دراسات
د. حسن صالح الغلام العمودي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 13 .. ص 28
رابط العدد 13 : اضغط هنا
المقدمة:
(السيرة المتوكلية) كما يسميها الحضارم، أو (تحفة الأسماع والأبصار بما في السيرة المتوكلية من غرائب الأخبار)([1])، كما وسمها مؤلفها العلامة المؤرخ المطهر بن محمد بن أحمد الجرموزي (1003- 1077هـ/ 1595- 1667م)، هي كتاب تاريخي اتخذ مؤلفه من السيرة موضوعًا له، ليؤرخ لحياة الإمام المتوكل على الله إسماعيل (1019- 1087هـ/ 1610- 1676م)، الذي آلت إليه الإمامة وعمره ستٌّ وثلاثون سنة، وظل حاكمًا حتى وفاته (1054- 1087هـ/ 1644- 1676م)، وشهد عهده امتداد سلطة الإمامة الزيدية إلى كثير من بلدان جهة اليمن، التي غزاها بآلة حربه العسكرية، على مدى ثلاثٍ وثلاثين سنة، سار فيها على خُطى أخيه الإمام المؤيد بالله محمد (ت 1054هـ/ 1644م). وإذا كان المؤيد قد تطلع إلى مد نفوذه وسيطرته إلى حضرموت ولم تُواتِه الفرصة لتحقيق حلمه، فإنَّ الإمام المتوكل قد تهيَّأت له الأسباب لتحقيق هدفه وحلم أخيه.
لقد حظيت حياة الإمام المتوكل على الله إسماعيل ومدة حكمه باهتمام المؤرخ الجرموزي، فتناولها من جوانب عدَّة، الشخصية منها والعسكرية، فضلًا عن العلمية والسياسية، وضمَّن ذلك كتابه المشار إليه آنفًا، غير أن ما يهمنا من ذلك كلِّه ما أورده الجرموزي من نصوص متعلقة بحضرموت: الأرض والإنسان عامة، وتدوين زحف آلة الحرب المتوكلية نحو حضرموت، وما سبق ذلك وما لحقه من مكاتبات ومراسلات وسفارات دبلوماسية بين الإمام المتوكل وسلاطين آل كثير وغيرهم من مشايخ حضرموت. الجرموزي يسجل لنا ويقدم شهادات عن تلك الحقبة من وجهة نظر مؤرخ سلطة يحمل فكرًا ومشروعًا أيديولوجيًّا (المذهب الزيدي)، لنشره في الآفاق والترويج له ما أمكن ذلك، ترغيبًا أو ترهيبًا بوساطة آلة الحرب.
في هذا البحث سنتناول إشكالَ التناول لما جاء عن حضرموت من مادة تاريخية في كتاب السيرة المتوكلية من طرف المؤرخ السيد المطهر بن محمد الجرموزي، وما يتعلق بها من عمل دارس الكتاب ومحققه الأستاذ عبدالحكيم بن عبدالمجيد الهجري. فهل كان الأول أمينًا في تقديم شهاداته عن حضرموت؟ وبماذا امتازت أخباره عنها؟ هل كانت مقتضبة؟ هل شابها الخلط وعدم الوضوح؟ وما مصادره التي اعتمد عليها في تقديم مادته التاريخية؟ وإلى أي مدى كان الجرموزي منحازًا إلى صانع الحدث (الإمام المتوكل على الله إسماعيل) وقادة ألوية حربه؟ لا سيما أنهم من أبناء البيت القاسمي الحاكم، وهل استغل الإمام في حربه على الحضارم الوازع الديني لدى قبائله واستنفرها بداعي (الجهاد)؟ وهل سجل الجرموزي أي موقف للحضارمة من المذهب الزيدي رسميًا أو فرديًا قبل اجتياحه لحضرموت؟ وما موقف الحضارم من الغزو الزيدي لبلادهم؟ أكان الرفض أم الخنوع؟ أم جميع ذلك؟ وهل كانت مواقف الحضارم من الزيديين على امتداد البلاد الحضرمية منسجمةً أو مختلفة؟ وهل كان اتخاذ هذه المواقف ذا صلة بالتدرج الزمني للأحداث وتمدد الزيديين في حضرموت؟ وهل حفظ الجرموزي بعض الوثائق المتعلقة بتلك المدة التي عالج أحداثها؟ وما أهميتها ودلالاتها وأثرها في إماطة اللثام عن مواقف طرفي الصراع؟ وهل سجل العلويون الحضارمة موقفًا رسميًّا من الغزو الزيدي؟
ولئن كان الجرموزي قد تناول بعضًا من الإشكاليات التي أوردناها، فما موقف دارس الكتاب ومحققه من ذلك؟ هل عمل كما يفترض أن يعمل أي محقق؟ أن يقدم لنا نص الكتاب كما أراد له صاحبه؟ هل عرَّف بالأعلام أشخاصًا ومناطق، وضبط الأخيرة منها بالشكل؟ وإن كان فعل فإلى أي مدى كان محقًا فيما ذهب إليه؟ وما الحيز الذي احتلته حضرموت في مقدمة دارس الكتاب ومحققه؟ هل ما جاء في مقدمته من استشهادات مرجعية متوافقة ونص المتن للمؤرخ الجرموزي؟ أو أنه حمَّلها ما لم تحتمل، وأفرغها من محتواها الذي أراده لها الجرموزي؟ وهل مارس المحقق أي دور باتجاه المادة التاريخية التي أوردها المؤلف بهدف توجيه القارئ وتهيئته نفسيًا لتقبل أحكامه؟
لا ندعي هنا أننا حللنا كل الإشكالات التي تم طرحها، وإنما وقع الالتجاء في أحيان إلى الافتراض، ووقع الاكتفاء في أحيان أخرى بإثارة الإشكال دون الجواب عنه، وذلك من خلال الجمع بين الوصف والتحليل والمقارنة؛ لاستكشاف الأسباب والعوامل الكامنة في حدوثه، والكشف عن أسباب الصراع المفترض تاريخيًّا، فالبحث لا يرسخ تلك الصورة النمطية التي بنيت عليها الأحداث التاريخية وتكرارها دون إبداء موقف منها بالنقد والدراسة.
إنّ هيكل البحث ودراسته سوف يتم من خلال الآتي:
أولًا: المؤلف ومحتوى كتابه.
ثانيًا: في الدراسة التمهيدية لدارس الكتاب ومحققه.
ثالثًا: مصادر الجرموزي عن حضرموت ونقدها:
الخاتمة
أولًا- المؤلف ومحتوى كتابه:
هو المطهر بن محمد بن أحمد بن عبدالله الهادوي الجرموزي، ولد في قرية جرموز، إحدى مقاطعات بلاد بني الحارث، الكائنة شمال صنعاء، من مواليد (1003هـ/ 1595م)، ويتصل نسبه بالإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ت 289هـ/ 901م) مؤسس أول إمامة زيدية بجهة اليمن، ويرتفع نسبه إلى آل البيت، وكان والده ممن عملوا في خدمة الإمامة الزيدية في مرحلتها “القاسمية”، ممَّا جعل ابنه يعيش بالقرب منها، واستفاد من مدارسها العلمية والإدارية فضلًا عن السياسية، وأهَّله ذلك لشغل الوظائف الحكومية فيها حين اشتد عوده وقَوِيَ. ويذكر جُلُّ من ترجم له شغله وظيفة القضاء في عدد من النواحي، مثل: آنس، وعتمة، ووصاب.
