ملف العدد
د. عبدالباسط سعيد الغرابي
المرجع : مجلة حضرموت الثقافية .. العدد 14 .. ص 68
رابط العدد 14 : اضغط هنا
توطئة:
للحضارم تراث وتاريخ طويل في تعاملهم مع البحر كبحارة أو ركاب (عبرية) وخاضوا غمار هذا اليم، ووصلوا بسفنهم الشراعية إلى موانئ كثيرة على طول ساحل بحر العرب والمحيط الهندي والخليج العربي، وصولًا إلى سواحل شرق آسيا (الهند وباكستان وسيلان)، على شواطئ أفريقيا إلى تنزانيا وكينيا والصومال وغينيا وغيرها، كما جالوا الخليج العربي ووصلت سفنهم إلى سواحل عمان والإمارات العربية وقطر والبحرين والسعودية والعراق وإيران، وطافوا بموانئ البحر الأحمر ميناء مصوع وعصب، ووصلوا إلى قناة السويس، ومنهم من وصل إلى أوربا إلى جنوة وروما ومرسيليا.
ومما لا شك فيه من خلال أسفارهم وتنقلهم أنهم نقلوا تراثهم الغنائي إلى تلك الأقطار، وقد تأثر عدد من أبناء الخليج والجزيرة العربية بالغناء والتراث الحضرمي وأدوه واشتهروا به.
فالسفن الحضرمية قادها ربابنة ونواخيذ تمتعوا بخبرة وشهرة كبيرة من أبناء الديس الشرقية، والحامي، والشحر، والمكلا، والريدة، وقصيعر، وغيرها من هذه المدن الحضرمية.
وما زالت تلك الموانئ تسجل تاريخهم العريق حيث رأيت بأم عيني في أحد شوارع مدينة جدة مدفعية قديمة يفتخر بها سكان جدة مكتوب على هذه التحفة الأثرية مدفعية (عثر عليها البحارة الحضارم في قاع البحر الأحمر) بالقرب من مدينة جدة.
ومن خلال هذه الورقة سوف نقوم بدراسة حصرية للأغاني والأهازيج البحرية الحضرمية التي يرددها البحارة والصيادون في أثناء عملهم في البحر وأسمارهم، وكذلك متى تردد تلك الأغاني أو الأهازيج بحسب ما جاء في بعض المراجع وما ذكره الرواة.
1- السفن الحضرمية:
قبل أن ندخل في بحثنا لأهازيج البحر وأغانيه في حضرموت، سوف نستعرض أنواع السفن التي استخدمها أجدادنا بحسب أحجامها([1]):
1-1: قوارب الصيد الصغيرة:
وتسمى بالغوادف (مفردها غادفة) أو الهواري (مفردها هوري)، وتستخدم هذه الأنواع من السفن في اصطياد الأسماك، كما تعمل على نقل البضائع من السفينة إلى الميناء أو العكس، ويسمى البحرية الذين يعملون على هذه القوارب بالقويربية.
1-2: سفن الاصطياد الخشبية:
وتسمى بالعباري، وحمولتها أقل من 80 طن، وهي أكبر حجمًا من قوارب الصيد وأصغر حجمًا من السفن الشراعية، تصنع من الخشب، وتستخدم في اصطياد سمك القرش (اللخم)، ويسافر بها ربابينها إلى سقطرى والمهرة وعدن وإلى الصومال.
1-3: السفن الشراعية الصغيرة:
وتسمى بالزعائم (مفردها زعيمة)، تتراوح حمولتها من 80- 200 طن؛ حيث تقوم بنقل البضائع من وإلى الموانئ القريبة في بحر العرب والخليج العربي، أو بنقل البضائع من البواخر أو السفن الشراعية التجارية الكبيرة إلى الساحل في حالة انعدام الرصيف.
1-4: السفن الشراعية التجارية:
وتسمى بـ(السواعي)، سعتها أكثر من 200 طن، والتسمية بحسب الحجم، ولها أسماء مختلفة في دول الخليج، مثل البوم، وفي عُمان تسمى بالبغلة.
