تراث
أحمد صالح الرباكي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 14 .. ص 49
رابط العدد 14 : اضغط هنا
مدخل:
شهدت مدن حضرموت خلال القرن الثاني عشر الهجري وما بعده نظامًا سياسيًا لم يكن جديدًا عليها قد عاشته من قبل ذلك ما يعرف بإمارات أو دويلات المدن([1])، وفي هذا القرن عاد النظام مرة أخرى في شكل حكم الحاميات اليافعية، وهي دويلات صغيرة ومتعددة، تنهض إحداها وتنخفض أخرى، توزعت على معظم القرى والمدن الحضرمية، ثم تدرجت بعض هذه القبائل ضمن الحاميات الصغيرة بدءًا بالحارة وانتهاء بالإمارة، وأدَّت دورًا كبيرًا في الصراع السياسي داخل حضرموت.
بعد انتصار السلطان عمر بن صالح بن هرهرة في معركة بحران الفاتح من محرم 1118هـ كان من نتائجها أن أعاد للسلطان بدر بن محمد المردوف الكثيري كرسي حكمه وإرث آبائه، وصفت له كل المدن والبلدات ووفّى بطلبه، ولتأمين تلك الانتصارات فقد أعاد ابن هرهرة توزيع القوى اليافعية على مدن حضرموت وقرها التي كانت موجودة سابقًا في حضرموت، ومن دخل معهم من الأقوام التي جاءت معه، ولهذا قام بتوزيعهم توزيعًا عسكريًا في أساسه، وتوزيعًا أمنيًا في مهمته حيث وزعهم كحاميات لنشر الأمن، واقتسموا البلدان ثلاثة أقسام: شبام وهينن بثلث، وسيئون ومريمة بثلث، وتريم بثلث لكونها ركيكة في ذلك الزمن، وتريس لابن النقيب شيخ يافع وعاقلهم([2]).
ومن ناحية التوزيع العسكري فكان حسب المكاتب -تقسيم عسكري معقد ساد في بلاد يافع على أساس المغنم والمغرم، وما زال معمولًا به إلى هذا اليوم- فخرجت مناطق حضرموت بقسمة شبام وتريس وهينن لمكتب الموسطة، وسيئون ومريمة لمكتب الضبي، وتريم لمكتب لبعوس، وفوقها بنادق غرامة المشهورات إلى جانب آل همام الناخبي الذين كانوا بها من سابق، إلى جانب مناطق حضرموت الأخرى، فكانت الهجرين وبلدة القزة لمكتب اليزيدي وعاقلهم البطاطي، ومنطقة الريدة وغيل بن يمين لمكتب كلد ومكتب يهر، والمكلا صارت للكسادي من مكتب الناخبي([3])، بل وجدت يافع نفسها بيدها أمر حضرموت، فقام كل فريق منهم بأمر ما تحت يديه، فآل أمر المكلا إلى بني ناخب، وأصبح أمر غيل باوزير لابن همام، وجفل للرباكي، ومريمة لبني بكر، ولحروم للقعيطي، وسدبة للجهوري والبكري، والهجرين لليزيدي، والقزة للبطاطي، وغيرها([4]).
وتوزعت في مدن حضرموت وقرها ساحلًا وواديًا وهضبة كحاميات عسكرية، ومارست دور الحاكم في مناطقها عقب سقوط الدولة الكثيرية، وتطور البعض منها إلى شكل إمارة، حتى بدايات الربع الأخير من القرن الثالث عشر الهجري عندما تكونت السلطنة القعيطية والسلطنة الكثيرية ثانية([5]).
