما عين السلطان عبدالحميد الثاني الشيخ عبدالله يوسف باناجه عضوًا في مجلس المبعوثان، وحصل على الوسام المجيدي من الدرجة الرابعة عام 1314هـ/ 1898م الذي أبدل إلى الدرجة الثالثة عام 1315هـ/ 1899م، وقد اشترت منه الحكومة منزلًا كان يملكه بجوار الحرم عام 1303هـ/ 1885م.
وفي أثناء زيارة السيد علوي بن عبدالرحيم بن سالم نزيل المدينة المنورة إلى إستانبول طلب منه السلطان عبدالحميد أن يصلي به التراويح، ففعل، فأُعجب به لحسن أدائه فهو أحد أئمة المسجد النبوي، بعد ذلك طلب منه السلطان عبدالحميد الإقامة عنده وله ما يتمناه، فأبى إلا الرجوع للمدينة المنورة.
كما طلب الباب العالي من ولاية الحجاز في عام 1294هـ/ 1877م تقديم المساعدة اللازمة لنقيب السادة العلويين في المدينة المنورة السيد حسين بافقيه، وذلك بتخصيص منزل له من المنازل الموقوفة على الحرم النبوي الشريف.
إن هذه العلاقة الحسنة والمميزة بين الحضارم والسلاطين العثمانيين انعكست على العلاقة بين الحضارم والولاة العثمانيين في الحجاز، مع وجود فترات أو حوادث تاريخية معينة ساءت فيها هذه العلاقة، فقد كان السيد إسحاق بن عقيل العلوي على صلة طيبة بالولاة، فقد تقربوا إليه وأحبوه، حتى بعد عزله من مشيخة السادة العلوية عام 1269هـ/ 1852م لا سيما أن المراسلات تتكرر من قبل السلطنة العثمانية بخصوصه.
نقل المؤرخ ابن حميد في تاريخه حُسن تعامل الوالي حسيب باشا مع السيد محمد بن حسين الحبشي في أثناء وجوده في المدينة المنورة، وكذلك معاملته مع السيد عمر بن عبدالله الجفري، نزيل المدينة المنورة، حيث قام الوالي حسيب باشا بزيارته في بيته لكبر سنه.
ومن صور العلاقات الحسنة بين الحضارم والمسؤولين العثمانيين ما ذكره إبراهيم رفعت في كتابه (مرآة الحرمين) »بأن محافظ المدينة المنورة آنذاك عثمان باشا أقام وليمة عشاء على شرف وصول سلطان المكلا والشحر عوض بن عمر القعيطي ونجله وحفيده في أثناء حجهم سنة 1319هـ/ 1901م. حيث دُعي إلى هذه المأدبة أمير الحج المصري، وأمين صرته، ورئيس حرسه، والضباط والموظفون، وأعيان المدينة المنورة، وفي نهاية الحفلة صدحت الموسيقى بالسلام السلطاني، وألقيت بعض الخطب بالعربية والتركية«.
وفي أثناء الصراع بيـن الشريف عون الرفيـق وبين الوالي عثـمان نوري باشا وقـف الحضارم إلى جانب الوالي في هذا الصراع، مما تسبب عنه أذى كبير تعرض له الحضارمة من قبل الشريف عون انتقامًا منهم.
لم تكن هذه العلاقات على هذا القدر من التناغم، بل شابها نوع من الفتور والعداء على حسب نوع الولاة ومدى التنافس على السيادة والنفوذ والوجاهة الاجتماعية، ففي بداية عهد الوالي حسيب باشا، ساءت العلاقة بينه وبين السيد عبدالله بن عقيل العلوي حيث استغل الوالي غيبة الشريف محمد بن عون والسيد إسحاق عن مكة بعد ذهابهما إلى اليمن، وأصبح هو المتصرف في شؤون الحجاز، حيث رتب مجلسًا أسبوعيًا للعلماء والمفتين الأربعة في مكة المكرمة وعمل على إكرامهم والإغداق عليهم. وكانت هذه الاجتماعات بحجة التحقق من مدى مطابقة الأحكام للشريعة الإسلامية، ثم بيَّن نواياه الحقيقية في أنه يريد انتزاع الأوقاف السلطانية من أيدي الذين استولوا عليها بالفراغات الشرعية، فلم يمكنوه من ذلك فقام بعزل مفتي مكة الحنفي عبدالله الميرغني عندما اعترض على هذا الأمر، وعين بدلًا عنه السيد محمد الكتبي الحنفي، وعندما أراد حسيب باشا فتح دعوى على السيد عبدالله بن عقيل العلوي أخو السيد إسحاق، شيخ السادة لينتزع منه دارًا بناها السيد عبدالله بالقرب من الصفا وأصلها من الأوقاف السلطانية، حينها ركب السيد عبدالله ليلًا متوجهًا إلى إستانبول، وكتب أهل مكة محضرًا دون علم حسيب باشا مختومًا من أعيان مكة علمائها وأشرافها وسادتها، ومضمونها الشكاية من هذا الأمر، ولهذا جاء الفرمان السلطاني من قبل السلطان عبدالمجيد (1255- 1277هـ/ 1839- 1861م) يقضي بمنع حسيب باشا من التعرض للأوقاف السلطانية ،كما جاء الأمر بإرجاع السيد عبدالله الميرغني لمنصبه، بعدها جاء أمر آخر بعزل الوالي عن منصبه سنة 1266هـ/ 1849م، فسافر إلى المدينة المنورة ومنها إلى الآستانة.
كما ساءت العلاقة بين ولاة الحجاز والحضارم، مثل ما حصل مع كل من السيد فضل باعلوي نزيل مكة المكرمة، والسيد صافي بن عبدالرحمن الجفري نزيل المدينة المنورة.