2- طاقم السفن الحضرمية([2]):
يختلف الطاقم أو ما يسمى بالجزوة عند الحضارم، بحسب حجم السفينة، ونأخذ نموذجًا عامًا لسفن الشحن الشراعية التجارية، ويتكون من:
1- النوخذة (الربان): وهو المسؤول الأول عن السفينة وطاقمها، وهو الذي يعطي التعليمات والإرشادات.
2- الصرنج (رئيس البحارة) أو نائب النوخذة، وهو يتلقى التعليمات مباشرة من النخوذة ويسندها لطاقم السفينة.
3- الكراني: هو المسؤول الإداري للسفينة، يرتب إدارة السفينة، ويسجل حمولها، ويستلم النولون أو أجرة النقل، ويقوم بالحسابات الخاصة بالسفينة.
3- السكاني أو السكوني: وعددهم 4- 5، يقوم بأعمال السفينة الميكانيكية كتشغيل السفينة، والقبض على دفة السفينة وغيرها.
4- القبضي: العدد من 3- 4 مساعد سكاني وأعماله يشبه عمل السكاني.
5- مقدم قدام: يوجد واحد فقط لكل سفينة عبارة عن بحري يقوم بأعمال مقدمة السفينة والمسؤول عن المرساة والحبال وغيرها.
6- الوكيل: العدد واحد بحار مسؤول عن معدات السفينة وأدواتها وتموينها.
7- البحارة: أو البحرية وعددهم 6- 15 تسند إليهم الأعمال من قبل الصرنج أو النوخذة.
8- الطحان: واحد فقط لكل سفينة يقوم بطحن الحبوب على المراهي أو الرحى.
9- صغير درك: 3- 4 يقوم بالطبخ ومساعدة البحارة في أعمالهم، وعليه إعداد الحطب وقيادة القارب أو الهوري لنقل البحارة من السفينة إلى البر والعكس.
10- صغير شربة: ويسمى أيضًا صغير قرص يقوم بالأعمال الخفيفة كتقديم الماء للبحارة.
11- النجار: واحد فقط يقوم بعمل صيانة السفينة في أثناء الإبحار.
الأهزوجة مأخوذة من (الهَزَج) وهو كما يعرِّفه صاحب (القاموس المحيط) فيقول: »الهَزَجُ، من الأغاني وفيه ترنُّمٌ. وقد هَزِجَ كفَرِحَ: إِذا تَغنَّى«([3]). والهزج فن قديم عرفه العرب منذ الجاهلية ولكنهم أطلقوا عليه مسميات مختلفة. فمن ذلك ما يعرف بترقيص الأطفال، ومنه الرجز الذي كانوا يتناشدونه في الحروب، ومنه الحُداء الذي كانوا يحثون به الإبل على السير. وفي منطقة الخليج والجزيرة العربية تطلق على الهزج مسميات مختلفة، حسب نوعها والغرض الذي تُنشد فيه. فأهازيج البحارة تُعرف بـ(النَّهْمة) بفتح النون وتشديدها وإسكان الهاء، وتعني الطرب البحري، ويسمى المطرب البحري: النَّهَّام والجمع (النَّهَّأمة) بتشديد النون والهاء. وفي اللغة النهام: الأسد بصوته، والناهم الصارخ. بينما في حضرموت تسمى الشلة ويسمى المغني بالشلال، وهناك أهازيج أخرى، مثل التكريم عند الجمّالة، أو حداء الإبل، وشلات البقارة، والفلاحين. ومن الأهازيج الشعبية المعروفة بحضرموت ما يُعرف بـ(الزَّامل) وجمعها (زوامل). وكلمة زامل هي مرادف لكلمة أهزوجة، والزوامل هي الأهازيج. قال الزمخشري([4]): »زملت القوسُ، ولها أزْمَلٌ: صوتٌ. والسقاة يَزْمِلون، ولهم زَمَلٌ وهو الرَّجَز، وتزاملوا: تراجزوا. قال الشاعر:
لن يغلب النازع مادام الزَّمَلْ * فإن أكب صامتًا فقد خمَلْ«.