وكانت تريم كما مر ضمن حكم الرتب البعسية التي توزعت على المدينة، إلى جانب ابن همام الناخبي، وكان له الأمر النافذ بتريم، ولعل وجود حصن تريم المعروف بـ(الرناد) بأيديهم حتى انتهاء إمارتهم لهو دلالة كبيرة على أهميتهم، وعلو نفوذهم، وقد قاسمهم أمر مدينة تريم إخوتهم من لبعوس، متمثلًا في أسرة ابن غرامة المنصوري وابن عبدالقادر العمري، وبقية فخائذ لبعوس (ابن متاش – ابن شاطر – الزغلدي – الضباعي)، فانقسمت بذلك تريم إلى ثلاث مناطق حكم رئيسة، فكان بن همام في منطقة الخُـلـَـيْف، وعيديد في الغرب والجنوب الغربي من المدينة، وابن غرامة وله الحوطة والسحيل والرضيمة في الوسط، وابن عبدالقادر في النويدرة في شمال المدينة، وبن هرهرة أهل السلطنة ولهم حصن مطهر خارج تريم جنوبًا([6]).
الوثيقة:
والوثيقة المنشورة في هذا المقال وثيقة مهمة، وتأتي أهميتها في عدها لأسماء وقبائل رؤساء الرتب اليافعية في مدينة تريم في أواخر القرن الثاني عشر، وبدايات القرن الثالث عشر الهجري، حيث لا يوجد مصدر تاريخي قبلها يعدد بالاسم رؤساء الرتب في زمن معين.
الرسالة التي يبدو أنها بصفة عاجل تتعلق بتجاوز أحد الجنود على بعض منسوبي الإمام الحداد طالبًا فيها العدول عن ذلك ومحاسبة المتسببين، وبالرغم من أن مرسل الرسالة غير مذكور، فإن لهجتها وألفاظها تبدو أنها من شخصية اعتبارية موجهة إلى سبعة من رؤساء رتب تريم وحامياتها وحكامها الفعليين.
تكشف الوثيقة حرص قادة الحاميات والإمارات على الأمن والسلام المجتمعيين رغم أن الحادثة صغيرة والأشخاص من عامة الرعية مرتبطين بشخصية دينية مهمة غير أنه يتبين الحرص التام على الأحلاف التي وقعت بين الأطراف للحفاظ على أمن المدينة واستقرارها، بل وربط إدامة تلك الأحلاف بمعالجة هذه القضية والامتناع عن تكرارها.
تاريخ الوثيقة غير مبين بالرسالة غير أنها بالتأكيد بين سنة 1177هـ و1211هـ.
رقم الوثيقة: الموسوعة 1- بني بكر | نوعها: رسالة |
المجموعة: ناصر علي الفقيه بن عز الدين البكري | تاريخها: بدون تاريخ (بين 1177- 1211هـ) |
صادرة من: نصاب (ليست منطقة إقامة كاتب الرسالة وإنما وجوده بها في إثناء الإرسال) | واردة إلى: تريم – حضرموت |
المرسل: مجهول | المستلم: رؤساء رتب تريم |
النص:
(الحمد لله وحده، المشايخ الكرام الشيخ الأكرم (قحطان بن مطهر هرهرة)،[7] والشيخ الأكرم (حسين بن صالح الضباعي)[8]، الشيخ (عبدالله بن مقبل الضباعي)[9]، والشيخ (عبدالله بن أحمد غرامة)[10]، والنقيب (لحمان بن حسين بن همام)[11]، والشيخ (عبدالله بن محمد بن عبدالقادر)[12]، والشيخ (علي بن سعيد متاش)[13]، وكافت رتبة تريم بعسي وهمامي، عافاهم الله آمين.