كما أنَّ قربه من البلاط القاسمي قَرَّبَهُ من صنَّاع القرار وقيادات الحملات العسكرية ورجال الدولة، مما ساعده على نسج علاقات ود وصداقة مع بعضٍ منهم، وسهَّل له معرفة كثيرٍ من الأخبار بكل يسر، فضلًا عن حصوله على عدد من الوثائق ذات الصلة بما يؤرخ له.
جرت أعراف المنهج العلمي المتبع في تحقيق المخطوطات على أن يفرد المحقق مقدمة تمهيدية، يتناول فيها سيرة حياة المؤلف، وعصره، والحياة الاجتماعية والسياسية والمذهبية التي أسهمت في تكوينه ومدى تفاعله بتلك الحياة، فضلًا عن ذكر شيوخه، ومشاركاته في الحياة العلمية، وما خلَّف من آثار علمية، وكذا وصف المخطوط، ومنهج المؤلف، ثم يعطف على دراسة المخطوط نفسه من حيث مصادره، وبيان أهميته العلمية من النواحي العلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والحضارية كافة، وهي خطوات سار عليها محقق الكتاب، واستغرقت منه ستًا وتسعين صفحة، بذل فيها جُهدًا يُشكر عليه، وعمل بما يعتقده صوابًا، وقد حالفه الصواب في جُلِّ ذلك، وإنْ كنَّا نرى في المادة التاريخية التي قدَّمها عن حضرموت بعض القصور وذلك نظرًا لكبر حجم الكتاب، وتنوع موضوعاته، فضلًا عن اتساع المساحة الجغرافية التي يُغطيها. وهذا بيانٌ لبعض جوانب القصور التي نرى أنَّها شابت عمل المحقق.
ثانيًا: في الدراسة التمهيدية لدارس الكتاب ومحققه:
2ـــ لئن أجمعت مصادر ترجمة الجرموزي على تحديد[9] سنة ميلاده[10]، فإنها قد اختلفت في ضبط سنة وفاته، فذهب بعض منها إلى أنها كانت سنة (1076هـ/ 1666م)[11]، في حين جعلها بعض آخر في سنة (1077هـ/ 1667م)، وقد ناقش محقق الكتاب ذلك الاختلاف ورجح أن سنة (1077هـ/ 1667م) هي سنة وفاة المؤرخ المطهر الجرموزي، واعتمدها سنة وفاته في متن الكتاب[12]، وساق سبب ترجيحه لذلك، إلا أنه يخالف ذلك الترجيح ما في المزبور على غلاف الكتاب، فيجعلها سنة (1076هـ/ 1666م)!
3- يذكر المحقق أن الإمام المتوكل على الله إسماعيل قد وجَّه رسالة إلى السلطان بدر بن عمر الكثيري حاكم حضرموت يأمره فيها بحل وثاق عمه، وإطلاقه من السجن وتوليته على ظفار[13]، وهذا وهم منه، فرسالة الإمام التي ذكرها الجرموزي ذكرت أن الحاكم في حضرموت هو السلطان بدر بن عبدالله الكثيري، وهو من سجن عمه بدر بن عمر الكثيري، وأحكم وثاقه[14]، ووقع عليه العدوان من أبناء أخيه بعزله من السلطنة، ومع ذلك يصر المحقق على أن مَنْ راسله الإمام هو بدر بن عمر[15]، ويحيلنا إلى نصوص في متن الكتاب تؤكد أن المعني بالمراسلة هو السلطان بدر بن عبدالله.
4ـ أشار المحقق في دراسته التمهيدية إلى أن القوات الإمامية قد وُوجِهَت في بدايات مد نفوذها من قبل قبائل المناطق التي مرت بها الحملة، وذكر منها قبائل يافع، والرصاص، والمصعبين، والعوالق، وآل كثير، وبلاد الفضلي، والعمودي، وما والاها إلى حضرموت، ويوثق ذلك بالنص (192أ)[16]، وهو نص ذكر فيه الجرموزي أخبار تلك الجهات دون الإشارة إلى ذكر أية مواجهات مع تلك القبائل[17]، ولئن كانت تلك القبائل قد دخلت بعد ذلك في مواجهات مع عسكر الحملة الإمامية أين حلَّت في مناطقها، فهذا أمر بديهي وطبيعي؛ كونها ترى فيها قوات غزو واحتلال لمناطقها، فضلًا عن كونها قوات تختلف معها في عقيدتها المذهبية، لكن قول محقق الكتاب إنَّ المواجهة كانت من تلك القبائل كلِّها يُعدُّ تعميمًا جَانَبَ فيه الصواب، فهناك مثلًا (الشيخ محمد بن عبدالرحمن العمودي[18])، الذي كانت تربطه علاقة ود وصداقة بالإمامة الزيدية، ولا سيما أن العمودي كان في حرب مع عدوه التقليدي السلطان بدر بن عبدالله الكثيري، تلك العلاقة الوطيدة صوَّرها الجرموزي في وصفه للشيخ العمودي حين عرَّفه بـ(السلطان الأفخم والشيخ المكرم)[19]، كما أثنى على ضيافته لعسكر الإمام؛ إذ قدم بقرًا وغنمًا وطعامًا وثمانمائة جمل تحمل الأثقال، ولم يكتفِ العمودي بذلك، بل استنهض قبائله المتحالفة معه لتقديم كل ما تستطيع من مؤن ودعم للعسكر الإمامي، الذي كان يعاني من قلة التموين وانتشار المجاعة بين صفوفه حتى أكل العسكر من شدَّة الجوع جمال بعضهم، وظلت مناطق حكم العمودي تمد العسكر بمختلف المبيعات مدة إقامتهم بمنطقة (ريدة الديّن)[20]. لذلك أشاد الجرموزي بخدمات العمودي للحملة الإمامية بقوله: »أحسن الله إليه خيرًا«[21].
فخدمات العمودي في مساندة الحملة الإمامية لم تكن مجرد كرم وضيافة فحسب، ولكنها رد الجميل من العمودي لموقف الإمام معه في صراعه[22] مع السلطان بدر بن عبدالله الكثيري، بل انحيازه إلى جانبه في صلح عام (1166هـ/ 1655م)، الذي تم برعاية الإمام المتوكل، فأتاح للعمودي فرض ما بدا له من شروط على السلطان الكثيري، الذي قبلها على مضض؛ ابتغاء جبر خاطر الإمام، وإخماد نيران الفتن[23].
5- أشار محقق الكتاب عند ذكره لظاهرة الشعوذة والاعتقاد بالمشعوذين إلى ذكر واحدة من تلك الصور، وينقلها لنا من يافع بقوله: »يُذكر أنَّ رجلًا كان بها يُدعى الحبيب بن سالم، وكان من أمره أنه كان يدَّعي المعرفة بأعمال الغيب«، ويحيلنا على النص (ق193ب)[24]، وهذا النص لم يشر إلى وجود الحبيب بن سالم، وإنما جاء فيه: »وأما بلاد يافع وما يتصل بها فيحتكمون لرجل من آل أبي بكر بن سالم من الأشراف آل باعلوي«[25].