3-1: الأغاني وأهازيج البحر في حضرموت:
يمكن تقسيمها إلى نوعين:
3-1-1: أغاني البحارة وأهازيجهم:
والمقصود بهم أصحاب السفن الشراعية الكبيرة أو أصحاب السواعي، وقد ذكر الكلدي (2013م) مجموعة الأهازيج التي يرددها البحارة في أثناء عملهم للتسلية والحماس والتخفيف من معاناة العمل، فهي تختلف بحسب العمل فمثلًا:
1- عند رفع الشراع في وقت الصباح، يقال:
يا الله صباح الخير رزقك على الله ياطير
2- عند رفع شراع القلمي([5])، يقال:
موسمنا في البحر نسم ديامينه والقفافي صاحت من زوعة ارياحه
3- عند إنزال الشراع، يقال:
هليوه… هليوه… هليوه
4- عند طي الشراع:
مليوه… يا مليوه… يا اللاه يا مليوه
ويتخللها صفق بالأيدي، ورزح بالأرجل.
5- عند سحب المرسى (الباورة أو البروصي) من قاع البحر:
يا اللاه يا ملي يا سي يا سي
6- عند رفع المرسى (الباورة) من قاع البحر يرددوا:
يا شابش يا ملي شابش
7- عند الشحن والتفريغ:
يا باشا خفيرك نايم
8- عند تنظيف السفينة واستخراج الأوساخ العالقة بجدار السفينة الغاطس في البحر، يقال:
يا ريت الشجر كلهن ليم يا محسن الليمان
9-عند طلاء جدار السفينة بالشحم والنورة:
يا اللا فك الرُمان واحتزم باللاس… فك الرُمان
10- عند سحب السفينة من مكان إلى آخر، يرتجزون:
يا اللا بندوه مطايب الريح بندوه مطايب الريح
11- عند شد حبل الديمان([6]) المرتبط بالشراع، يرددون:
يا اللا ياسي ديمان سي…. يا سي ديمان سي
12- عند نقل الفرم([7]) من الساحل الى السفينة يرتجزون:
يا داخل الجنة سلم على يوسف وقل له بالكلام الزين
13- عند التزويد بالمياه، يقال:
يا اللا من الحالي شل القربة
14- عند التزويد بالحطب، يغنون:
يا محسن وقيدك يا عويد السمر
15- عند رفع عود الدقل (الصاري) وإنزاله، يقال:
يا الله يا مسهل يا مسهل يا الله يا مسهل يا مسهل
16- عند طي أي حبل كبير:
يا اللاه يا سالم يا سالم يا سالم يا سالم
17- عند تثبيت مقدمة شراع اليوش:
يا اللاه يا مزيد زاد مشالي يا مزيد زاد مشالي
18- عند وصولهم أو قربهم من المراسي كميناء عدن والمكلا والقرن أو الحامي أو الشحر وقصيعر والريدة. وخصوصًا عندما تقرع طبول الفرح وتسمع الأصوات الشجية تصدح بهذه الكلمات:
الحمد لله ع السلامة يوم جينا سالمين
ويتم التصفيق والرقص على إيقاع الهاجر والمراويس ويقومون بتأدية رقصة الكاسر التي تشبه رقصة العدة إيقاعيًا إلا أنهم لا يستخدمون العصي والتروس (الدرقات)، وإنما الصفق والرزح بالأرجل على ظهر السفينة.
19- الترحيب بالعودة:
للبحارة الحضارم عودتان لأوطانهم في العام الواحد، الأولى موسم الديماني([8]) يبدأ من أواخر شهر سبتمبر، وهذا الموسم حدثت فيه تكسر سفينة النيوكا (الثعبان)، والتي تسمى بحادثة عبدالكوري وراح ضحيتها عدد من أبناء الديس الشرقية والحامي والمقد.