السلام عليكم ورحمت الله وبركاته، صدرت الاحرف من (نصاب)[14]، والأعلام سارة، أخبار الجهة ساكنة بعون الله الكريم والسلف الصالح، ولا يخفى بأنكم حلفاء الأول والتالي، وبلغنا ما جرى من الاقدام من يافع على مناسيب الحبايب آل الحداد وأخدامهم وهم جبرين مجللين محترمين سابق ولاحق وخرجت سواق وفعـ……… حد من مناسيبهم إلى (الحاوي)[15]، وعلا أخدامهم بطلاب دراهم ولا حد فيها لا منصب ولا سلـ(طان) ولا يافعي وحصلت من ذلك عندنا المشقة العظيمة، وهذا أمر ما يمكن ولا يرضي الله ولا رسوله ومنصب الحبيب (عبدالله حداد)[16]، وانسابهم وطوارفهم وأخدامهم وما يلوذ بهم }ما{ شي يعذرنا منه قط أبدًا، فإن انتوا على ما بيننا وبينكم من العهد فما راح على نسابت الحبايب آل الحداد سيد وخادم يسلم إلى يد النقيب (يحيى بن صالح) واقبال منكم برضى شايع لمنصب الحبيب عبدالله حداد في اقدام… إلى (الحوطة) وإن عندكم اختلاف فيها ……. جوابكم صدر النقيب يحيى منوح عليكم للوفا وصدر خط شاهد فيه على الامرصاص وعلامتنا ومرا……. بعلامة الحبيب الشيخ (سالم بن أحمد)[17]، وعلامتكم يا مشايخ يافع تنطرح فيه، وصدرت كتب للجميع من الامرصاص، ومنا وبلسان النقيب يحيى بن صالح ومن معه كفاية والسلام).
(([1] بامطرف: محمد عبدالقادر، في سبيل الحكم، دار حضرموت للدراسات والنشر، المكلا، ط1، 2008م، ص11.
[2] بن الشيخ أبي بكر بن سالم: محمد بن سقاف، بستان العجائب ومطلب الراغب في مناقب المتأخرين من المناصب والحبائب، مخطوط بمركز النور بتريم برقم 41، نسخة بحوزة الباحث، ص182- 183.
[3] نفسه، ص183.
[4] البكري: صلاح عبدالقادر، حضرموت وعدن وإمارات الجنوب العربي، مكتبة الإرشاد، جدة، 1960م، ص99.
[5] البطاطي: عبدالخالق بن عبدالله بن صالح، إثبات ما ليس مثبوت من تاريخ يافع في حضرموت، مطابع دار البلاد، جدة، ط1، 1989م، ص9- 10، الموسطي: طارق، وآخرون، الموسوعة اليافعية، دار الوفاق للدراسات والنشر، عدن، ط1، 2015م، م8، ج12، ص324- 465.
[6] السقاف: عبدالرحمن بن عبيدالله، بضائع التابوت نتف من تاريخ حضرموت، مخطوط، ثلاثة أجزاء، نسخة بحوزة الباحث، ج2، ص171.
[7] قحطان بن مطهر هرهرة: من رؤساء الرتب اليافعية في تريم في النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري ورد اسمه في رسالة موجه إليه من السلطان أبوبكر بن عمر هرهرة المتولي سلطنة يافع سنة 1158هـ، (وثيقة ضمن مجموعة ناصر علي عز الدين) كان مرتبًا في حصنه المعروف والمشهور إلى اليوم بحصن مطهر جنوب المدينة.
[8] حسين بن صالح الضباعي : هو حسين بن صالح بن علي بن داود بن احمد بن عبدالله الضباعي كان حيًّا سنة 1208هـ، فقد ورد في وثيقة أخرى لدينا (مجموعة ناصر علي عز الدين) وعاش إلى سنة 1211هـ، وأما ابنه الشيخ علي بن حسين بن صالح بن علي بن داود الضباعي، فمن مشايخ لبعوس وشيخ مكتب لبعوس وأحد الرؤساء الذين جاؤوا من يافع إلى حضرموت فيما بعد حين أرسل الجمعدار عوض بن عمر القعيطي رسالة لنجدة أهل يافع بحضرموت، وكان وصولهم إلى حضرموت في شهر محرم سنة 1265هـ، وصفه ابن حميد في (العدة المفيدة) بـأنه »مقدم في قومه رئيس لهم، لين العريكة، حاذق شاطر«، وهو والد الشيخ سالم بن علي الفقيه الذي أخذ علوم الشرع عن علماء مدينة تريم. (إفادة من الأخ عبداللاه الضباعي 2019م، العمري: نادر، الموسوعة اليافعية، م7، ج10، مكتب لبعوس، ص 97، 119؛ والكندي: ابن حميد، تاريخ حضرموت المسمى العدة المفيدة، ج1، ص402، 426.