إن أبا بكر بن سالم (919- 992هـ/ 1513- 1584م) هو مؤسس هذه الأسرة التي حملت اسمه، ويعود نسبه للأشراف العلويين في حضرموت، الذين يرتفع نسبهم إلى ولد الحسين بن علي بن أبي طالب، كما ذكر ذلك الجرموزي وآخرون[26]، وكان له اهتمام وقيام بالإرشاد والدعوة وإصلاح ذات البين لا على مستوى الأفراد فحسب بل على مستوى القبائل عامَّة، وتميز بقوة الكلمة والتأثير بالحسنى، ويُعدُّ من الذين تصدَّروا مشهد الحياة الاجتماعية والروحية في حضرموت في أواخر القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، وأصبح يُشار إليه بالبنان، ويفد إليه طلاب العلم من مختلف المناطق والبلدان، وحدث أن التحق به علي بن أحمد هرهرة، فتوسم فيه أبو بكر بن سالم بشائر النجابة والذكاء، فنصبه قبل وفاته مصلحًا ومرشدًا دينيًّا في يافع العليا[27]، فأطاعته القبائل وامتثلت له، ولا سيما أنه من أبرز مريديه، فضلًا عمَّا يعتقدونه في الشيخ أبي بكر وفي ابنه الحسين من الولاية والقطبية[28]. فليس صحيحًا أن أحدًا من آل أبي بكر بن سالم كان مقيمًا بيافع كما يزعم المحقق.
ثالثًا: مصادر الجرموزي عن حضرموت ونقدها:
اعتمد الجرموزي في حديثه عن حضرموت والأحداث التي شهدتها على مجموعة من المصادر، منها:
عن عقيدة أهل حضرموت وثق الجرموزي شهادة رواته بطرق مختلفة، منها ما أخذها مشافهة ويذكرها بقوله: »أخبرني«، أو »أخبرني الصنو الفاضل غوث الدين بن محمد رحمه الله بأنه وجد رجلًا من مغارب ذمار في عام (1038هـ/ 1628م أو 1039هـ/ 1629م«[30]، وهي الرواية التي استشهد بها الجرموزي لتبيان عقيدة أهل حضرموت. كما يذكر الجرموزي راويًا آخر اسمه (الشيخ البهال الأسدي) الذي وصفه بأنه كان »رجلًا باديًا صدوقًا من حذاق العوام، وله ديانة«، كان قد أرسله الإمام المؤيد (ت 1054هـ/ 1644م) بكتاب إلى سلطان حضرموت عبدالله بن عمر بن بدر الكثيري في سنة (1040هـ/ 1360م)، أو (1041هـ/ 1631م)، وقد ظل هذا الأخير منتظرًا رد سلطان حضرموت على كتاب الإمام، غير أن السلطان عبدالله بن عمر الكثيري آثر قبل الرد على كتاب الإمام أن يستشير الحبيب حسين بن أبي بكر بن سالم (ت 1044هـ/ 1360م) صاحب عينات كما هي عادته، ولما علم البهال الأسدي بذلك كشف للسلطان الكثيري عن رغبته في زيارة الحبيب، فوافق السلطان على ذلك، فذهب إلى عينات، وشاهد الحال الذي كان عليه الحبيب حسين، ورواه للجرموزي فيما بعد[31]. وإمعانًا من الجرموزي في تأكيد صحة روايات مصادره يفيدنا بقوله: »وأخبرني غير واحد«، مما أفاد خبره الاستفاضة لمطابقة الأخبار الكثيرة، أو »أخبرني بعض المترددين إلى تلك الناحية«[32].
وإذا تأملنا تلك الروايات التي اعتمد عليها الجرموزي ليقرر عقيدة أهل حضرموت سنجد الرواية الأولى تعود إلى سنة (1038هـ/ 1628م)، أو (1039هـ/ 1629م)، في حين تعود الرواية الثانية إلى سنة (1040هـ/ 1360م)، أو (1041هـ/ 1631م)، علمًا بأن الجرموزي يذكر أحداثًا حصلت قبل وفاته في عام (1072هـ/ 1661م)[33]، وهذا يعني أنه مر على تلك الروايات أكثر من أربع وثلاثين سنة، فضلًا عن أن رواته يتحدثون عن حالة فردية وفي منطقة بعينها، فلا يجوز تعميم حكم خاص بشخص على جميع أهل حضرموت، بمجرد زيارات أو لقاءات فردية لبعض رواته، فعينات ليست المدينة الوحيدة في حضرموت، فهناك أيضًا مدينة تريم التي ظلت متبوِّئةً الصدارة خلال العصور الوسطى والحديثة، بوصفها عاصمة حضرموت الدينية، مما جعل الإمام عبدالله بن علوي الحداد (1044-1132هـ/ 1634- 1720م) يعدها بعد مكة والمدينة من حيث الأهمية الدينية[34]. هذا بالإضافة إلى مدن سيئون، والغرفة، وقسم، والشحر، وهينن، وحريضة، وقيدون وغيرها من بلدان حضرموت التي حفلت بالعلماء والفقهاء، وهو ما تعكسه كتب التراجم الحضرمية وبخاصة في هذه المدة التي يشير إليها الجرموزي، فقد كان بحضرموت علماء وفقهاء فضلًا عن الفلكيين والمؤرخين والأدباء، ولهم مؤلفات يعتد بها في إطار اختصاص كل منهم، ففي مجال العلوم الشرعية المتصلة بالكتاب والسنة نجد ما ألفه أبوبكر بن عبد القادر العيدروس (ت 1038هـ/ 1628م)، وهو كتاب (الدر الثمين في بيان المهم من الدين)، وأيضًا كتاب (منحة الباري بختم صحيح البخاري)، وللعيدروس كثير من المؤلفات[35]، وهذا علي بن عمر بن علي بن محمد فقيه الذي حمل لقب (فقيه)؛ لتبحره في علوم الفقه (ت 1038هـ/ 1628م)[36]، كما أن الشيخ أحمد بن عبدالله بافضل الشهير بـ”السودي” (ت 1044هـ/ 1634م)، كان من أفضل أهل زمانه في العلوم، المنطوق منها والمفهوم، ويعد من أعرف أهل زمانه باللغة العربية، كما برع في أصول الدين والحديث فضلًا عن التصوف[37]. ولم يكن السيد أحمد بن محمد الهادي بن عبدالرحمن بن شهاب الدين (ت 1045هـ/ 1635م) أقل شأنًا من سابقه؛ إذ وُصِفَ بأنه إمام المنقول والمعقول، وكان في معظم أوقاته مشتغلًا بأنواع المعارف والعلوم ونشرها من فقه وأصول وحديث وتفسير ونحو وصرف[38].