أما العودة الثانية فتسمى بالموسم فقط، وهي أكثر استحبابًا، تبدأ في أوائل شهر نوفمبر؛ حيث تضرب الطبول في فناء البيوت، وينتقل الأطفال إلى بيوت النواخيذ، هذا بالنسبة للديس الشرقية، أما بالنسبة للمناطق التي على سواحل البحر فينزلون إلى الشاطئ، وتقام هذه الطقوس ويرحبون بالسفن القادمة من أفريقيا والخليج العربي وشرق آسيا إلى الموانئ الحضرمية، وتسمى هذه الطقوس بالتجلوب، وتقام هذه الطقوس ليلًا تردد النساء الأغاني والأهازيج ويتبادلن الشعر، ومن أشعارهن (خصوصًا عند تأخر السفن عن موعد وصولهن للميناء):
يا قريب الفرج فرج على من ضاق حاله
يا قريب الفرج الكل مساهن رجاله
جلبوا واحتروا ودعوا لهم بالسهالة
وكذلك([9]):
فرج يا مفرج …. شرمة يا مفرج
جليب يا مجلب جليب…. يا الله مع الصاري
وكذلك يمكن ذكر أسماء بعض النواخيذ، كقولهن:
نولوا في المراكب وتركوا الخشب
يا هبوب الزيب
طلع معي ود حوري بيني وبينه نسب
يا هبوب الزيب
طلع معي بوحمد ما بظني يغلب
يا هبوب الزيب
3-1-2: أغاني الصيادين وأهازيجهم:
الأهجوزة أو الشلة أو الزامل هي عادة ما تصاحب البحارة، وكذلك الصياد في رحلته البحرية بحثًا عن رزقه، ونذكر من هذه الأغاني والأهازيج:
1- عند التجديف ويعتمد الغناء على إيقاع الصوت الذي يحدثه ارتطام المجاديف بلجة البحر خلال عملية التجديف، فيبدأ الصيادون الأغنية، بقولهم:
يا شيله آه يشيله
قولوا لها وخبروها يشيله حلان في دار بوها
يا شيله آه يشيل
وإذا بغوا يصلح الله يشيله والصلح من الله
ولا عادنا عادنا يا سيدي ما انا خلي لك
ولعادنا عادنا يشيله آه يشيل
واما الطمكري عكض
يشيله
ياهوين قلة رجاله آه يشيلة آه يشيله
وشف رجاله جالسين الله له آه يشيلة آه يشيله
وعادنا عادنا ياسيد ما حد خلي لك
ع المشوى ما حد خلا له يشيله أه يشيله
ثم ينشد أحدهم أبياتًا مسجعة تناسب النغم، مثل:
يا بحر خاف الله لا تاخذ الشبان
يوم كلنا شبان في الخطأ شيبة
يا مسيكين بابوري دوري كذا دوري
****
يا بحر خاف الله لا تاخذ الشبان
خذلك اثنين بحرة والثالث الربان
والرابع الرئيس لي يقبض السكان
يا مسيكين بابوري دوري كذا دوري
***
2- عند توجههم داخل البحر إلى جهة معينة، قد تكون جهة الشرق مثلًا فتغني المجموعة (هيلي لقدوم)، ويردد (الشلال) كلمات وأبيات تكون مناسبة، ثم تليها (هيلي خوارة)، أو (هيلي عالخور لقدوم)، (هيلي لقدوم).
3- عند تعمقهم داخل عرض البحر (غبة البحر)، وبنفس ما جاء في الأغاني السابقة من حيث ترديد المجموعة (الكورس)، والمنشد أو المغني (الشلال).
هيلا سالم يا بو سالم أو (هيلا بانوش)
ربي عطاني خديجة سميتها الحالوية
منبي ومسك عطونا والشام قالوا هدية
ش الفاتحة والتحيات وبغت عمارن بنيات
الله يعين الشويقي من له عمل ما يمله
ومن الهيلا بانوش يرددون الشلة التالية عند انتقالهم من مكان إلى آخر كانتقالهم إلى أماكن وجود الأسماك مراعي السمك الصخرية (القشار):
بدوي وبدوية واعمال بالنية
وبيت علي وبيت غراب كلهم خوه وصحاب
والله لا تقول قائل ما بمدح إلا القبائل
ما بندر القرن خارب من بعد ما كان معمور
جدي سلك غير جدك ذاك لي ما سلك
كلين سالك وبن عوضات ذاك لي ما سلك
الضرب لا تضربونه أما الادب ادبونه
علبوك من طست هندي من دنى شيء يفور
وممكن أن يرددوا بعض الأبيات الأخرى خصوصًا عند التجذيف، مثل([10]):
من قارب الحداد يصبر عالنار والكير لقد رشن
وانت سبب نفسك بنفسك ما حد يبيع العز بالهون
وكذلك:
من قص باسة بايسافر ما هو مساهن بغى لليمن
في ميل بوقصبة كبيرة والعجز والهيراب متقون
3- عند عودتهم إلى البر، فتغني المجموعة (هيلي عالبر)، وبعضهم هكذا([11]):
(هيلي يروينا)، وينشد أو يغني المغني (الشلال) أبياتًا من الشعر الشعبي، مثل قصيدة (لابسات الخلاخل عالبر)، وعند مغادرة البحر تغنى أيضًا أغنية (سوبان)، أو (مسوبان).