[9] عبدالله بن مقبل الضباعي: عبدالله بن مقبل بن علي بن داود بن أحمد بن عبدالله الضباعي نجل شيخ مكتب لبعوس بيافع الشيخ مقبل (عاش إلى سنة 1214هـ حسب آخر وثيقة ذكر فيها)، وكان عالمًا بالشريعة فقيهًا فاضلًا ومرشدًا، ورجل خير خلف ابنًا اسمه علي، وأما شقيقه الشيخ حسين بن مقبل من مشايخ لبعوس، وشيخ مكتب لبعوس خلفًا لأخيه عبدالحبيب بن مقبل مثل مكتب لبعوس في مبايعة السلطان حسين بن صالح بن هرهرة وتنصيبه سلطانا عل يافع بني مالك في شهر ذي الحجة سنة 1257هـ وتولى خلفا له في مشيخة لبعوس الشيخ سالم بن علي بن حسين الفقيه، الذي أخذ علوم الشرع عن علماء مدينة تريم. ينظر: الموسوعة اليافعية، م7، ج10، مكتب لبعوس، ص92- 93، 97، 138، إفادة من الأخ عبداللاه الضباعي، 2019م).
[10] عبدالله بن أحمد غرامة: عبدالله بن أحمد غرامة المنصوري البعسي، ورد اسمه في رسالة موجهة إليه من السلطان أبوبكر بن عمر هرهرة، المتولي سلطنة يافع سنة 1158هـ، وهو أخو سالم وعوض بن أحمد.
[11] لحمان بن حسين بن همام: لحمان بن حسين بن محمد بن علي بن أحمد بن همام الناخبي، تولى نقابة تريم في عهده، ومحل حكمه حصن تريم المشهور بـ(الرناد). (الموسوعة اليافعية، م8، ج12، ص74).
[12] عبدالله بن محمد بن عبدالقادر: عبدالله بن محمد بن عبدالقادر العمري البعسي، أمير إمارة آل بن عبدالقادر في النويدرة شمال المدينة.
[13] علي بن سعيد متاش: علي بن سعيد متاش البعسي، صاحب حصن متاش المشهور، (المسمى نافي حاليًا)، في شعب متاش بين النويدرة ودمون.
[14] نصاب: من مدن محافظة شبوة، كانت عاصمة للسلطنة العولقية -العوالق العليا- في عهد السلطنات. (المشهور: أبوبكر العدني بن علي، الطرف الأحور في تاريخ مخلاف أحور، مركز الإبداع الثقافي للدراسات وخدمة التراث، عدن، ط1، 2007م، ص107).
[15] الحاوي: ضاحية شرقي تريم سكنها الإمام عبدالله الحداد، كانت منفصلة عن تريم وأدخلت في سورها الأخير سنة 1330هـ. (عبدالرحمن بن عبيدالله السقاف، معجم بلدان حضرموت المسمى إدام القوت في ذكر بلدان حضرموت، دار مكتبة الارشاد، صنعاء، 2002م، ص530).
[16] عبدالله بن علوي الحداد، ولد ليلة الخميس ٥ صفر سنة ١٠٤٤هـ بتريم، وتوفي سنة 1132هـ.
[17] سالم بن أحمد: سالم بن أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن سالم المهاجر بن أحمد بن الحسين ابن الشيخ أبي بكر بن سالم، تولى المنصبة سنة 1177هـ، وتوفي سابع شهر رمضان سنة 1211هـ بعينات. (بستان العجائب، ص76- 89).