شخصيات
سالم محمد بجود باراس
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 13 .. ص 98
رابط العدد 13 : اضغط هنا
يعجز مداد قلمي أن يُسطِّر بحبرهِ المتواضع، عن عَلم بارز وقمر ساطع من أقمار حضرموت، وعلمائها الكبار، الذين لهم شأوٌ كبير، في العلم والفقه وكافة العلوم الشرعية، وتعجز الكلمات عن الإحاطة ببحره الزاخر، وعلمهِ الوافر، ذي المصنفات والمؤلفات العديدة، وكفاه شرفًا ومجدًا وفخرًا، شرحه لكتاب (الحكم العطائية)، لابن عطاء السكندري، إنه الشيخ الجليل العلامة علي بن عبدالله بن أحمد بن عمر باراس، الدوعني الحضرمي، الشافعي رحمه الله.
نشأته وميلاده:
ولد هذا العالم الجليل والطود الشامخ، بقرية من قرى حريضة (وادي عمد) سنة 1027هـ، نبغ وتعلم على يد السيد عمر بن عبدالرحمن العطاس، فتعلم القرآن والحديث والفقه وعلوم الشريعة، بعدها قام بتدريس ما تعلمه لتلاميذه في بحريضة (وادي عمد)، وقرأ الفقه على يد الفقيه والشيخ العالم أحمد بن علي بابحير، حتى تفقه فيه وصار عَلمًا يشار له بالبنان، ثم بعد فترة قضاها في طلب العلم والتعليم لتلاميذه بوادي عمد، عاد أدراجه لمنطقة الخريبة بدوعن، فقد كانت تعد العاصمة التاريخية للوادي في ذلك العصر، وكانت عودته من حريضة إلى الخريبة سنة 1045هـ.
أولاده وذريته:
بفضل من الله حفظنا ذرية العالم العلامة علي بن عبدالله باراس كابرًا عن كابر، وهذا مُشجَّر عملته بعد جهد للأجيال والتاريخ، وذلك خوفًا أن ينسى الجيل الصاعد ذرية جده العالم علي بن عبدالله باراس، الذي توارثه أجدادنا وآباؤنا، وحفظوه إلى يومنا هذا.
معلوم أن ذرية الشيخ علي هم أربعة: أحمد (مات بالرشيد) – عبدالرحمن (جد آل دوعن) ـ عبدالله ـ عمر (جد آل الشاذلي). فمن ابنه أحمد، ولد الشيخ الولي عمر، وخلّف أربعة من الأبناء وهم: أبوبكر (جد آل سوية)، سالم (جد آل المقد، والدهماء، وجدفون، والرقاقة)، محمد (جد آل حجر والحصن)، عبدالله (جد آل مهروة(. ومن ذرية سالم (جد آل المقد) حسين (له زيارة بحويرة)، والثاني هو عمر، فخلّف من الذرية سالمًا، وله ابن واحد اسمه محمد (له زيارة بريدة باجاه)، وهي قرية من قرى مرتفعات هضبة حضرموت الجنوبية، تابعه لقبيلة (آل باصريح) ومات كلالة. أما حسين فخلّف خمسة من الأبناء وهم: محمد (جد آل بامحمد الذي اشترى شرج الدهماء وهو أكبرهم) ـ عبدالله (جد آل سيود) ـ عمر (جد آل جدفون)، سالم (جد آل بكور وآل بن علي)، وآخرهم حسن (مات كلالة).
من فرَّق بين عمر وعلي لا يفلح:
»… وبلغ حبه لشيخه عمر العطاس مبلغًا عظيمًا تقديرًا له، حيث نذر بما يملك من أراضٍ زراعية وهو فرحٌ مسرور، وشيخه ينفق ريعها في أوجه البر، وعندما اجتمع قومه به.. عابوا عليه ذلك، فأقسم لهم، أنه لو كان يملك وادي (نِسِم).. لأهداه لشيخه«.
أحبَّ الحبيب عمر تلميذه لفضله وصلاحه وصدقه، وكان يقدِّمه إمامًا ويُصلِّي خلفه مؤتمًّا ويقول عنه: »إنه هو المعين لي، والمؤازر لي«، ويقول أيضًا: »إنه لساني، ومن فرَّق بين عمر وعلي.. لا يفلح«.