4- يتغنى الصيادون بأغنية مخاطبة السمك، وتغنى هذه الأغنية لمخاطبة سمك (الشروي)، وهو من الأسماك المشهورة في حضرموت، ويدعى في الأغنية بكنيته الوصفية (بو شراوي)، وتنشد أبيات كقولهم([12]):
يا شيخ ما لك سنع فينا ذلا الحضارم دلوا فينا
قد بلغوا شفهم وفنون الله يحاسبك يا المجنون
مجنون عليها يا بوشراوي مجنون
****
شا مات ثوبا عا يهدين عا يخرجن الهري ما يحسين
يتخصرين الخصار الحسوس ما شيء كما فقعة القنبوس
قنبوس عليها يا بوشروي قنبوس
****
قالت فطيمون شاؤوشة من حامل الساحل له نقرة
الدخن ما طاع يستأكل بغى طرناك بالبكرة
بكرة عليها يا بوشراوي بكرة
****
قال المعنى با سير وبتعنى
اربع حمامات برحن عا ورق حنه
لا هن خذنا ولا هن ابعدنا
يا أم الحزام الذهب والحجل له أركان
خلي حزامك ما قتلتي عسكر السلطان
سلطان عليها يا بوشراوي سلطان
كما يرددون بعض الأبيات الحكمية، كالآتي:
سعيد هادي يقول الناس سبوني
الله يسب الذي هو با يسب الناس
يتغنى الصيادون عند عودتهم من البحر ومع قيامهم بترميم الشباك وإصلاحها بأغنية خاصة وهي عبارة عن إنشاد قصيدة مطولة تحكي ضياع حوت في البحر والبحث عنه، وبلحن آخر طويل النفس، ولعملية شحن السفن وتفريغها أغنية يغنيها رجال الموانئ يرافقها رقص وتصفيق منسجم، كقولهم([13]):
يا ربنا جمل الحال والحال دوبه مجمل
والحال دوبه مجمل
اعطه القدوم سالم فرج
يا هوين قلت رجاله يا هوين قلت رجاله
اعطه القدوم سالم فرج
ولعاد منهم ثلاثة لي في السفر غائبين
اعطه القدوم سالم فرج
ذا ود من ما عرفته ملقي صبيغة وخنجر
اعطه القدوم سالم فرج
6- عندما يدفعون بالسفن إلى داخل البحر:
هيل لقديم هيل لقديم قال الحميد ود منصور لقديم
7- عند دخول السفينة للخور:
هيل هيل يا الله هيل هيل يا الله
هيل عالخور هيل عا الخور
8- عند تجحيب السفن، ونقلها من البحر إلى البر، يرددون:
يا الله يا الله يا الله يا الله
هول ميل هول يا الله يا الله
9- وكذلك عند الدعيك، أي تنظيف هيكل السفينة من الأوساخ، يرددون هذه الأبيات([14]):
بن عبيكة قريب وجدعان فصوا على الراني
ريتنا داخل الشوكي حاكم وكراني
10- ومنها ما يردد في مواضع عدة كتنظيف القوارب، أو عند وضع الشباك ورفعها، مثل:
قال الحميد ود منصور يا ماطري عند كناني
امنت من حيث خوفي وهتشت من حيث ماني
وسمعتها حين قالت البحر يرخي البناتي
البحر يرخي الغناديل لي ريقهن كالنباتي
3-2:الغناء والسمر:
كما ذكرنا سابقًا بأن طاقم السفينة يكون من بينهم مطرب السفينة أو الشلال أو النهام([15])، وقد عمل العديد من المطربين والفنانين المشهورين كمطربين على ظهور السفن، مثل: الفنان محمد جمعة خان، ومحمد سعد عبدالله وغيرهم الكثير.. فهؤلاء المطربون يقومون بالغناء مصاحبة لآلة العود والإيقاعات، ويغنون الكثير من الأغاني، ولعل منها (يشوقني برق)، (على ضوء ذا الكوكب الساري)، (يا نسيم السحر). وخصوصًا عند أسمارهم أو عند رسو السفن في الموانئ تلتصق السفن الراسية مع بعضها البعض ويتم فيها السمر ويشارك فيه مطاربة عدة، ممكن أن يكونوا من أقطار عدة، فمنهم اليمني أو الحضرمي والكويتي والعماني والبحريني وغيرهم من أمثال عوض الدوخي، ومحمد جمعة خان، وسعيد يمين، وممكن أن يستضيفوا من المطاربة الموجودين من خارج السفينة كعبدالله حاج بن طرش، أو سعيد عبدالمعين([16]).