على أن دور هؤلاء العلماء لم ينحصر في داخل حضرموت فحسب، بل تخطاها إلى الآفاق البعيدة، إذ انتشر الحضارم في أصقاع الأرض، وقاموا هم وأنجالهم من بعدهم بنشر دعوة الإسلام برسالتها الوسطية المعتدلة البعيدة عن الغلو والتطرف، دون أن تصحبهم آلة حرب أو إعلان نفير حرب، على أن زعم الجرموزي وتهمته المذكورة آنفًا لأهل حضرموت يبدو أنها كانت تراود الإمام المتوكل نفسه، ولعله قد كلَّف القاضي الحسن بن أحمد الحيمي (ت 1070هـ/ 1659م)[39] بتقصي حقيقة ذلك حين بعث الأخير بكتاب من مدينة هينن إلى الإمام المتوكل في العاشر من جمادى الآخرة سنة 1067هـ الموافق للعشرين من أكتوبر سنة 1656م، وممَّا جاء فيه قوله: »وقد اتصل بنا بعض فقهائها [يعني حضرموت] ممن له بصيرة وفقه نافع، ولهم عناية في إحياء المساجد بذكر الله عز وجل ودرس القرآن، وتعليم الصبيان من غير أن يقارن ذلك بشيء من البدع التي يتوهم بها«[40].
استقى الجرموزي مادته الإخبارية فيما يتعلق بسير حملات الغزو لحضرموت من رواة آخرين اشتركوا في خوض المعارك، وكانوا شهود عيان على تلك الأحداث، فيقدمها لنا مسبوقة بقوله: »أخبرني السيد المجاهد الصمصام الناصر بن عبدالرحمن الزيدي نسبًا ومذهبًا، وهو حاضرٌ جميع ما مر، وكان على خيل مولانا عز الإسلام«[41]، ويكرر الجرموزي شهادات رواته على صحة ما يرويه بصيغ مختلفة، مثل قوله: »أخبرني من شهد ذلك« أو: »أخبرني بعض من سمع حديثه«، أو: »لقد بلغني«، كما يستقي مادته أحيانًا من الإمام نفسه، كقوله: »ومما أخبرني به مولانا أمير المؤمنين أيده الله تعالى«[42].
ولسنا بصدد تقصي سند كل روايات الجرموزي، إنما نريد القول إن الجرموزي كان من الذين يسعون إلى الوصول إلى المادة الإخبارية من مصادرها الأصيلة، وهم رواة معروفون لديه، وكان أمينًا في نسبتها إليهم بصرف النظر عن صحتها من عدمها، أو ما يشوبها من مبالغة، أو ما بدا عليها من انحياز[43]، على أنه قد سار في عرضه لمادته التاريخية على منهج السرد القصصي التاريخي، الذي يقطعه أحيانًا بذكر بعض التفصيلات الجانبية، أو يوضح جانبًا ربما ظن غموضه، أو لارتباط الحدث بغيره من الأحداث اللاحقة، فيشير إلى ذلك بقوله: »حتّى كان من أمره ما سيجيء قريبًا إن شاء الله«[44]، أو: »رجعنا إلى ذكر الملاهي«[45]، ثم يعود إليها، أو: »وقد ذكرنا تقدم الأمير الصالح«، ثم يستكمل ما بقي له من خبر[46]، أو قد تكون لديه زيادة على خبر متقدم فيشير إلى ذلك، مثل ذكره لإعادة خبر خروج عسكر الإمام إلى حضرموت، فيقول: »ذكر المخرج المنصور إلى بلاد حضرموت وجهاتها وأسباب ذلك، وقد تقدم بعضه وهذه زيادة مختصرة«[47]. هذا بالإضافة إلى إيراده بعض قصائد الشعر. على أن ما يمكن استنتاجه من تلك الروايات أنها تمثل وجهة نظر الغازي، وأنها لم تكن محايدة بالضرورة، بل جاءت متماشية مع أهداف وأيديولوجيا السلطة الغازية (دولة الحق)[48] التي لم تتورع عن استغلال كل ما هو ديني لاستنهاض همم جحافل قبائلها وحشدها وإعلان حالة الحرب في يوم الخميس 18 من شوال سنة (1069هـ/ 1658م)، في صنعاء وما جاورها من مناطق، إذ أعلن »الخطباء والدعاة إلى الجهاد«[49]، انطلاق جيوشهم تحت »رايات الحق«[50]، واصفين هؤلاء الجنود بأنهم »جنود الحق«[51]، »المجاهدون«[52].
فجهات المشرق وأهلها بما في ذلك حضرموت تستحق الغزو؛ »لبعدهم عن الله سبحانه وتعالى وطول ضلالتهم«[53]، فضلًا عن كرههم (للزيدية) وأهل بيت الإمام ومذهبهم[54]، زيادة على كونهم »أعداء الله«[55]. وكل من يقف مع هذا التوجه فهو محب لـ(دولة الحق) ومناصر لها، لذلك كان السلطان بدر بن عمر الكثيري أقرب سلاطين آل كثير »إلى محبة دولة الحق«[56]، وهذا الشيخ العمودي »أحسن الله إليه خيرًا« لإنقاذه عسكر الإمام من المجاعة التي لحقت بهم[57].
وبالمقابل فإن من يعارضون أو يقاومون التوجه الزيدي ما هم -من وجهة نظر الجرموزي ورواته- إلا أصحاب بدعة وضلالة، وقد غاب عنهم شرع الله وإقامة الحق وحكم العدل، وسادهم البغي والفجور، فسالم بن أحمد بن الحسين بن أبي بكر بن سالم -الذي كان له حضور روحي ومعنوي في بلاد يافع وجهاتها، وكان يحث القبائل هناك على ضرورة مقاومة عسكر الإمام المتوكل والتصدي لهم- ما هو إلا (خبيث) و(مغرور) و(ضال)[58]. كما أن مواقف السلطان بدر بن عبدالله الكثيري من الإمام المتوكل ودفاعه عن بلاده للحيلولة دون وصول المذهب الزيدي إليها جعلت الجرموزي ورواته يصفونه بـ(المجاراة والتلون والتخنس) والغدر والمكر[59].
ت- الجرموزي وموقف الحضارم من الوجود الزيدي في حضرموت:
إن شهادات الجرموزي بحسب مصادره تصور لنا أن الموقف الحضرمي من المذهب الزيدي يتجلى في موقفين:
موقف معارض، يمثله السلطان بدر بن عبدالله الكثيري، والحبيب سالم بن أحمد بن الحسين بن أبي بكر بن سالم ومن ناصرهما.
وموقف مؤيد، يمثله السلطان الكثيري المعتقل والمنقلب عليه وهو السلطان بدر بن عمر الكثيري وأنجاله، فضلًا عن الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن العمودي حاكم أكثر مناطق بلدان وادي دوعن وأحلافه من القبائل، وهو الذي يُكنُّ العداء للسلطان بدر بن عبدالله، بل يعد نفسه في حرب معه.
وعليه إذا كانت مصادر الجرموزي قد حطت من قدر حاملي لواء المعارضة للوجود الزيدي في حضرموت، فإنها في الوقت نفسه تكشف لنا عن أثر أولئك الرموز في التصدي لمواجهة الغزو الزيدي وآلة حربه.
لقد قام السلطان بدر بن عبدالله الكثيري زعيم حضرموت السياسي الأبرز بدور دبلوماسي مهم ليتفادى وقوع مناطق حكمه تحت طائلة النفوذ الزيدي، وهو أمر تكشف عنه رسائله للإمام المتوكل على الله إسماعيل التي سنشير إليها لاحقًا، فضلًا عن دوره العسكري في التصدي لآلة حرب الإمام، ليس بعسكره الذين قُدِّرَ عددهم بما يزيد على خمسة عشر ألفًا من قبائل المشرق، وخيله التي تجاوز عددها الألف فحسب، بل استغل حالة تململ ولاء بعض القبائل من الإمام نفسه، كما هو حال سلطان العوالق منصر وأخيه الشيخ عز الدين، وأيضًا قبائل المعظة في نجران[60].
كما أن الحبيب سالم بن أحمد المذكور آنفًا الذي هو أحد أنجال أسرة آل الشيخ أبي بكر بن سالم صاحب الزعامة الروحية على مستوى (المشرق)، الذي »يلهجون بذكره ويدّعون له الخوارق«، على حد وصف الجرموزي[61]، قد أدَّى دورًا ضد تطلعات الإمام المتوكل للسيطرة على المشرق، ويبدو أن السلطان (بدر بن عبدالله) والحبيب (سالم بن أحمد) قد تنبها إلى أهمية المناطق القريبة من أطراف النفوذ الزيدي (بلاد يافع) وما جاورها من مناطق؛ لكونها تمثل خط الدفاع الأول عن المشرق كله، فلم يتردد الحبيب سالم بن أحمد في تقديم دعمه المعنوي والروحي لقبائل تلك المناطق، فها هو يخاطب الرصاص صاحب مدينة البيضاء عند مواجهته للعساكر الإمامية »بأن الزيدية طعمة لك«، وإمعانًا منه في تحفيزه وشحذ همم جموع قبائله وأنصاره يرسل إليه بمسبحته التي وصفها بأنها »تقوم مقام الجيوش الكثيرة«. ولا ريب أن الحبيب سالم بن أحمد يهدف من وراء ذلك إلى تعزيز الأثر المعنوي ورفع الروح القتالية للرصاص وحلفائه، بل لم يتأخر في إرسال رايته ليحارب المقاتلون تحت ظلها[62].
وتجدر الإشارة إلى أن مصادر الجرموزي لم تُولِ موقف أهل حضرموت من الإمامة الزيدية أية أهمية، ولكن يمكن استنتاج ذلك من بعض العبارات التي تومئ باستحياء واقتضاب، كالقول إن غالبية أهل حضرموت كانوا يناصبون المذهب الزيدي العداء، أو إن محبة أهل حضرموت للسلطان بدر بن عبدالله كانت لعدم موالاته للإمام[63].
إن عساكر الغزو الإمامي قد حُشِدَت بفتوى الجهاد، وخاضت معاركها تحت رايته، ولم تأل جهدًا في استخدام القوة والعنف بحق كل من يقاومها، وهو الأمر الذي تكشف عنه توجيهات القيادة الميدانية للمختصين من العسكر الإمامي سواء أكانت لمن يقطع الرؤوس، أم لمن يطعن، أو لمن يضرب بالبندق[64]، وهو نهج سارت عليه عساكر الإمام المتوكل أينما واجهت قبائل المشرق، ممَّا أثار حفيظة العلامة الكبير المجتهد الحسن بن أحمد الجلال (ت 1084هـ/ 1673م)، فوجَّهَ رسالةً انتقاديةً للإمام المتوكل لقسوته وعنفه في حربه لقبائل المشرق، وَسَمَهَا بـ(براءة الذمة في نصيحة الأئمة)[65].
وقد شكلت المخاطبات الرسمية (الكتب) بين الإمام وسلاطين آل كثير، وبعض الزعامات القبلية من جهة وقادة غزواته على حضرموت من جهة أخرى، موردًا مهمًّا في توضيح كثير من إرهاصات أحداث الغزو الزيدي على حضرموت قبل وقوعه وبعده، وهي كتب على قدر كبير من الأهمية التاريخية؛ لكونها قد صدرت من حواضر صناع القرار، وتبين طبيعة تفكير كل جانب في تحقيق أهدافه، فضلًا عن كونها تسهم في إبراز بعض النواحي التي غاب ذكرها عن الجرموزي في أثناء ذكره لسير الأحداث والمواجهات العسكرية، فضلًا عن تبيان وجهة نظر كل طرف في حل الخلاف الدائر بينهما، كما تكشف تلك الكتب عن أسماء بعض الوفود (الدبلوماسية) الحاملة لها، ووظيفتها في توضيح بعض القضايا التي أوجزت الكتب الحديث عنها، وقد ذكر الجرموزي نوعين من الكتب:
– النوع الأول: ما أشار إليه دون توثيق نصوصه.
– النوع الآخر: ما وثَّق نصوصه وحفظه لنا.
فالنوع الأول ذكره في أثناء سرده لسير الأحداث، وأشار إليه عرضًا من غير ذكر موضوعاته أو نصوصه، أو ما جاء بصدده من ردود، مثل كتاب الإمام المتوكل إلى سلطان حضرموت، برفقة بدر الدين محمد بن عبدالله[66]، وأيضًا كتاب السلطان بدر إلى الإمام من مدينة الشحر. كما يفيدنا الجرموزي بوصول جوابات من الواحدي والعمودي للحضرة الإمامية[67]. ويدخل في إطار هذا النوع من المكاتبات ما يمكن أن نطلق عليه (التقارير الاستخباراتية السرية)، التي تتم بوساطة الجواسيس والمخبرين التابعين للإمام في حضرموت، والقريبين من البلاط الكثيري، الذين كانوا يرصدون تحركات السلطان وتصرفاته وما ينوي القيام به، بل يكشفون عدم مصداقيته فيما يكتب به إلى الإمام المتوكل[68]، هذا بالإضافة إلى نصوص الصلح المبرمة بين الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن العمودي والسلطان بدر بن عبدالله، التي تم عقدها بوساطة الإمام وتحت إشراف مبعوثيه، كصلح العام الواحد في سنة (1066هـ/ 1655م)، وكذا صلح السنوات الخمس المنعقد في سنة (1067هـ/ 1656م)[69]، الذي يفيدنا بأنه كتب منه ثلاث مساطير (نسخ)، نسخة منها للإمام ونسختان لطرفي الصلح العمودي والسلطان الكثيري، غير أن الجرموزي لم يوثق نصوص ذلك الصلح، وأيضًا كتاب طلب السلطان بدر الأمان لنفسه عقب احتلال العساكر الزيدية لحضرموت[70].
أمَّا النوع الثاني من الكتب فهو تلك التي حفظ نصوصها، وقد جاء بعض منها مشفوعًا بملاحق وتعليقات توضح إرسال هدايا أو تسلمها، أو أمورًا أخرى، كما أن بعضًا منها مؤرخة باليوم والشهر والسنة، في حين أهمل تاريخ بعضها الآخر، وغالب هذه الكتب قد تم تبادلها بين الإمام المتوكل على الله إسماعيل والسلطان بدر بن عبدالله الكثيري، وهي كتب بعضها طويل مرصع بألفاظ التبجيل والتكريم، وتتسم لهجته بالمرونة وتظهر الود، وبعضها مرصع بالآيات القرآنية، حتى تضمَّن أحد الكتب خمسًا وعشرين آية تشير إلى إقامة الشرع والفرائض ومعالم الدين الحنيف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاعتصام بحبل الله، ومغبة الفرقة، وتجنب الفتنة، وطاعة ولي الأمر، وإصلاح ذات البين، علاوة على ذكر بعض الأحاديث النبوية الشريفة، وكذا بعض الأشعار.
وقد نقل الجرموزي بعض الكتب بصيغتها الأصلية، مؤكدًا ذلك ببعض العبارات، مثل قوله: »كما رأيت ذلك في مكاتبته -أيَّده الله- إلى صنوه مولانا العزي -أيَّده الله- بما هذا لفظه«[71]، أو قوله: »بما هذا لفظه وحروفه، بعد حذف طرة الكتاب«[72]. ولئن وثق الجرموزي بعض تلك المكاتبات بنصوصها فإنه بالمقابل قد أهمل بعضًا منها، ولخَّصها بأسلوبه الخاص، ومنها على سبيل المثال كتاب السلطان بدر بن عبدالله إلى الإمام الذي يوضح له فيه سبب خلعه لعمه وسجنه، وهو أنَّ ذلك كان إجراءً متعارفًا عليه وكان أهله سائرين عليه[73].
على أن بعض تلك الكتب قد لا تصدر عن الإمام المتوكل نفسه، وإنما يُكلِّف بعض خواصه بكتابتها نيابة عنه، يذكر الجرموزي أنَّ الصفي أحمد بن الحسن قد كتب عن أمر الإمام إلى السلطان بدر بن عبدالله، وأرسل الكتاب إليه برفقة الأمير الصالح صالح بن حسين بن مطهر الشويع إلى حضرموت[74].
وعمومًا فإن عدد الكتب وملحقاتها التي وصلت إلينا نصوصها قد بلغت عشرين كتابًا، كان جُلُّها قد تبادله الطرفان قبل تجريد الإمام المتوكل حملته العسكرية على حضرموت، إذ يوثق الجرموزي تاريخ أول كتاب بسنة (1065هـ/ 1654م)، مع أنَّه ذكر بعض الكتب بدون تواريخ[75]، لكن يُستشف من موضوعاتها أنها قد كُتبت قبل السنة المذكورة آنفًا، وربما تكون في العام الذي خلع فيه السلطان بدر بن عمر (1058هـ/ 1648م)، الذي ارتبط بعلاقات ودية مع الإمامة الزيدية، وأصبح تابعًا لها، يرى فيها سندًا له وناصرًا على مناوئيه من آل كثير، حتى إنه لم يقاوم المنقلبين عليه، ولم يسمح لحراسته بذلك[76]. ويمكن القول إنَّ هذه المدة قد مثلت المرحلة الدبلوماسية من الصراع، استمرت لحين إعلان نفير الحرب والجهاد في يوم الخميس 18 شوال سنة (1069هـ/ 1658م)[77]، وهي مرحلة أسهمت الظروف التي يمر بها كلا الطرفين في صناعتها، فالإمام المتوكل كان حينها مشغولًا بتثبيت سلطته في المناطق التي قاومت نفوذه[78]، علاوة على أن وصوله إلى التراب الحضرمي يتطلب منه اجتياز مساحات شاسعة، والمرور بأراضي عددٍ من القبائل التي تأبى أن تسمح لعسكره بالمرور في أراضيها، فضلًا عمَّا تحتاجه قواته من عتاد ومؤن، ولا سيما أنها لم تنل الراحة الكافية بسبب الحروب التي خاضتها بموطنها الأصلي، ومن ثم لم يكن لديه الوقت الكافي والإمكانية للمواجهة العسكرية؛ لتحقيق حلمه الذي ظل يراوده منذ توليه مقاليد الإمامة، ويحثه الشعراء على إنجازه، وهو الاستيلاء على حضرموت[79]، غير أنه اكتفى في هذا الوقت بحضوره غير المباشر في الجغرافيا الحضرمية، من خلال بعض الإجراءات الشكلية كالدعاء له على منابر المساجد، وإرسال ممثليه للنظر في بعض قضايا النزاع، كالتي حصلت بين الكثيري والعمودي، فضلًا عن جمعه الزكاة وجبايته الضرائب، وحصوله على بعض الهدايا التي تحمل في مضامينها اعترافًا اسميًّا من السلطان بدر بن عبدالله بتبعيته للإمام، ولا سيما بعد تمكن الإمامة الزيدية من حسم صراعها مع العثمانيين حلفاء السلطنة الكثيرية[80].
أمّا السلطان بدر بن عبدالله الكثيري فلم يكن وضعه مثاليًّا؛ فما زال بعض من آل كثير يناصبونه العداء؛ لخلعه عمَّه السلطان بدر بن عمر، وإيداعه سجن مريمة بسيئون مع نجله محمد، فضلًا عن الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن العمودي حاكم جل مناطق وادي دوعن، الذي يرتبط بعلاقة جيدة بالإمامة الزيدية، زيادة على فتور هذه العلاقة بالنسبة للسلطان بدر بن عبدالله.
إن هذه الكتب تكشف لنا عن حقيقة أسباب الغزو الزيدي لحضرموت، وفي الوقت نفسه تفند ذرائع الإمام المتوكل في تدخله في الشأن الحضرمي بحجة نصرة السلطان المظلوم (بدر بن عمر)، فضلًا عن موقف السلطان بدر بن عبدالله المبكر المعادي للتوجه الزيدي نحو حضرموت، يعضده في ذلك جل النسيج المجتمعي الحضرمي من قبل استيلائه على مقاليد السلطنة، وذلك بشهادة الجرموزي نفسه الذي يرى أنَّ محبة أهل حضرموت للسلطان بدر بن عبدالله كانت لعدم موالاته للإمام[81].
وترسم تفاصيل هذه المكاتبات تطور التدخل الزيدي من صورته غير المباشرة إلى صورته المباشرة، التي تجسدت باحتلال حضرموت بوساطة آلة الحرب المتوكلية، ومن ثم تعميم نظم حكم الإمامة الزيدية على صعيد الإدارة بتعيين العمال على المدن، ونصب القضاة، وجمع الزكاة، ومنع كل ما يتنافى والمذهب الزيدي، وحتى الأذان قد زِيْدَ فيه (حيَّ على خير العمل).
ولئن كان ثمَّ مؤرخ حضرمي يرى هذه المكاتبات كتب مجاملات ومواربات[82]؛ فإنَّ ثمَّ غيره من قدَّر أهميتها التاريخية، وقرأها قراءةً موضوعيةً، تمكن من خلالها من ردم كثير من الثغرات التي رافقت سرد الجرموزي لسير الأحداث، سواء أكانت في مرحلتها الدبلوماسية أم الحربية، فضلًا عن تتبع تطور العلاقة الكثيرية الإمامية من شكلها الاسمي وصولًا إلى التدخل المباشر باحتلال حضرموت[83].
الخاتمة:
حظيت حضرموت وعلاقاتها بالإمامة الزيدية في عهد الإمام المتوكل على الله إسماعيل باهتمام المؤرخ الجرموزي، حيث شكلت الأحداث التي رصدها عن حضرموت جزءًا أساسيًا مهمًا من كتابه، جاءت بحسب سياق الأحداث التي يؤرخ لها، فقد رصد الجرموزي إرهاصات تلك العلاقة وتطورها تبعًا لسير الأحداث وتطورها، المرتبطة بظروف كل طرف -الإمامة الزيدية والسلطنة الكثيرية- ولئن تحاشى السلطان بدر بن عبدالله الكثيري التدخل الزيدي المباشر في سلطنته لمدة من الزمن، فإن مرد ذلك لانشغال الإمام المتوكل بتثبيت قبضته ومد نفوذه في بيئته ومحيطه الزيدي، وما إن تم له ذلك حتى بدأ بتوجيه أنظاره نحو المشرق، فغزا مناطق البيضاء ويافع وغيرهما من المناطق بهدف ضمان طريق آمن لوصول عسكره لاحتلال حضرموت وهو الأمر الذي تم له في آخر الأمر.
ولئن كان الجرموزي قد جمع مادته التاريخية عن حضرموت من مصادر عدّة، كرواة الأخبار، والمشاركين في الأحداث، زيادة على المخاطبات الرسمية بين طرفي الصراع، فإنه لا يخفي تحيزه إلى جانب الإمامة الزيدية، باحثًا لها عن المبررات ذات الصبغة الدينية بهدف تبرير غزوها لحضرموت، مومئًا في إشارات قليلة إلى موقف الحضارم الرافض للوجود الزيدي في بلادهم، ومقاومتهم له بما استطاعوا إليه سبيلًا.
إن المادة التاريخية التي تخص حضرموت في كتاب السيرة المتوكلية للجرموزي بحاجة إلى دراسة وتحقيق للكشف عن كثير من القضايا التي لا يستوعبها هذا البحث وهو الأمر الذي ينوي الباحث القيام به مستقبلًا.
المصادر والمراجع:
– العمري (د. حسين بن عبدالله):
12- مصادر التراث اليمني في المتحف البريطاني، دار المختار للتأليف والطباعة والنشر والتوزيع، ط/ 1400هـ/ 1980م.
– بن هاشم) محمد):
17- الدولة الكثيرية، قام بالإشراف على طبعه: محمد بن علي الجفري، ط 1367هـ/ 1948م.
– الهمداني (الحسن بن أحمد بن يعقوب):
18- صفة جزيرة العرب، تحقيق: محمد بن علي الأكوع، مكتبة الإرشاد، صنعاء، ط 1/ 1990م .
[1] – دراسة وتحقيق الأستاذ عبدالكريم عبدالمجيد الهجري، مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية، دار الإمام زيد بن علي (ع) الثقافية للنشر والتوزيع، صنعاء، ط1، 1423هـ/ 2002م. وسيُشار إليه لاحقًا مختصرًا باسم السيرة المتوكلية. كما إننا سنكتفي بذكر أسماء المؤلفين وعنوانات كتبهم دون ذكر بقية المعلومات التوثيقية على أن نذكرها كاملة في قائمة المصادر والمراجع.
[2] – تنظر مثلًا الصفحات: ج1، ص 7، 8، 9، 19، 27، 28، وغيرهن من صفحات المقدمة.
[3] – علي (جواد): المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج1، ص171؛ زبارة (محمد بن محمد بن يحيى): تاريخ الزيدية، ص24 وما بعدها.
[4] – الهمداني: (الحسن بن أحمد بن يعقوب): صفة جزيرة العرب، ص90 وما بعدها.
[5] – المصدر نفسه ص86؛ علي (جواد): المفصل، ج2، ص603 و671.
[6] – السيرة المتوكلية، ج2، ص603، 671، 836.
[7]– الخلاقي (د. علي صالح): أكذوبة “صنعاء عاصمة تاريخية” https://shabwaah-press.info/news/53475
[8] – جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج1، ص163.
[9] – سالم (د. السيد مصطفى): المؤرخون اليمنيون في العهد العثماني الأول 1538- 1635م، ص73- 77؛ سيد (أيمن فؤاد): مصادر تاريخ اليمن في العصر الإسلامي، ص236- 238؛ العمري (د. حسين بن عبدالله): مصادر التراث اليمني في المتحف البريطاني، ص87- 90؛ والمؤرخون اليمنيون في العصر الحديث، ص33- 34. وقد جعل د. العمري هذا الكتاب ملحقًا لكتابه الموسوم بـ(تاريخ اليمن الحديث والمعاصر 922- 1336هـ/ 1516- 1918م من المتوكل إسماعيل إلى المتوكل يحيى حميد الدين)، ص248. وينقل في كتابيه عن زبارة من كتاب (نشر العرف) أن وفاة الجرموزي كانت سنة 1077هـ/ 1667م، في حين أن زبارة يجعلها في سنة 1076هـ. ينظر: زبارة (محمد بن محمد): نشر العرف لنبلاء اليمن بعد الألف إلى سنة 1357، ص118، (سيرة حياة حفيد المطهر السيد أحمد بن الحسن الجرموزي)، ص118؛ السيرة المتوكلية: مقدمة المحقق، ص7- 28.
[10] – ذكر محقق الكتاب أن الجرموزي ولد سنة (1050هـ/ 1595م)، مقدمة المحقق، ج1، ص9، ويبدو أن ذلك خطأ طباعي في كتابة أرقام السنة الهجرية؛ لأن ما يوافقها من السنوات الميلادية توافق سنة 1003هـ، وهي سنة ميلاد الجرموزى .
[11] – يشير المحقق إلى أن المؤرخين: يحيى بن حسين صاحب كتاب (بهجة الزمن في تاريخ حوادث الزمن) (ت بعد 1100هـ/ 1688م)، وكذا المؤرخ إسماعيل بن أحمد المتوكل صاحب كتاب (مختصر طيب أهل الكساء)، وأيضًا أحمد بن عبدالله الجنداري مؤلف الجامع الوجيز – متفقون جميعًا على أن سنة 1067هـ هي سنة وفاة الجرموزي، في حين يدوّن لكل منهما سنة تختلف عن الأخرى، وبعد العودة إلى الكتب الأصول اتضح أن ما نسب ليحيى بن الحسين وهي سنة (1079هـ) ما هو إلا خطأ طباعي. مقدمة المحقق، 1/ 17. وقد تكررت أخطاء المحقق في تدوين كثير من السنين، تُنظر على سبيل المثال الصفحات: ج1، ص9، 20، 26، 52، 59، 62.
[12] – السيرة المتوكلية: مقدمة المحقق، ج1، ص17.
[13] – السيرة المتوكلية: ج1، ص44 (الدراسة التمهيدية).
[14] – السيرة المتوكلية: ج2، ص778.
[15] – السيرة المتوكلية: ج1، ص55.
[16] – السيرة المتوكلية: ج1، ص72.
[17] – السيرة المتوكلية: ج2، ص671 وما بعدها.
[18] – المصدر نفسه، ج2، ص845. غير أن الجرموزي يسميه في موقع آخر بـ(عبدالله العمودي)، ج2، ص866. في حين تسميه المصادر الحضرمية عبدالله بن عبدالرحمن العمودي وتصفه بـ(العلامة الشهير المعمر)، المتوفى سنة (1075هـ/ )، الحداد (علوي بن طاهر): الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها، ج2، ص687. وهو المكنى بـ(أبي ست)؛ لكونه له ست أصابع السادسة تلي الإبهام، اتصف بالذكاء والنجابة وحكم أغلب مناطق وادي دوعن، ويذكر السقاف نقلًا عن المؤرخ أحمد بن حسن العطاس أنه قد طلب لنفسه الولاية من الإمام على دوعن. السقاف (عبدالرحمن بن عبيدالله): مخطوط بضائع التابوت نتف من تاريخ حضرموت، القسم الأول ج2، ورقة 12- 13؛ وينظر: للسقاف أيضًا إدام القوت معجم بلدان حضرموت، ص138 وما بعدها (مادة الضِلَيعة).