وبعد أن أهلُّه للقيام بأعباء الدعوة، أمره بالسفر إلى دوعن والإقامة في بلدة الخريبة، وذلك سنة 1045هـ، واصطحب معه ابنه الحسين بن عمر يقرأ عليه ويقوم بخدمته، وكان ذلك بعد عودته من حج بيت الله.
وذكر المترجمون له: »أنه مكث في المدينة المنورة أربعين يومًا، وقرأ في المسجد النبوي في جمع كثير من الناس شيئًا من دروس السيرة النبوية…«، وصحبه في رحلة الحج العالم الرباني السيد عيدروس بن علوي ابن الشيخ أحمد الحبشي.
لقد ذاع صيت الشيخ علي في دوعن، واجتمع الناس حوله، وكان يُقصد لأخذ العلم، ووضع الله له المحبة في قلوب الناس عامة وخاصة، وقصده من سيئون السلطان علي بن بدر الكثيري، وكان الشيخ حينها يزور حريضة في جمع من تلاميذه ومحبيه، فسلَّم عليه السلطان وبادله التحية، ثم وعظه وحذره من الظلم، ونبَّهه على بعض المخالفات التي تقع من بعض ولاته، فقبل نصيحته وشكره عليها، وأهدى إليه بعض الهدايا فاعتذر عن قبولها(1).
العلماء الذين تتلمذ الشيخ على يدهم:
العلماء ورثة الأنبياء، هكذا وصفهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم مصابيح الدُجى في ظلمات الليل البهيم، هم أساتذة العقول ونورها الساطع، ما ينكر فضلهم وجهدهم، إلا ناكر للجميل والمعروف، فلم يكن الشيخ والعالم علي بن عبدالله باراس إلا نموذج يحتذي به هذا الجيل، وكل الأجيال القادمة في تقدير المعلم، الذي قال عنه الشاعر: (كاد المعلم أنيكون رسولًا). أخذ الشيخ علي بن عبدالله باراس العلم من لدن شيوخ وعلماء كُثر في عصره، حتى نبغ فيه، فمنهم على سبيل المثال لا الحصر:
تلاميذه:
استفاد من الشيخ علي بن عبدالله باراس، الكثير من طُلاب العلم، الذين أخذوا العلم على يديهِ، وسنذكر وأشهرهم، الذين تربوا ونهلوا واغترفوا من نبعه الذي لا ينضب، في الحديث، والفقه، والتوحيد، والقرآن، وغيرها من العلوم الشرعية، وأصبحوا فيما بعد شيوخًا وعلماء، وعلى يدهم تخرّج جيل متسلح بالعلم والمعرفة، فهكذا هم العلماء مصابيح تنير الدروب، فمن تلاميذه:
المترجمون للشيخ علي باراس:
وممن ترجم لهذا الطود الشامخ، والنور الساطع، في مراجع ومصادر تاريخية، كثر، ولكن نذكر بعضًا منهم، وهم:
المنصَب في مفهوم العشيرة:
كلمة المنصب ليست رتبة عالية في الدولة، إنما تعني المقام الرفيع والثقة العلمية التي يتولاها من هو أهل لها في قيادة وحل المعضلات، التي تحتاج عقلًا ودهاء وفطنة وحكمة، وعلمًا شرعيًا وفقهًا ليسهل التعامل مع كل مشكلة وقضية، وتعني أيضًا الشخص الذي تهرع إليه العشيرة في حل قضاياها من خلافات ونحوها، حسب العُرف والسالفة، ويكون مُلم بالعادات والتقاليد والأعراف، سواء في عشيرته آل باراس أو القبائل المحيطة به.
من أهم مناصب آل باراس:
المنصب الفاضل أحمد بن محمد بن عبدالله بن أحمد بن عبدالله بن عمر بن حسن بن عبدالرحمن بن الشيخ العلامة علي بن عبدالله باراس الكندي، من مواليد منطقة الخريبة عام 1316هـ، تولى منصب جده علي بن عبدالله باراس في الخريبة، وكان مرجعًا لحل الخلافات والخصومات بين المتنازعين والصلح بينهم.