وهذا ما حدث في بداية السبعينيات من القرن الماضي عندما كانت إحدى السفن التابعة لمؤسسة النقل البحري لليمن الديمقراطي رست بميناء الحديدة، وكان من ضمن طاقم السفينة الشاعر والملحن والفنان سعيد يمين عبدالله، وكان هناك في الحديدة الفنان أحمد فتحي يعمل عند آل بازرعة في بداية حياته الفنية، فقد عملوا سمرة حضرها أحمد فتحي وغنَّى فيها مشاركًا لسعيد يمين، وقد غنى سعيد يمين(الهوى نار، جميلي زرعته)، أما أحمد فتحي غنى بعض الأغاني الصنعانية مثل (وا مغرد).
كما يمكن إقامة مساجلة شعرية على متن السفينة إذا وجد الشاعر وخصوصًا على دان الحفة أو صوت جبوتي، فالشاعر عوض علي اليزيدي الشهير بـ(ابن الطلي) ناخوذة والكثير من الشعراء يمتهنون مهنة البحر، وعلوي عبدالله، وعوض سبيتي، ويقال بأن المحضار (طلع البحر وسافر ضمن الجزوة إلى البصرة)، وكذلك سعيد طيور، وسعيد باجعالة وغيرهم كثير.
من مساجلات البحر يذكر الوالد (عوض أحمد بايعشوت)([17]) بأنه عند دخولهم إلى ميناء الشحر مع إشراقة الصباح كانت مساجلة على متن السفينة. وكان من ضمن الشعراء عوض سلم السباعي، وكان الغناء على دان صوت جبوتي، وقد ذكر الغرابي (2018م) بأنه أحد أصوات الدان الحضرمية التي يتغني بها ويتساجل عليها الشعراء على متن السفن في أثناء أسمارهم أو عند رسوهم، وهذا النوع من الغناء يمكن ممارسته برًا وبحرًا، وقد تميز به أهالي الديس الشرقية دون غيرهم من مديريات محافظة حضرموت، وهذه بعض الأبيات التي قالها الشاعر عوض سلم:
يا أهل الرواشين يهناكم محلة سعاد
الأمر له والمراد
يا ارم ذات العماد
****
لي شيدوها مسوا في ضيقات اللحاد
أهل الطغا والفساد
اقوام شداد بن عاد
****
وهناك العديد من الأبيات المغناه التي يرددها أهل البحر، مثل قول الشاعر النوخذة علوي عبدالله المقدي بيت([18]):
سهل يا مسهل طال ميح السفر قد لي خمستعشر خوض غبة قمر
بالوسطي وسائر ما بغى يستخر والمروة مخاطب الحناني وحاسك ونوس
كما يقول عبدالله عمر سواد:
من مد هيراب ووشر سفينة لا زم أنه بغى ما خسر
للبحر سبعة مكاسر لازما بانوديك يا فلك مشحون
فأجابه عوض بن سبيتي:
ياعارفين السفر والمجاري حافظوا عا نجوم السفر
لوصلت فوق الحناير ردوا الصنف بين السوابع وميون
يا نوخذة في السفر لا تكابر لا تعدلت بين الجزر
وبغيت ربان ماهر يحفظ الفلك للفلك بالمال مشحون
سعيد بامطرف (بن طيور):
لا جيت بين فرتك وساير يضعف الريح ما يمخر
ما يعيش بحر ماخر يبغي أهل الدرك عالقباضة يقبضون
ثم أجابه عبدالله محمد بن سلم:
راسي رسى في المراسي وشامر ما قصد حال غير الخبر
شاور إذا با تشاور سلم الله وعدى سوق سمعون
كما يقول سواد مخاطبًا حسين المحضار:
جحبت ساعية بلسد يوم ماحصلوا نوخذة
يعرف البحر عرضه وطوله يوم للبحر حوسات وشمال
فأجابه المحضار:
سلم الله من راح رد جحب البنط والقالدة