[19] – السيرة المتوكلية: ج2، ص845.
[20] – السقاف: إدام القوت معجم بلدان حضرموت، ص137 وما بعدها (مادة الضِلَيعة).
[21] – المرجع السابق، الصفحة نفسها.
– [22]تعود جذور الصراع السياسي القبلي العمودي الكثيري إلى الوقت الذي برز فيه عثمان بن أحمد العمودي رجلًا قويًّا ومعارضًا للسلطان بدر أبي طويرق، وأصبح رأس حربة ضد مشروع دولته وسياسته، وقد دخل الطرفان في أتون معارك كثيرة أرهقتهما، وأزهقت فيها أرواح كثيرة، وكانت سببًا في ولوج قوى خارجية حلبة الصراع السياسي الحضرمي. وإذا كان السلطان بدر أبو طويرق قد اعترف بتبعيته للأتراك، واستقوى بهم في صراعه مع أعدائه بمن فيهم العمودي، فإن هذا الأخير لم يقف موقف المتفرج، بل سعى لإيجاد توازن في ميزان الصراع، وأعلن رفضه لسياسات السلطان بدر، وانحاز إلى الإمامة الزيدية التي كانت هي الأخرى في حالة حرب مع العثمانيين حلفاء السلطان أبي طويرق. وبتوقف الدعم المادي والمعنوي العثماني للسلطنة الكثيرية؛ فقد خلفاء السلطان الكثيري حليفًا قويًّا، في حين كسب خلفاء العمودي قوة صاعدة في ميدان المعترك السياسي، وهي الإمامة الزيدية القاسمية التي لبت طلب عبدالله بن عبدالرحمن العمودي لمؤازرته في صراعه مع السلطان بدر بن عبدالله الكثيري. ولمعرفة المزيد عن ذلك ينظر: الجعيدي: السلطنة الكثيرية، ص163 وما بعدها.
[23] – السيرة المتوكلية: ج2، ص786 وما بعدها.
[24] – السيرة المتوكلية: ج1، ص74.
[25] – السيرة المتوكلية: ج2، ص671- 672.
[26] – العلوي الحسيني (عبدالرحمن بن محمد المشهور): شمس الظهيرة، ج1، ص276.
[27] – العبدلي (أحمد فضل بن علي بن محسن): هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن، ص108؛ (بن سلم) أبو بكر بن سالم، ص111.
[28] – العمري (نادر سعد): الموسوعة اليافعية، مج1، ج1، ص163.
[29] – السيرة المتوكلية: ج2، ص671.
[30] – السيرة المتوكلية: ج2، ص671. وهو ما ذهب إليه المحقق في دراسته التمهيدية، ج1، ص75.
[31] – السيرة المتوكلية: ج2، ص672- 673.
[32] – السيرة المتوكلية: ج2، ص675.
[33] – المصدر نفسه، ج1، ص81.
[34] -الجعيدي (د. عبدالله سعيد): في رحاب تاريخ حضرموت الحديث والمعاصر، ص148.
[35] – الشلي (محمد بن أبي بكر): عقد الجواهر والدرر في أخبار القرن الحادي عشر، ص202- 207.
[36] – الشلي: عقد الجواهر، ص199- 200.
[37] -الشلي: عقد الجواهر، ص233.
[38] – الشلي: عقد الجواهر، ص241.
[39] – يعد من أهم رجال دولة البيت القاسمي، فقد اعتمد عليه الإمامان المؤيد وأخوه المتوكل، فخدمهم بإخلاص، وكان رجلًا عالمًا أديبًا فاضلًا، ومع اشتغاله بالسياسة إلا أنها لم تبعده عن العلم درسًا وتدريسًا، ولفصاحته ورجاحة عقله وقوة تدبيره أوكل إليه الإمام المتوكل القيام بمهام سياسية دبلوماسية وحربية في كل من حضرموت والحبشة.
[40] – السيرة المتوكلية: ج2، ص797.
[41] – المصدر نفسه والجزء نفسه، ص736.
[42] نفسه، ص762، 763، 764.
[43] السيرة المتوكلية: ج2، ص826، 828، 829، 831، 837 وغيرهن من الصفحات.
[44] – المصدر نفسه، ج2، ص760.
[45] – المصدر والجزء نفسه، ص763.
[46] – المصدر والجزء نفسه، ص767.
[47] – السيرة المتوكلية: ج2، ص824.
[48] – السيرة المتوكلية: ج2، ص766.
[49] – السيرة المتوكلية: ج2، ص830.
[50] – السيرة المتوكلية: ج2، ص759.
[51] – السيرة المتوكلية: ج2، ص739.
[52] – السيرة المتوكلية: ج2، ص738.
[53] – السيرة المتوكلية: ج2، ص721.
[54] – السيرة المتوكلية: ج2، ص672، 825.
[55] – السيرة المتوكلية: ج2، ص758.
[56] – السيرة المتوكلية: ج2، ص766.
[57] – المرجع السابق، الصفحة نفسها.
[58] – السيرة المتوكلية: ج2، ص690، 737، 739، 760.
[59] – السيرة المتوكلية: ج2، ص826، 843.
[60] – السيرة المتوكلية: ج2، ص840، 850.
[61] – السيرة المتوكلية: ج2، ص672.
[62] – السيرة المتوكلية: ج2، ص690
[63] – السيرة المتوكلية: ج2، ص826.
[64] – السيرة المتوكلية: ج2، ص850.
[65] – العمري: مصادر دراسة، ص274؛ العمري: المؤرخون اليمنيون، ص50.
[66] – السيرة المتوكلية: ج1، ص285.
[67] – السيرة المتوكلية: ج2، ص701، 771.
[68] – السيرة المتوكلية: ج2، ص843.
[69] – السيرة المتوكلية: ج2، ص785، 802، عقد الصلح الأول بحضور مبعوث الإمام النقيب حسن بن هادي بطة، وعقد الصلح الثاني بحضور القاضي الحسن بن أحمد الحيمي.
[70] – السيرة المتوكلية: ج2، ص857.
[71] – السيرة المتوكلية: ج2، ص843.
[72] – السيرة المتوكلية: ج2، ص852.
[73] – السيرة المتوكلية: ج2، ص784.
[74] -السيرة المتوكلية: ج2، ص767.
[75] – ينظر: ملحق الكتب.
[76] الجعيدي: السلطنة الكثيرية، ص169.
[77] السيرة المتوكلية: ج2، ص830.
[78] – السيرة المتوكلية: ج2، ص690، 691، 698، 695، 700.
[79] – السيرة المتوكلية: ج2، ص713، 719، 721.
[80] – الجعيدي: السلطنة الكثيرية، ص172.
[81] – السيرة المتوكلية: ج2، ص826.
[82] – بن هاشم: تاريخ الدولة الكثيرية، ص70، 78.
[83] – الجعيدي: السلطنة الكثيرية، ص 168 وما بعدها.