حيث ورد في المادة التاريخية التي أعدها الزميل عبدالقادر باراس، عن جده المنصب الشيخ أحمد بن محمد باراس، أن هذه التنصبة تسلسلت في ذرية الشيخ العلامة عبدالرحمن ابن الإمام علي بن عبدالله باراس، فكان القائم في هذا المقام، يقوم بما كان يقوم به الشيخ الإمام علي بن عبدالله باراس، من إصلاح بين الناس وإعانتهم على حل مشاكلهم وإرشادهم للبر، »لأن هذا هو المقصود بكلمة منصب؛ أي انتقال الرسالة من خير خلف لخير سلف«(5).
كراماته وأحواله:
ولقد كانت للشيخ الجليل علي بن عبدالله باراس، كرامات وأحوال، ذكر الحبيب عمر بن حسن الحداد في (مجموع كلامه) »أنه استأذن شيخه للحج فلم يأذن له، ثم استأذنه مرة أخرى فأذن له، ولما كان بمكة ذهب السوق لحاجة فرأى امرأة مصرية، فأعجبته فأخذ يتأمل في محاسنها، فلم يشعر إلا بضربة عصا في جنبه، فعرف أن هذا تنبيه من الله، فثبت على الحق«، وقد ذكر هذه القصة غير واحد.
ولما رأى الشيخ الحبيب عمر العطاس في تلميذه نبوغًا وعلمًا وتبحرًا وولاية، فقال الشيخ عمر العطاس مقولته المشهورة: »اذهب يا شيخ علي فلا يصح سيفين في جفير«، كناية عن علمه وورعه، ووصوله لدرجة العلم والفقه والولاية والكرامة، مما يجعله قطب من أعلام كبار العلماء، فهذه إجازة له من شيخه عمر العطاس وشهادة له.
ومما يذكر عنه واشتهر أنه كان ذات يوم جالسًا مع مجموعة من كبار الأعيان بمنطقة الخريبة، في سمرة فأرادوا التسلية واللهو، فأخذ مغنيهم العود وبدأ يعزف عليه، فقفز شيخنا من مجلسه مسرعًا للخارج، فقال القوم: ما بك يا شيخ علي؟! فقال: أما سمعتم ما يقول هذا العود.. قم.. قم.. قم.. فضحك القوم، ولم تُنسَ له هذه الدعابة إلى يومنا هذا، وهذا يدل على ورعه وكرمه، وبعده عن المعازف وزخرف الحياة، فقد عزفت نفسه عن الدنيا وزينتها، وتفرغ للعلوم والشريعة والتبحر فيها.
سلالة الشيخ علي باراس:
السلالة هي تعاقب ذريته وأحفاده وأحفاد أحفاده جيلًا بعد جيل، ويختلف من جيل لآخر، حسب التفرعات والتسلسل الزمني، فمثلًا لتقريب الزمن التسلسلي لربطه بالشيخ والعلامة علي بن عبدالله باراس، نأخذ مثالًا ابني يوسف ونتتبع التسلسل هكذا، حسب (شجرة دار آل بامحمد)؛ لأن آل باراس ديار كثيرة ومتعددة، حسب تسلسل الزمن، وتعاقب الأجيال وهكذا.. فتسلسل يوسف هو: (يوسف بن سالم بن محمد بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن محمد بن حسين بن سالم بن عمر بن أحمد ابن الشيخ العلامة علي بن عبدالله باراس)… فنحن ربطنا بتسلسل زمني مولد الشيخ علي بن عبدالله باراس المولود عام 1027هـ، وحتى جيل يوسف عام 1440هـ، لعام 2019م، أي قرابة (413 سنة)، وهكذا حساب بقية الأحفاد، حسب تفرعاتها من الشجرة الأم، وسنرفق مشجّرة ذرية الشيخ علي بن عبدالله باراس في هذا البحث، الذي قمنا بإعداده بعد جهد وأخذناه بسند آبائينا وأجدادنا جيلًا بعد جيل إلى يومنا هذا.