ولعاد تسأل عا حموله حموله برابر وجزوته صومال
وكذلك:
رسي البوم رسي وهلب شراعه وقبل المخاطر تجي لك والجزر
قبل طوفان قبل المكاسر وخلي الذي هم با يلومون
3-2: الغناء مع رقصة الدربوكة:
من الرقصات المشهورة عند البحارة والصيادين في المكلا والشحر والديس والحامي، (الدربوكة)، وهي في الأصل منقولة من البصرة، ويصاحبها إيقاعات مفردة مصنوعة من الخزف أو الطين، وتستورد من البصرة، وتصاحب الغناء آلة وترية تسمى (السمسمية)، فلها نوعين من الغناء موال يغني المطرب أو الشلال، وغناء جماعي، ومن المواويل المشهورة:
أصل الزبيب من عنب
والتمر من نيلة
يا خل بلد بعيد يا من يوديني
احلف برب السماء
يا اللي هواك مذهبي ومحبتك ديني
وعند انتهاء تمويل يدخل المغني في إحدى الأغاني المتعلقة بالبحر، والتي تتناسب مع إيقاع الدربوكة، مثلًا([19]).
نوخذة لعزمت بتسافر ودني البصرة
بالدقل والحبل ربطونا
علقونا فوق علقونا فوق ورمونا علقونا فوق
أو أغنية سيدة الغناء العربي أم كلثوم:
على بلد المحبوب وديني زاد وجدي والبعد كاويه
الخلاصة:
للحضارم تاريخ عريق في قيادة السفن، وقد وصلوا بسفنهم إلى عدد من الموانئ في الجزيرة والخليج العربي، ووصلوا إلى أفريقيا، وشرق آسيا.
ومن خلال امتهانهم مهنة البحر، فقد رددوا العديد من الأهازج والأغاني البحرية من خلال تأديتهم للأعمال البحرية، سواء كان على متن السفن التجارية أو سفن الصيد (العباري)، أو قوارب الصيد الصغيرة.
من هذه الأهازيج عند سحب المرسى (الباورة أو البروصي) من قاع البحر:
إلى يا ملي ياسي يا سي
وكذلك عند رفع المرسى (الباورة) من قاع البحر يرددون:
يا شابش يا ملي شابش
[1]– الموانئ وصناعة السفن الحضرمية، حضارم حول العالم.
[2]– السفينة قبل المكينة، محمد قاسم الكلدي، (2013م).
[3]– القاموس المحيط، مجد الدين الفيروز آبادي.
[4]– الموسوعة الحرة.
[5] -هو أحد الأشرع التي تستخدم عند سير السفينة لزيادة سرعتها.
[6]– الديمان الحبل الذي يشد الشراع من أسفل.
[7]– الرمل أو الحجارة ليعطي توازنًا للسفينة عند رفع الشراع في حالة عدم وجود شحن.
[8]– مقال للدكتور عبدالباسط الغرابي، صحيفة (الأيام) العدنية، 15 مايو 2009م.
[9]– اتصال خاص مع عبداللطيف حوري.
[10]– اتصال خاص مع علي باعامر.
[11]– الأواصر الغنائية بين اليمن والخليج، خالد القاسمي.
[12]– اتصال شخصي مع عبدالله صالح باحنبص.
[13]– اتصال شخصي مع عمر محضار مول الدويلة، ومبارك باحنبص.
[14]– اتصال شخصي مع الوالد علي صالح الكلدي.
[15]– يسمى عند أهل الخليج بالنهام.
[16]– اتصال شخصي مع محمد الكلدي.
[17]– دان جبوتي وخصوصيته البحرية، د. عبدالباسط سعيد الغرابي، (2018م).
-[18] اتصال خاص مع الوالد سعيد بن البريك الغرابي.
[19] – هذا البيت وظفه الفنان جعفر حسن وطوعه موسيقيًا، وكتب عليه بقية الأبيات وأسماه من التراث الشحر والبصراوي.