وهذا العمل الذي قمنا به سيجعل أي -مشجّرة ذرية الشيخ العالم علي بن عبدالله باراس- أي دار من أن تتبع تسلسل الجيل الحالي بكل سهولة ويسر، وستتفرد به مجلة (حضرموت الثقافية) بنشره في هذا البحث المتواضع.
ويتمركز آل باراس بكثرة بحضرموت، ومناطق أخرى نذكر أهمها:
(الخريبة بدوعن ـ الدهماء ـ حجر ـ يَوَن ـ جدفون ـ الرقاقة ـ سوية ـ حيرة باراس ـ المكلا ـ عدن، المملكة العربية السعودية، وغيرها من المناطق والبلدان).
بلدة الخريبة:
نعرج لحظات ونسلط الضوء على هذه البلدة، التي ذاع صيتها، وانتشر خبرها لكثرة علمائها والفقهاء الذين لمع صيتهم فيها، والتي تعد موطن الشيخ العالم علي بن عبدالله باراس ففيها استقر ودُفن، ومسجده وبيته ما زالا قائمين حتى يومنا هذا، فالخريبة من أكبر قرى دوعن وأقدمها، فهي قبلة الزوّار من مشارق الأرض ومغاربها، ومن أكثر قرى دوعن عمارة ورفاهية، حيث جاء في (مجموع كلام السيد عمر بن حسن الحداد) المتوفى سنة 1308هـ أذ قال: »يذبح في سوقها في كل ليلة عشرون رأسًا من الغنم، مع أنه لا يذبح لذلك العهد في سيئون وتريم أكثر من رأسين في كل ليلة، فانظر إلى هذا التفاوت العظيم«.
ولأن الخريبة سوق ذو شأن كبير في ذلك الوقت، لكثرة الوافدين إليها من كل حدب وصوب حتى قيل إن: (ألف جمل يدخل إليها، وألف جمل يخرج منها)، ويوجد بها الرباط العلمي، وذلك في زمن الشيخ عبدالله بن أحمد باسودان، واتصل هذا الرباط بعلماء تريم وسيئون وشبام وغيرها من مناطق حضرموت، لذا كانت مهوى الرحالة الأجانب، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، فقد وطئ ترابها الرحالة فون فريدا عام 1831م، والرحالة دانيال الهولندي، والرحالة مولن عام 1931م(6).
إن الخريبة تعد حاضرة وادي دوعن بأكمله، وتكتسب الخريبة أهمية وخصوصية من كونها أقدم بلدة في دوعن، بل هي من أكبر بلدان وادي دوعن في التاريخ القديم، وقد ظن بعض السيّاح الإفرنج أنها سُميت بذلك؛ لأنها كانت عاصمة للخوارج، فلما خُرِّبت سميت الخريبة(7).
أهم مؤلفاته:
لهذا العالم الجليل علي باراس مؤلفات وكتب، وضِع لها القبول بين طُلاب العلم والشيوخ والعلماء، وبخاصة شرحه الأنيق للحكم العطائية، الذي بذل فيه عصارة علمه، وبنات أفكاره وجهده، ويدل على عبقرية فذّة، وعلم واسع، فلكلماته إيقاع خاص على القلوب، فيبحر بك في ملكوت الإبداع والتألق، ولذلك تقبله العلماء والمفكرون والمريدون، بعناية وتفحص وإعجاب منقطع النظير، في مشارق الأرض ومغاربها، وله العديد من الكتب والمصنفات المهمة نذكر منها:
ما احسن يعشق غير حسن لبنى ما مثلها محبوب
ولا جمال يذكر بكل معنى إلا لها منسوب
وفاته:
وبعد أن ترك علمًا زاخرًا، تتناقله الأجيال جيلًا بعد جيل، توفي العالم العلامة الجليل الشيخ علي بن عبدالله باراس -يرحمه الله- في بلدة الخريبة بدوعن، في يوم الأربعاء، من ربيع الأول سنة 1094هـ، وما زال مسجده وبيته المتواضع، معلمَيْنِ أثريَيْنِ في منطقة الخريبة إلى يومنا هذا.
الهوامش والمصادر
مصادر أخرى: